ارشيف من : 2005-2008
حماية المقاومة وسلاحها أم حماية لبنان وأمنه ?
صحيفة الأنوار، كتب رؤوف شحوري
قد يكون الرئيس المكلَّف فؤاد السنيورة أكثر الجميع تعطُّشاً الى تنفيذ الإصلاح وتقليص الهدر والحد من سرقة المال العام، وهذا جزء مهم من برنامج العدّ التنازلي لوقف نمو الدَّين العام أولاً، ثم بدء رحلة الألف ميل لإطفائه. وهذا هو الجانب السلبي من هذه العملية الضخمة والصعبة، وجانبها الايجابي هو في تنشيط الاقتصاد والاستثمار وغير ذلك من الإجراءات التي يكررها الخبراء والأكاديميون منذ سنوات. ومما يساعده على هذه المهمة أنه هو شخصياً ليس من أصحاب المصالح التي تحتاج الى حماية، وليس من أصحاب التجاوزات التي يتخوَّف من انفضاحها أو يضطر الى المساومة والتنازل في سبيل ذلك... ولكنه لن يكون طليق اليد تماماً لأن القوة التي يستند اليها لها مصالحها الواسعة ولها هفواتها أيضاً.
غير أن الرئيس المكلَّف يعرف ما يعرفه الجميع وهو أن العقدة الحقيقية التي سيواجهها عاجلاً أو آجلاً، وتهدد كل برامج الإصلاح والازدهار وتعرِّض استقرار لبنان للخطر في حاضره ومستقبله هي قضية (حزب الله) وسلاح المقاومة، والاستحقاق الدولي المُطالِب بالتنفيذ الكامل للقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن. ومن الناحية الشكلية لن تواجه الحكومة مشكلة في تضمين البيان الوزاري فقرة تتناول هذا الموضوع بما توافق الداخل والخارج على قوله، وهو أن سلاح حزب الله مسألة داخلية يتوجَّب على اللبنانيين ايجاد حل لها، بما يلبي متطلبات القرار الدولي في نظر مَن يرعاه.
العبارة الشائعة في الخطاب السياسي اللبناني هي: (حماية المقاومة وسلاحها)، وهو تعبير خاطئ ويوحي وكأنَّ سلاح المقاومة وحمايتها هدف في حد ذاته يتناقض مع إرادة المجتمع الدولي، وهو تعبير ينبغي الإقلاع عن تداوله والتركيز على الهدف الحقيقي وهو حماية لبنان - وليس المقاومة حصراً - من الاعتداءات والأطماع الاسرائيلية. وهو واجب مستحق ليس على اللبنانيين فقط، بل هو أيضاً من صلب واجبات الشرعية الدولية.
ولم تنشأ المقاومة المسلحة في لبنان ضد "اسرائيل" الا بسبب هذين العاملين حصراً: العدوانية الصهيونية من جهة، وتهاون المجتمع الدولي من جهة ثانية. وبدلاً من التمسك بمبدأ (حماية المقاومة وسلاحها) الذي يضع لبنان في موقف الدفاع السلبي في مواجهة قوى الخارج، ينبغي مطالبة المجتمع الدولي باحترام مبدأ حماية لبنان وشعبه من العدوان الاسرائيلي بوصفه هو المقصِّر في القيام بواجبه.
(حزب الله) لم ينتظر الآخرين للقيام بهذه المهمة. وهو على الأرجح قد وضع برنامجاً مفصَّلاً لكيفية المواجهة متدرِّجاً من أسوأ الاحتمالات الى أفضلها، سياسياً وعسكرياً. والمشاركة الكثيفة في الانتخابات النيابية الأخيرة وما رافقها من تحالفات كانت جزءاً من هذه المواجهة. وبمشاركة الحزب في الحكومة يصعد درجة أخرى في هذا الاتجاه. غير أن ذلك لا يعني أكثر من تسجيل نقاط لصالحه في الداخل والخارج لاستخدامها، مع عناصر أخرى لا تزال مخفيَّة في حقيبته، في الاستحقاقات المقبلة التي ستنفتح في وجهه في الداخل عبر الحوار الوطني حول المقاومة وسلاحها، وفي الخارج عبر المطالبة بنزع هذا السلاح تطبيقاً للقرار الدولي، وفي المدى الإقليمي من خلال الأدوار الخبيثة والمؤذية التي ستقوم بها "اسرائيل" بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
وبدأ يلوح في الأفق أن ما كان يبدو طرفاً موحداً على الصعيد الدولي قد أصبح الآن ثلاثة أطراف بينها توافق وخلافات على هذا الصعيد: أميركا من ناحية، وأوروبا من ناحية ثانية، و"اسرائيل" من ناحية ثالثة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018