ارشيف من : 2005-2008

فضل الله: لا بد من دراسة دقيقة كي لا يكون الانسحاب من غزة ثمنه ضياع القضية الفلسطينية عربياً ودولياً

فضل الله: لا بد من دراسة دقيقة كي لا يكون الانسحاب من غزة ثمنه ضياع القضية الفلسطينية عربياً ودولياً

ألقى سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، وجمهور من المؤمنين,‏

ومما جاء في الخطبة السياسية لسماحته:‏

أن "إسرائيل" التي تستعد للانسحاب من مستوطنات غزة تطلق كل إعلامها وحركتها السياسية في العالم، ولا سيما الغربي، للترويج لما تسميه خطة سلام تزعم التزامها في المسألة الفلسطينية لتلميع صورتها لدى الرأي العام الدولي، في الوقت الذي تهدد فيه الشعب الفلسطيني بالإمساك بشكل أقوى وأقسى بالضفة الغربية التي تعتبرها جزء من "إسرائيل التوراتية"، والتي سينتقل إليها المستوطنون من غزة في مشروع استيطاني جديد يخطط لتجمع كبير قد يمتد لاستقطاب يهود العالم".‏

"وإذا كانت اللجنة الرباعية الدولية التي أطلقت مشروع خارطة الطريق تتحدث بخجل عن تطبيق المشروع، فإنها لم تضع له أي آلية واقعية، بل إن الولايات المتحدة الأميركية بشخص رئيسها بوش قد وافقت على شروط شارون التي تصادر الخطة كلها، بالإضافة الى لاءاته ضد عودة اللاجئين والعودة الى قرار الانسحاب من أراضي الـ67 وضد هدم المستوطنات والجدار العنصري الفاصل، والتأكيد على ضم أي أرض في القدس وغيرها بما يرتبط بأمن "إسرائيل", فكيف نواجه المستقبل، وهل بقيت واقعية للدولة الفلسطينية؟ إننا نوجه هذا السؤال للسلطة الفلسطينية التي لا تملك من الأمر شيئا، وليس لديها إلا الحديث عن تطبيق القانون في الداخل، وإيقاف الانتفاضة وربما التخطيط لنزع سلاحها".‏

"إننا نعتقد أن من حق الفلسطينيين في غزة وغيرها الحصول على الأمن الداخلي في حياتهم الخاصة، لأن ذلك هو شرط البقاء في موقع القوة والاستقرار والوحدة، ولكن لا بد من الدراسة الدقيقة أن لا يكون ذلك على حساب استكمال عملية التحرير بعد الانسحاب من غزة، وأن لا تضيع القضية دولياً وعربياً بالاحتفال بالانسحاب من غزة التي أثقلت الكيان الصهيوني طيلة سني الاحتلال بجهادها التحريري. إننا ندعو الشعب الفلسطيني الى أن يثبت للعالم بأنه يملك القدرة على تحرير أرضه، كما يملك الخطة لتأكيد وحدته الحضارية في كل موقع من مواقع التحرير، بما يخطط له من إدارة الاختلافات السياسية والحركية بالتفاهم والحوار الموضوعي الذي يلتقي عليه الجميع، لأن المرحلة من أصعب المراحل التي تمر بها القضية على صعيد الداخل والخارج من جميع الجهات".‏

"إن على جميع الفلسطينيين أن يفكروا بأن انسحاب العدو من غزة لا يبتعد عن خطته في تطويقها من أكثر من جهة، على مستوى المعابر وغيرها، لأنه يمثل الاحتلال الغادر الذي يرفض الاستقلال للشعب الفلسطيني الذي يتميز بأكثر من قاعدة حضارية منفتحة على صناعة المستقبل الكبير".‏

اضاف:"ومن جانب آخر، فإن الاحتلال الأميركي للعراق لا يزال يفرض نفسه على الشعب العراقي في جميع قضاياه، ويتدخل في كل مفاصله حتى على مستوى الدستور الذي يعلن السفير الأميركي ضغوطه في قانون هنا أو هناك مما لا يملك القائمون على الأمور هناك مخالفته، هذا بالإضافة الى اللعبة الخفية التي يديرها في إثارة الخلافات المذهبية والطائفية".‏

"ولا تزال المجازر الوحشية التي تطال الأبرياء من مدنيين ورجال شرطة وأطفال، تحت عناوين المقاومة أو التعصب المذهبي بالإضافة الى الجدل حول دور الإسلام في الدستور وقضية الفدرالية الغامضة التي قد تتحول الى انفصال كردي، وتقسيم داخلي على أساس طائفي مذهبي قد يفقد فيه العراق وحدته. وإننا إذ نسجل الحذر من ذلك كله، نؤكد على أن الحل لانسحاب المحتل يتمثل في إعطاء الدور الأساسي للأمم المتحدة في إدارة الوضع العراقي الى جانب السلطة العراقية، وبعيدا عن ضغوط الاحتلال، باعتبار أن الأمم المتحدة لا تمثل قاعدة احتلال مثيرة للتعقيدات السلبية".‏

ودعا الشعب العراقي الى دراسة المرحلة بوعي ودقة، والقائمين على الأمر أن يواكبوا حاجات الشعب والحفاظ على ثروته التي تحدث الإعلام ـ بما فيه الإعلام الأميركي ـ عن أن الشركات الأميركية أخذت المليارات من الدولارات لحساب مشاريع وهمية لا واقع لها، في الوقت الذي نعرف فيه أن الناس لا تزال تعاني من نقصان الخدمات الضرورية ولا سيما الماء والكهرباء، في أشد الأوقات صعوبة وهو وقت الصيف الحار المحرق.‏

وعلى صعيد آخر، "إن المشروع الإيراني النووي السلمي لا يزال مثيرا للجدل من قبل الدول الأوروبية التي تقود الموضوع بإشراف أميركي، من خلال إثارة عدم الثقة بإيران في تأكيدها رفض أي مشروع نووي عسكري، ولا سيما أنها من الدول الموقعة على حظر إنتاج الأسلحة الذرية، ولكن المسألة هي أن أميركا وحلفاءها لا يريدون لإيران أن تملك القوة التي تستطيع من خلالها حل مشاكلها الاقتصادية المستقبلة، أو الدفاع عن نفسها أمام الأسلحة الذرية في "إسرائيل"، وأمام امتلاك الهند والباكستان لهذه الأسلحة التي منحتها أميركا الشرعية تحت حجج لا تقنع أحداً، بل إننا نؤكد ـ من خلال خوف الشعوب ـ على تحريم إنتاج الأسلحة الذرية في العالم كله بما في ذلك الدول الكبرى التي تمثل تهديدا سياسيا واقتصاديا وأمنيا لدول العالم الثالث، من خلال ما تملكه من القوة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل".‏

اضاف:"أما لبنان، فإنه في مرحلة انتظار لما يمكن أن تقوم به الحكومة المتعددة الأبعاد، والمتنوعة الاتجاهات السياسية، والمختلفة الخلفيات السياسية التاريخية في المشاكل الأمنية والاقتصادية والإدارية التي عاشها البلد، مما أُلقيت فيه كل السلبيات على موقع معين كما لو كان كل الذين أخطأوا أو أساءوا ملائكة أطهارا، من دون أية دراسة دقيقة للتفاصيل القضائية والإدارية".‏

"إن المرحلة بحاجة الى فتح كل الملفات في تقويم الأوضاع المعقدة التي امتدت الى الحاضر من الناحية الاقتصادية ولا سيما المديونية أو من الناحية السياسية ولا سيما العلاقات بالعدو الإسرائيلي أو التدخلات الدولية، لأن مسألة الحرية والسيادة والاستقلال تخضع لقرار سيادي وطني لا يقع تحت الضغوط الخارجية التي تتحرك بطرق خفية لفرض خططها، ولكن بعنوان النصائح والوصايا وعنوان الصداقة من دون تدخل, أما المسألة الأمنية، فلا بد أن تخضع لخطة واسعة شاملة دقيقة على مستوى حالة الطوارئ، لأن الأمن هو روح لبنان في كل قضاياه، حتى يشعر اللبناني بحريته في انتمائه وفي تقرير مصيره. وتبقى المصالحة الوطنية في نطاق مصالحة الأهداف والمصالح العامة ومواجهة العدو الإسرائيلي الذي عانى منه لبنان الأمرين، وخصوصا احتلال أراضيه، وعلى الجميع أن يفكروا أن المشكلة هي في العدو الصهيوني لا في سلاح المقاومة، لأن ذلك هو الذي يمثل منطق الواقع وحماية المستقبل.‏‏

2006-10-28