ارشيف من : 2005-2008

المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق افتتح اعمال مؤتمر "المأزق الاقتصادي ـ الاجتماعي في لبنان"

المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق افتتح اعمال مؤتمر "المأزق الاقتصادي ـ الاجتماعي في لبنان"

فتتح المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق اليوم اعمال مؤتمره "المأزق الاقتصادي ـ الاجتماعي في لبنان والسياسات البديلة" في فندق السفير في بيروت بحضور فاعليات سياسية واقتصادية واجتماعية ومهتمين.‏

د.فياض‏

في البداية كانت كلمة لرئيس المركز الدكتور علي فياض عرض فيها لتجربة الحكومات اللبنانية في الإصلاح الاقتصادي مشيراً إلى أنها وضعت الكثير من الخطط والبرامج المختلفة التي لم يكتب لأكثريتها النجاح، وأن أياً منها لم يكن قادراً على تشكيل رؤية متكاملة للخروج من الأزمة أو الفوز بموافقة غالبية الأطراف وأن الحكومة وضعت خلال العام 2005 وحده ما لا يقل عن أربعة مشاريع إصلاحية لا رابط منهجياً بينها ".‏

وأضاف :"المشكلة باعتقادنا ليست ندرة الخطط والبرامج التي أصبح البلد متخماً بها بقدر ما هي في غياب السلطة الحيادية تجاه لعبة المصالح المحلية، السلطة القادرة ليس على بلورة رؤية تنموية شفافة تحظى بالحد الأدنى من الإجماع الوطني وحسب وإنما على تنفيذ سياسات هيكلية متكاملة تحفظ التوازن والاجتماعي والمالي على السواء قطاعياً ومناطقياً أيضاً، وكذلك حماية الحد الأدنى من مصالح قطاعاتها ورفاهية مجتمعها أمام المنافسة الإغراقية القادمة من الشرق والغرب ".‏

وأشار الدكتور فياض إلى أن أخطر ما يثيره البرنامج "التصحيحي" أنه يرى في الدعم الخارجي جزءاً أساسياً وشرطا لازماً لنجاح جهود الإصلاح، والجموح نحو الاستدانة الخارجية دون تقدير لعواقب الوقوع إلى غير رجعة في مصيدة الديون الخارجية.‏

ولفت إلى الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي جرت فيها مناقشة الورقة الإصلاحية حيث سجل العديد من الوزراء ملاحظات مهمة وهي مفيدة وقد تفيد في كبح جموح الحكومة نحو الاستدانة، وطالب بإخراج الورقة الإصلاحية من التجاذبات السياسية وإتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة المشكلات".‏

وحدد الدكتور فياض أهداف المؤتمر بتعزيز المشاركة في النقاش الوطني حول الطروحات الإصلاحية الأسلم والأفضل لبلورة نموذج تنموي إقتصادي واجتماعي بديل ذات مرتكزات محددة وشفافة تلبي طموحات أوسع شريحة ممكنة في مجتمعنا وقد يكون أبرزها ما يلي :‏

أولاً: إعادة ترسيم حدود المصالح بين القطاعين العام والخاص، بما يحفظ للدولة دورها كونها الأقدر على تعبئة الطاقات والموارد الوطنية وتوجيهها لما فيه المصلحة العامة ويضمن في الوقت نفسه للقطاع الخاص تأدية دوره بأكبر قدر من التنافسية والشفافية.‏

ثانياً: التوزيع العادل ليس لعائدات النمو والثروة فحسب، وإنما أيضاً لأعباء التصحيح ضماناً للإستقرار الاجتماعي الإقتصادي وغني عن القول أن هذا لا يتم سوى عبر نظام ضريبي عادل.‏

ثالثاً: توفير فرص العمل من خلال نمو اقتصادي مستدام على قاعدة الإنماء المتوازن لمختلف القطاعات الاقتصادية والمناطق بعيداً عن اعتبارات الريع والربح السريع.‏

رابعاً: الاندماج بالمحيط العربي والانفتاح الهادف على الاقتصاد العالمي وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الدول النامية.‏

خامساً :توفير الحوافز والمقومات التي تسمح للإقتصاد اللبناني بتحسين موقعه التنافسي إقليمياً ودولياً.‏

سادساً: تصحيح التشوهات والخلل الذي تعاني منه الأسواق عموماً في لبنان بما يضمن مصلحة المنتجين والمستهلكين على السواء ويوفر للإقتصاد المرونة الكافية، وهذا يحتم العمل على ربط الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي بتوازنات الاقتصاد الحقيقي وليس بسياسات مفتعلة ومشوهة في آن لإي أغراض حصرية .‏

سابعاً: وضع حد للتدهور المريع الذي تشهده البيئة حالياً، والحفاظ على الموارد الطبيعية البرية والبحرية والنهرية .‏

الرئيس الحص‏

ثم القى الرئيس الدكتور سليم الحص فاعتبر "أن المشهد العام في لبنان يوحي بالإنهيار الوشيك، حتى لا نقول المحتم ، وإنما مع وقف التنفيذ: عصبيات مذهبية وطائفية محتدمة، إنقسامات سياسية حادة، بطالة مستشرية في صفوف اليد العاملة في ظل ركود إقتصادي شامل ، وأزمة مديونية عامة مستعصية، وفساد مستفحل في الإدارة والمجتمع، واعتداءات إسرائيلية مستمرة جوا وبحرا وأحيانا برا مع استمرار بقعة من أرض لبنان تحت الإحتلال ووجود أسرى لبنانيين في المعتقلات الإسرائيلية. هذه المعطيات كان يمكن أن تفضي في بلد آخر إلى انهيار عام. ولكن الإنهيار في لبنان لم يقع لجملة أسباب أهمها إرتفاع هائل في أسعار النفط في العالم، وظاهرة الإغتراب اللبناني بين الشباب، والمال السياسي من خصوصيات الحياة العامة غير المشرفة في لبنان .‏

وأشار الرئيس الحص إلى أن هذا الدفق من الأموال السلبي منها والإيجابي ، أسهم في الحؤول دون انهيار الإقتصاد، والمجتمع اللبناني ، كما أسهم في استيلاد المؤشرات الرقمية الإيجابية التي سلفت الإشارة إليها. وقولنا إننا في حال من الإنهيار مع وقف التنفيذ يعني بالضرورة أن لبنان في حاجة ماسة إلى الإصلاح الجذري . وأنا من المؤمنين بأن الإصلاح على المستوى المطلوب إنما يتلازم ومسلمات ثلاث على الأقل: أولا: أن يكون الإصلاح شاملا أو لا يكون .‏

ثانيا: إن الإصلاح يفترض وجود صالحين مصلحين .‏

ثالثا: إن الإصلاح السياسي هو المدخل الطبيعي لا بل الضروري للإصلاح الشامل .‏

وجزم الرئيس الحص بإن الإصلاح يكون شاملا أو لا يكون نظرا إلى أن التجارب أظهرت أن من العبث محاولة إقامة جزر إصلاحية في الدولة . فلا جدوى من إصلاح مالي ، مثلا ، إن لم يترافق مع إصلاح إقتصادي عام ، ومع إصلاح إداري يتناول هيكلية الدولة ونظامها الإداري ، ومع إصلاح بنيوي يتناول شتى المرافق العامة في تكوينها وفي طبيعة الخدمات التي تقدمها وحجمها ونوعيتها، ومع إصلاح إجتماعي يحفظ مقومات الإستقرار في المجتمع ، وبالتالي إصلاح تربوي وثقافي وخلافه .‏

وأوضح "أن المأزق المالي في لبنان يتمحور حول أزمة الدين العام ، ويتجلى أكثر ما يتجلى في السؤال الذي يبدو في ظاهره مشروعا : كيف سيتمكن هذا البلد الصغير من تسديد ما يتوجب عليه من دين عام بلغ حدود الأربعين مليار دولار أميركي ؟ هذا التساؤل مشروع بقدر ما هو مردود، إنه مردود بمعنى أن من غير المفروض أن يسدد لبنان كل ما يترتب عليه من دين عام. قد لا يكون في الدنيا دولة، ربما باستثناء قلة من الدول النفطية ذات الفائض المالي المزمن، هي براء كليا من الدين العام" .‏

وسأل لماذا يكون على لبنان أن يفكر في تسديد المتوجب عليه بحيث يكون ربما الدولة الوحيدة في العالم غير المثقلة بدين عام ؟ المسألة هي إذن في إدارة الدين العام وليس في إطفائه. هذا لا يعني أن لبنان لا يواجه مشكلة، لا بل ومشكلة جسيمة ، في مديونيته العامة . ولكن المشكلة ليست في وجود الدين العام ولا حتى في حجمه المقلق بل في عبئه. أما عبء الدين العام فيتمثل تعريفا بنسبة مجموع الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي. في بلدان الإتحاد الأوروبي تتراوح هذه النسبة بين 40 و 50 و 60 و 70 في المئة ، ومشكلة أوروبا الأولى هي في إيطاليا ، حيث تجاوز عبء الدين العام معدل 160 في المئة . أما في لبنان فعبء الدين العام تعدى المائتين في المئة، وهو من الأرقام القياسية في العالم . وهذا العبء هو في حال ازدياد مطرد ما دامت الموازنة السنوية تسجل عجزا فادحا. هكذا تتحدد مشكلة لبنان المالية ، لا بل مأزقه المالي".‏

وقال "إن لبنان أضحى أسير ما يسمى " مصيدة المديونية " (Debt Trap) : ضخامة الدين العام تستتبع فاتورة سنوية مرتفعة من الفوائد، أي خدمة الدين العام . والفوائد هي المصدر الرئيس لاستمرار عجز الخزينة السنوي، وهذا العجز هو مصدر استمرار الدين العام في الإزدياد سنة فسنة . هكذا أضحت مالية لبنان أسيرة دوامة لا فكاك منها. إذا حددنا المشكلة بعبء الدين العام، فإن الحل يكون ببرنامج عمل يفضي إلى التخفيف من هذا العبء سنويا، أي خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي. ويكون ذلك بطبيعة الحال ليس فقط بتقليص حجم الدين العام بل أيضا بتسريع معدل نمو الناتج المحلي أو الدخل القومي، أما نمو الناتج المحلي فلا يتحقق إلا في ظل استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي يساعد على تنشيط حركة الاستثمار العام والخاص في البلاد في شتى القطاعات، وتنشيط حركة الاستثمار لا يبلغ مداه إلا في ظل إدارة عامة صالحة وفاعلة، وكذلك في ظل قضاء عادل وفعال يحفظ الحقوق".‏

ورأى أن" المدخل الضروري والطبيعي إلى الإصلاح الشامل هو الإصلاح السياسي، فهو الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل(...). فالتجديد السياسي يقتضي إحداث تغيير في البنية السياسية ومن ثم في الطبقة الحاكمة . وهذا لا يكون إلا عبر انتخابات نيابية تجرى بناء على قانون إصلاحي فاعل. وهكذا ، لئن كان الإصلاح السياسي هو المدخل الطبيعي للإصلاح الشامل ، فإن النظام الإنتخابي هو مفتاح كل إصلاح . وأكد أن "المطلوب في الإصلاح الإقتصادي كثير ومتشعب، ولكن المردود سيبقى محدودا في مداه وعمقه ما لم يدمج في إطار عمل منهجي يرمي إلى التوصل إلى اتحاد عربي على شاكلة الإتحاد الأوروبي . فالإتحاد الأوروبي كان هو المشروع الإصلاحي التنموي الأهم في العالم خلال القرن العشرين. فهو يشكل اليوم إحدى أعظم القوى الإقتصادية، ومن ثم السياسية ، في العالم . وما كان لأي من دول الإتحاد شأن اليوم لولا انضوائها جميعا تحت لواء الإتحاد الأوروبي ، الذي بدأ سوقا مشتركة وتطور إلى منطقة تجارة حرة ثم تدريجا إلى اتحاد إقتصادي ذي أبعاد سياسية متنامية. ونحن العرب أولى بالإتحاد من أوروبا". أضاف "نسمع ببرامج تنموية في شتى الأقطار العربية، ومنها لبنان . هذه البرامج ضرورية ، ويجب أن تتابع بأقصى الإمكانات المتاحة. ولكن آفاق التنمية في لبنان ، كما في كل قطر عربي، تبقى محدودة بفعل ضيق السوق المحلية للمنتجات. فالإتحاد العربي هو السبيل إلى التنمية اللا محدودة، وهو السبيل لأن يكون للعرب مكان لائق تحت شمس العولمة الزاحفة في منافسة قوى اقتصادية وسياسية كبرى من مثل الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي وروسيا واليابان والصين وقوى صاعدة مثل الهند والباكستان وإيران .‏

وتطرق إلى الورقة الإصلاحية فرأى أنها تنص على عدد من الإجراءات الهادفة إلى تصحيح مالية الدولة وبخاصة عبر زيادة رسوم وضرائب قائمة واستحداث الجديد منها . وهذا ينذر بإيقاع البلاد في مصيدة إجتماعية، إذ تتسبب بأعباء جديدة على شعب يرزح تحت وطأة أزمة إقتصادية إجتماعية يتطلع إلى مخرج سريع منها . والورقة تتبنى مبدأ الخصخصة ، والخصخصة لا يجوز أن تكون عشوائية أو شاملة من دون تمييز ، فكل حالة ينبغي أن يتم تقويمها في ضوء مصالح لبنان المالية والإقتصادية والإجتماعية، مع العلم أن موضوع الخصخصة يواجه إشكالية في غاية الدقة ، تتجلى في واقــع أن المرافق العامة التي يراد خصخصتها هي إما أن تكون مجزية أو خاسرة، أي أنها إما أن تكون في حال تسجل فيها أرباحا أو تكون في حال تسجل فيها خسائر سنوية. فإذا كان المرفق مجزيا، يسجل أرباحا للدولة ، فلماذا يعرض على الخصخصة ؟ وإذا كان عاجزا ، يسجل خسائر، فلن يكون هناك من يرغب في اقتنائه وبالتالي لن يكون قابلا الخصخصة . قطاع الخلوي مثلا يعود على الخزينة العامة بمئات الملايين من الدولارات أرباحا سنوية، فلماذا يرشح للخصخصة؟ ومؤسسة كهرباء لبنان ، في المقابل ، تسجل خسائر فادحة سنويا ، تبلغ مئات الملايين من الدولارات، فكيف يمكن بيعها ومن الذي سيشتريها ؟ ثم إن برنامج الخصخصة ينبغي أن يميز بين احتمالين : احتمال خصخصة الملكية واحتمال خصخصة الإدارة . وفي أكثر الحالات تبدو خصخصة الإدارة هي الأجدى والأضمن . ثم أن مقولة إن الخصخصة هي السبيل إلى إطفاء الدين العام إنما تغفل حقيقة مهمة، هي أن خصخصة المرافق المجزية تفقد الخزينة عائدات سنوية يجب أن تقارن بخدمة الدين المسدد من حصيلة الصفقة، وقد تكون النتيجة إيجابية أو سلبية على مالية الدولة . موجز القول إننا لا نرى ما يراه دعاة الرأسمالية المتوحشة بضرورة سلوك طريق الخصخصة عشوائيا أو على وجه شامل".‏

وعقد في اطار المؤتمر ثلاث جلسات:الاولى برئاسة النائب الدكتور فريد الخازن حول "الازمة الاقتصادية في لبنان, مسؤولية من؟" وحاضر فيها الوزير السابق الدكتور الياس سابا فيما عقب عليها محمد زبيب, وحاضر .نائب رئيس المركز الإستشاري للدراسات د.عبد الحليم فضل الله عن "السياستين المالية والنقدية وانعكاساتها على التنمية", وعقب عليها د.جورج صغبيني.‏

وتراس الجلسة الثانية حول "الدولة التنموية وتجديد النظام الاقتصادي اللبناني, مقاربة جديدة" الوزير السابق الدكتور جورج قرم وحاضر فيها الدكتور البير داغر وعق عليها د.كامل وزنة. كما حاضر الدكتور نجيب عيسى حول "التنمية واحتياجاتها على ضوء الازمة وتشوهات النمو" وعقب الدكتور غسان ديبا.‏

الجلسة الثالثة ترأسها وزير العمل د. طراد حمادة وكانت تحت عنوان "لبنان وفخ المديونية" وحاضر فيها الدكتور جورج قرم وعقب الدكتور علي القادري, كما حاضر غالب ابو مصلح حول "الليبرالية الجديدة وحقوق الانسان" وعقب عليها الدكتور جوزف عبدالله.‏

وفي ختام المؤتمر كانت طاولة مستديرة بعنوان "نحو نموذج تنموي بديل".‏

المحرر المحلي ـ"الانتقاد.نت"‏

2006-10-28