ارشيف من : 2005-2008
مغزى زيارة باقييف الى موسكو
كتب بيوتر غونتشاروف
تتسم بالدلالة أول زيارة يقوم بها الى موسكو كورمان بك باقييف رئيس جمهورية قيرغيزيا – وهي أول زيارة رسمية له الى الخارج بعد إجراء مراسم تنصيبه. وتدل أول زيارة يقوم بها الزعيم الجديد الى موسكو بالذات ، طبعا ، على اعتراف بشكيك الرسمية بما تتمتع به روسيا من مواقع مؤثرة في قيرغيزيا.
لكن في اطار العلاقات الموجودة بين البلدين ، والمكانة التي تفرد الى روسيا في المجالين الاقتصادي والسياسي من الحياة في الجمهورية ، لا يقتصر محتوى هذه الزيارة فقط على الرمزية والاعتراف المتبادل بوجود المودة. اذ توجد لدى البلدين خطط مشتركة ، وكذلك مشاكل مشتركة.
وفي اغلب الظن ان الكلام سيدور قبل كل شئ عن إصلاح اقتصاد قيرغيزيا ومواصلة تطوره. وتدفع بشكيك الرسمية الى ذلك عدة أمور بضمنها الوضع الصعب ، ان لم يكن الكارثي، للاقتصاد الوطني.
ويدرك المسئولون في موسكو بأنه يتعين على حكومة باقييف ان تعالج في أقرب فترة مهام صعبة جدا بغية تجنب تصعيد التوتر الاجتماعي والسياسي. وينبغي قبل كل شئ إيقاف عملية اختلال التوازن في الاقتصاد. وبعد ذلك إيقاف استمرار هجرة البيزنس والأموال من الجمهورية. وأخيرا ينبغي عدم السماح بحدوث موجة جديدة من هجرة الناطقين بالروسية. والمشكلة الأخيرة مؤلمة جدا بالنسبة الى قيرغيزيا ، ليس في مجال الاقتصاد الخالص فقط ، بل من حيث البعد السياسي الداخلي.
لقد بلغت ديون قيرغيزيا الخارجية اليوم حسب أقوال الخبراء 70 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتفاقم الوضع بسبب الطلب الواطيء للغاية في السوق الداخلية ، والذي بدونه لا يمكن التعويل على نمو الناتج المحلي الإجمالي. من جانب آخر ان المصادر الداخلية لرؤوس الأموال شحيحة جدا من أجل الاستثمار في الاقتصاد ، ولهذا لا مفر من تلقي المساعدات من الخارج. لكن هذه المساعدات ، كما تظهر الممارسات العملية ، لا تكون بدون أطماع دائما. ولهذا يتعين على بشكيك ، سواء أرادت أم أبت ، البحث عن المستثمرين المحتملين بين "اللاعبين " الرئيسيين على الساحة في آسيا الوسطى – اي الصين والولايات المتحدة وروسيا. وتعطى الأفضلية حتى الآن إلى روسيا. وقد أعطيت إليها أخذا بنظر الاعتبار جميع العوامل وبضمنها وجود " الناطقين بالروسية".
ويضعون في بشكيك الآمال على مشاركة روسيا ضمنا في إنجاز بناء المحطتين الكهرمائيتين كامباراتا -1 وكامباراتا – 2 ، وبناء مصنع الألمنيوم في جنوب الجمهورية وبناء مصنع إسمنت جديد وكبير جدا بالنسبة الى نطاقات المنطقة هناك. ويعقدون في بشكيك آمالا خاصة بالذات على تطوير صناعة توليد الطاقة وبناء مصنع الألمنيوم ، باعتبار ان هذين الفرعين الصناعيين يمثلان المصدر الرئيسي لرفد ميزانية الدولة بالمال.
وتتصدر روسيا اليوم الدول الأخرى في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري مع قيرغيزيا. وتبلغ حصتها في حجم التبادل السلعي للجمهورية نسبة 26 بالمائة. بيد ان هذا لا يروق بجلاء الى بشكيك. ويعتقد كبار رجال الأعمال والاقتصاديين في الجمهورية ان روسيا لا تستغل كليا البتة إمكانياتها في قيرغيزيا.
وليس من قبيل الصدف ان تقام " أيام قيرغيزيا بموسكو" في ختام الزيارة في الفترة من 8 الى 10 سبتمبر. ومن المقرر أن تعقد في إطار هذا البرنامج الندوة الاستثمارية " موسكو – قيرغيزيا" واجتماع اللجنة المشتركة الحكومية القيرغيزية – الموسكوفية للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي – التكنيكي . وتبحث في المستقبل القريب مسألة عقد اجتماع للجنة مماثلة ، ولكن على مستوى الدولتين .
وتبنى السياسة الخارجية انطلاقا من هذه الواقعيات. وتشير كافة الدلائل إلى أن القيادة الجديدة في الجمهورية قد حددت أولوياتها. وبعد ان وقعت بشكيك بيان منظمة شنغهاي للتعاون مؤخرا وقعت أيضا على البيان الموجه الى الولايات المتحدة ، والذي يدعو واشنطن إلى أن تحدد فترة بقاء القواعد الأمريكية في آسيا الوسطى، والتي توجد إحداها في أطراف بشكيك.
ولدى إجمال الإمكانيات الواقعية لروسيا وقيرغيزيا وحاجات هذه الجمهورية من المساعدات الروسية نخلص الى استنتاج مفاده ان زيارة باقييف الى موسكو لا تمثل فقط الاعتراف بمواقع روسيا المؤثرة في قيرغيزيا فقط ، بل والإعراب أيضا عن الأمل في ان تستغل موسكو هذه المواقع بأكمل قدر.
(*) المعلق السياسي لوكالة "نوفوستي"
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018