ارشيف من : 2005-2008

الموت جوعا في النيجر

الموت جوعا في النيجر

توفيق المديني‏

بعد حوالي شهر من الوعود التي قطعتها على نفسها قمة بلدان الثماني لتقديم المساعدات لإفريقيا، هاهم أطفال النيجر يموتون جوعا ، عقب المجاعة التي تم الإعلان عنها منذ خريف سنة 2004، في بلد يعتبر نموذجا للجهود التي يبذلها لبناء ديمقراطية.‏

ولأن النيجر سنة 2005 ، ليست "البيافرا" التي شهدت أعنف حرب أهلية في إفريقيا بقيادة الجنرال أوجوكيوسنة 1967، وهي ليست أثيوبيا سنة 1984, و ليست أنغولا سنة 2002: فالجوع لم يستخدم في النيجر كسلاح حربي، والدولة تدبر المخزون الإستراتيجي للقمح، الذي عادة، يسمح بضمان تأمين حاجات المستهلكين ما بين حصادين.‏

وتعتبر النيجر ثاني أفقر بلد في العالم، ويبلغ عدد سكانها ما يناهز 11،5 مليون نسمة.‏

ورغم أن النيجيريين ليس لديهم حروب داخلية أو خارجية ، إلا إن المجاعة ضربت بقوة هذا البلد الإفريقي المنكوب، إذ أصبح 3 ملايين مهددين بالموت البطيىء .‏

وتعاني النيجر، هذه الدولة الواقعة في غربي القارة السوداء، من تفشي مخيف لأمراض مميتة منها الكوليرا بين الملايين من أبنائها، بحيث تغطي مساحات واسعة منها النقص الملح في أبسط حاجات العيش والبقاء كالطعام والأدوية. وتقول الأمم المتحدة إنها تتوقع أن يؤدي سوء شبكة الصرف الصحي إلى زيادة حدة تفشي الأمراض بين الذين يعانون من نقص في التغذية ويبلغ عددهم 3,6 ملايين إنسان. ويقول عمال الإغاثة إن حوالى مليون طفل يعانون من سوء التغذية هذا العام ويعاني 150 ألفاً منهم من سوء التغذية الشديد لدرجة أنهم قد يموتون من دون مساعدة طبية عاجلة.‏

ويتساءل المحللون لماذا لم يتحرك الرأي العام الدولي سريعا لتدارك هذه الكارثة. فهذا العالم المشغول بقضايا الحرب والإرهاب، بات غير مكترث بالعديد من الكوارث غير المنظورة والتي لا تحرك كثيرا طاقات المساعدة وتبقى خارج النقاش العام مثل الفيضانات المتكررة في بنغلادش او قضايا اللاجئين في افريقيا الوسطى او دارفور وصولا الى الملاريا (مليونا وفاة سنويا) او السيدا (2،3 مليون) والجفاف والتصحر وكلها تضرب اساسا البلدان الإفريقية.‏

وهو الآن يواجه نوعاً آخر من الإرهاب وشكلاً آخراً من أشكال الحرب؛ الحرب من أجل البقاء.‏

وفي تقرير صادر عن منظمات إنسانية عالمية، فإن 2 في المئة من الأموال العائدة للمجهود الحربي العالمي الذي تمثل القسم الأكبر منه الولايات المتحدة، قادرة على توفير الأمان لأكثر من عشر سنوات من القهر والمعاناة لمثل هذا البلد، فهل هناك من يسمع أنين الجائعين فيه؟‏

ولم تجد نداءات برنامج الغذاء العالمي، الذي طالب بتأمين مساعدات عاجلة بقيمة 16 مليون دولار في آذار/مارس ، و ايار/مايو ، و تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2004، ثم في حزيران/ يونيو الماضي نحو 30 مليون دولارفي سنة 2005، أي آذانا صاغية لدى الدول المانحة.‏

وهذا ما يفسر لنا التأخرالذي حصل في معالجة هذه الكارثة الغذائية في هذا البلد الساحلي الإفريقي ، حيث الشحة وسوء التغذية هما مستوطنان.‏

وكانت الأزمة متوقعة بوضوح منذ العام الماضي بسبب تلف المحاصيل القليلة التي كانت ستجنى، وذلك بسبب غزو الجراد وقلة الأمطار.‏

وتعتبر النيجرأهم مثل على تجاهل المجتمع حالات الطوارىء حيث الإنذارات المبكرة ذهبت أدراج الرياح.‏

ورغم انعقاد قمة مجموعة الدول الثماني في غلين ايغلز باسكوتلندا مطلع الشهر الماضي، والتي وعدت بمنح مليارات الدولارات كمساعدات لإفريقيا، لم يتم تخصيص أي مبالغ لدرء كارثة المجاعة عن النيجر.‏

وقد اسهمت أيضا الخيارات الإقتصادية و السياسية، و اختلاف الأمزجة بين الرئيس "مامدوتاندجا" الذي أعيد انتخابه في كانون الاول/ديسمبر 2004، ورئيس الحكومة "حما أمادو" ، إضافة إلى تنافسهما ، في حلول هذه الكارثة مثلها في ذلك مثل العوامل الطبيعية.‏

وانتظرت النيجر حتى 28 ايار/مايو الماضي تاريخ إعلان السياسة العامة للحكومة، لكي توجه هذه الأخيرة نداء "إغاثة" إلى المجتمع الدولي .‏

وإذا كانت المحاصيل السيئة لسنة 2004 أفرغت مخزونات الذرة البيضاء، إلا أن المشكل يكمن في أن السكان(63% يعيشون تحت خط الفقر) أصبحوا غير قادرين على شرائها بسبب ارتفاع اسعارها المرتبط بندرتهافي الأسواق .‏

وفي مثل هذه الظروف ، كان من غير المنطقي، الإكتفاء بتكثيف إستراتيجية للتنمية عبر بيع الحبوب الغذائية (الحنطة و الشعيرو الذرة و الأرز) بـ"أسعار معتدلة"، كما تنادي بها وكالات الأمم المتحدة.‏

وكان يجب الإنتقال إلى الحالة العاجلة التي تتطلب توزيع المواد الغذائية مجانا، أي إغاثة واسعة لإطعام نحو ثلاثة ملايين شخص مهددين بالموت جوعا.ويعتبرالخبراء أن دفع العلاج نقدا باسم "تغطية النفقات" هو السبب الرئيس للكارثة الحالية.‏

فبسبب قلة المال، لا يذهب الفقراء الذين هم في الأعم الغالب مرضى إلى المراكز الصحية للمعالجة، بل يبقون في بيوتهم يموتون موتا بطيئا..وتؤكد منظمة "أطباء بلا حدود" التي تدير معظم مراكز الإطعام كيف كانت الأمهات تحملن أطفالهن المصابين بسوء التغذية وهم في حالة متقدمة.‏

وتقول الأمم المتحدة أن أكثر من 150 ألف طفل يتضورون جوعا وهم معرضون للموت في أي لحظة، و أن شخصا واحدا من كل عشرة يستطيع الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء.‏

إن المنطق النيوليبرالي المفروض على النيجر من قبل صندوق النقد الدولي، و الإتحاد الأوروبي ، وبعض المنظمات الدولية الأخرى، التي تتحكم في معظم المساعدات ، لا يساعد في درء الكارثة المحدقة.‏

وهكذا، ما أن أعيد إنتخابه حتى بادر الرئيس النيجيري إلى فرض القيمة المضافة بنحو 19% على كل المواد الغذائية الأساسية.وفي هذا السياق عينه، فإن البنوك الزراعية المحلية التي كانت الملاذ في حال المجاعة منذ عهد قريب عبر تجنب المضاربة المرتبطة بشحة المواد الغذائية ، علقت أنشطتها.‏

وأخيرا هناك الواقع الإجتماعي الذي يجب أخذه بعين الإعتبار. فالنيجر بلد مسلم ، ويسود فيه نظام تعدد الزوجات، ولا يوجد فيه تحديد للنسل، إذ حطمت خصوبة المرأة أرقاما عالمية قياسية (7،5 أطفال كمعدل لكل إمراة)، وبلغ عدد وفيات الأطفال واحد من أصل أربعة قبل سن الخامسة. ففي مثل هذا الوضع البالغ الهشاشة، فإن أي خلل في الإنتاج الزراعي، حيث يعمل 70% من السكان فيه ، يشكل كارثة حقيقية.‏

2006-10-28