ارشيف من : 2005-2008
محاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق: عبوة ناسفة زرعت تحت السيارة وردود فعل مستنكرة
لم تكد تدير الإعلامية في المؤسسة اللبنانية للإرسال الزميلة مي شدياق محرك سيارتها من طراز "رانج روفر" في منطقة "غادير" في ضواحي جونيه حتى انفجرت السيارة وأصيبت شدياق بإصابات بالغة منها بتر ساقها ويدها اليسرى وإصابات أخرى في أنحاء جسمها. ولم يكد يقع الانفجار الذي يندرج في إطار مسلسل التفجيرات التي يعيشه لبنان منذ مطلع العام الجاري، حتى توالت ردود الفعل المستنكرة والشاجبة.
وفي تفاصيل الحادث الذي وقع عند الساعة السادسة إلا ربعاً بالتوقيت المحلي لمدينة بيروت أن مي شدياق كانت في ضيافة المحامي جورج فارس في منطقة "غادير" حيث ذهبت برفقة ابنه المحامي شارل فارس إلى عنايا لوفاء أحد النذور وحين عادت عرجت على منزل فارس لشرب فنجان من القهوة ونزلت قرابة الساعة السادسة إلا ثلثاً وصعدت في سيارتها وهي من نوع "رانج روفر" تحمل لوحة رقمها 909/ج، وما ان ادارت محركها وهمت بالاقلاع بها، حتى انفجرت عبوة ناسفة صغيرة الحجم موضوعة تحت مقعدها مباشرة، وارتطمت السيارة فوراً بشجرتين امامها واندلعت النيران فيها، وتطايرت مقدمتها وغطاء الموتور وعلقا على شجرة زيتون تبعد مسافة عشرة امتار من مكان الانفجار، كما تطايرت اجزاء اخرى واستقرت على مسافة خمسين متراً. ورجح بعض المتابعين ان تكون عملية زرع العبوة قد حصلت في الوقت الذي ركنت فيه شدياق سيارتها امام منزل عائلة فارس في محلة غادير قرب الطريق القديمة المؤدية الى حريصا، خاصة انه تم اخضاع سيارتها لتفتيش دقيق لحظة دخولها صباحا الى مبنى "المؤسسة اللبنانية للارسال".
واحدث التفجير فجوة قطرها 30 سنتيمتراً في أسفل المقعد الذي كانت تجلس عليه شدياق، وتناثر زجاج المنازل القريبة من المكان. وفيما ذكرت بعض الوسائل الإعلامية أن زنة العبوة التي زرعت تحت مقعدها من الخارج (في أسفل السيارة) بلغت 400 غ قالت وسائل إعلامية أخرى ان زنتها تبلغ 700 غ.
وعملت سيارة من الصليب الاحمر على نقل شدياق إلى مستشفى "سيدة لبنان" في جونية حيث تلقت الاسعافات الاولية ثم جرى نقلها وسط موكب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى مستشفى "اوتيل ديو" حيث أخضعت لعمليات جراحية. وعند منتصف الليل صدر بيان عن مستشفى "اوتيل ديو" حول الوضع الصحي لشدياق التي بترت ساقها ويدها اليسرى وأصيبت بكسر في الحوض وكسر في رجلها اليمنى وحرق في يدها اليمنى بالإضافة إلى حروق طفيفة في انحاء الجسم أما حالتها فمستقرة بحسب بيان المستشفى لجهة الوظائف الحياتية.
وقامت عناصر من قسم المباحث العلمية (الادلة الجنائية) بمسح شامل لمكان التفجير ورفعت عينات من السيارة المستهدفة. وحضر إلى مكان الانفجار قاضي التحقيق العسكري عدنان بلبل ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي جان فهد والقوى الأمنية، وبوشرت التحقيقات لمعرفة ملابسات هذا العمل الاجرامي والذي يحمل الرقم 15 في قائمة التفجيرات التي استهدفت لبنان منذ محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة يوم الجمعة في الاول من شهر تشرين الاول/ أوكتوبر من العام 2004.
وبحسب المعطيات الأولية فإن طريقة محاولة الاغتيال مشابهة لاغتيال الصحافي سمير قصير والامين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي حيث كانت العبوة مدسوسة تحت مقعدي سيارتيهما.
وفور شيوع النبأ توالت الشخصيات السياسية للإطمئنان على شدياق وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وعقيلته، رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يرافقه الوزير غازي العريضي، وحشد من الشخصيات السياسية والإعلامية والحزبية.
كما صدرت بيانات الاستنكار التي أدانت محاولة الاغتيال واضعة إياها في سياق استهداف الوحدة بين اللبنانيين ومحاولة زرع الفتنة فيما بينهم.
وفي ردود الفعل، استنكر "حزب الله" الجريمة بشدة، واعتبر في بيان صادر عن وحدة العلاقات الاعلامية انها جريمة مدانة بكل المعايير فهي تطال الحريات العامة والامن والاستقرار الداخليين اللذين تعبث بهما ادوات القتل والفتنة التي تحركها اجهزة استخبارات معادية لا تخفى اهدافها الشيطانية على احد.
وأعرب الرئيس اميل لحود عن إدانته الشديدة لمحاولة الاغتيال واعتبر ان هذه الجريمة تضاف الى جرائم سابقة نفذت بالاسلوب نفسه مما يؤكد أن يد الغدر واحدة والهدف واحد والمتآمرين هم أنفسهم الذين يستهدفون لبنان. وأهاب باللبنانيين المزيد من التضامن والوحدة والتماسك من أجل تحصين الساحة الداخلية ومواجهة المؤامرة التي تستهدف لبنان.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فقال "إن الاستنكار لم يعد له معنى طالما أن مسلسل الاعتداءات يتجول عند كل ناحية ومفترق، معتبراً أن الجريمة هي حلقة في مسلسل الإرهاب الذي يضرب لبنان لإشاعة الفوضى والفتنة ويتطلب أكثر فأكثر التصدي منا جميعاً ومن الحكومة لحفظ البلاد والعباد".
وقال رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إن اللبنانيين يرفضون ويدينون الجريمة، وأكد ان من كان وراء هذا العمل ومن سيقوم بأعمال اخرى، وفي أي وقت سيطاله القانون وسيدان وبالنهاية سينال جزاءه.
من جهته قال رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط انه من الصعب جدا اتهام احد قبل الركون الى معلومات التحقيق، وأضاف رداً على سؤال إن رموز النظام الامني قد اعتقلت والحكومة الحالية لم تستطع حتى الآن تعيين مدير عام للامن العام ولا قائد للدرك او بديل من رئيس جهاز أمن الدولة، وقال ان بقايا النظام الامني السابق يعبثون بالامن في مكان ما الى جانب انكشاف امني يتيح لاي كان ان يصطاد وان يضع عبوات، داعيا الى اتخاذ اجراءات ضمن الامكانات المتاحة وإلى الاسراع بالتعيينات الامنية والبدء بالامن العام بالاتيان بشخص موثوق تطمئن اليه المقاومة ويمسك بزمام الامور.
ودان رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري المحاولة، وقال ان الايدي الجبانة التي امتدت الى شدياق هي نفسها الايدي المجرمة التي امتدت من قبل الى مروان حمادة ورفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي، وحذر من يقفون خلف هذا الاعتداء الارهابي الجديد من ان يد العدالة "ستطالهم مهما طال الزمن".
وقال قائد "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ان المجرمين سينكشف امرهم مهما طال الزمن وسيساقون للعدالة ومصيرهم سيكون كمصير من سبقوهم، رافضا اتهام احد قبل أن تتوفر المعطيات اللازمة.
وفي إطار ردود الفعل الدولية دانت فرنسا "بشدة" الاعتداء، واعتبرت ان "الامر يتعلق بمحاولة جديدة للنيل من حرية الصحافة وهو أمر غير مقبول". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية جان باتيس ماتييه في بيان رسمي "بعد الاعتداء الذي اودى بحياة سمير قصير، يتعلق الامر الآن بمحاولة جديدة للنيل من حرية الصحافة وهو امر غير مقبول". وأضاف البيان ان "فرنسا تقف الى جانب السلطات اللبنانية لتبيان كل الحقيقة حول هذا العمل الارهابي"، واوضح ان فرنسا "تدعو مرة جديدة جميع الاطراف الى المحافظة على استقرار لبنان".
كذلك دان الجريمة الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان معربا عن تضامنه مع شدياق، وبدورها أعلنت المفوضية الاوروبية في لبنان انها تشارك الصحافة اللبنانية وجميع اللبنانيين تأثرهم بهذا الاعتداء "في الوقت الذي يتمنى فيه البعض، من خلال التخويف، حرمان اللبنانيين من حرية أساسية ألا وهي حرية التعبير". كما دانت السفارة الأميركية في بيان لها محاولة اغتيال الزميلة مي شدياق.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018