ارشيف من : 2005-2008
من اوراق الجرائد اللبنانية 11 ـ تموز 2005
في صحيفة "السفير" وفي زاوية على الطريق وتحت عنوان:حكومة كونفدرالية الطوائف..
كتب طلال سلمان
يتجرّع اللبنانيون، هذه الأيام، وعبر المصاعب التي تؤخر تشكيل "حكومة الوحدة الوطنية" التي أُعطي رئيسها المكلف ما لم يعط غيره في أي زمان ومكان، بعض مرارات الانتخابات النيابية بنتائجها التي أسهمت في تقنين تقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية، بدل أن تأخذها إلى التوحد.. بالديموقراطية!
فالطائفيات لا تبني دولاً. إنها تدمر دولاً، فكيف بنقيض الدولة تبني الدولة؟!
لقد انحدر النقاش (والعمل) قبل الانتخابات، ثم خلالها، من السياسي إلى الطائفي، ثم واصل انحداره مع محاولات تشكيل الحكومة إلى "المذهبي"..
صار الحديث عن الحكومة أشبه بترسيم الحدود عبر الحقائب بين كانتونات الطوائف والمذاهب..
ويتبدى الآن بوضوح انه سيكون للحكومة العتيدة متى قامت سياسات وليس سياسة واحدة بالاتفاق الواضح والصريح على برنامج محدد، أو بالتراضي، وهذا أضعف الايمان.
تقول الإذاعات، أرضية وفضائية، وتكتب الصحف بلا وجل ان لكل طائفة سياساتها، وأن هذا يستدعي ان تكون لها وزاراتها، وبالتالي فأهم ما يمكن اجتراحه من المعجزات في هذا المجال أن يتم التوافق على تحاشي التصادم بين أطرافها وليس مثلاً على المواجهة المشتركة للمخاطر والمسؤوليات الثقيلة التي ستفرض نفسها على الحكومة الوليدة، وبعضها قد أطل قبل التشكيل مذكراً بما لا يجوز نسيانه من حقائق الحياة، أي التاريخ والجغرافيا والمصالح.
يجلس جهابذة السياسات اللبنانية في شاشات التلفزيون ويقدمون شروحاً مستفيضة عن الحصص في الحكومة باعتبارها حقوقاً كونفدرالية للطوائف... فهل يمكن التوافق على سياسة موحدة لائتلاف الكونفدراليات المختلفة على هوية البلاد وسياسات حكومتها التي ستجمع الماء والنار في سلة واحدة مفتوحة القعر بالوصاية الدولية؟
كلما تم التسليم بشرعية الكونفدراليات الطائفية المذهبية، وبحقوقها في رسم "سياستها" اتسع المجال لمزيد من الوصاية الدولية، وخسرت الحكومة قرارها المستقل، بل حقها في هذا القرار.
كيف ستكون حكومة واحدة تلك التي ينظر بعض "اقطابها" إلى القرار الدولي 1559، مثلاً، على انه تحرير للبنان من الوصاية السورية، ومدخل إلى الديموقراطية والمساواة بين اللبنانيين كمواطنين؟! عبر تجريد المقاومة من سلاحها، إنفاذاً لمطلب الشرعية الدولية؟
كيف ستكون حكومة واحدة بقرار موحد تلك التي عدليتها مارونية (تحولت، فجأة إلى أرثوذكسية) وخارجيتها شيعية، وداخليتها درزية وماليتها سنية وزراعتها كاثوليكية... وقد تكون التربية، مثلاً، للأرمن الكاثوليك، أو للأقليات، تحقيقاً للتوازن في كانتونات الحكم (في انتظار معرفة الحصة التي سيختارها رئيس الجمهورية حتى يكون شريكاً في القرار لا شاهد زور؟!).
للمنفي حقوقه في التعويض عن الغياب القسري، مع الاعتذار،
أبسط التعويض ان يكون له حق الفيتو (النقض).
وللخارج من سجنه غداً حق النقض، بغض النظر عن عدد نوابه، فالتعويض يجب ان يكون عادلاً ومتناسباً مع ظلم السجن وظلامه.
هناك، إذاً، ستة أو سبعة أو ثمانية أطراف لهم حق النقض، فكيف يكون الحكم، وكيف يمكن ان تعمل حكومة لم يتفق المشاركون فيها على الثوابت الوطنية؟!
هذا قبل ان نصل إلى برنامج الحكومة للاصلاح المالي والإداري ولمواجهة أعباء الدين العام، ومعضلات الأزمة الاجتماعية المفتوحة على الخطر..
غداً سيبتدع العباقرة اللبنانيون أنصاف حلول أو أرباع حلول لمشكلات الاختلاف على الثوابت، بحيث يصاغ البيان الوزاري بعبارات حمّالة أوجه، يمكن ان يكون لها بالانكليزية معنى غيره بالفرنسية، أما بالعربية فالصياغة ستكون فتحاً جديداً في علم الكلام، فكل من يقرأه يفهم منه ما يرغب في فهمه.. في انتظار ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ولأن رئيس الحكومة متديّن، نوعاً ما، ومتذوّق للأدب عموماً والشعر خصوصاً، فإنه سيجد المخارج من الأزمات باللجوء إلى الآيات البينات أو قصائد الحكمة في التراث العربي الغني، فإن أعوزته الحيلة إلى الأرقام فإنه فيها أحد أخبر الخبراء، تركيباً وتفسيراً واستخلاصاً للدلالات..
لكن ذلك لا يحل المشكلات، حتى لو نجح في إرجاء مواجهتها.
وما كشفته المشاورات أخطر من ان يتم تجاوزه بالمساومة على أعداد الوزارات أو نوعية حقائبها.
إن الكذبة المضخمة التي تبدت في الاستشارات فأعطت 126 صوتاً للرئيس المكلف لم تتأخر عن الانكشاف: فلا أحد يريد ان يقبع في موقع المتهم بأنه خارج على "الوحدة الوطنية"، ومعطل لمشروع حكومة السيادة والاستقلال والحرية التي ستعيد بناء لبنان خارج الوصاية.
الآن، وبعد أيام طويلة من الاستشارات واللقاءات والاجتماعات السرية والعلنية، والمفاوضات المضنية، تفرض الفظائع التي شهدتها الانتخابات نفسها كظل أسود على الحكومة العتيدة، فإذا هي مشروع توافق هش على فيدرالية للطوائف لا هي تستطيع مواجهة الخارج ولا الاندفاع للاصلاح المنشود في الداخل..
هل نلجأ إلى التعويذة اللبنانية التقليدية: ليس بالإمكان أبدع مما كان؟
هل نكتفي بالتشكي من طبيعة هذا "البلد العجيب" الذي يتبدى شعبه وكأنه الأعظم تسيساً في المنطقة العربية ثم عند أول منحنى تختفي السياسة من حياته العامة لتبرز المتاريس الطائفية والمذهبية باعتبارها "الأحزاب" الفعلية، وباعتبار "حقوقها" في الحكم هي أساس الحكم فإن تم المس بها اهتز الحكم كله وتهدده السقوط؟
أم نطرح للنقاش المعادلات المستحيلة الآتية:
لا بد من حكومة قوية لإنهاء "النظام الأمني" والتمهيد، ربما، لإسقاط التمديد.. (هكذا يقول بعض اقطاب المعارضة)..
لكن الشركاء الكبار والضروريين في مثل هذه الحكومة لهم توقيتهم الخاص لاسقاط رئيس الجمهورية، وهم الآن يحمونه بصدورهم لأن سقوطه لو حصل لن يكون في صالحهم.
ثم إنه لا بد من حكومة وحدة وطنية... لكن كونفدرالية الطوائف لا تحقق دولة قوية، ولا هي تمكن من تدعيم الوحدة الوطنية. إذاً فلترجأ الوحدة الوطنية، ولنكتف الآن بحكومة يتلاقى فيها ممثلو الطوائف المختلفون في اتجاهاتهم السياسية، المتوافقون على ان تقوم في البلاد حكومة.
كذلك فلا بد من التعامل مع الشرعية الدولية وقراراتها... وأنصار الشرعية الدولية كثيرون، لكنهم إذا ما تكتلوا قد يذهبون بالشرعية الداخلية للحكم وحكومته. إذاً فلا بد من حكومة شرعية تبتدع صيغة لبنانية عبقرية للشرعية الدولية وإلا أسقطت أحداهما الأخرى، أو أسقطت كلاهما الحكم..
البحر من أمامكم والعدو من خلفكم، فأين المفر؟!
اعتمدوا على العبقرية اللبنانية، وتواضعوا في تمنياتكم!
وفي صحيفة السفير أيضاً وتحت عنوان :ما يعتبره "حزب الله" من المسلّمات يرى آخرون أنه يحتاج لنقاش
التعامل مع الـ1559 عبر الحكومة أم بالمواجهة؟
كتب جورج علم
يحق لـ"حزب الله" أن يرسم "خطة المواجهة" التي تحمي سلاحه، وتحفظ له موقعه في المعادلة الإقليمية، سواء في صراعه مع إسرائيل، او في الوفاء لتحالفاته مع كل من طهران ودمشق، خصوصاً بعد عودة المحافظين إلى مواقع السلطة والقرار في إيران.
إلا ان هذا الحق دونه عقبات كثيرة تبدأ في المواجهة المكشوفة في المنطقة بدءاً من العراق، والرهانات الجديدة على متغيّرات ما قد تشهدها الساحة الإقليمية، لتنتهي على الساحة الداخلية، وما قد تشهد من تحوّلات، ومتغيرات، خصوصاً بعدما وضع القرار 1559 "حزب الله" على جبهة الاستهداف المباشر من قبل الاميركي، والمجتمع الدولي.
ويأتي هذا الاستهداف نتيجة اقتناع لدى بعض عواصم دول القرار بأن "الحزب" يضطلع بدورين، الاول معلن في مزارع شبعا، والثاني أقلّ وضوحاً، لكنه اوسع هامشاً، وينخرط في دعم "الانتفاضات والمقاومات الراديكالية المنتشرة من العراق وصولاً الى فلسطين والهادفة الى مواجهة المشروع الاميركي الاسرائيلي من جهة، والسيطرة على مواقع النفوذ والقرار من جهة أخرى".
قد يكون لهذا "التعريف" الذي تقدّمه الدبلوماسية الغربية لماهية "الحزب" ومهماته خصوصية هادفة الى تكبير حجمه، وفاعلية دوره، بهدف توفير المزيد من الظروف، والاجواء المؤاتية امام المخططات الهادفة الى الحد من هذا الدور وفي طليعتها القرار 1559، والاصرار الدولي على تنفيذه بالكامل، إلا ان "الحزب" وبحسب العديد من الدبلوماسيين قد وفّر من خلال أدائه الكثير من الفرص التي تعرّضه للمزيد من الاسئلة حول سلوكيته، وحقيقة اهدافه الآنية والمستقبلية.
بعض هذه الاسئلة محلي بحت، وينطلق من الخطة التي اعتمدها "الحزب" لنفسه بهدف حماية سلاحه، وبالتالي موقعه المهم والمميّز إن على الساحة الداخلية، او في قلب المعادلة الاقليمية، خصوصاً وأن عناصرها لا تقتصر فقط على المشاركة في الحياة السياسية العامة من خلال الانتخابات النيابية، ترشيحاً، وتحالفات، وفوزاً، وكتلة، وبرنامجاً: ولا تقتصر على القنوات الدبلوماسية، بل تتعدى ذلك إلى رهانات على الدور المتقدّم الذي يمكن ان يلعبه الجناح العسكري لإكمال هذه الخطة، من حيث عناصرها المتكاملة، وايضاً للعمل والسعي الى وضعها موضع التنفيذ.
عندما كانت الرعاية السورية لا تزال متحكمة في المفاصل والتفاصيل اللبنانية، كان هناك نوع من الاطمئنان عند الدولة، ورموزها، ومؤسساتها أولاً، ثم عند الأطياف السياسية الطوائفية ثانياً، من ان هناك راعياً إقليمياً ملمّاً بكل ما يجري، ويشكّل صمام أمان، كونه المسؤول او الذي كان مسؤولاً مباشرة ومعنوياً عن كل شاردة او واردة متعلقة "بالحزب" ونشاطاته، وتحركاته، وإمكاناته، ووسائل دعمه، و"تذخيره" مادياً ومعنوياً، ولوجستياً. لكن مع انتفاء هذه الرعاية، وزوالها، سادت الضبابية، وانحسر عنصر الاطمئنان امام مدّ مريب لأسئلة تنطوي على عناصر كبيرة من الشك والريبة والاستفهام، بدءاً بالإطلالات المنبرية للسيد حسن نصر الله، منذ ما قبل جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم بعدها، حيث بدت ساحة رياض الصلح في وجه ساحة الشهداء، ولقاء عين التينة في مواجهة لقاء البريستول، وصولاً الى الانتخابات والتحالفات، وقد رسخت في كل تلك الإطلالات صورة الرجل المعمّم (يعتمر العمامة) بوقار الدين، ومهابة القوة، قوة الإقناع، وقوة الحجة، وقوة السلاح والرجال، وقوه التفرّد في صنع القرار، واتخاذه، والعمل على وضعه موضع التنفيذ، ولعل، هذه الملامح الأخيرة من هذه الصورة هي التي أثارت المزيد من الحساسيات، وربما رسّخت انطباعات، قد تكون خاطئة لدى البعض، خلاصتها أن الرجل قد تخطّى كل المؤسسات، واختصر الدولة بشخصه، ونصّب نفسه مرجعاً للتوجهات السياسية والوطنية التي يفترض سلوكها من قبل المسؤولين والمواطنين على السواء، خصوصاً ما يتعلق بالجنوب والمسائل الإقليمية والدولية المتفرعة عنه، أو المتصلة به، والمؤثرة عليه بشكل أو بآخر.
قد يفهم من أن الانحسار المفاجئ والسريع للرعاية السورية عن لبنان، قد دفع "الحزب" وتحديداً أمينه العام لأن يملأ الفراغ، او جانباً مهماً منه، وأن يكرّس واقعاً وحضوراً وزعامة ومرجعية ربما تقتضيها خطة المواجهة، ولكن الاسلوب الذي اعتُمد لم يكن ملائماً مع الجو الانفعالي الذي كان مسيطراً، وبأعلى درجات الانفعال نتيجة استشهاد الرئيس الحريري من جهة، وانسحاب القوات السورية من جهة أخرى.
لقد حاول "الحزب" بخصوصيته، وخصائصه، ان يخاطب الحيادية، ولكن من موقع الفريق، أو الطرف على المستوى الداخلي، وأن يخاطب الحوار، ولكن من موقع المواقف المسبقة من مسائل، هي في الاساس خلافية، وموضع تجاذب بين اللبنانيين، وأن يخاطب الاعتدال لكن من موقع القوة المزنّرة بسلاح المقاومة من جهة، وسلاح القناعات والخيارات النهائية المحسومة سلفاً من جهة اخرى، وهذا ما جعل كل تلك الإطلالات والدعوات تقابل بالصمت والارتياب من قبل البعض، وبالمزايدات الرخيصة الوصولية المستهلكة من قبل البعض الآخر، في حين الصوت الصادق الصدوق الذي انطلق للاصطفاف حول طاولة الحوار، بقي مع الاسف من دون صدى، حتى الساعة؟!
انطلاقاً من ذلك تساءل البعض عن الحكمة التي استلهمها "الحزب" لتبرير مواقفه الأخيرة عندما اندفع، مدعوماً من حركة "أمل"، للتشبث بطائفية منصب مدير عام الأمن العام بعد شغور المنصب، والدخول في مواجهة مع رئيس الجمهورية الذي عاد الى الاصطفاف وراء طائفته، عندما عاد التصويب السياسي يستهدفه بهدف تقصير ولايته الممددة، ووضع حد لإقامته في قصر بعبدا، وهو الذي اشتهر بمواقفه المؤيدة والداعمة للمقاومة، و"للحزب" وسلاحه؟!.. وما هي الحكمة التي استلهمها "الحزب" عندما قال "الرئيس نبيه بري.. ولا أحد غيره للرئاسة الثانية"، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يحوّل 37 ورقة بيضاء، إلى 37 ورقة نعم للوفاق والتوافق على رئيس للمجلس النيابي؟!.. قد يُقال هنا بأن "الحزب قد تعمّد هذا الموقف رداً على "فيتو" أميركي غربي ضد شخص الرئيس بري، وأن في الموقف الذي اتخذه وتعمّده بتزكية رئيس حركة "أمل" للرئاسة الثانية، الكثير من معالم التصميم والقدرة على مواجهة الأميركي ومشروعه وإملاءاته"؟!
بالطبع لا يمكن وصف تشبث "الحزب" في الايام الماضية بحقيبة وزارة الخارجية، على انه من ضمن التكتيك المتبع، والهادف إلى تكريس هيمنة الطوائف على بعض المناصب والحقائب، وكأنها إرث تعود ملكيته الى طائفة دون اخرى، او كأنه "كوتا" مخصصة حكماً لتكون من نصيب هذه الطائفة، او تلك، ولكن في كل الاحوال سواء أكان تكتيكاً، أو سياسة متعمّدة عن سابق تصوّر وتصميم، فإن الاسلوب لم يكن مثالياً، وهو ينم عن عيوب وإشكاليات في معرض الدفاع عن الطائف، والدعوات الى تطبيقه، والتقيد بنصوصه، وروحيته.
قد يسلّم البعض بالقول القائل إن مقتضيات المرحلة تقضي بمثل هذه المواقف من "الحزب" لمواجهة الاستهدافات الأميركية ضده، وانطلاقاً من الإصرار الدولي المتزايد على ضرورة تنفيذ القرار 1559 بالكامل، وكانت آخر الدعوات في هذا الصدد قد تبلغناها من قمة الدول الثماني في ختام أعمالها في اسكتلندة قبل يومين، إلا أن ذلك لا يمنع الاعتقاد من ان بعض مطالب "الحزب"، او توجهاته الاخرى، تبدو محرجة وضاغطة في آن، بدليل انه ومع التزامه الكامل بكل هذه المواقف والتوجهات يريد الاعتماد على الداخل، على كل لبنان، على دولته، وشعبه، ونظامه، وقواه الحية، وطوائفه، في مواجهة الخارج سواء، أكان متمثلاً بالقرار 1559، او بوجهيه الاميركي والدولي او بالضغوط الخارجية المتأتية من كل حدب، وصوب.
يريد "الحزب"، وبصراحة متناهية، ان يقف كل لبنان وراءه في الدفاع عن المقاومة، وسلاحها، وهذا حق، وواجب ملزم، ولكن ألا يحق للبنانيين أن يعرفوا ما هي خطة المواجهة التي اعتمدها "الحزب" للدفاع عن سلاحه، وعن موقعه في المعادلة الاقليمية؟ وما هي أهدافها وأبعادها؟ والى ما ستؤول؟ وما هي حقيقة أهداف "الحزب" ومقاصده وتطلعاته؟ وهل ستنتهي فعلاً عند مزارع شبعا، أم انها تتوغّل أكثر، وأبعد، وأعمّ لتشمل دعم كل الانتفاضات الممتدة من العراق، وصولاً الى فلسطين؟
إضافة إلى ذلك: ما معنى ان سلاح المقاومة شأن لبناني داخلي يعالج عن طريق الحوار؟.. إن في هذا القول مجموعة من الطلاسم، والعقد، التي هي فعلاً بحاجة الى منجّم مغربي ليحل عقدها، ويعالج رموزها؟ حوار حول ماذا؟ هل حول كيفية مواجهة ال1559، والدخول في تجاذب حادّ مع المجتمع الدولي قد ينتهي الى عقوبات مالية، واقتصادية، وسياسية قاسية، وإلى وضع داخلي مشرّع على كل الاحتمالات؟!.. أم الى حوار حول كيفية التعاطي مع هذا السلاح وفق مندرجات القرار الدولي، وعلى خلفية التجاوب معه، والعمل على تطبيقه بروح الحوار والتعاون والتفاهم على كل الأساليب، والمعارج، والتفاصيل؟!
يُقال إن كل ذلك هو من مسؤولية الحكومة الجديدة... ولأن في هذا القول الكثير من المنطق، والصحة، والموضوعية كثرت العراقيل والتعقيدات والمطبات في طريق تأليفها!!...
من صحيفة "النهار"
وتحت عنوان : الفرصة الأخيرة بين الإنهيار والإنفجار
كتب غسان تويني.. من فرنسا
هل يجري تذويب "لبنانية" لبنان المستقبل في أزمة وزارية سخيفة، تحجّم بنتيجتها الحلول لأزمة الحكم، فتنحصر في "ترقية" سفير شيعي الى "رتبة" وزير خارجية؟... وفي "الاعتراف" لتيار "التغيير" بحقه في ان يتمسك بحقيبة وزارة العدل، كأنما كل صناعة لبنان الجديد تبدأ بفتح ملفات المحاسبة القضائية والتهويل بملاحقة الفساد والمفسدين؟
زمن لا يجد رئيس فرنسا ما يتحدث عنه، غداة أضخم عملية ارهابية تستهدف أوروبا، وغداة انعقاد إحدى أنجح قمم رؤساء الدول الصناعية – أي دول العالم المتقدم، من اميركا الى اليابان – غير مخاطبة لبنان داعياً اياه لمساعدة نفسه كي يساعده العالم... أي واضعاً النظام اللبناني أمام مسؤولياته التاريخية...
وهو ما طالبتنا القمة به صراحة، إذ تعدنا باستمرار تعهدها اخراجنا من ازمتنا المالية والاقتصادية ، شرط أن نقيم الجهاز الحاكم الذي يبعث الثقة بجديتنا في العمل الاصلاحي.
فهل يجوز الا تتفتق عبقرية "الحكم"، تجاوباً مع النداء العالمي، الا عن النقاش العقيم في مَنْ يوقع ماذا من مراسيم تأليف حكومة أقل ما توصف به طلائعها انها ستكون "اقل من الاعتيادية"، هذا اذا تألفت؟
***
وعلى خلفية اصطفاف شاحنات لبنانية على الحدود السورية لغير ما سبب معروف او مقبول، سوى الضغط على الطريقة المنسية التي يعود زمنها الى الأيام السابقة لحرب السنتين (1975 – 1976)... بحيث يصير همّ الحكومة العتيدة، اذا ومتى تألفت، "اقناع" الشقيقة بتيسير المرور عبر حدودها، في حين كان يظن لبنان انه – عبر هذه الحدود بالذات، حين اجتازتها شاحنات الجيش السوري – "تحرر" من الوصاية السورية ومن الحاجة الى انتظار تعليمات "تعبر" الحدود، من دمشق الى بيروت، عن كيفية تأليف الحكومات، ومَنْ مِن الطوائف يتخصص في ماذا، ومَنْ مٍن الطامحين يقرأ في أي "كتاب" ، ومَنْ مٍن الزعماء تتوقف قدراته على الحل والربط عند أية "حدود" وقدرات؟
***
مظلم حقاً هو مستقبل لبنان لذا كانت الانتخابات اللبنانية الاخيرة التي هنأنا العالم بقدرتنا على اجرائها بشفافية في موعدها الدستوري، قد عادت بنا نصف قرن الى الوراء، ومسحت من لوحة احلامنا مشاهد توحّدنا في ساحة شهداء ومسيرتنا في 14 آذار، فضلاً عن مشهد انسحاب الجيش السوري ومخابراته "تنفيذاً لاتفاق الطائف"، حيناً، واحياناً "تنفيذاً للقرار 1559" – وفق ما قالت دمشق نفسها – بينما تركت حكومتها اتباعها (الذين لم ينسحبوا معها بل اشتدت وطأتهم مذذاك) ينادون بسقوط القرار 1559 الذي نفّذ منه ما يمكن تنفيذه، وتمَّ التوافق الدولي والداخلي على طي صفحة مطالبته المستحيلة بنزع سلاح "حزب الله"...
وكأنما في ابقاء الاعتراض على القرار تمهيداً لمطالبة مقبلة بالرجوع عما تنفّذ منه... وتلك تكون "القنبلة الموقوتة" في وطنٍ جديد للارهاب الذي توسعت حربه، بينما كان الهمّ الأول للبنانيين هو اخراج لبنان، حكماً شعباً، من دنيا هذا الشؤم الذي دفعنا ثمناً له فوق طاقتنا، ولا يزال التهديد بالمزيد قائماً !
***
بكلام عملي، العبرة الأولى مما يحصل الآن على "جبهة" الأزمة الوزارية هي ان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ادخل "حكم الطائف" في حال فقدان التوازن، فكشف العورة الكبرى لـ"دستور الطائف"، وهي ان "الترويكا" التي استودعها الدستور حكم لبنان محكوم عليها – كلما اختلفت، او عجزت عن استنباط حكومة تُخرج لبنان من "أزمة" وزارية – محكوم عليها، نقول، ان تلجأ الى حَكَمٍ ارفع من "الثلاثي المرح" الذي كانته الى حين!... وهذا الحَكَم كان دائماً دمشق الآمرة الناهية، والتي ترك جلاؤها فراغاً دستورياً كان مفروضاً على اللبنانيين (أي على الطبقة الحاكمة المعتادة ان تُحكم ولا تَحكم...) ان يملأوه باستقلالية جديدة يستمدونها من التفويض الانتخابي الذي لم يفسّروه تفسيراً سيادياً، بل جعلوه مصدر انقسام لا على الحقائب وقواعد التمثل في الحكومة فحسب، بل على الاقتناع بأن الجلاء السوري هو كذلك جلاء عن الازمات الوزارية... وكان يجب ان يكون جلاء عن الازمة الدستورية التي فرضت لها دمشق حلاً هو التمديد الذي صار مصدر كل اللامشروعيات الدستورية التي نشهد اليوم ومنها نتظلم.
***
بكلام عمليّ، نكرر: كيف المخرج؟
بالرجوع الى دمشق؟... بالبحث عن "بابٍ عال" بديل؟
لا، كلا...
المطلوب، بكلام عملي، أن يُخرج مجلس النواب (ورئيسه على الأخصّ) الازمة الوزارية من لعبة شد الحبال التي قد تعود بنا، اذا استمرت، لا الى"لعبة اقفال الحدود" أمام الشاحنات، ولا الى لعبة اعادة فتحها امام التبعية المخابراتية المافيوية الإرهابية... بل الى نشوء "حال ثورية" تفجّرها الضائقة الاقتصادية المطلّة علينا اذا لم تنفجر تلقائياً نتيجة الضغط الشعبي الساطع الذي لا يراه سكان قصور الحكم – دون استثناء – وقد يطيحهم كلهم عند اول زلّة قدم، من أين أتت، أو أول هزة، كائناً من يكون الذي يهز "تركيبة" الحكم التي نخرها الاهتراء!.
والمرجح ان تأتي الهزّة نتيجة مسيرة الاكثرهم اطمئناناً الى ان الوطن صار حقلاً سائباً لعنترياتهم، أيا تكن، ولو بالكلام "الدستوري" او "الشعبوي"، أو... "الأكثري – البرلماني"!!!
واذذاك، لن يجدي أحداً فتح الحدود السورية، ولا اقفالها، لأن الخراب لن يكون السير اليه في اتجاه واحد. والمعنى، ولو لم يكن في "قلب الشاعر"، لن يصعب فهمه على قلب الشارع ولا المشترع.
***
بين تجاوب المجلس (ورئيسه) وانفجار الحالة الثورية، أليس ثمة مجال لخطوة انقاذية اخيرة؟
بلى. هي خروج رئيس الوزراء المكلف من الحلقة المفرغة التي صار أسيرها، فيبرهن ان عنده على الاقل خميرة، وطاقة رجل الدولة الذي يأتمنه أصحابه على الاصلاح المنشود باجماع شعبي لا سابق له.
كيف؟... يترك الرئيس السنيورة النواب غارقين في "الرمال المتحركة" التي استنقعوا انفسهم والمجلس ككلٍ فيها، فيضعهم، قبل ان يأتي سواه ليضعهم هو أمام أمر واقع لا نظنه مبتكراً: تأليف حكومة اكسترا – برلمانية من الاصلاحيين المشهود لهم، تقنوقراطاً او سياسيين، او متميزين مستحدثين (كما في حكومة الميقاتي الذي نجح اختبارها) على ان تتمثل في هذه الحكومة كل الاتجاهات، انما دون اشراك الزعامات في "الطبخة".
وعند تأليف هذه الحكومة (بالتوافق مع رئيس الجمهورية) تعلن في رسالة مصارحة الى الشعب تطالبه والرأي العام بتأييدها والضغط على النواب لاعطائها فرصة الاصلاح الدستوري الأخيرة قبل... ماذا؟... قبل الإنهيار أو الإنفجار.
وأياً تكن النتيجة، فانها ستظل أفضل من ترك الوضع يستمر في الميوعة المتزايدة والسجالات السقيمة المتمادية، التي ستنتهي حتماً الى تفريغ فرصة السيادة البرلمانية الأخيرة من جوهرها.
وبعد ذلك نعود نبحث في كيفية معالجة العِقَد الدستورية، ضمن دستور الطائف إياه، وبمعزل عن القرار 1559والإبتزاز بشعاراته.
وإن لم نفعل، إن لم نؤلف حكومة استثنائية وبشخصيات توحي الثقة داخلياً ودولياً، نكون انحدرنا الى مستوى في معالجة ازماتنا يقودنا الى الخراب، وليس من يسأل عنا ولا من يأسف!
ومن صحيفة النهار أيضاً وتحت عنوان:
للحريري دوافعه المشروعة في الداخلية ولـ"حزب الله" دوافعه المشروعة في الخارجية
حكومة السنيورة: خلاف على حقائب أم أزمة ثقة؟
كتب نقولا ناصيف
يعكس المأزق الذي يتخبط فيه تأليف الحكومة الجديدة ازمة ثقة اكثر منها خلافاً على اسماء وحقائب. وهو مأزق يقيم حصراً بين الطرفين اللذين صنعا الغالبية النيابية وهما الزعامتان السنية والشيعية. اذ مذ قرر الرئيس ميشال عون عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، بعدما اصر رئيس الغالبية النيابية النائب سعد الحريري على الاحتفاظ بحقيبة العدل، لم تعد ثمة عقدة مسيحية تعترض تأليف الحكومة، ولم تعد ثمة شكوك في سيطرة الحريري على غالبية الثلثين في الحكومة الجديدة. الا ان المأزق انتقل الى المكان غير المتوقع، وهو الخلاف بين الشركاء الفعليين في التحالف الذي ارساه قانون 2000.
ويبدو ان المأزق الحكومي مفتوح لايام اخرى. على الاقل بحسب ما نسب الى رئيس الوزراء المكلف فؤاد السنيورة في الساعات الاخيرة، بقوله: "لننتظر حتى الاثنين". ولكن من غير ان تظهر مؤشرات الى حلحلة. بل في الواقع يلمس المتصلون بالرئيس نبيه بري و"حزب الله" استياء وغضباً حيال الطريقة التي يُدار بها تأليف الحكومة الجديدة والتعامل مع الطائفة الشيعية على انها اقلية سياسية، او في ابسط الاحوال خسرت انتخاباتها.
وتبعاً لمتابعين عن قرب المشاورات الجارية، فان ازمة الثقة بين الطرفين تكمن في المعطيات الآتية:
1 – تعتبر الزعامة الشيعية، والمقصود بها بري و"حزب الله"، انها هي التي صنعت الغالبية النيابية للمعارضة التي قادها الحريري والنائب وليد جنبلاط من خلال تجيير كامل للكتلة الشيعية الناخبة في دائرة بعبدا – عاليه في الانتخابات النيابية. فادى انحياز هذه اليهما ضد الرئيس ميشال عون الى اكسابهما 11 صوتاً، من دونها لما كانت ثمة غالبية نيابية، ولاقتصرت كتلة الحريري – جنبلاط مع حلفائهما على 61 نائباً (لا يشكلون الاكثرية المطلقة). وهذا الرقم كان معرضاً للتدني ايضاً في دائرة البقاع الغربي لو انحازت الكتلة الناخبة الشيعية بايعاز من الحزب الى فريق آخر او توزعت اصواتها على اكثر من لائحة.
واذ اعتبر الحزب وقتذاك انه يقترع سياسياً للائحة جنبلاط، فواقع الامر ان تعامل الاخير وحليفه الحريري مع الزعامة الشيعية ادى الى خيبة مُرّة لدى هذه. الا ان ذلك افضى الى حقيقة سياسية اخرى هي ان كلا من الحريري وجنبلاط يدين لـ"حزب الله" بانتصاره: الاول سياسياً من خلال سيطرته على الغالبية النيابية، والثاني انتخابياً بوضع بعبدا- عاليه في دائرة زعامة درزية، ولكن باصوات شيعية بعدما نجح عون في ابراز توازن للقوى في المنطقة واستقطاب الناخبين المسيحيين اليه.
2 – ترى الزعامة الشيعية ان الدوافع "المشروعة" التي يقول بها الحريري وجنبلاط في تبرير تمسكهما بحقيبتي الداخلية والعدل وبحصر تسمية وزيريهما بهما وحدهما للاشراف على ملف التحقيق في اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، تقابلها دوافع "مشروعة" مماثلة في تمسك بري و"حزب الله" بحقيبة الخارجية وبتسمية الوزير الشيعي اللذين يقرران للاشراف على سياسة خارجية لا تهدد مصير المقاومة وسلاحها في ظل القرار 1559.
وتالياً ليس لفريق مشرف على ملف يعتبره كارثة بالنسبة اليه ان ينكر على فريق اخر الاشراف على ملف يعتبره كارثة بالنسبة اليه ايضاً. الا ان ذلك يقود ايضاً الى المقاربة التي تتخذها الزعامة الشيعية لموقعها في المعادلة الداخلية، وهي ان تكون شريكاً فعلياً في السلطة لا متممة لسلطة الآخرين. وهو في واقع الحال ما عناه الدور المزدوج الذي اضطلع به بري و"حزب الله" في وقت واحد: امرار قانون 2000 وبناء تحالفات انتخابية زوجت تظاهرة "الوفاء لسوريا" في 8 آذار من "انتفاضة الاستقلال" في 14 آذار، وصولاً الى ولادة التحالف الرباعي مع الحريري وجنبلاط.
3 – ترتبط مخاوف بري و"حزب الله" بحقيقة يختبرها لبنان للمرة الاولى منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان، هي ان على هذا البلد ان يرسم لنفسه سياسة خارجية مستقلة عن دمشق التي عملت في السنوات الـ15 الاخيرة على الاقل على ادارة الحقيبة الديبلوماسية اللبنانية مباشرة وفق سياسة طمأنت في بعض جوانبها "حزب الله" الى مقاومته وسلاحه فاضحت ضماناً له. وليست هذه هي الحال اليوم بعد خروج دمشق من المعادلة اللبنانية، وتفكك المرجعية الباعثة على الاطمئنان لدى الحزب. وفي اي حال فان استمرار الضغوط الاميركية على لبنان من خلال تذكير السلطة الجديدة بالبنود المتبقية من القرار 1559 برسم التنفيذ يحمل الزعامة الشيعية على القلق وعلى الاصرار على الاشراف المباشر على السياسة الخارجية للبنان بالوزير الذي تختاره هي. وهو أمر يعني ضمناً ان الحزب يريد ان يكتشف بنفسه السياستين الاميركية والفرنسية في لبنان وان يراقب عن كثب تأثيرهما، فضلاً عن ادارته بنفسه معركة منع تجريده من سلاحه تنفيذاً للقرار 1559.
4 – رغم ان المشكلة القائمة الآن هي بين فريقي الزعامتين السنية والشيعية، فواقع الامر ان ثمة طرفاً ثالثاً دخل على خط التوازن في هذه الازمة هو الرئيس اميل لحود، صاحب التوقيع الدستوري على مرسوم تأليف الحكومة الجديدة. وهي صلاحية لا تجعله ملزماً الموافقة على اي تشكيلة حكومية يعتقد بانها تفتقر الى مقومات التوازن الوطني سياسياً وتمثيلياً. وهي الاسباب التي حملته في اجتماعه بالسنيورة الاربعاء على حضه على اعادة فتح قنوات الحوار مع عون والتفاهم مع "حزب الله".
وقد كان رئيس الجمهورية يرد بذلك على طلب الرئيس المكلف منه التوسط لدى "حزب الله" للقبول بالصيغة التي يقترحها لوزارة الخارجية. وعلى ذمة راو واسع الاطلاع، كان جواب الرئيس المكلف ان ارضاء عون يغضب جنبلاط.
وفي صحيفة النهار:
وتحت عنوان :لماذا التمثيل الحكومي لعون ضرورة ؟
كتب سركيس نعوم
عاود الرئيس المكلف فؤاد السنيورة الاتصال بمؤسس "التيار الوطني الحر" وزعيمه النائب ميشال عون، لاقناعه بالموافقة على تمثيل كتلته النيابية المؤلفة من 21 نائبا في الحكومة التي يسعى جاهدا لتأليفها منذ مساء يوم الجمعة الاسبق وكان عون اعتذر عن الاشتراك في الحكومة العتيدة لاسباب عدة قد يكون أبرزها رفض كتلة "تيار المستقبل" التخلي عن وزارة العدل لأحد نوابه والاجواء المكهربة بينه وبين الزعيم الدرزي الابرز النائب وليد جنبلاط الذي اتهمه العونيون بالعمل الدؤوب لاقصاء تيارهم عن الحكومة ولمنع قيام علاقة تعاون وتفاهم بين "مستقبل" الحريري وتيارهم الوطني.
ما هي اسباب معاودة الاتصال المشار اليها اعلاه علما ان الرئيس المكلف السنيورة اعلن للاعلام بعد تلقيه مباشرة اعتذار التيار الوطني من زعيمه موحيا بذلك انه قبل الاعتذار وسيتابع مساعيه لتأليف الحكومة انطلاقا منه؟
لا شك في ان اصرار رئيس الجمهورية العماد اميل لحود على حكومة وفاقية وعلى تمثيل حكومي متوازن يعكس التوازنات التي افرزتها الانتخابات النيابية الاخيرة، وهو اصرار اعلنه صراحة قبل لقائه الاول بالسنيورة منذ تكليفه واثناء ذلك اللقاء، كان احد اسباب اعادة النظر بالاعتذار "الوطني". ذلك ان الاصرار الرئاسي المشار اليه يمكن ان يترجم رفضا للتشكيلة الحكومية التي يعرضها عليه الرئيس المكلف، اي تشكيلة، والرفض يمكن ان يتخذ شكل الامتناع عن اصدار مرسوم تأليف الحكومة. وذلك يمكن ان يمر في ظل موقف شعبي وتحديدا مسيحي يؤمن ببرنامج عون ويرى ان وجوده في الحكومة يساعد على تنفيذه وخصوصا بعدما اعلن الحريري وعون في اعقاب اجتماع بينهما انهما متفقان برامجيا على نحو 95 في المئة من الموضوعات. ويمكن ان يمر ايضا في ظل نص دستوري يقول ان تأليف الحكومة يتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الامر الذي يدفع الكثيرين الى اعتبار الاول شريكا اساسيا له الحق في التسمية او في الاعتراض وليس مجرد موقع على مرسوم التأليف. ولا شك ايضا في ان دعوة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير ثم مجلس الاساقفة والمطارنة الموارنة الى تأليف حكومة اتحادية (اتحاد وطني) كان لها الاثر الواضح في معاودة الاتصال بين الرئيس المكلف والعماد عون. ذلك ان غياب الاخير عن الحكومة يفقدها الطابع "الاتحادي" الوفاقي هذا. كما انه يكشف ضعف التمثيل المسيحي فيها رغم ان اركان هذا التمثيل لم يقصر معظمهم في العمل لاستعادة لبنان سيادته واستقلاله وقراره الحر ولكن من داخل البلاد. ومن شأن ذلك كله افقاد حركة 14 آذار الماضي زخمها بل انهاؤها ومن شأنه ايضا "فرفطة" المعارضة "الوطنية" التي تكونت للمرة الاولى منذ سنوات طويلة بل عقود وتاليا تبديد المنجزات التي حصلت حتى الآن. وهذا امر لا يتساهل فيه "تيار المستقبل" وزعيمه النائب سعد الدين الحريري وممثل الاثنين في رئاسة الحكومة فؤاد السنيورة.
لكن لا شك ايضا في وجود اسباب اخرى لمعاودة اتصال الرئيس المكلف بالعماد عون بغية جعله وكتلته النيابية جزءا بل ركنا في الحكومة العتيدة. وتتعلق هذه الاسباب بالمهمات السياسية لهذه الحكومة وليس فقط بالجانب الاصلاحي. وهذه المهمات كثيرة لكن ابرزها اثنتان. الاولى الانطلاق وسريعا في حوار جدي وصادق ومتكافىء مع سوريا بغية تنظيم علاقة لبنان معها بل بغية تصحيحها وخصوصا بعدما حولت سوريا العلاقة المميزة التي اقرها اتفاق الطائف وقبلها اللبنانيون علاقة سيطرة على كل المرافق وعلاقة ادارة مباشرة للوضع اللبناني بكل تفاصيله. وحوار كهذا ضروري لانه يساعد الحكومة العتيدة في اشاعة استقرار مهزوز او ربما غائب وفي التغلب على عقبات معروفة كثيرة ولانه يسهل حل مشكلات اقتصادية بدأ لبنان يعانيها نتيجة اجراءات سورية معينة على حدودها مع لبنان ولانه يطمئن سوريا الى ان مشكلة لبنان واللبنانيين معها انتهت بخروجها العسكري والامني والى ان مصلحة لبنان تفرض عليه الحرص على امن سوريا وعدم المساهمة مباشرة او مداورة في زعزعته عبر الانخراط في اي مشروع خارجي اقليميا كان او دوليا. اما المهمة الثانية فهي طريقة التعاطي مع القرار الدولي 1559 الذي نفذ اخر بنوده (خروج سوريا من لبنان) والذي لا تزال بنوده الاخرى تنتظر التنفيذ وخصوصا التي منها تتعلق بنزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. ومعروف ان لبنان الرسمي قبل هذا القرار في السابق مع اعتراض على مضمونه او بعض مضمونه انطلاقا من اقتناع بحاجته الى المجتمع الدولي وبعدم صوابية الانتقائية في هذا المجال اي قبول ما يعجبه في قرارات مجلس الامن ورفض ما لا يعجبه منها. ومعروف ايضا ان نزع الاسلحة الذي ينص عليه يثير اعتراضات داخلية معظمها اسلامي وتحديدا شيعي. علما ان كل السلطات اللبنانية اعتبرت انه على دوليته شأن داخلي يمكن حله بل يجب حله بواسطة حوار داخلي يشمل الجميع بما في ذلك الجهة المستهدفة به. انطلاقا من ذلك لا بد من القول ان الخط الرافض لنزع السلاح وان بالحوار سيكون اقوى داخل حكومة يكون عون وتياره خارجها. ويمكن القول ايضا ان وجوده فيها يجعل الحوار حول هذه "المشكلة" لا مفر منه. ذلك ان العماد عون وبهدوء مطلق ومن دون عدائية لاحد وخصوصا لـ"حزب الله" وللشيعة عموما ومع تفهم كل ظروفهما لا يزال متمسكا بحل لمشكلة سلاح المقاومة والفلسطينيين ولا يبدو مستعدا للمساومة على ذلك وان كلفه الأمر الابتعاد عن الحكومة بخلاف جهات اخرى تناقضت في مواقفها من هذا الموضوع اكثر من مرة في الاشهر الماضية، اذ كانت تارة مع القرار 1559 داعية المعنيين به الى الحكمة والتعقل لان العالم تغير والى العودة الى اتفاق الهدنة لعام 1949. وكانت طورا مع مواجهته ولا تزال معتبرة انها عندما وقفت معه كانت "خارجة عن طورها" لاسباب معينة. وهو يدعو المعترضين على ذلك باعتباره نتيجة وصاية دولية او مؤامرة دولية الى تناسي القرار 1559 والى احترام اتفاق الطائف الذي ينص على بسط لبنان الرسمي سيادته على الجنوب وعلى العودة الى اتفاق الهدنة.
هل يعكس تمسك عون بحل مشكلة سلاح "حزب الله" وغيره ايحاء دوليا او موقفا ذاتيا؟ ربما يعكس ايحاء دوليا ولكنه قطعا يعكس في الوقت نفسه موقفا ذاتيا يجعله منسجما مع نفسه.
طبعا قد تتألف الحكومة بالعماد عون او من دونه. لكن ذلك يجب الا يبعد الحكومة وكل المشتركين فيها وكل اركان الدولة عن متابعة الاوضاع الدولية وخصوصا بعد التفجيرات الارهابية التي تعرضت لها لندن قبل يومين. فهذه التفجيرات أعطت من جديد شرعية دولية جامعة لمحاربة الارهاب رغم اختلاف مفهوم اللبنانيين والعرب له عن مفهوم المجتمع الدولي له وهذه الشرعية ستنعكس تشدداً على لبنان رغم معرفة المجتمع المذكور ان الجهة التي قامت بالتفجيرات او التي يشتبه في انها قامت بها ليست على ود او ربما على اتصال بـ"حزب الله" ومقاومته.
وفي صحيفة النهار:
تحت عنوان: لئلا يفجّر القرار 1559 الحكومة كما فجّرها سابقاً حادث العرقوب
هل يتم الاتفاق مسبقاً على مضمون البيان الوزاري ؟
كتب أميل خوري
تخشى أوساط سياسية ان تحمل حكومة الاتحاد الوطني في طياتها وفي حال التوصل الى تأليفها، بذور تفجيرها من الداخل اذا لم يسبق تأليفها اتفاق بين جميع اعضائها على برنامج عملها الذي يتناول كل القضايا السياسية والادارية والاقتصادية والمالية فضلا عن السياسة الخارجية والموقف من القرار 1559 والعلاقات اللبنانية السورية، لان وضع هذا البرنامج بعد تشكيل الحكومة من شأنه ان يثير خلافا حول المواضيع التي سيتضمنها بحيث تنفجر الحكومة قبل ان تمثل امام مجلس النواب، ويصبح من يستقيل منها صاحب شعبية واسعة.
لذلك، ترى الاوساط نفسها انه لا يكفي جمع الاضداد والمتخاصمين في حكومة واحدة واعتبار ذلك انجازا انما جمعهم حول برنامج واحد والتوصل الى اتفاق حول كل المواضيع التي يتضمنها، لانه من الافضل تشكيل حكومة منسجمة ومتجانسة لها موقف واحد من القضايا المطروحة وقادرة على تنفيذ هذا البرنامج بسرعة على تشكيل حكومة اتحاد وطني غير موحدة الرأي والموقف من هذه القضايا وسرعان ما تنفجر من الداخل ويكون لانفجارها دوي قوي يجعل البلاد مفتوحة على كل الاحتمالات.
ان الحكومة المقبلة سواء كانت حكومة اتحاد وطني او كانت حكومة ائتلافية تمثل الكتل التي تؤلف الاكثرية، تواجهها تحديات كثيرة في شتى المجالات، ينبغي التوافق عليها وصوغها في مسودة بيان وزاري قبل ان تتم عملية التأليف بحيث ينضم الى الوزارة من يوافق مسبقا على هذا البيان الذي يتضمن من جملة ما يتضمن الآتي:
اولا: تحديد اطر موازنة عام 2005 التي انقضى نصفها، وهل يمكن العودة الى الموازنة الاصلاحية او الشورية التي كان الرئيس المكلف فؤاد السنيورة قد وضعها قبل استقالة الحكومة عندما كان وزيرا للمال وهل باتت الطبقة السياسية، وهي اياها تقريبا، تتقبل مثل هذه الموازنة التي تلغي مجلس ادارة، وتدمج مؤسسات وتلغي نفقات، لان في اقرار مثل هذه الموازنة يكون المدخل الصحيح للاصلاح الاداري والمالي، مع العلم ان تلك الموازنة لاقت في حينه تجاوبا من مختلف الاوساط ولاسيما الاقتصادية منها.
وكان رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي قد اطلق ما سماه "خريطة الطريق" بوضعه ميثاقا اقتصاديا للبنان يتضمن تشخيصا متكاملا للوضع اللبناني مقترحا تأليف لجان تشارك فيها هيئات المجتمع السياسي والاقتصادي والاهلي لصوغ حلول يتم التوافق عليها تمهيدا لعرضها كورقة متكاملة يحظى لبنان على اساسها بالدعم الدولي، وهذا الطرح للرئيس ميقاتي يمكن ان يكون موضوع درس مع غيره من الطروحات والبرامج كتلك التي اقترحها عميد الكتلة الوطنية كارلوس اده و"التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" وهي برامج صالحة للبحث والمناقشة من اجل استخلاص برنامج موحد ينتظره المجتمع الدولي لتقرير مساعدة لبنان على اساسه شرط التزام تنفيذه.
ثانيا: تنظيم العلاقات اللبنانية السورية على اسس جديدة تكون واضحة وصريحة ولمصلحة البلدين، بحيث لا تتدخل اي دولة في شؤون الدولة الاخرى لا سياسيا ولا اقتصاديا، ووجوب مباشرة تنظيم هذه العلاقات بسرعة كي لا يظل الاقتصاد ورقة ضغط تستخدم لاهداف سياسية كما هو حاصل في رأي البعض على الحدود مع سوريا بالنسبة الى الشاحنات التي يفرض عليها الانتظار وقتا طويلا بحجة التفتيش، والتأخر عن ضخ الغاز السوري الى معمل دير عمار بحجة اعادة النظر في الاتفاقات المعقودة بين البلدين...
ثالثا: وضع خطة عمل يتقدم بها لبنان الى المجتمع الدولي طلبا للمساعدة، تكون البنود الاصلاحية من مشروع السنيورة لموازنة العام 2005 من اسسها، فضلا عن برامج اصلاحية اخرى ونظام ضريبي عادل مما يشكل حافزا للحصول على المساعدات التي يحتاج اليها لبنان، فضلا عن اجراءات لخفض مبالغ خدمة الدين العام وتحقيق ادارة افعل للدين العام لتحسين مردودية ادارة موجودات الدولة وعائداتها، وتسريع اتمام عملية الخصخصة.
رابعا: اجراء حركة تعيينات واسعة ومناقلات على كل المستويات الادارية والقضائية والامنية.
خامسا: تحديد موقف واحد وموحد من القرار 1559 يكون بعيدا عن المزايدات ويأخذ بالواقع الدولي الذي لا يمكن التصدي له بدون التحسب للعواقب المالية والاقتصادية، فلا رفض هذا القرار او طلب الغائه كما يدعو البعض، مقبول، ولا التعهد بتنفيذ ما بقي منه مقبول، وانه لا بد من التوافق على موقف يحظى بتأييد الحكومة والمجلس والشعب وتقديم المصلحة اللبنانية على اي مصلحة اخرى خارجة، وتكوين فهم مشترك لهذا القرار يساعد على ايجاد مخرج ملائم لا يضع لبنان بين خيارين صعبين: اما التضحية بالمساعدات المالية للبنان واما التضحية بالامن والاستقرار.
ان الاتفاق على كل هذه الامور وغيرها ينبغي ان يسبق تأليف اي حكومة لاسيما حكومة الاتحاد الوطني كي لا تتحول حكومة انقسام وافتراق بين اللبنانيين يضربان الوحدة الداخلية واسس العيش المشترك. فتأليف الحكومات ايا يكن شكلها ليس هو الغاية والهدف، انما في الاتفاق على الوسيلة التي توصل الى ذلك.
لقد تشكلت في الماضي حكومات مصغرة اختصرت صورة الوحدة الوطنية او اختزلت مجلس النواب، فكانت حكومة برئاسة خالد شهاب والوزراء موسى مبارك، سليم حيدر، جورج حكيم في مستهل عهد الرئيس شمعون الذي ارادها من خارج المجلس لكي يتجنب عقد تشكيل حكومة من داخله ولكي يستطيع من خلال هذه الحكومة المصغرة احداث التغييرات التي يريد بموجب مراسيم اشتراعية، ثم حكومة رباعية في مستهل عهد الرئيس شهاب برئاسة رشيد كرامي والوزراء حسين العويني وريمون اده وبيار الجميل لكنها لم تعمر بسبب استقالة ريمون اده منها احتجاجا على تصرفات بعض ضباط "المكتب الثاني" وحكومة رباعية في عهد الرئيس شارل حلو برئاسة عبدالله اليافي والوزراء حسين العويني، بيار الجميل ريمون اده، وقاد استقالت هذه الحكومة بعدما يقارب الثلاثة اشهر بسبب الخلاف بين اعضائها على كيفية مواجهة دخول اول دفعة من المسلحين الفلسطينيين الى منطقة العرقوب، وكان هذا الدخول بداية المشكلة في لبنان التي اشعلت حرب السنتين.
ان هذا يدل على ان المهم ليس تأليف الحكومات ايا يكن شكلها، وحجمها، انما تحقيق التآلف والتجانس داخل كل حكومة توصلا الى تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه مسبقا في البيان الوزاري. فاذا كان دخول مسلحين فلسطينيين الى العرقوب فجر الحكومة لعدم اتفاقها على كيفية مواجهة هذا الدخول، فان كيفية مواجهة تنفيذ القرار 1559 قد يفجر اي حكومة مقبلة، اذا لم يتم التوصل مسبقا الى اتفاق حول هذا القرار.
في صحيفة الشرق:
تحت عنوان:الكفاءة في الاختيار بعيداً عن الطائفية والمذهبية
كتب عوني الكعكي
... من الطبيعي ان يكون تطويب هذه الحقيبة الوزارية او تلك لطائفة او لمذهب، بعيدا عن اعتماد الكفاءة كوسيلة فضلى وأهم لهذا الشخص او ذاك، لا فرق إن كان مسلماً او مسيحياً.
يحضرني هنا ان القمة العربية فوضت الرئيس اللبناني سليمان فرنجية، وهو المسيحي الماروني، الذهاب الى الامم المتحدة والتكلم باسم العرب داعيا الى استعادة الحقوق الفلسطينية، كان ذلك في العام 1974، ولم يأخذ القادة العرب يومها في اعتبارهم المسألة الطائفية، بما اعتبر خطوة متقدمة في العمل العربي القومي، حيث لا فرق بين مسيحي او مسلم إلا بمقدار ايمانه بعروبته وبالقضايا القومية.
... نحن كلبنانيين نطمح، خصوصا في مرحلة التغيير التي نشهدها، الى الابتعاد عن الطائفية والمذهبية في اختيار المواقع، واعتماد الكفاءة اولاً وأخيراً.
... واذا اردنا اتخاذ حقيبة وزارة الخارجية كمثال، فإننا لا نجد من الضروري على الاطلاق «تطييفها ومذهبتها" علماً ان في الطائفة الشيعية كفاءات كبيرة قادرة على الامساك بالملف الخارجي، ولكننا في الوقت عينه نفتقد الى كفاءات كبرى غيبتها الانتخابات بكل أسف، اذ ان جان عبيد كان من انجح من تسلم حقيبة الخارجية، وكذلك نسيب لحود الذي في رأينا - الى جانب انه من القادرين والناجحين في العمل التشريعي - كان من الممكن ان يكون وزيرا للخارجية، ونفتقد ايضا مخايل الضاهر الذي لم يحالفه الحظ في الانتخابات، ما نعتبره خسارة كبيرة في رسم السياسات، اضافة الى انه من اساطين العمل التشريعي.
... من الضروري هنا ان نستدرك ونقول «ان من يطالبون ببعض الحقائب، إن كانوا من هذه الطائفة او تلك، لهم مبرراتهم، ووزارة الخارجية تندرج في هذا الاطار تماما، ولكن مع ذلك، فإن اي حقيبة وزارية لا تشكل لوحدها ضمانة لهذه الطائفة او ذاك المذهب، ولا تشكل تحصينا لموقف وطني او سياسي، بل على العكس تماما، فإن الضمانة الوحيدة للجميع هي في اختيار الموثوقين وطنيا، ويحملون كفاءة عالية لادارة وزاراتهم.
... قد تكون المعالجة هي الخطأ، وهذا صحيح الى حد ما، إلا ان الاسباب الآيلة الى التمسك بأي حقيبة تكمن في ان شيئاً لا يزال يتطلب معالجات وحوارات، بشرط التخلي عن العقلية الطائفية.
لقد اعتمد العرب عندما كلفوا الرئيس اللبناني سليمان فرنجية التحدث باسمهم في الامم المتحدة، معيارا قومياً، ووجدوا ان لبنان التعددي في طوائفه هو خير من يتكلم باسمهم، وقد حققت الخطوة المراد منها، اذ أظهر العرب من خلال سليمان فرنجية المسيحي - الماروني، ان قضاياهم المحقة ليست ذات طابع طائفي على الاطلاق، والصراع في المنطقة ليس بين المسلمين واليهود كدين، بل هو بين العرب ومن اغتصب حقوقهم من الاسرائيليين اليهود.
... من هذا المعيار لا بد من الانطلاق لبناء لبنان الجديد، ومن هذا المنطق يجب تشكيل حكومتنا المقبلة، والمعالجة لا يمكن ان تكون صحيحة إلا في اعتماد الكفاءة التي هي الاساس المتين كي تستطيع هذه الحكومة التي نعلق عليها الآمال للانقاذ على الصعد كافة.
وفي :الشرق" أيضاً
وتحت عنوان: "الفارون" الى "اسرائيل" مجموعات خاصة مرتبطة بالــ"504" متهمون بعمليات امنية وعسكرية واسعة وتهريب مخدرات واسلحة
كتب يحيى جابر
بتاريخ 17/3/2005 اي بعد شهر تقريبا على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عقد في مستعمرة «المطلة" الاسرائيلية اجتماع امني على جانب من الاهمية والخطورة، شارك فيه عدد غير قليل من عناصر ومسؤولي ما كان يسمى سابقا بــ«جيش لبنان الجنوبي" من الذين التحقوا بدولة العدو قبل 24 ساعة من تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب في ايار العام 2000، حضر هذا الاجتماع ضابط الامن الاسرائيلي المعروف باسم «حنان"، الذي كان لسنوات الاحتلال مسؤولا عن المهام الامنية الدقيقة والخاصة في الجنوب.
عرف من الذين حضروا هذا الاجتماع المسؤول الامني (السابق) في «ميليشيا الجنوبي" عيد مسلم عيد (من جديدة مرجعيون). مسؤول شعبة الاعلام سابقا في منطقة مرجعيون ريمون ابو مراد. مسؤول التحقيقات في معتقل الخيام (سابقا) جان الحمصي (من برج الملوك). مسؤول فوج الــ90 (سابقا) سمير ندا (من القليعة). مسؤول الامن السابق في منطقة جزين سيمون الشوفي (من مرجعيون). مسؤول الاشراف المباشر عن معتقل الخيام (سابقا) سلام فاخوري (يحمل هوية على انه من جديدة مرجعيون لكنه من خارج المنطقة). مساعد قائد معهد التدريب في المجيدية (سابقا) سعيد نجم غطاس. نائب مسؤول امن ميس الجبل (سابقا) عزت رضوان. مسؤول امن منطقة حاصبيا (سابقا) علم الدين بدوي. وكل من كريم فرحات (من عناصر الجهاز 504) فارس القسيس (من اللواء الغربي)، خالد سبليني (مسؤول عسكري سابق في الناقورة) وحنا حليحل (من جهاز الــ504).
لم يتسرب شيء عن هذا الاجتماع في حينه.. لكن مصادر امنية تابعت الامر رجحت ان يكون لهذا الاجتماع ذي الطابع الامني البحت تداعيات في الداخل اللبناني متصلة بالاوضاع التي سادت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. وكيفية الافادة من الاجواء المستجدة لتأمين عودة هؤلاء الى لبنان، لاسيما بعد التصريح الذي كان ادلى به القائد السابق لما كان يسمى بــ«جيش لبنان الجنوبي" انطوان لحد، والمتضمن «استعداده للعودة الى لبنان بعد ان يتم خروج الجيش السوري وتسوية وضعه القانوني والقضائي".
المصادر نفسها التي واكبت هذه التحركات ورصدت الاتصالات بين «الداخل" وبين عدد من فعاليات الجنوب، لاسيما مع المطران صياح، تبين ان المجتمعين اياهم في «المطلة" قرروا «الافادة القصوى" من المناخ الجديد - بعد استشهاد الحريري - ليعودوا الى لبنان.. وتم تشكيل «خلية عمل تتولى الاتصال مع مرجعيات دينية لبنانية - وغير دينية - لتوفير التغطية الاعلامية والسياسية والقضائية الكفيلة بتأمين عودة هادئة وسليمة ومضمونة لهؤلاء.." زائد العمل مع «خلايا الخارج" من «القوات" وخصوصا في الولايات المتحدة «للضغط على الحكومة اللبنانية لرفع العقبات وتسهيل عودتهم..".
وقد تولت البطريركية المارونية اثارة هذا الملف، في الاعلام، وفي الاتصالات مع بعض المراجع الرسمية في الدولة ومع بعض السفراء، (لا سيما السفيران الاميركي والفرنسي)، الامر الذي فاجأ الكثيرين في توقيته وعناصره... لا سيما في منطقة الجنوب. ولذلك انقسمت الاراء حوله، ففي حين تتبنى البطريركية المارونية هذا الموضوع من زاوية خيارات وضعتها وهي: - اما ان يعود هؤلاء الى وطنهم وعائلاتهم (وقد آن الاوان لذلك)، واما ان يهاجروا الى بلاد العالم، واما يكتسبوا الجنسية الاسرائيلية.. (وهذا ما لا يقبل احد به).
ضمن هذا «الثالوث" تتحرك بعض المرجعيات الدينية والسياسية.. والواضح ان البطريركية تتبنى هذا الملف وتعمل على تحقيق عودة من تسميهم بــ«الفارين" الى «اسرائيل" نتيجة «الوضع الذي كان سائدا في الجنوب.. ونتيجة تخلي الدولة (اللبنانية) عنهم ورفضها تحمل المسؤولية تجاه مواطنيها.." على حد تعبير احد المرجعيات الدينية.. «وليس خيارا منهم".
الاتصالات مع «خلية الداخل" لم تنقطع للحظة واحدة، والذين اجتمعوا في المطلة يتابعون الوضع «لحظة بلحظة".
كذلك الذين يتابعون ملفاتهم، مقتنعون بضرورة انهاء هذا الامر «الانساني" لصالح عودة «الفارين" الى «وطنهم".. وان نسبة النجاح في ذلك «عالية جدا"، باعتبار ان هذا الملف هو احد نتائج مرحلة سابقة يجمع اللبنانيون على تجاوزها وطي صفحتها نهائيا.
لكن في مقابل هذا «التفاؤل" تبرز اعتراضات واسعة بدأت تعبر عن نفسها علنا في اوساط القوى الحزبية والعائلية في الجنوب، محذرة من مغبة اخذ الامر على خلفية انسانية بحتة..
في رأي هؤلاء، انه لا مانع من الناحية الانسانية عودة «الفارين" وعائلاتهم.. لكن المسألة ليست على هذا النحو من التبسيط، وانهم يخشون ان يكون وراء فتح «باب العودة" - من دون اجراءات قضائية وقانونية حاسمة وحازمة وملائمة - تعريض الساحة الجنوبية (خصوصا) والساحة اللبنانية عموما الى «خلل امني كبير" يستفيد من «الخلل الحاصل في الاجهزة الامنية اللبنانية" لاطلاق حال من اللااستقرار والفوضى خدمة لاغراض اخرى.. لاسيما وان باب العودة فتح سابقا في وجه هؤلاء ولم يتجاوبوا واختاروا البقاء في «اسرائيل".
من هم هؤلاء؟
مصادر امنية وسياسية واكبت ملف «الفارين الى اسرائيل" من اوله تقول انه مع انسحاب القوات الاسرائيلية من الشطر الاعظم من الجنوب (ايار الــ2000) بلغ عدد اللبنانيين الذين فروا مع جيش الاحتلال، حوالى الــ22 الفا (بما في ذلك العائلات والاطفال)، وكانوا ينقسمون الى ثلاث فئات:
- فئة اولى تنتمي الى «القوات اللبنانية" ومعظمهم من مهجري قرى شرق صيدا وعكار، زائد المجموعات التي كانت ترتبط بغسان توما.
- فئة ثانية هي المجموعات التي كانت ترتبط بالمدعو اتيان صقر (ابو ارز) وجورج عدوان، وهي ترتبط مباشرة بالجهاز 504، هذه المجموعات قاتلت في «الجبل" وقرى شرق صيدا.. وارتبطت باكرا بعلاقات امنية وعسكرية مع «اسرائيل"، اضافة الى ما دخل عليها من عصابات امتهنت التصفيات والقتل والتفجير وتهريب المخدرات والسلاح.
فئة ثالثة هي المجموعات الامنية والعسكرية التي اسست لنفسها (في ظل الاحتلال) حيثيات بارزة على الارض، لاسيما في حاصبيا ومرجعيون وبعض القرى المحيطة، مع عائلاتهم، زائد الذين ضعفوا وقاموا بعلاقات «ما" تجارية مع العدو وزاروا الارض المحتلة في فلسطين.
معظم هؤلاء والذين بلغ عددهم مع عوائلهم حوالى الــ22 الفا عادوا في فترات سابقة، واستفادوا من قرار الدولة المجمع عليه من تسهيلات وتخفيض العقوبات.. وقد تسلمتهم السلطات اللبنانية المختصة عبر الناقورة بواسطة القوات الدولية والصليب الاحمر.. وضمن «صفقة" ما تم الاتفاق عليها احيل من احيل الى القضاء المختص الذي لفظ احكاما مخففة على خلفية قرار سياسي بإنهاء هذه الصفحة والبدء بحياة جديدة.. وخفضت احكام الاعدام الى خمس سنوات.. والخمس سنوات الى ثلاثة اشهر.. وسكت الجميع (راضين مختارين).
يبلغ عدد الذين عادوا في السنوات السابقة (تحديدا بين عامي 2000 و2002) حوالى 18500 شخص (رجالا، نساء اطفالا) ومارسوا حياتهم الطبيعية من غير مضايقات، على الرغم من رصد العديد من حالات معاودة الاتصال بالعدو متنقلة بين الجنوب ومناطق اخرى..
الباقون في «اسرائيل" اليوم، والذي من اجلهم اعيد اثارة هذا الملف، يبلغ عددهم حوالى 3500 شخص (رجال، نساء، اطفال) ومعظمهم من قرى القليعة، رميش، عين ابل، دير ميماس، وقليل من حاصبيا وقرى قضاء صور وقرى شرق صيدا.. وهم في معظمهم من الذين كانوا في السابق يمثلون القيادات الامنية والعسكرية زائد جماعة جورج عدوان وابو ارز والمهربين وتجار المخدرات والمتورطين باعمال قتل وتصفيات وتفجيرات وجرائم مختلفة عدة.. واعمارهم تتراوح بين الــ35 و50 سنة وما دون ذلك.
هؤلاء، كان لهم على الدوام «وضع خاص"، فلم «يفروا" الى الارض المحتلة مع انسحاب الجيش الاسرائيلي وانما تم سحبهم بيوم واحد، «حفاظا على ارواحهم".
تقول المصادر: انه قبل 24 ساعة، وتحديدا في 21 ايار 2000 (قبل الانسحاب بيوم واحد) ابلغت القيادة الامنية والعسكرية الاسرائيلية، هؤلاء ان يتجمعوا ويتوجهوا مع عائلاتهم الى «المطلة".. وقد سهلت لهم «اسرائيل" عبورا مميزا واخذوا معهم سياراتهم وابقت بحوزتهم هواتفهم النقالة خلافا لما حصل مع سائر الفارين، وهم نظموا وضعهم داخل «اسرائيل" عبر حلقات امنية ضيقة باشراف الجهاز 504 المتمركز في مستعمرة «المطلة"..
الملف وضع قيد التداول، حجة المؤيدين «انسانية".
حجة المتحفظين والرافضين «امنية - سياسية - سلمية وطنية".
بين هذا وذاك، متى تقول الدولة كلمتها، وكيف ستكون هذه الكلمة؟ بالطبع، ليس الان، هو ملف سيقف الى جانب سائر الملفات التي تنتظر الحكومة المقبلة.. لكنه بالطبع ليس كسائر الملفات، انه الحد الفاصل بين «الخيانة" و«الوطنية".. انه الملف الذي يراهن البعض على انه سيكون احد ادوات الضغط على المقاومة وحزب الله وسائر القوى المقاومة، على الرغم من جوانبه الانسانية التي لا يمكن تجاهلها..
في صحيفة المستقبل وتحت عنوان :
بعد إطلاق نصرالله مبادرة جديدة تجاه الشيخ الطفيلي
هل يشمل قانون العفو العام أحداث
"عين بورضاي" ويقفل آخر ملف شيعي معلّق؟
كتب قاسم قصير
خلال زيارته الأولى لبلدة بريتال البقاعية منذ انطلاقة "ثورة الجياع" قبل عدة سنوات، اطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مبادرة جديدة لترتيب العلاقة مع الأمين العام السابق للحزب وقائد "ثورة الجياع" الشيخ صبحي الطفيلي عبر الدعوة "لطيّ صفحة الماضي وإنهاء الخلاف القائم بين الحزب والشيخ الطفيلي".
وجاء موقف نصرالله خلال الاحتفال التأبيني الذي أقامه الحزب للشهيد ملحم حسن سلهب الذي سقط الأسبوع الماضي خلال المواجهات في مزارع شبعا، حيث قال نصرالله "اننا اليوم في بلدة بريتال التي لها سابقة في الجهاد والمقاومة والشهداء، وأهلها معنيون بتأكيد تحصين الساحة الداخلية، وإذا كان بعضنا يفكر بأن نتحاور ونتصالح لجمع شمل الوطن، فالأجدى بنا ان نلم جمع شملنا".
وأضاف: "من هنا أؤكد اننا معنيون بهذه المسؤولية وأستفيد من هذا الدم الزكي المبارك، وأتوجه اليكم والى اخ كبير وعزيز، كان كبيراً وعزيزاً وسيبقى كبيراً وعزيزاً، اعني سماحة الشيخ صبحي الطفيلي، أقول نحن اخوة في سالف الأيام، حصل خلاف وتطور وانتهى".
وتابع: "اليوم ونحن في مرحلة نحتاج فيها ان نكون سوياً ومعاً لا من أجل فلان وفلان بل من أجل القضايا التي ندّعي اننا مستعدون للتضحية من أجلها ويدنا ممدودة وقلوبنا مفتوحة وعلينا ان نكون جادين في هذا الاتجاه".
كلام نصرالله هو أول اشارة علنية من قبل قيادة "حزب الله" للاستعداد لإعادة ترتيب العلاقة مع الشيخ الطفيلي والذي كان قد اطلق اشارات ايجابية تجاه الحزب قبل ثلاثة أشهر عندما عقد اجتماعاً للمئات من أنصاره في بلدة بريتال وأعلن فيه "ان أي محاولة أميركية أو إسرائيلية لاستهداف "حزب الله" لن تمرّ، وان المطلوب منّا جميعاً ان نكون يداً واحدة في مواجهة العدو الخارجي بغض النظر عن خلافاتنا السياسية والداخلية".
كلام الشيخ الطفيلي آنذاك لم يترجم، على الرغم من انه ترددت شائعات واخبار كثيرة عن ان هذا الكلام أتى في إطار مبادرة لإنهاء الخلاف بين الطرفين.
مصادر مطلعة في "حزب الله" أكدت ان كلام نصرالله في بريتال "جاء في سياق خطوات عملية يتم العمل لتنفيذها من أجل إنهاء الخلاف مع الشيخ الطفيلي، خصوصاً في ظل الظروف الداخلية والخارجية التي يمرّ بها لبنان والمنطقة، ومع سعي الحزب لعقد مصالحات وطنية مع جميع الأطراف في لبنان، وان عدة لقاءات عقدت في سبيل الوصول الى صيغة معينة لإنهاء هذا الخلاف".
لكن مصادر بقاعية اوضحت "ان كلام نصرالله لم يتحول حتى الآن الى مبادرة عملية وان المطلوب تحويل هذا الموقف الايجابي الى خطوات محددة، سواء لجهة إنهاء الملفات العالقة بين الحزب والشيخ الطفيلي، أو على صعيد التوصل الى صيغة سياسية على صعيد العلاقة بين الطرفين في المستقبل".
الأوساط القريبة من الشيخ الطفيلي تعتبر "ان المشكلة مع الحزب ليست ذات بعد محلي فقط، بل لها بعد إقليمي ايضاً وخصوصاً على صعيد الدور الإيراني. وان المسؤولين الإيرانيين يتحملون ايضاً مسؤولية كبيرة في إنهاء هذا الخلاف".
النقطة الاخرى المتعلقة بإنهاء الخلاف بين الشيخ الطفيلي و"حزب الله"، تتعلق بالملف القضائي لقضية أحداث حوزة عين بورضاي، والتي أدت لمقتل النائب السابق الشيخ خضر طليس وأحد ضباط الجيش اللبناني وجرح عدد من جنود الجيش والمواطنين.
وكانت هذه الأحداث أدت الى إصدار مذكرة توقيف بحق الشيخ الطفيلي وعدد من انصاره، ولم يتم إنهاء الملف حتى الآن.
من جهته، يعتبر الشيخ الطفيلي "ان ما جرى في عين بورضاي كان يهدف الى إنهاء ثورة الجياع"، وانه غير مسؤول نهائياً عن هذه الأحداث وان ما جرى كان جريمة بحقه وبحق انصاره ومؤيديه.
ولذلك يرفض الشيخ الحديث عن إصدار عفو بهذه القضية ويدعو لمعالجتها أمام القضاء المستقل والنزيه، هذا الموقف لا يمنع من ان يدعو "حزب الله" لأن يشمل قانون العفو العام الذي سيبحثه مجلس النواب قريباً لهذا الملف، خصوصاً ان النائب السابق نزيه منصور (عضو كتلة الوفاء للمقاومة)، كان قد تقدم خلال ولاية المجلس النيابي السابق بمشروع قانون معجل لإصدار عفو عام عن كل القضايا التي جرت في الفترة السابقة لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعدم الاكتفاء بموضوع سمير جعجع وموقوفي الضنية ومجدل عنجر.
وفي حال تم إقفال الملف القضائي لأحداث حوزة عين بورضاي، ستبقى هناك بعض الملفات العالقة بين الحزب والشيخ الطفيلي وخصوصاً فيما يتعلق بمصير عشرات الكوادر والأنصار الذين التحقوا بثورة الجياع بعد تركهم "حزب الله" وما تزال أوضاعهم عالقة، كما ان هناك بعض القضايا الاخرى التي تحتاج لترتيبات عملية.
وفي حال تحولت مبادرة السيد نصرالله العلنية في بريتال تجاه الشيخ الطفيلي الى خطوات عملية وتم التوصل الى اتفاق شامل بين الطرفين يشمل جميع الملفات العالقة، يكون "حزب الله" قد نجح في إنهاء أحد أبرز الملفات الشيعية المتوترة، بعدما تم ترتيب العلاقة مع المرجع السيد محمد حسين فضل الله مجدداً، وكذلك في إزالة أجواء التشنج التي كانت سائدة بين المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والسيد فضل الله.
كما تأتي مبادرة السيد نصرالله في ظل التحالف المتزايد بين حركة "أمل" و"حزب الله" والذي برزت قوته بوضوح خلال المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة وإصرار الطرفين الشيعيين على موقفهما الموحّد على صعيد التمسك بحقيبة وزارة الخارجية.
هذه المعطيات تؤكد ان الوضع الشيعي في لبنان يشهد منذ الانسحاب السوري من لبنان وصدور القرار 1559 مؤشرات جديدة لتوحيد الساحة الشيعية ولمنع حصول أي اختراق داخلي أو خارجي، مما سيكون له انعكاسات مهمة على صعيد المرحلة المقبلة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018