ارشيف من : 2005-2008

العلامة فضل الله : لبنان في حاجة الى جلسات حوارية و"انسنة" السياسة والاقتصاد اللغة الطائفية التي استخدمت في الانتخابات النيابية سممت الاجواء السياسية

العلامة فضل الله : لبنان في حاجة الى جلسات حوارية و"انسنة" السياسة والاقتصاد اللغة الطائفية التي استخدمت في الانتخابات النيابية سممت الاجواء السياسية

ألقى سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك. ومما جاء في الخطبة السياسية:‏

"لا تزال القضية الفلسطينية في قلب المعادلة السياسية في المنطقة، على الرغم من سعي التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي الى تمييعها لتضييع خطوطها في التفاصيل السياسية والأمنية، ولا يمكن رصد زيارة وزيرة الخارجية الأميركية إلا في إطار تجميد حالة التوتر العامة في الأمة، وصولا الى تخدير الوضع السياسي بالتصريحات الضبابية، بالتركيز على الانسحاب الصهيوني من غزة بتداعياته الأمنية والسياسية، والإيحاء بأنه يمثل الفتح الكبير للحل، من دون تأكيد على الانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية أو تدمير الجدار العنصري أو تفكيك المستوطنات الكبرى والصغرى هناك، لأنها متروكة للمفاوضات النهائية التي لا أفق لها في مدى الزمن، لأن إسرائيل لا توافق على إعطاء موعد محدد لارتباط ذلك بما تسميه تفكيك المنظمات الجهادية التي تعتبرها ـ هي وأميركا ـ إرهابية، الأمر الذي يعني بأن المسألة أمنية وليست سياسية مما يمثل الطرح التعجيزي للحل التفاوضي، لأن المطلب الصهيوني يؤدي الى حرب أهلية فلسطينية ـ فلسطينية، وهذا ما يحقق لإسرائيل النصر من دون حرب".‏

اضاف:"لقد جاءت الوزيرة رايس الى فلسطين لتخاطب الفلسطينيين بالمطالب الأميركية ـ الصهيونية، من دون أن تخاطب إسرائيل بالمطالب الفلسطينية، في الوقت الذي تابعت فيه الدولة العبرية الإعلان عن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قديمة، وهو ما قابلته الوزيرة الأميركية بتصريح خجول، كما انطلقت الخطة المقترحة من وزير المالية الصهيوني وبعض نواب الليكود لضم مستوطنات الضفة الغربية الكبرى الى ما يسمونه "السيادة الإسرائيلية"، مع استمرار الاغتيالات والاعتقالات لناشطي الانتفاضة ـ ولا سيما الجهاد ـ من دون إدانة أميركية لذلك، بل الاكتفاء بإدانة الرد الدفاعي الفلسطيني على الانتهاكات الإسرائيلية، لأن المسألة لدى الناطق الأميركي أن لا يقتل مستوطن إسرائيلي وليست أن لا يقتل عشرات الفلسطينيين بالسلاح اليهودي الأميركي". "إنها السياسة الأميركية التي قامت على الالتزام بالأمن الإسرائيلي بالمطلق، وإسقاط الأمن الفلسطيني بالمطلق، كما أنها تحاول من خلال وزيرة خارجيتها القيام بمسرحية إعلامية لتصوير العدو بأنه يتحرك من أجل السلام، والإيحاء بأن الفلسطينيين ولا سيما الفصائل يعطلون فرص السلام، مع أن الجميع يعرفون أن شارون ليس مستعدا لتقديم أية فرصة لتحريك المسألة نحو الحل، وهذا ما لاحظه الرأي العام العالمي في فشل الاجتماع بينه وبين رئيس السلطة الفلسطينية الذي لم يحصل منه على أي شيء سوى خيبة الأمل". زيارة رايس "أما زيارة "رايس" للمنطقة فقد كانت من أجل التبشير بالإصلاح الأميركي في الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات السياسية والفكرية والإعلامية، مما عرف الجميع بأن أميركا ليست الدولة التي تلتزم بهذه العناوين من أجل الشعوب بل من أجل مصالحها التي تتنوع مواقعها في تحريك الفوضى في هذا البلد أو ذاك، وتحذير القادة العرب من نتائج الابتعاد عن خططها الاستراتيجية، وتركيزها على تهديد سوريا لأنها لم تخضع للمطالب الأميركية في ضبط حدودها مع العراق، في الوقت الذي لم تستجب فيه أميركا للمطالب السورية في الحصول على التكنولوجيا التي تسمح لها بمراقبة الحدود المترامية الأطراف، بالإضافة الى حديثها اليومي عن تنفيذ القرار 1559 الذي نفذت سوريا ما يتعلق بها من الانسحاب من لبنان من دون أن يكون لها أي دور في الأمور الأخرى". "أما إيران، فقد هاجمت "رايس" النظام الإيراني في الوقت الذي تخوض فيه الجمهورية الإسلامية تجربة رائدة في الاستفتاء الشعبي المباشر في انتخابات الرئاسة، كما أنها لا تزال تتحدث عن المشروع النووي السلمي بزعم أنه يمثل خطرا على العالم ـ ولا سيما على إسرائيل ـ لأن أميركا لا تريد لإيران امتلاك الخبرة النووية".‏

ورأى "إن أمريكا تتخبط في سياستها في العراق وفي أفغانستان، وتحاول تغطية ذلك باستعراضاتها الإعلامية والسياسية على صعيد المنطقة، وعلى شعوبنا أن تكون واعية لحركة السياسة الأميركية في التخطيط لمصالحها الاستكبارية على حساب مصالحنا الحيوية وقضايانا المصيرية، لنتفادى الأخطار الكبرى على مستقبلنا السياسي والأمني والاقتصادي". الاوضاع في العراق "أما العراق، فلا يزال يغرق في بحر من الدماء البريئة الناتجة عن العمليات الوحشية التي يقوم بها الإرهابيون التكفيريون، بالإضافة الى القتل العشوائي الذي يقوم به الجيش الأميركي ضد المدنيين.. وإذا كان المؤتمر الدولي في بروكسل يتنادى لدعم العراق من أجل إعماره وبناء اقتصاده، فإننا نلاحظ أن الدول المانحة ليست صادقة في وعودها، وهذا ما رأيناه في الأرقام التي نشرت في تقرير المؤتمر مما لا يحل أي مشكلة، ولا سيما البنية التحتية التي دمرها الاحتلال والتي تحتاج للكثير مما لم تتحرك دول المؤتمر لإيجاد حلول له، بالإضافة الى الفوضى الأمنية والتمزقات الداخلية على جميع المستويات، الأمر الذي لن يصل الى الحل إلا بانسحاب المحتل من أراضيه".‏

التطورات اللبنانية‏

"أما لبنان، فإننا كنا نحذر من أن يكون موقعا للفوضى الأميركية المتحركة مع الخطة الإسرائيلية، وقد بدأ يدخل في متاهة هذه الفوضى من النافذة الأمنية بعدما دخلها من النافذة السياسية، ولذلك فلا بد من التحذير من اللغة الطائفية التي استخدمت الى أبعد الحدود في الانتخابات التي سممت الجو السياسي اللبناني، وقد يراد لها أن تسمم أجواء عربية وإسلامية محيطة، ومن هذه الحماية للفدرالية الواقعية المكرسة دستورا وواقعا، ونحن نخشى من أن يمهد ذلك السبيل لإدخال لبنان في متاهات الوضع السياسي والأمني المتفجر في المنطقة.. ثم إن الحديث عن أن أميركا وأوروبا تبحثان عن عقد مؤتمر دولي حول لبنان قد يمهد لتكريس الوصاية الجديدة".‏

"لقد أصبح لبنان مستباحا من دائرتين: الأولى في هذا المسلسل الدامي من الاغتيالات للشخصيات السياسية والإعلامية في ظل حديث متواصل عن فراغ أمني داخلي يعيشه البلد، والثانية في هذه الحرية لحركة المخابرات الدولية، مما يبعث على التساؤل: هل نخلص من نظام أمني ضاغط لحساب أنظمة أمنية أخرى باسم التحقيق في الجرائم المتتالية؟! إن لبنان بحاجة الى جلسات حوارية صريحة وواضحة تضم الجميع، لتدارس كل الثغرات في الخطاب وفي الحركة من أجل الاتفاق على برنامج موحد ينفتح على حل المشاكل الاقتصادية وأسبابها وامتداداتها وتفاعلاتها على مستقبل البلد، وإيجاد خطة للخروج من كهوف النظام الطائفي الى الأفق الرحب للمواطنة الإنسانية، ليتوحد اللبنانيون على أساس "أنسنة" السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والاجتماع، وتأكيد الحرية التي يملك فيها البلد تقرير مصيره بنفسه بعيدا عن كل ارتهان للخارج الإقليمي والدولي، وعن كل عبث محلي للاعبين السياسيين الذين يبحثون عن ذاتياتهم في حركتهم في الوطن، ولا يبحثون عن الوطن في مصيره على صعيد صناعة المستقبل في كل جهودهم العامة والخاصة".‏

2006-10-28