ارشيف من : 2005-2008
المفتي قباني وجه الى المسلمين رسالة الإسراء والمعراج: جدير بنا أن نحصن وحدتنا ونجنب بلادنا الوقوع في مشروع الفتنة وخداعنا بعد ذلك بالفيديرالية المذهبية كحل لإعادة توحيدنا

وجه مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني الى المسلمين رسالة الاسراء والمعراج، وقال فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. والصلاة والسلام على من أسرى الله تعالى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، سيدنا ونبينا وشفيعنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بشريعته إلى يوم الدين، " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ذلك هو الفوز العظيم".
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات: قال الله تعالى في القرآن الكريم: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير". آيات بينات من القرآن الكريم، بينت لنا فضل المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد الأقصى وهو بيت المقدس في القدس الشريف، كما بينت لنا أيضا فضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أسرى الله تعالى به ليلا (أي ساربه ليلا) من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس في القدس، ثم عروجه صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس في السموات العلى، إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى.
تعالوا بنا أيها الإخوة والأخوات، والمؤمنون والمؤمنات، نتبين معكم، لماذا خص الله تعالى هذين المكانين العظيمن بهذا الحدث الكوني، وسرعان ما يتبين لنا في هذا الشأن العظيم، أن المسجد الحرام بمكة هو أول بيت بني لعبادة الله في الأرض، وهو قبلة المسلمين في العالم، وأن المسجد الأقصى وهو بيت المقدس هو أرض النبوات والرسالات، ويتبين لنا بذلك أن هذا الإسراء قد عقد موئقا إلهيا بين هذين المكانين العظيمين وما حولهما في عالمي الدين والدنيا. وقد خص الله تعالى المسجد الأقصى في آية الإسراء الكريمة بقوله تعالى " الذي باركنا حوله"، ليذكرنا دائما بالأرض المباركة حول المسجد الأقصى، أرض النبوات والرسالات في فلسطين، وهي المسماة في القرآن الكريم بالأرض المقدسة، وبما لهذه الأرض المقدسة من شأن هو عند الله عظيم. إن المسجد الأقصى في القدس ايها الإخوة، وهو الذي اشتهر في تاريخنا باسم "بيت المقدس" الذي بارك الله حوله في فلسطين العربية، وهو منتهى إسراء الله تعالى برسوله محمد صلى الله عليه وسلم إليه، ومنطلق معراجه في السموات العلى بعد أن صلى فيه إماما بالرسل والأنبياء، هو اليوم تحت الاحتلال اليهودي الأجنبي، وهو أمانة في أعماق العرب وكل المسلمين حتى يتم تحريره وكل فلسطين من هذا الاحتلال الأجنبي البغيض.
وذكرى الإسراء والمعراج تذكرنا بهذا الواجب المقدس، الذي يجب أن نعلمه لأبنائنا وأجيالنا كل يوم، وإلا ضاعت أمتنا وشعوبنا وأوطاننا أكثر مما نظن أو نتوقع أو نتصور حتى اليوم. فإسرائيل تغتصب اليوم في فلسطين العربية أرضنا، تقتل فيها أبناءنا، وتدنس مقدساتنا، وتحاول القضاء في القدس على هويتنا وتراثنا وتاريخنا، وتقيم قرى كاملة في أرضنا، لتحصن بها نفسها، وتبني جدارها الفاصل لتعزل به شعبا كاملا هو شعب فلسطين عن أرضه، وتقطع به أوصاله في بلاده، متذرعة بالخوف من أبنائه، وهي الظالمة المحتلة لأرضه وبلاده، وصدق الله حيث يقول عنهم في القرآن الكريم:" لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله، ذلك بأنهم قوم لا يفقهون، لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون، كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم". سورة الحشر/13،14.
علينا فقط أيها الأحبة أن نعتصم بالله، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم، وأن نخلص لله في كل أقوالنا وأعمالنا ومعاملاتنا، وأن نكون صادقين في حياتنا، ومع الناس في مجتمعاتنا، والنصر قادم لا محالة مهما اشتد ظلام الظلم والطغيان، فللظالم جولة مهما طالت جولته، وللحق كلها جولة، وقد علمنا سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذا الإيمان العظيم الذي هو من أسباب النصر في النهاية فقال: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى في القرآن الكريم:" وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه (أي عذابه)ألم شديد"، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم:" ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار". وقد ضرب الله لنا مثلا في القرآن الكريم بفرعون فقال:" واستكبر هو وجنود في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم (أي أغرقناهم في البحر) فانظر كيف كان عاقبة الظالمين".
وقال الله تعالى أيضا في القرآن الكريم في حق دول وأمم ظلمت ثم قصمها الله وأهلكها بسبب ظلمها وطغيانها:" وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا من بعدها قوما آخرين، فلما أحسوا بأسنا إذا همم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا على ما أشرفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون، قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين". ثقوا أيها الإخوة والأحبة، أن النصر حليفنا مهما طال الزمن، قرب أم بعد، ما دمنا متمسكين بإيماننا، صادقين مع ربنا، مخلصين لله وديننا، معتصمين بالله قيوم السموات والأرض، أقوياء بالله عز وجل لا نخشى أحدا إلا الله، غير هيابين ولا خائفين من عدو أو ظالم أو محتل، وخاصة إذا كنا كالذين قال الله تعالى فيهم في القرآن الكريم: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وابتعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم، إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين". بقي علينا في وطننا لبنان أيها الأحبة، أن نكون مثالا ونموذجا للبلد الطيب في كل شيء، في وحدتنا ووفاقنا، وفي أخلاقنا وعيشنا وتضامننا، فالأخطار كثيرة، والمخططات المرسومة لوطننا ومنطقتنا العربية أكثر وأخطر، وجدير بنا أن نحذر أسباب الفرقة والانقسام، وأن نسير قدما في تحصين وحدتنا الداخلية، حفاظا على وطننا وأبنائنا وأجيالنا، وأن نجنب بلادنا الوقوع في مشروع الفتنة الذي يستهدفنا للايقاع بيننا، وتمزيق وطننا، وخداعنا بعد ذلك بالفيدرالية المذهبية كحل لإعادة توحيدنا، فوالله ما بقي وطن لشعب منقسم على نفسه، مخدوع بعدوه، وانتم ايها اللبنانيون في أصالتكم وأخلاقكم ومحبتكم وإرادتكم، أنتم ضمانة لبنان في يومكم وغدكم، وضمانة أجيالكم وأبنائكم، فكونوا على مستوى وطنكم تفوتوا الفرصة على كل من يخطط لإيقاع الفتنة بينكم. إن آية الإسراء والمعراج أيها الإخوة والأحبة، أنها معجزة كرم الله بها نبييه ورسوله وحبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم، حيث أسرى به في مثل هذه الليلة المباركة من المسجد الحرام بمكة المكرمة، إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف بروحه وجسده وهو كامل البشرية بقدرة الله عز وجل، فأراه من عجائب آياته في ملكوت السموات والأرض ما أراه، حفاوة وتكريما وتشريفا له ولأمته، وعرج به صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى في السموات العلى جسما وروحا وهو في كامل بشريته، حتى بلغ في عروجه سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى، وفرض الله عليه وعلى أمته في هذا المعراج الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، وآتاه الله في إسرائه ومعراجه هذا من المنح الإلهية علما وعملا وبهاء ما لم يؤت مثله أحدا من العالمين.
وما علينا نحن المؤمنين إلا أن نسير على هديه، ونعمل بشريعته وسيرته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، لنبلغ الكمال في كل شيء، وقد نبهنا الله إلى أمر عظيم، فقال لنا في القرآن الكريم:" قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".