ارشيف من : 2005-2008

السيد فضل الله: نريد للمسؤولين ألا يسلكوا طريق الانفعال المؤدي للهاوية

السيد فضل الله: نريد للمسؤولين ألا يسلكوا طريق الانفعال المؤدي للهاوية

ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، وجمهور غفير من المؤمنين. ومما جاء في الخطبة السياسية "في لبنان، نستمع لنوعين من الخطاب: واحد يتحدث عن أخذ نصائح ومواقف الآخرين بعين الاعتبار، وعن ضرورة الاستماع الى رأي هذه الدولة أو تلك، وآخر يلامس القضايا السياسية بعين طائفية، بحيث نطلق كلمات الوحدة في هذا اليوم لتهرب منا في اليوم التالي.. اننا نريد لكل المسؤولين في لبنان، ولمن هم في مواقع المسؤولية السياسية والدينية، أن يتقوا الله في كلماتهم، وأن يكونوا قدوة للناس في المواقف وفي التحركات في خط الوحدة، وألا يسلكوا طريق الانفعال الذي يسير بالبلد نحو الهاوية". وأضاف سماحته‏

"إن المشكلة تكمن في أن اللقاءات السياسية أو الروحية في لبنان تظل لقاءات شكلية، وأن السياسة الباطنية اللبنانية هي التي تحكم الخط السياسي هنا وهناك، ولذلك فإن المذهبية تغدو سلوكا وحركة في الذهنية بعدما شرعها النظام الطائفي، وعمل على حراستها حراس الطائفية والمذهبية. أما الوحدة الداخلية، أما الحوار الداخلي، أما دولة المؤسسات، أما كلمات الإصلاح، أما تعابير الرحمة والتسامح، فهي ما يستهلكه اللبنانيون في الصالونات السياسية، وفي المواقف العامة التي غالبا ما تسقط عند أول تجربة، ليعود الجميع الى قواعده الطائفية والمذهبية سالما". وختم:"إن الرهان هو على شباب لبنان أن يعملوا لإنتاج واقع جديد يصنعونه بإرادتهم لا بتعقيداتهم، وبوحدتهم لا بأنانياتهم ولا مذهبياتهم,إن المستقبل هو لصناع الحرية في فجر الأجيال، لا لمثيري الغرائز في ظلام الأزمات المتحركة هنا وهناك".‏

"وفي فلسطين المحتلة تستمر حرب الإبادة للشعب الفلسطيني من قبل الجيش اليهودي العنصري الحاقد، الذي لا يزال يواصل التجربة تلو التجربة منذ أكثر من خمسين سنة لإلغاء العنوان الفلسطيني، قتلا للناس من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال الذين لا يريد لهم الحياة خوفا من أن يتحولوا الى مجاهدين ضد الاحتلال في المستقبل وهكذا يبقى رؤساء الكيان الصهيوني وأحزابه يشعرون بالإحباط من هذا الشعب الصامد القوي الشجاع الذي كلما سقط منه جيل في ساحة الجهاد جاء جيل جديد يلوح بقبضاته الجهادية وبخططه العسكرية، من أجل أن يصنع المستقبل الحر للأجيال القادمة". اضاف:" هذا ما شاهدناه في العملية النوعية التي تحدت الجيش الصهيوني في قاعدته العسكرية، فقتلت جنديين من جنوده وأسرت ثالثا وأصابت آخرين بالرغم من كل حواجزه العسكرية، مما جعله يشعر بأن كل الخطط العسكرية وكل الطائرات والدبابات والصواريخ لا تهزم إرادة هذا الشعب الذي قرر البقاء في ساحة المواجهة، بالرغم من كل القتل والتشريد والاعتقال والتدمير للبنية التحتية. وبدأ هذا الجيش يعيش الجنون العدواني فدمر المحطة الكهربائية في غزة، وقطع الجسور، وأطلق تهديداته، تحت تأثير المطالبة بالجندي الأسير الذي كان أسره علامة على القدرة الجهادية للمقاومة البطلة". "ومن اللافت أن البيت الأبيض لا يزال يتحدث عن الوحشية الصهيونية بأنها "دفاع عن النفس"، في الوقت الذي لا يرى فيه حقا للشعب الفلسطيني في الدفاع عن حريته واستقلاله وحقوقه الإنسانية، لأنه شعب لا يرى الرئيس بوش أنه يستحق الحياة. وهكذا نرى بريطانيا بلسان وزيرة خارجيتها تعتبر أن الهجوم الفلسطيني على الجيش الصهيوني "هجوم إرهابي"، مستعيدة بذلك الجريمة البريطانية الكبرى في التخطيط والتنفيذ لاحتلال اليهود لفلسطين وتشريد أهلها منها، وهي تتحدث عن أن "مثل هذا العنف يبعد أكثر آفاق التوصل الى حل تفاوضي سلمي"، ولكنها لا ترى في قتل الأطفال الفلسطينيين عنفا يبعد آفاق الحلول السلمية، لأنه المنطق العنصري الذي يفرض نفسه على الإدارات الغربية، بما فيها إدارات كثير من دول الاتحاد الأوروبي التي لم نسمع منها كلمة احتجاج بلهجة حاسمة ضد اجتياح غزة، وكأن حياة جندي إسرائيلي توازي حياة الفلسطينيين بل العرب كلهم". اضاف: "إن القضية هي أن هذا العالم المستكبر عمل على إسقاط العنفوان العربي من خلال الأنظمة الحاكمة الخاضعة للسياسة الأميركية، والخائفة من القوة الصهيونية، فلم تعد لكل جيوش العرب القدرة على الدفاع عن الأمة، بل تحولت الى قوة ضد شعوبها إذا وقفت في خط الممانعة للسياسة الاستكبارية الأميركية، أو ضد الظلم الداخلي الذي يمنع الشعوب حتى من التظاهر بحرية لأنها ترفض السجون الكبيرة التي تمتلئ بالأحرارمن خلال الحكم الظالم الذي وظفته الولايات المتحدة لقهر هذه الشعوب. إن الشعب الفلسطيني يقف وحده صامدا قويا بإرادته الصلبة ضد العنصرية الغربية التي تدعم العنصرية اليهودية، وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تقف معه بكل الوسائل التحريرية، لأن المؤامرة تتحدى كل الواقع العربي والإسلامي، ولأنه إذا سقط الشعب الفلسطيني فسوف تسدد الضربات لاحقا لشعوبهم ودولهم وأمنهم واقتصادهم". وتابع: "إن فلسطين قد فتحت للأمة أكثر من نافذة للحرية، وعلى الأمة أن توسع هذه النوافذ من أجل استعادة عزتها وكرامتها في معركة الحرية، لأن الغرب لا يريد لها أن تأخذ بأسباب الديموقراطية الحرة لحسابها بل لا بد أن تكون لحساب سياسته، ولهذا فإنه يعتقل ـ بيد إسرائيل ـ كل الذين انتخبهم الشعب ويعاقبه على اختياراته الحرة. لقد استعاد الغرب ذهنية الاستعمار من خلال تنكره لحقوق الإنسان لحساباته العنصرية، وعلينا المحافظة على إنسانية إنساننا من أجل التأكيد على إرادة الحرية في خط الجهاد". ثم تطرق الى الوضع في العراق فقال :"أما العراق، فلا يزال الاحتلال يفرض نفسه على شعبه من دون أن يقدم له أي شيء من حاجاته الضرورية، كما أن الإرهاب المجرم لا يزال يقتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب من العمال والفلاحين، بذهنية عنصرية تكفيرية داعمة للاحتلال باسم مقاومته. إننا ندعو الى المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، ولكنها ليست ـ كما يفعل هؤلاء ـ ضد العراقيين الذين يقتل منهم في كل يوم العشرات أو المئات من دون أن يسقط من جنود المحتل إلا أفرادا من هنا وهناك، إن هؤلاء يشوهون صورة الإسلام الذي يقتل فيه الأبرياء باسمه في كل يوم". اضاف:"إننا في الوقت الذي نشعر فيه بخطورة ما يجري في العراق من سفك الدماء اليومي، ومن الأعمال التي يتحمل الاحتلال الأميركي والبريطاني مسؤوليتها، من خلال إفساحه المجال للفوضى التي تفرض نفسها على الواقع العراقي كله، نأمل التوفيق والنجاح لكل المبادرات التي تنشد المصالحة الوطنية بين فئات الشعب العراقي، والتي من شأنها أن تخفف الضغط الأمني والسياسي والاقتصادي الهائل عن كاهل العراقيين، ونريد للجميع أن يدعموها من أجل الدخول في مرحلة جديدة تؤك

د إرادتهم في الحرية والاستقلال وصنع المستقبل الكبير الذي يتحرك فيه الجميع لإخراج المحتل وحماية الوحدة الوطنية الداخلية لجميع العراقيين".‏

2006-10-28