ارشيف من : 2005-2008
إطلاق سراح الأسير المحرر مرتين محمد رمضان
صحيفة السفير:بعد 20 ساعة من اعتقاله ربطاً بالمشتبه به في قضية اغتيال حاوي
كتبت ضحى شمس
"أوقات بدنا نتحمل مسؤولياتنا، ويجب أن نعرف انهم لو لم يغلطوا بمحل أو اثنين ما كانوا ليتوصلوا الى الحقيقة. لكن، عتبي الوحيد كان على الطريقة. يعني سامحهم الله لو أنهم فقط اتصلوا بي لكنت ذهبت بنفسي اليهم"، هذا ما قاله الاسير المحرر مرتين محمد رمضان، مرة من سجن إسرائيل بتهمة المقاومة، ومرة أخرى الثامنة مساء أمس من سجن ذوي القربى في لبنان، بعد اعتقاله لعشرين ساعة تم التحقيق معه خلالها بتهمة لم تقل له صراحة لكنه "فهم" أنها "جريمة اغتيال أبو أنيس" الامين العام السابق للحزب الشيوعي الذي ينتمي رمضان اليه، كما قال ل"السفير" فور وصوله الى منزله.
ما إن أطلت سيارته عند مفرق الشارع الذي يقطن فيه، حتى تراكض رفقاؤه من الأسرى المحررين السابقين، ومن الحزب الشيوعي، وأهله وجيرانه في الحي وأصدقاؤه الكثر، لملاقاته بالعناق والزغاريد والقبل. وما إن خرج من السيارة المدنية التي أقلته تمام الثامنة وعشر دقائق، حتى انهمر الأرز وورق الورد من شرفة الطابق السادس حيث كانت والدته وإخوته وزوجته الأسيرة المحررة كفاح عفيفي ينتظرونه منذ الخامسة بعد تواتر الأخبار عن قرب إطلاق سراحه. وعند أسفل العمارة حيث استفردت به وسائل الإعلام، قال رمضان رداً على سؤال وعلى صياح أحد الأصدقاء "خبرنا شو الفرق" بين الاعتقال الاول والثاني، انه عومل "خلال العشرين ساعة الماضية معاملة جيدة جداً، وقدم لي الطعام والشراب لكنني كنت أريد فقط أن أفهم ما هي تهمتي. ولا يجب أن نقارن بين الاعتقالين فلا تصح المقارنة بين اعتقال الاعداء وبين أهلنا الذين عليهم أن يطرقوا كل الأبواب بحثاً عن الحقيقة التي نطلبها في جريمة اغتيال الرفيق جورج حاوي".
ولقد تزاحم المستقبلون على المصعد وانحشروا فيه حتى وصلوا الى الطابق السادس حيث يسكن. وما إن خرج من باب المصعد حتى كانت والدته ترمي بنفسها عليه كقلب يخفق، وشقت كفاح الصفوف لملاقاته وعناقه في حين كان ابنه أيمن ذو السنوات الست يمسك ببنطلونه ساعياً الى تقبيله في عجقة الزغاريد التي كانت كلمات شعرها ترحب، كما منذ سنوات طويلة "بأسرانا اللي تحرروا"!
تحرير محمد للمرة الثانية على التوالي
وفي التفاصيل، التي كانت كفاح عفيفي قد أخبرتنا إياها بعيد اعتقال زوجها، أن رجلاً مدنياً طرق الباب عليهم بعيد الحادية عشرة ليل الاثنين ليسأل إن كان "هنا منزل محمد رمضان اللي عندو سيارة فان، لأنو بدنا نستأجرو لرحلة". استدعت كفاح زوجها الذي كان يتأهب للنوم، فتحدث الى المدني وأفهمه انه لا يملك "فان" للرحلات، لكنه أعطاه رقم شقيقه الذي يملك مثل هذا الفان. وما هي إلا نصف ساعة، وكان محمد قد استحم ولبس بيجامته و"حط راسو ونام و الاولاد ناموا"، حتى طرق الباب من جديد".
تكمل كفاح روايتها "فتح محمد الباب، ولدهشتنا، كانت هناك هذه المرة قوة مسلحة من الجيش معها عناصر مدنية فهمنا منهم في ما بعد أنهم من مخابرات الجيش. لكن المفاجئ انهم شهروا سلاحهم علينا وعلى الأطفال النائمين "لأننا كنا فارشين في الصالون لأن البيت الجديد الذي انتقلنا اليه للتو لم يكن قد أنتهى بعد". وتتابع "صوبوا سلاحهم علينا والاولاد نيام. صاح بهم محمد "هودي ولاد شو عم تعملوا؟" فقالوا له "البس ثيابك". لم يكن معهم إذن تفتيش ولا من يحزنون. فاستبد بي الغضب. وصرخت بهم أنه لا يحق لهم لا الدخول الى حرمة المنزل في تلك الساعة ولا شهر السلاح علينا، كما اننا لم نفهم ما هي التهمة". تغص كفاح والغضب والحزن يتناوبان على حدقتي عينيها الواسعتين. ثم تتابع روايتها وهي تحاول أن تطرد ابنها أيمن لئلا يسمع ما تقوله فتزداد صدمته التي تلقاها ليلة امس الأول. ثم تضيف"قلت لهم: ما هذا الهجوم المسلح علينا؟ هل نحن إسرائيل وما معنا خبر؟ ما نكون عملاء؟ بدكم اياه؟ الناس بتجي الصبح. أهذا جزاء من يضحي من أجل وطنه؟ عندها رد علي المسؤول انهم "يحتاجونه لدقيقتين فقط" فهددته أني سأعلم كل الناس والصحافة بما يفعل، وأخذت سماعة الهاتف النقال، فما كان منه إلا أن انتزعها من يدي، ثم لزيادة الحرص أخذ التلفون المحمول. ولقد حاولوا تكبيله لكن محمد قال لهم "بدي انزل من بيتي بكرامتي ممنوع حدا يقرب علي". نسأل كفاح إن كانوا قد أبلغوه بتهمته أو الى أين يسوقونه أو من هم؟ فقالت "لم يقل لنا ما هي التهمة، لكنه قال "شي كثير خطير". المهم، أنزلوه بالمصعد في حين كان عنصر آخر يحرس الدرج وسيارات الجيش المليئة بالجنود متوقفة في الشارع. تركت الاولاد وحدهم والباب مفتوحاً وركضت خلفهم بعد أن طلبت المصعد، فكانوا قد رحلوا عن الشارع وكانت الناس، كل الجيران، في الشارع. فأخذت أمشي كالضائعة من أول الشارع الى آخره وبالعكس". تكاد كفاح تبكي. الفتاة التي لم يبكها الإسرائيليون وعملاؤهم في سجن الخيام، كادت تبكي لطعن كرامة عائلتها الوطنية، أي شرفها الحقيقي. تتابع روايتها فتقول انها عادت الى المنزل وهمت بالاتصال بأهل محمد "وإذ بالقوة نفسها مع عدد أكبر من المدنيين تعود الى الشقة بعد أقل من نصف ساعة! ما الخبر؟ يريدون تفتيش الشقة والسيارة. فقلت لهم لا تفتحوا باب السيارة إلا ورجلي على رجلكم، دخلوا يفتشون المنزل وخصوصا السقيفة، ونزلت أنا مع الآخرين ففتحت لهم السيارة ففتشوها تفتيشاً دقيقاً. أخذت القصة حوالى نصف ساعة. ثم اتصل أحدهم وقال لمجهول "ما لقينا شي سيدنا" فسألته ما اسمك؟ فقال علي، فقلت له الى أين أخذتم زوجي؟ فقال الى اليرزة. عندها اتصلت بسعاد في مؤسسة عامل حيث يعمل محمد، فاتصلت برئيس عامل، د. كامل مهنا الذي قام باتصالاته ثم اتصل وقال لي ان محمد "عشية بيكون بالبيت".
وبالفعل كان محمد "عشية بالبيت". ولما سألناه عن سبب الاعتقال قال إن هناك اشتباهاً بين الصورة التقريبة التي رسمت للمشبوه في اغتيال حاوي وبينه. ثم قال ضاحكاً "هلق بحياة الله بيشبهني؟ أنا شفت الرسم عدة مرات ولم يخطر ببالي انه يشبهني". لكن العلاقة بين الشبه، وبين الفان الذي يسوقه بالفعل محمد رمضان والذي تبين انه تابع لمؤسسة عامل حيث يعمل الرجل موظفاً، كانت خلف توقيفه بناء لا شك على "إخبارية". لكن المثير للقلق هو أن هذا التوقيف هو الثاني لشيوعي معروف بعد مداهمة منزل القيادي الشيوعي جورج بطل بعيد الجريمة بساعات. مما يطرح تساؤلا حول ماهية هذه الإخبارية ومدى جديتها نظراً للإصرار على متابعة خيطها.
من اليرزة تم نقل محمد الى ثكنة الحلو حيث تم أطلاقه من هناك.
ردود فعل
ولقد أثار اعتقال رمضان موجة من الاستنكارات التي تركزت حول انتهاك حقوق الإنسان لجهة الممارسات الامنية التي تذكر بزوار الليل بدلا من سلوك طريق القانون باحترام حقوق المتهم حتى تثبت براءته.
وفي هذا الاطار، أصدرت لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين اللبنانيين بيان استنكار انتقدت فيه "عملية أقتحام منزل الأسير المحرر محمد رمضان من قبل الأجهزة الأمنية ووضعه في وزارة الدفاع للتحقيق معه من دون إعلامه أو زوجته بأسباب الأعتقال" وتساءلت اللجنة لماذا "لم تأخذ الأمور مجراها القانوني عبر الشرطة العدلية؟ ام ان في الأمر عودة الى الدولة الأمنية" كما أوضحت اللجنة "أننا مع التقيد بالقانون لكننا نرفض هذه الأساليب وخصوصا مع أسير محرر أمضى زهرة شبابه في معتقل الخيام دفاعا عن لبنان" كما طالبت اللجنة وزير العدل خالد قباني "بمعالجة سريعة لهذه لقضية وعدم توجيه التهم جزافاً قبل التحقيق بالأساليب القانونية".
كما أصدر تجمع "الاسرى المحررين من السجون الإسرائيلية وتجمع الهيئات الاهلية التطوعية اللبنانية" بيان أستنكار جاء فيه "مرة اخرى تتوغل الدولة اللبنانية في الخطأ الفضيحة، فتتحول الضحية الى قاتل ويتحول الأسير المحرر الى عنوان للشبهة وانتهاك الكرامة الوطنية وأبسط حقوق الإنسان (...) إن الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية، رفاق محمد رمضان وكفاح عفيفي وتجمع الهيئات الأهلية اللبنانية، الذين هالهم هول البرودة السياسية والبلادة الفكرية التي تتحكم بعقول من يقررون القيام بهكذا أعمال يتساءلون: هل صار لزاماً على الأسرى الذين أفنوا سنوات عمرهم في سبيل بلادهم أن يتعرضوا لإذلال مزدوج: ذل على يد إسرائيل وذل غير مقبول وغير مألوف ووقعه أقسى وأكبر وأوجع كونه يأتي على يد من كان يفترض بهم أن يكونوا في صدارة التصدي للمحتل وأن يكافئوا محمد وكفاح بأن يعتبروهما جنديي شرف في مؤسسة عسكرية طالما قيل ان العداء لإسرائيل صار في صلب عقيدتها؟".
وتخوف البيان من "أن يكون الهدف الأساس هو تكوين ملف لمحمد رمضان وأمثاله حول ما قاموا به من أعمال ضد الاحتلال، خاصة ان هناك مؤشرات الى تحقيقات في قضايا أخرى راحت في هذا الاتجاه بالتحديد".
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018