ارشيف من : 2005-2008
آية الله فضل الله:البلد لا يحكم بالتراشق السياسي ولا بالاستئثار بالقرار بل بالتفاهم والتوافق
قال آية الله السيد محمد حسين فضل الله، في خطبة الجمعة لهذا اليوم:
"في المشهد الفلسطيني اغتيالات واعتقالات واجتياحات، وتهديد بقطع الكهرباء عن غزة، وقرار بمنع المقدسيين من المشاركة في الانتخابات التشريعية، وتخطيط متحرك لاعتقال أكبر عدد من رجال الانتفاضة ـ ولا سيما حماس ـ حتى تضعف مشاركتهم في الانتخابات. أما أميركا فإنها تهدد السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات عنها إذا سمحت لحركة حماس بالمشاركة في الانتخابات، ومن اللافت أن منسق السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي يهدد بمثل ذلك، لأن حماس مرفوضة عندهم ولو عبر صناديق الاقتراع، في الوقت الذي لا يتحدث فيه مع شارون بالامتناع عن العنف الوحشي ضد الشعب الفلسطيني". اضاف:"إن هذا الكلام يعني محاكمة الشعب الفلسطيني ومعاقبته على اختيار حماس في المجلس التشريعي، لأن ذلك يدعم المجاهدين من أجل تحرير أرضهم والحصول على استقلالهم. ونتساءل: أين هي الديموقراطية التي يدعو إليها الأوروبيون والأميركيون إذا كانوا يمنعون الفلسطينيين من الحرية في اختيار ممثليهم, ثم، لماذا لا يدخل هؤلاء في الحوار مع المجاهدين للوصول الى تسوية سياسية كما فعلوا في فيتنام، وكما يفعلون الآن في العراق؟ إننا إذ نسجل هذه الملاحظة السلبية نقدر لفرنسا رفضها لهذا المنطق، وذلك من خلال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية حول مشاركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، حيث قال: "إن على الفلسطينيين أن يقرروا، وإن على الأوروبيين أن يفكروا من دون شك باحتمال انتصار حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة، ويجب إجراء الانتخابات وتنظيمها في كل الدوائر الفلسطينية ومن ضمنها القدس الشرقية، حتى يتمكن كل المرشحين من التقدم على قدم المساواة". والسؤال: إذا كان الأمريكيون ـ من خلال مجلس النواب ـ يهددون بقطع المساعدات، وإذا كان "سولانا" يتحدث عن ذلك باسم الأوروبيين، فما هو موقف العرب إذا حدث ذلك، هل يقومون بمساعدة الشعب الفلسطيني تعويضا لهم، أو أنهم يتبعون هؤلاء في عقابهم لهذا الشعب، خضوعا للسياسة الاستكبارية لا الديمقراطية؟ اضاف:"ومن جانب آخر، فإننا كنا نتمنى أن تدخل الدول الخليجية في حوار مع إيران حول مشروعها النووي السلمي، والتي أعلنت رفضها لإنتاج السلاح الذري، وأن لا تعلن مخاوفها من تطوره السلبي كما هو الموقف الغربي، وأن تكون الكلمة القوية ضد إسرائيل التي تملك الترسانة النووية الضخمة، وتهدد المنطقة بذلك. إننا نأمل أن تكون العلاقات بين دول القمة الخليجية وإيران علاقات صداقة وتعاون وثقة قائمة على أساس التعاون على أمن المنطقة، من اجل سلامة شعوبها المسلمة جميعا".
وتطرق سماحته الى الوضع في العراق وقال:" إننا نرجو أن يلتقي العراقيون على التخطيط والتوافق على تأسيس حكومة وطنية جامعة من خلال إرادتهم الحرة في الانتخابات، بعيدا عما يتحرك به الاحتلال في توجيه الواقع العراقي الى ما يحقق مصالحه، ليثبت العراقيون أنهم قادرون على إدارة شؤونهم العامة من غير حاجة الى الآخرين، لأنهم قد بلغوا سن الرشد السياسي والاقتصادي والأمني في مواقع الحرية والاستقلال على أساس الوحدة الوطنية الشاملة. وإذا كانت هناك بعض الخلافات حول الانتخابات، فإن عليهم أن لا يستعملوا لغة التهديد أو اللجوء الى الخارج لمعالجتها، لأن الآخرين ـ حسب التجربة ـ لا يريدون بالعراق خيرا. وعلى العراقيين جميعا الخروج من دائرة الخطاب الطائفي الذي يتصاعد في هذه الأيام على خلفية نتائج الانتخابات، الى فضاءات الخطاب الوطني والإسلامي والعربي، حتى يخرج العراق من عنق الزجاجة الأمني والسياسي الذي تستعمله أميركا لبقاء قواتها المحتلة للعبث بالمنطقة كلها".
ثم تحدث السيد فضل الله عن لبنان فقال:"أما لبنان، فإننا نلاحظ أنه لا يزال يعيش في أكثر من مأزق حكومي وسياسي وتعقيد أمني، ونشهد انفعالا في إدارة شؤون البلد من شأنه أن يعقد الأمور أكثر، ونسمع كلمات وكلمات ما كان ينبغي أن تصدر من مواقع مسؤولة في أكثر من مستوى، مما يمكن أن يزيد الواقع توترا واهتزازا في الشارع العام.وإن من حق النادي السياسي اللبناني أن يعبر بأسلوب الحرية عن هواجسه وتطلعاته ووساوسه، ولكن لا بد من اختيار الكلمات الهادئة والأسلوب المنفتح في معالجة أوضاع البلد، فلا يستغرقن أحد في ذاتياته الطائفية والشخصانية والحزبية، بل ينفتح على مصلحة الوطن كله الغارق في مشاكله الاقتصادية التي يخشى أن تقوده الى الإفلاس والانهيار، وفي مشاكله المعيشية التي تدفعه الى الجوع والحرمان، وفي هواجسه الأمنية التي قد تؤدي به الى أكثر من زلزال للواقع الأمني، ولا سيما أن هناك الكثير من المخاوف التي تتحدث عن أكثر من تخطيط للتجمع المذهبي هنا والطائفي هناك، في حركة للسلاح الخفي وللتدريب الفئوي مما نرجو أن لا يكون واقعا". اضاف:"إن البلد لا يحكم بالتراشق السياسي ولا بالاستئثار بالقرار، بل بالتفاهم والتوافق، فحذار من أن تسلكوا بالبلد الطريق المجهول وتسقطوه بالضربة القاضية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.وعلى الجميع في لبنان وسوريا والمنطقة العربية أن يواجهوا المرحلة التي يواجهون فيها المشاريع الدولية التي تعمل على الإطباق على المنطقة كلها، في أوضاعها السياسية والاقتصادية والأمنية، من أجل تحويلها الى هامش للمحاور الدولية التي تخطط للاستيلاء على الواقع كله. ومن له عينان فلينظر، ومن له أذنان فليسمع، ولنلتق على قاعدة أن نكون أحرارا في قراراتنا ومصيرنا وكل أوضاعنا العامة، ولننطلق بالحوار في ما نختلف فيه، وبالحقيقة في ما نسعى إليه".
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018