ارشيف من : 2005-2008

آية الله فضل الله: نناشد الجميع الا يسقطوا تحت تأثير الشعارات الغرائزية بل التخطيط للبنان الجديد على مستوى الصدق والأمانة والحب للوطن وللانسان

آية الله فضل الله: نناشد الجميع الا يسقطوا تحت تأثير الشعارات الغرائزية بل التخطيط للبنان الجديد على مستوى الصدق والأمانة والحب للوطن وللانسان

ألقى آية الله سماحة السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، وجمهور غفير من المؤمنين..‏

ومما جاء في الخطبة السياسية: " في المشهد الفلسطيني، تتواصل سياسة الاغتيالات لقادة الانتفاضة، وقصف المناطق الفلسطينية في غزة، واجتياح قرى ومدن الضفة الغربية ومصادرة أراضيها لاستكمال بناء الجدار الفاصل، وتهديد الشعب الفلسطيني بالتجويع والحصار الاقتصادي عقابا له على اختياره حركة حماس في الانتخابات, ثم تهدد حكومة العدو الصهيونية بالقبضة الحديدية في خطة الإبادة للمدنيين إذا قام المجاهدون بالرد على العدوان، لأنها ـ ومعها أميركا وأوروبا واللجنة الرباعية الدولية ـ تعطي جيشها الحرية في مجازره الوحشية، من دون أن يكون هناك أي حق في الرد تحت طائلة الاتهام بالإرهاب".‏

اضاف:" إن الغرب الذي خطط ونفذ تشريد الفلسطينيين من أرضهم منذ أكثر من نصف قرن لحساب إقامة دولة إسرائيل، لا يزال يكذب ويخادع وينافق من خلال الموفدين الذين يبيعون السلطة الفلسطينية كلاما ويمنحون إسرائيل المواقف لاستكمال استراتيجيتها في السيطرة على فلسطين كلها. وإنه لمن الخزي والعار للعالمين العربي والإسلامي أنهم ينفتحون على العدو الصهيوني في علاقاتهم السياسية والاقتصادية بشكل وبآخر أكثر مما ينفتحون على الشعب الفلسطيني، ونحن نلاحظ أن الأرصدة الضخمة التي يملكونها في المصارف الأميركية تتجمع لاستثمارات الشركات اليهودية هناك، ولكنهم لا يدعمون الشعب الفلسطيني بالمساعدات التي هو بحاجة إليها مما لا يمثل شيئا من فوائد تلك الأرصدة، لأنهم يخافون من غضب أميركا التي تتجول وزيرة خارجيتها على أكثر من بلد عربي لتمنعه من مساعدة حكومة حماس، وتحذر إيران من مساعدتها، في الوقت الذي يصرح فيه بعض مسؤولي الأمم المتحدة بأن منطقة غزة سوف تعيش الجوع الغذائي في وقت قريب, اننا نخشى أن هذه الدول تسير في خط النفاق لتبيع الفلسطينيين الكلام، ولتتدخل للضغط عليهم حتى يخضعوا للضغط الدولي من أجل الاستراتيجية الإسرائيلية, يا للعار".‏

وتابع: "وفي المشهد الأميركي، لا تزال أميركا تثير الخوف والكراهية في سياستها الاستكبارية في العالمين العربي والإسلامي، التي حولت المنطقة الى الفوضى الدموية في متاهات الأوضاع العامة من خلال المجازر المتحركة في أكثر من موقع، باسم محاربة الإرهاب الذي تحول في خططها الى نار مشتعلة تطال المدنيين الأبرياء، وتحرق الأمن كله, لقد تحولت أميركا في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى الى دولة معادية لمصالح العرب وكعدو للاسلام، ولا شك أن المسؤولية الكبرى عن هذا التدهور البالغ إنما تقع على إدارة بوش التي تواجه حاليا مجموعة نادرة من الاخفاقات في طول الشرق الأوسط وعرضه، من خلال فكر الرئيس بوش ومعاونيه الرئيسيين، إضافة الى النفوذ الخبيث الذي يتمتع به المحافظون الجدد داخل الإدارة وخارجها، حتى أنها تمادت في الضغط القاسي على دول يفترض أنها صديقة لأميركا، الأمر الذي جعلها تخوض حربا على العالم كله باسم الحرب على الإرهاب الذي يتخبط في أكثر من موقع في العالمين العربي والإسلامي". "لقد عملت أميركا ـ ولا تزال ـ على تدمير وحدة الشعب العراقي، وأثارت الخلافات المذهبية والإثنية العنيفة، وأفسحت المجال للموساد الإسرائيلي ليعبث بهذا البلد على جميع الأصعدة، وأيدت سياسة شارون بتوسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل والقتل المتعمد للمجاهدين، ودعمت التهديد الإسرائيلي لإيران في التخطيط لقصف مفاعلاتها النووية السلمية". وحذر من هذه الحرب الأميركية المتحالفة مع إسرائيل، الضاغطة على أكثر من محور دولي ولا سيما الاتحاد الأوروبي ضد العرب والمسلمين، الأمر الذي يفرض علينا أن نخطط لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يحاول إسقاط المنطقة كلها".‏

وقال:"وفي ضوء هذا، لا بد للمسلمين أن يأخذوا بأسباب الوحدة الإسلامية، ليقفوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص، وليرتفعوا الى مستوى العنفوان الإسلامي في الأخذ بعناصر القوة، ولا سيما في العراق الجريح الذي لا يزال يغرق في بحور الدماء التي يراد لها أن تتحول الى حالة من الفتنة المذهبية والعرقية، من خلال المجازر التكفيرية الحاقدة وحركة الفعل ورد الفعل، ومحاولة تهجير أهل المذهب الإسلامي الشيعي من المناطق المختلطة، كما حدث في بعض مناطق بغداد".‏

"إننا نقول لإخواننا في العراق: أدركوا الموقف قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، لأن أميركا لم ترد للعراق خيرا منذ البداية، فالنظام الطاغي كان صناعة أميركية حتى إذا انتهى دوره جاءت أميركا لتصنع نظاما جديدا تحركه كيفما تشاء بإشراف إدارتها، لخدمة مصالحها الاستراتيجية في الداخل والخارج".‏

ثم تطرق الى الوضع اللبناني فقال:" أما لبنان، فلا يزال يعيش في المناخ الأميركي من خلال زيارة وزيرة خارجية أميركا التي جاءت لتشرف على خطتها في إدارة الفوضى السياسية فيه، الأمر الذي لا يزال يثير الخوف والقلق في نفوس الشعب الذي يستعيد في ذكرياته أجواء الحرب من خلال أصوات التشنج والعنف الكلامي في السجالات التي تتحرك بأسلوب الإثارة والانفعال".‏

واضاف:"وإذا كان الواقع في لبنان يعيش في داخل أجواء مؤتمر الحوار، فإننا نأمل أن يرتفع الجميع الى مستوى الوطن في مشاكله الحقيقية في الاقتصاد المنهار، وفي الأمن القلق، وفي السقوط تحت تأثير التحديق في التدخلات الدولية الخارجية.. إننا نلاحظ أن عناوين الحوار ليست ـ بأجمعها ـ هي ما يفكر به اللبنانيون في تأسيس مستقبلهم، لا سيما إذا تذكروا كيف كان التاريخ الدامي في الحرب الماضية يتمثل في أكثر من رمز من رموز الحرب، مما يفرض على الجميع أن يأخذوا العبرة من الماضي للمستقبل".‏

والسؤال: "أين الجيل الجديد الذي لم يتلوث بالسرقة والهدر والخيانة، ولم يدخل في لعبة القتل والتدمير والدماء البريئة؟ إننا نناشدهم جميعا أن لا يسقطوا تحت تأثير الشعارات الغرائزية والأجواء الانفعالية، بل أن يخططوا للبنان الجديد على مستوى الصدق والأمانة والحب للوطن كله وللانسان كله، من أجل نظام المواطنة لا الطائفة.. إن لبنان يهتز في زلزال المنطقة، فلنحاول جميعا أن نثبت موقعه على التخطيط للصلابة التي تمنع الزلازل من أن تهدم الإنسان والكيان".‏

2006-10-28