ارشيف من : 2005-2008

آية الله فضل الله: حذر من مخطط يستهدف الوجود الإسلامي في أوروبا

آية الله فضل الله: حذر من مخطط يستهدف الوجود الإسلامي في أوروبا

أبدى سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله في ندوته الأسبوعة خشيته من "وجود مؤامرة ضد المسلمين في الغرب تعمل على تهجيرهم تحت عنوان ملتبس وغير محدد المعالم، بزعم عدم اندماجهم في المجتمعات الغربية"، متسائلا عن السبب في عدم وجود ملاحظات حول مسألة عدم اندماج اليهود داخل هذه المجتمعات".‏

وحذر سماحته من "وجود مخطط يستهدف الوجود الإسلامي في أوروبا بحجة أنهم يشكلون خطرا واهما على أوروبا"، مؤكدا "أننا نربأ بالمؤسسات والدوائر الغربية أن تتحرك على أسس عصبية".‏

ورداً على سؤال عما: "إذا كان الغرب صادقا في دعواه للاندماج، فلماذا لا يعطي المسلمين حرياتهم الدينية بما يمكنهم من ممارسة شعائرهم بحرية تامة؟".‏

فأجاب: "الهجرة تمثل ظاهرة إنسانية ترتبط بعوامل عديدة، منها ما له علاقة بالجانب الاقتصادي والمعيشي، حيث انطلقت هجرات المجموعات البشرية المتعددة عبر التاريخ، طلبا للماء والكلأ وسعيا لاختيار الموقع الجغرافي الذي يساعد في تحقيق ذلك، ولا يزال هذا العامل يقف وراء هجرات الكثير من أبناء الشعوب الفقيرة والمستضعفة. وهناك العامل السياسي والأمني الذي يضطر الكثيرين إلى ترك أوطانهم مكرهين واللجوء إلى بلاد أخرى توفر لهم الأمن والحماية، وقد قال علي عليه السلام: "ليس بلد أولى بك من بلد، خير البلاد ما حملك". والإسلام من حيث المبدأ، لا يرفض فكرة الهجرة بالمطلق ولا يشجع عليها بالمطلق، وإنما المسألة تتحرك في إطار المصلحة العامة للانسان، فقد تكون الهجرة محرمة عندما تشكل هروبا من مواقع الصراع والجهاد في سبيل الله، والتشبث بالأرض التي يراد استلابها. وقد تكون الهجرة مطلوبة وواجبة عندما لا يتمكن الإنسان من إقامة شعائر الله في بلده، وعندما تحول السلطة أو الظروف العامة بينه وبين القيام بمسؤولياته وواجباته الدينية والسياسية والفكرية وممارسة معتقداته، الأمر الذي يهدد شخصيته بالمسخ والاستلاب.‏

وتابع سماحته:"في الواقع، إن مثل هذه الظروف القاسية هي التي دفعت بالمسلمين إلى أن يهاجروا من مكة المكرمة، حيث حاصرتهم قريش وضيقت عليهم السبل ومنعتهم من القيام بمسؤولياتهم الأساسية وشعائرهم، فانطلقوا إلى المدينة المنورة في تلك الهجرة الميمونة المليئة بالبركات، حيث انفتحت أمامهم الافاق وانطلقوا بالدعوة في كل المجالات إلى أن تمكنوا في نهاية المطاف من العودة إلى مكة التي بقيت حاضرة في ضميرهم، حيث كان الشوق يشدهم إليها، باعتبار أنها موطنهم الأصلي ومسقطهم، ومقتضى الوفاء ألا ينسى الإنسان بلاده التي ترعرع فيها.‏

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لولا إخراج أهل مكة له قسرا لما تركها وابتعد عنها. ولعل هذا ما يجعلنا نشدد على المهاجرين من بلدانهم إلى المواقع الأخرى ألا ينسوا أوطانهم الأم التي حملتهم ذات يوم وترعرعوا فيها، حيث أن هذا الأمر ينسجم مع الفطرة البشرية التي أكدتها التعاليم الإسلامية في هذا المجال.‏

وقد قال علي سلام الله عليه:"من كرم المرء بكاه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه، وحفظه قديم أخوانه".‏

وأضاف آية الله فضل الله: "إننا نؤكد هذا الأمر، وخصوصا في الوقت الذي تعمل الكثير من الدوائر في بلاد الغرب على سرقة العقول العربية والإسلامية ودعوتها إلى الهجرة من بلدانها، ومن ثم السعي إلى إقفال أبواب ومنافذ العودة أمامها، من خلال الإغراءات العديدة وتوفير الإمكانات المادية الكبيرة لها. وقد ساهم ذلك في ظل قمع الأنظمة في بلادنا وتخلفها وعدم قيامها بمسوؤلياتها إزاء هذه الثروات الكبرى في إنماء الكثير من الدول الغربية التي باتت في مصاف الدول الكبرى على المستوى العلمي والتكنولوجي من خلال عوامل عديدة من بينها وجود هذه الأدمغة، بينما انعكس الأمر تخلفا وتراجعا في بلداننا التي هي أحوج ما تكون إلى احتضان هذه العقول وإيجاد بيئة سياسية وعلمية سليمة لها لتبدع في كل هذه المجالات. إن على المهاجر المسلم، وبالتحديد إلى البلاد الغربية، ألا ينقطع عن جذوره التاريخية والفكرية والحضارية وأن يحذر من التغرب واستلاب الهوية، ولا سيما أننا أمام محاولات حثيثة تعمل على تذويب شخصية المسلم وانتزاعه من قيمه ونمط حياته والتزاماته الإسلامية، وهو الأمر الذي تشدد فيه الإسلام في ما يعرف بمسألة التعرب بعد الهجرة. وإن هذا لا يعني على الإطلاق أننا ضد اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية، بل لطالما وجهنا المسلمين ودعوناهم إلى الانفتاح على مواطنيهم في الدول الغربية وأن يكونوا مواطنين صالحين مخلصين لبلدانهم وشعوبها وأن يتحركوا في الجوانب الإنمائية والسياسية، بما يرفع من مستوى هذه البلدان، من دون أن يؤثر ذلك على عقائدهم وممارساتهم الدينية، لكننا ويا للأسف نشهد في هذه الأيام ملامح مؤامرة ضد المسلمين في الغرب تعمل على تهجيرهم تحت عنوان ملتبس وغير محدد المعالم يتلخص في عدم قابلية المهاجر للاندماج في المجتمعات الغربية، بحيث يتم التركيز على المسلمين في هذا الجانب، بما يجعلنا نتساءل عن الخلفيات الحقيقية الكامنة وراء ذلك، وخصوصا أننا بدأنا نسمع أصواتا غربية تتحدث عن المسلمين في أوروبا بأنهم يشكلون خطرا على المجتمعات الأوروبية، وأنهم الأكثر ابتعادا من حيث الاندماج، بما يشبه الحديث الإسرائيلي الذي سمعناه قبل بضعة شهور من أن المسلمين سيشكلون خطرا داهما على أوروبا، وتصويرهم بالخطر البشري والديموغرافي الذي قد يغير الخريطة السكانية لدول الاتحاد الأوروبي".‏

وقال آية الله فضل الله: "إننا نربأ بالمؤسسات والدوائر السياسية الغربية أن تتحرك على أسس عصبية لا تمت إلى الموضوعية بصلة. وإننا في المناسبة نتساءل: إذا كانت مشكلة المهاجرين إلى الغرب في عمقها وفي أبرز وجوهها هي مشكلة ذات طابع اقتصادي وإنساني، فلماذا تعمل هذه المؤسسات على تسييسها بما يتضمن محاصرة المسلمين وتوجيه أصابع الاتهام إليهم في شكل خاص، على أنهم الفئة غير القابلة للاندماج، في الوقت الذي لا نجد أي ملاحظات غربية ذات قيمة في مسألة عدم اندماج اليهود داخل هذه المجتمعات، وهم الفئة التي غالبا ما تعمل لدمج هذه المجتمعات ضمن ثقافتها وأهدافها وحركتها وليس العكس؟. إننا لا ننكر وجود جماعة أو فئة قليلة ممن ينتسبون إلى الإسلام تقوم ببعض أعمال العنف وبتصرفات لا تنسجم مع تعاليم الإسلام، وقد تشكل عائقا حقيقيا في مسألة الاندماج، لكن هذه الفئة هي خطر على المسلمين كما على غيرهم، وهي تستحل دماء المسلمين كما تستحل دماء غيرهم. ولذلك فإن المسألة هي في تضافر جهود الجميع لمحاصرة هؤلاء، لا في الامتداد في حركة الخطيئة السياسية التي تضع المسلمين جميعا، وخصوصا المهاجرين إلى الغرب، في موضع الاتهام ليكونوا ضحايا النتائج السلبية التي تترتب على أعمال تلك الفئة القليلة جدا والتي يتم تصويرها بشكل مضخم دائما.‏

ثم إننا نسأل: هل الغرب صادق في دعواه إلى الاندماج؟ وإذا كان كذلك، فلماذا لا يعطي المسلمين حرياتهم الدينية بما يمكنهم من ممارسة شعائرهم بحرية تامة دون أن يضيق عليهم كما حصل في مسألة الحجاب وغيرها؟ لأننا نزعم أن هذا التضييق على المسلمين في البلدان الغربية سوف يكون عائقا أساسيا أمام اندماج المسلم الذي يشعر بأنه مهدد في انتمائه وعقيدته والتزاماته، وخصوصا أن ثمة شروطا جديدة للاندماج فيما هي القيم الثقافية لا تزال مثار جدل بين الأوروبيين أنفسهم".‏

وختم آية الله فضل الله: "إن قمة الستة التي عقدت بين وزراء داخلية الدول الأوروبية أكدت أن الهجرة غير الشرعية هي أحد أشكال الجريمة المنظمة، ونحن نثير السؤال أمام هذه القمة وأمام دول الاتحاد الأوروبي كلها: إذا كانت الهجرة غير الشرعية هي أحد أشكال الجريمة المنظمة، فكيف تنظرون إلى الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، والتي حصلت ولا تزال تتوالى برعاية الكثير من دولكم، والتي كان من نتائجها طرد شعب من أرضه لمصلحة مهاجرين غير شرعيين؟ ثم إذا كان ما بني على باطل هو باطل، فلماذا تتعاملون مع إسرائيل على أساس أنها الحقيقة الثابتة التي لا تقبل الجدل وتتناسون قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار 194 الذي يضمن حق العودة للفلسطينيين، لا بل تعملون لقطع كل سبل المساعدات عن الفلسطينيين، كما فعلتم قبل أيام؟. إننا نشهد نفاقا أوروبيا في كثير من الدوائر. هناك يلتقي بالنفاق الأميركي ضد شعوبنا، وخصوصا الشعب الفلسطيني ومحاولات حثيثة للنيل من الوجود الإسلامي الشرعي في أوروبا، ولذلك فإننا ندعو المسلمين والعرب جميعا إلى أن يصحوا من كبوتهم ومن الاستغراق في الخطاب المذهبي، إلى فضاء القضية الكبرى، لأننا مستهدفون في قضايانا وفي تطورنا الصناعي والتكنولوجي وفي وجودنا السياسي والإنساني".‏

2006-10-28