ارشيف من : 2005-2008

آية الله فضل الله: نحن مقبلون على حرائق أمنية وسياسية أكثر امتداداً

آية الله فضل الله: نحن مقبلون على حرائق أمنية وسياسية أكثر امتداداً

ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله في ندوته الأسبوعية عن "التربية الإسلامية وقواعدها، وأثرها في واقع العنف في المنطقة والعالم"، فقال "لقد أولى الإسلام الأهمية الكبرى للمناهج التربوية التي تتكفل بصناعة الإنسان، حيث نلاحظ المنهج التربوي الإسلامي الذي لا بد أن يرتكز على فهم الإنسان أولا بكل خصوصياته وأبعاده، لأن هذا المنهج هو في الأصل لصناعة هذا الإنسان، ولا بد من أن ينطلق واضعو البرامج الدينية من هذا الأساس، ومن ملاحظة الرؤية الشمولية للدين ومقاصده، بعيداً عن النظرة المجتزئة التي تحدق في جانب من الصورة لتغفل الجوانب الأخرى، ما يؤدي إلى شرخ كبير في واقع الأمة المأزوم بسبب المناهج التربوية المشوهة والتجزيئية". وقال: "ولذلك فنحن في الوقت الذي رفضنا ونرفض الأسلوب التربوي لبعض الحركات الإسلامية وغيرها التي تستغرق في الجانب الروحي والغيبي على حساب الأمور الأخرى، فقد رفضنا ونرفض المدرسة المادية الغربية التي عملت على صياغة المناهج التربوية من خلال الاستغراق في الجوانب المادية للانسان وإهمالها للجوانب الأخرى، حيث إننا نعتبر أن هذه المادية التربوية هي المسؤولة إلى حد كبير عن الكوارث السياسية والاجتماعية التي تصيب العالم في هذه الأيام وهي المسؤولة أيضا عن هذه الوحشية التي تجتاح العالم في قتل الإنسان الانسان بلا رحمة ودونما وازع. وبذلك نرى بأن العالم أصبح في هذه الأيام فريسة لنوعين من الوحشية، الوحشية المادية التي تغتال الإنسان لتحول البشر والحجر إلى ما يشبه حقل التجارب الذي يقتل فيه الإنسان بعيدا عن كل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية ولا تحركها إلا المصالح المادية، والوحشية الأخرى هي تلك المغلفة باسم الدين والتي ترفع شعاراته وتسفك الدماء باسمه بسبب اضطرابها التربوي وابتعادها عن خط التوازن الذي أكده الدين، وهي بذلك تجرم بحق الدين والمتدينين من حيث تشعر أو لا تشعر". وأضاف: "إن ثمة خطورة تكمن في التربية الخاطئة التي تبدأ عندنا من البيت والتي تعمل على تجميد حركة الإنسان الفكرية من خلال القمع الداخلي، حيث يمنع الأب زوجته وأولاده من التفكير وإبداء الرأي حتى بما يتصل بأمورهم الخاصة، وحتى مع كونهم يتمتعون بالمستوى الثقافي الذي يؤهلهم لإعطاء الرأي السديد، وبذلك فإننا نتربى على الخضوع للقوي من المنزل ومن بيئتنا الداخلية. وحتى الأحزاب عندنا تفرض في أساليب عملها الحزبي تقديس الرموز الحزبية التي لا تملك القداسة وإن كانت تحظى بالاحترام في بعض جوانب حركتها وشخصيتها، وعندما يمنع الحزبي من توجيه الانتقاد لمراكز القوى في الحزب على أساس أن ذلك قد يعرضه للطرد أو لملاحقة، فإن التنظيم الحزبي يصبح مقفلا بطريقة وأخرى ولا تتحرك فيه التنوعات الفكرية التي تغني الخطط السياسية والاجتماعية وما إلى ذلك". وأردف: "وربما يمتد هذا الخط إلى المرجعيات الدينية التي تأخذ عناوين تقديسية لا يملك أحد معها انتقاد آرائها وخطواتها التي قد تخطى‏ء، لأن ذلك مناف للقداسة الدينية، في الوقت الذي يعرف الجميع بأن الالتزام الديني لا يمنع المؤمن من نقد الزعامات الدينية غير المعصومة، لأن ذلك هو الذي يمنعها من الاستمرار في الخط الذي قد تكون له نتائج سلبية على مستوى القرارات المتعلقة بحياة الناس الدينية العامة. وتنسحب هذه الخطورة على المسألة الطائفية حيث يقدس رموز الطائفة ويفرض رأيهم على حساب الكفاءات، وتمتد هذه التربية العشائرية لتجعل الجماهير خاضعة للرموز الدينية أو السياسية لهذه الطائفة أو تلك بما يهي‏ء إنساننا للخضوع للاستكبار الخارجي في التجارب اللاحقة بحيث يغدو خضوعه طبيعي أو لا شعوري بعدما خضع سابقا للكثير من الجهات الدينية والسياسية التي تختزن التخلف والخرافة، وينسحب ذلك على تهميش أو تعطيل الحياة السياسية في المحطات الانتخابية، حيث أن هذه الطريقة في التربية تفرض الخضوع لأسماء قد لا تملك الكفاءة وعندما تغيب المقاييس الفكرية والامكانيات الأساسية في ذلك، فمن الطبيعي أن يصار إلى تغييب الأصالة في العملية السياسية والانتخابية لحساب التبعية والخضوع". واشار العلامة فضل الله إلى "إن ذلك لا يعني بأن المحاور الدولية والاستكبار العالمي ليس مسؤولا عن الحالة التربوية التدميرية التي تضرب واقعنا العربي والإسلامي من خلال رعايته للأنظمة التي أخضعت شعوبها أمنيا ومخابراتيا، ومن خلال ضغطه غير المباشر لمنع الدورة السياسية في بلادنا من أن تأخذ مجراها فتنجب قوى سياسية حية وفاعلة لتؤسس لمجتمع الرحمة والانفتاح السياسي والعلمي، ولذلك فإن الغرب في كثير من دوائره لا يستطيع أن يتنصل من رعاية هذه الحالات العنيفة التي ترفض الآخر بشكل مسبق وترفض الحوار معه، ولا يستطيع أن ينفي بأن البيئة السياسية التي نمت فيها الديكتاتوريات في المنطقة والتي كان ولا يزال مسؤولا عن معظمها هي التي أسست مدارس العنف التي ترفض الآخر سواء تلك التي لها طابع ديني أم سياسي. إننا نحذر، وفي ظل استمرار هذه البيئة ال

تربوية والسياسية من أننا مقبلون في المنطقة على حرائق أمنية وسياسية أكثر امتدادا، وخصوصا في ظل اللعبة الأميركية التي تحاول منع ولادة خيار ثالث بين ما تريده من خيار السيطرة على المنطقة بثرواتها وقرارها السياسي، أو خيار تفجيرها وإشعالها بالفتن والحروب بعد الإفساح في المجال للحديث عما يشبه التقسيم أو ترك الأمور تتجه نحو ما يمكن تسميته "التقسيم الواقعي" أو التجزئة الميدانية التي تنمو في ظل أشكال من الكيانية الجامعة وغير المنضبطة". وختم: "ونحن في الوقت الذي نحذر من هذا المخطط بكل كوارثه ومآسيه القادمة، نريد للذين يتحركون في الميادين السياسية والشعبية أن يلتفتوا إلى بعض المواقف غير المدروسة والتي تصب الزيت على النار، سواء أتنبهوا لذلك أم لم يتنبهوا، وأن لا يفسحوا في المجال لخطاب التجزئة أن يتسرب إلى ساحاتهم، لأننا مسؤولون جميعا وعلى المستويات السياسية والدينية عن حماية وحدة الأمة وصون ائتلافها الداخلي بالعمل على لم الشمل والسعي لإخراج المحتل الأجنبي من أرضنا ومن ذهنياتنا وصولا إلى طرده ومنعه من اختراق نسيجنا الديني والاجتماعي والوطني. إننا نؤكد دور التربية الإسلامية في دفع الناس إلى أن يفكروا في كل الأمور منذ المراحل الأولى للعمر، وفي هذا الاتجاه لا بد من التركيز على مناقشة كل الأفكار المطروحة في الساحة دينية كانت أو سياسية والابتعاد عن تقديس غير المقدس، فلا أحد في واقعنا كله فوق النقد، وهذا هو الذي يمنع من سيطرة أي فكر يثيره أصحاب المراكز المرموقة في المجتمع ويساعد على تصحيح الأفكار الخاطئة ولا سيما افكار العنف الدامي التي صنعت لنا فكرا يبرر قتل الإنسان على أساس اختلاف الفكر على قاعدة دينية مسلما كان أو غير مسلم، واعتبار القتل على أساس الاختلاف جهادا مقدسا".‏

2006-10-28