ارشيف من : 2005-2008
موجة احتجاج ضد قوانين العمل في فرنسا والنقابات تلوح باضطراب عام
تزداد موجة الغضب الطلابية التي تجتاح فرنسا منذ أكثر من أسبوع حدة منذرة بتحولها تدريجياً إلى حركة احتجاج شعبية تهدد المستقبل السياسي للحكومة الحالية، لأنها تحظى بتأييد غالبية الفرنسيين.
هددت كبرى النقابات الفرنسية بإضراب عام بعد دعوتها الملحة إلى سحب "عقد الوظيفة الأولى" الذي تصر حكومة دومينيك دوفيلبان المحافظة على التمسك به رغم موجة الاحتجاج العارمة التي وصلت إلى ذروتها اليوم في العاصمة الفرنسية باريس. وتظاهر أول أمس ما بين 530 ألف شخص حسب الشرطة ومليون ونصف المليون حسب النقابات، رافضين "هشاشة الظروف" التي يتضمنها العقد الجديد الذي تقول الحكومة انه سيساهم في توفير وظائف مع انه يسمح لأرباب العمل بتسريح موظفيهم دون مبرر خلال فترة سنتين. وبعد الإعراب عن ارتياحها تنتظر نقابات الموظفين وطلاب الجامعات والمدارس الثانوية، من رئيس الوزراء أن يسحب العقد الجديد كما يرغب في ذلك ثلثا الفرنسيين وفق استطلاع تنشره الصحف غدا الاثنين.
دعوة إلى شيراك
ودعت النقابات الحكومة المحافظة وكذلك "رئيس الجمهورية" جاك شيراك إلى سحب العقد لكنها تلقت في المقابل اقتراح الناطق باسم الحكومة جان فرانسوا كوبي يعرض "تحسين" عقد الوظيفة الأولى. لكن امين عام نقابة "سي.جي.تي" برنار تيبوه رفض فكرة "مناقشة تطبيق قرار سيء". واعتبرت عدة نقابات أنها وجهت آخر إنذار وباتت تدرس الآن على غرار سي.جي.تي إمكانية الإضراب العام للي ذراع الحكومة التي ترفض التجاوب. ويرتقب أن تعقد النقابات اجتماعا مساء غد الاثنين. كما أبدت نقابة طلاب المرحة الثانوية من الآن عزمها القيام بيوم احتجاجي الخميس المقبل في حين تعتزم نقابة طلاب الجامعات الدعوة لتظاهرة جديدة.
إتهامات عمالية وتراجع شعبية دو فيلبان
ومن جانبه أعلن أمين عام نقابة "فورس اوفريار" (قوة عمالية) جان كلود ماييه لصحيفة "جورنال دو ديمانش" أن دومينيك دوفيلبان تصرف "كالذي يضرم النار في الوادي ثم يصعد إلى أعلى التلة ليتفرج من دون ان يفعل شيئا". ويتوقع 63% من الفرنسيين ان لا يتراجع رئيس الوزراء مع ان 69% منهم يعتبرون حركة الاحتجاج مشروعة (استطلاع بي.في.ا).. وفي هذا الإطار يتحدث 71% من الفرنسيين عن "أزمة اجتماعية عميقة قد تتفاقم خلال الأسابيع المقبلة". كما أبدى 80% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة رفضهم عقد الوظيفة الأولى وفق استطلاع آخر ينشر غدا الاثنين. جدير بالذكر أن رئيس الوزراء الفرنسي المقتنع بمزايا عقد الوظيفة الاولى والذي يعتزم الترشح الى الانتخابات الرئاسية السنة المقبلة، يرفض التراجع رغم أن ذلك قد يشكل خطرا على مستقبله السياسي، حيث انهارت شعبيته منذ شهرين حتى أصبح نصف الفرنسيين (46%) يعتبرونه "متغطرسا" و62% من الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين انه "لا يرقى إلى مستوى الأحداث".
موجة احتجاج عارمة
لا يزال ثلثا الجامعات الـ84 معطلا على غرار جامعة السوربون الشهيرة في باريس. كما أعرب عمداء الجامعات عن قلقهم ودعوا إلى تعليق عقد الوظيفة الأولى. وتجري صدامات بين الطلاب داخل الحرم الجامعي وقاعات الدرس بين الراغبين في مواصلة الدروس والذين يعرقلونها في الكليات. وفضلا عن ذلك جرت مواجهات يوم السبت في باريس طوال ست ساعات وكذلك في رين وليل ومرسيليا وبوردو وغرونوبل وكليرمون فيران تم خلالها توقيف 160 شخصا أودع سبعون منهم على ذمة التحقيق في باريس حيث أصيب 34 شرطيا و18 متظاهرا بجروح. وتسبب ما بين مئة الى مئتي شاب مقنعين في صدامات. وردد الطلاب المنتمون في معظمهم الى جامعات نانتير وجوسيو والسوربون في باريس شعار "لتسقط الدولة والشرطة وأرباب العمل ".
قانون لخدمة أرباب العمل
ويعطي القانون الجديد الشركات الحق في تسريح العمال تحت سن 26 عاما في أول السنتين الأولى من التوظيف، بدون إعطاء أي عذر لذلك. وتسعى الحكومة من خلال القانون الجديد إلى إعطاء الشركات فرصة أكبر لتوظيف أجيال شابة، إذ تصل نسبة البطالة بين الأجيال الشابة إلى 23 بالمئة. لكن الاتحادات والنقابات الطلابية لا تعتقد بأن القانون الجديد سيحسن وضع الشباب الباحثين عن عمل في فرنسا. ويصف باسكال أرشارد من الاتحاد الطلابي ماهية القانون الجديد وتداعياته بقوله: "يجب علينا أن لا يخدعنا الاسم، فالقانون الجديد يسمح للشركة بعد ثلاثة من تسريح العامل وتشغيله مرة أخرى في نفس الوظيفة، وهذه العملية ستستمر حتى عمر 26 سنة. وبهذه الطريقة يتم إغلاق الباب أمام الشباب للانخراط في سوق العمل،" مشيرا بذلك إلى أن العمال الشباب بهذه الطريقة يفقدون حقوقهم الوظيفية التي تترتب بعد الاستمرار في العمل بعد ستة أشهر. على صعيد آخر يرى بعض المراقبون بأنه يجب إتاحة الفرصة أما الحكومة الفرنسية لسلوك طرق أخرى بهدف معالجة مشكلة البطالة أو المشاكل الاقتصادية الأخرى، وهنا يقول هينرك أونترويددي من المؤسسة الفرنسية الألمانية في مدينة لودفيغزبورغ: "لمعرفة نتائج مثل هذا القانون، لا بد من الانتظار سنة أو سنتين، وحكومة دومينيك دو فيلياين تحاول من خلال ذلك تشجيع الشركات لتوظيف أيدي عاملة شابة، وهي محقة في ذلك."
"من يزرع البؤس يحصد الغضب"
لم يتوقع رئيس الوزراء الفرنسي أن تكون ردود فعل الطلبة بهذا الشكل، خاصة وأنه كان قد أجرى اتصالاته مع عدد كبير من رؤساء الجامعات الفرنسية وتباحث معهم حول نتائج مثل هذا القانون. ويعلق باسكال أرشارد من الاتحادات الطلابية على التطورات الأخيرة قائلاً: "إن دو فيلبان لم يكن يتوقع بأننا قادرون على حشد الطلبة وتنظيم مثل هذه المسيرات، واليوم نرى أنه قد فشل في مشروعه، والآن لا خيار أمامه غير التراجع عن قراره هذا." ويضيف الطالب الفرنسي "رئيس الوزراء بدأ يشعر بنتائج المظاهرات الطلابية، وأخذت الصحف أيضا تكتب بشكل سلبي عنه، الأمر الذي يعني انخفاض أسهمه الانتخابية، خاصة وأنه يريد الترشيح للانتخابات القادمة التي ستجرى في شهر أيار/مايو من العام القادم". لكن أونترويددي يرى بأن هناك موجة رفض داخل غالبية شرائح المجتمع الفرنسي ضد نهج الإقتصاد الحر أو المطلق (النيوليبرالي)، وأن مثل هذه الموجات كانت تواجه أيضا الحكومات السابقة، دون أن يكون لها تأثير كبير، لكن هذه المرة قد تؤتي هذه المظاهرات أكلها، خاصة وأن 62 بالمئة من الفرنسيين يرون بأن المحتجين على حق.
المصدر: مواقع ـ دويتشه فيلله
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018