ارشيف من : 2005-2008

أفغانستان والمخدرات : هل يوجد مخرج من الطريق المسدود؟

أفغانستان والمخدرات : هل يوجد مخرج من الطريق المسدود؟

كتب بيوتر غونتشاروف، المعلق السياسي لوكالة نوفوستي‏

هل يمكن إيقاف تهريب المخدرات الافغانية؟ وهل يمكن مكافحة خطر المخدرات الافغاني في أفغانستان نفسها، واستئصاله من الجذور؟‏

لم يعد خافيا على أحد البتة أن أفغانستان أصبحت في طليعة البلدان المنتجة والمصدرة للمخدرات إلى الأسواق العالمية. وطبقا لتقديرات خبراء هيئة الأمم المتحدة فإن تداول المخدرات في العالم سنويا يبلغ ما قيمته 600 مليار دولار ونيف ، وتشكل القسم الأكبر منه تجارة الأفيون الوارد من أفغانستان.‏

ويكاد الهيروئين الأفغاني المنشأ المستهلك في أوروبا يعادل نسبة مائة بالمائة، وحسب معطيات الخبراء، فإن تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية يستفيدون بكل طيب خاطر في بعض الحالات من مساعدة زملائهم الأفغان، إذ يشترون منهم الأفيون الخام الأرخص ثمنا من المحلي أو حتى يشترون المخدر " الثقيل" – الهيروئين.‏

ويدور الحديث منذ وقت بعيد وعلى شتى الأصعدة عن ضرورة مكافحة تهريب المخدرات من أفغانستان . وكانت تتوفر المسوغات لذلك.‏

وعلى سبيل المثال أنتجت أفغانستان في عام 1998 محصولا قياسيا، بالنسبة لذلك الوقت، من الأفيون وهو 4700 طن ، أي ما يعادل 470 طنا من الهيروئين النقي. وفي العام نفسه جرت زراعة الخشخاش الخاص بالأفيون في 60 ألف هكتار من الأرض فقط. أما الآن، وحسب معطيات الخبراء ، فإن خشخاش الأفيون يزرع في أكثر من 80 ألف هكتار، وحسب معطيات أخرى – حتى في 100 ألف هكتار.‏

وأيامذاك كان يوجد في السلطة في أفغانستان رجال حركة "طالبان" وكان أسامة بن لادن الذائع الصيت ، صهر الملا عمر زعيم الحركة يضع آمالا خاصة على المخدرات الأفغانية ، باعتبارها تعادل من حيث التأثير سلاح الدمار الشامل (!!).‏

وأصبحت السلطة في أفغانستان الآن بأيدي التحالف المعادي لطالبان، إن جاز القول مجازا، لكن إنتاج المخدرات لم يتقلص بل يزداد. زد على ذلك أن القلق يخالج الخبراء كثيرا لكون أفغانستان على وشك ان تتحول في الواقع الى دولة مخدرات.‏

هذا بالرغم من أنه يوجد في أفغانستان ما لا يقل عن 20 ألف رجل من قوات التحالف المضاد للإرهاب بقيادة الولايات المتحدة و12 ألف رجل من القوات الدولية لدعم الامن التابعة للناتو و العاملة بخلاف التحالف المضاد للإرهاب تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة.‏

ويعتقد اناتولي سافونوف المبعوث الخاص لرئيس روسيا لشئون التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب والجريمة المتعددة الجنسيات، حسب تصريحاته لعدد من وسائل الإعلام الروسية ، ان العمليات العسكرية لقوات التحالف في عدد من مناطق البلاد لا تعطي النتيجة المرجوة. إنها لا تستطيع حتى الآن السيطرة على تجارة المخدرات ووضع حد لها. أما بصدد قوات دعم السلام التابعة لحلف الناتو، فإنها حسب تفويض هيئة الأمم المتحدة غير مخولة عموما بممارسة نشاط ضد الإرهاب وتجارة المخدرات. وتتمثل مهمتها في صيانة أمن مختلف المنشآت والنشاطات الرسمية. ومن الصعب تفهم هذا الوضع، كما يصعب أكثر الموافقة عليه، لاسيما أمام خلفية وجود شواهد دقيقة على ارتباط تجارة المخدرات بالإرهاب.‏

علما أن غالبية الخبراء الروس تدعم هذا الرأي. بينما يرى الخبراء في أفغانستان نفسها الوضع بشكل مغاير نوعا ويعتقدون أن قوات التحالف الدولي وقوات دعم الأمن الأطلسية هيهات أن تقدم بدون تفويض محدد من مجلس الأمن الدولي على القيام بنشاطات في مجال مكافحة الإرهاب تتضمن القيام بعمليات عسكرية أيضا. ولهذا أسبابه.‏

ففي أفغانستان اليوم يحصل على مورد الرزق من المخدرات التي تعطي أكثر من 60 بالمائة " من الناتج المحلي الإجمالي الوطني" ليس الفلاحين وتجار المخدرات فقط بل جيش عرمرم من العاطلين عن العمل. ويتم جني الأفيون الخام في فترة قصيرة جدا ، ويحسب الزمن حينئذ بالساعات - فالمهم عدم السماح الى ثمرة الخشخاش "بالنضوج أكثر مما ينبغي" ، ولهذا يجذب الى العمل كل من يوجد في متناول اليد. ويعمل حتى 20 فلاحا لجمع الأفيون في الجريب الواحد (1/5 هكتار) من الأرض. علما أن ثمار الخشخاش تبدأ بإعطاء " اللبن" (العصارة) بعد حزها في غضون ثلاث ساعات. وفي خلال ساعة يكسب جامع الأفيون حتى 20 دولارا.‏

وليس من العسير حساب عدد فرص العمل التي يوفرها خشخاش الأفيون إلى جميع أفغانستان، إذا ما انطلقنا من حساب أنه تتم زراعة أكثر من 80 ألف هكتار – وهذا يعادل أكثر من 8 ملايين شخص. أما كمية النقود التي يتم تداولها في داخل أفغانستان أخذا بنظر الاعتبار ان عملية الجني تتكرر ثلاث مرات بعد 15 – 20 يوما: فهي تبلغ 60 دولارا ( لكل 3 ساعات) بضربها في 8 ملايين ومرة أخرى بثلاثة – وفي النتيجة نحصل على ما لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار. أي المبلغ الذي تتألف منه نسبة 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي !‏

طبعا لا يعمل في الحقول جميع الثمانية مليون شخص ، لكن لا مجال للشك في أن عددهم ليس مئات الآلاف بل أكثر بقدر كبير. ويعيش هذا الجيش الضخم من "جامعي الأفيون" وعوائلهم من جني الأفيون الخام حصرا. ويجب أن نضيف إلى ذلك مصالح القادة الميدانيين الذين لم ينزع سلاحهم بعد البتة والذي يبسطون حمايتهم على مزارع خشخاش الأفيون، ويحصلون من ذلك على نسبة 10 بالمائة الخاصة بهم. ومن المستبعد ان تقدم قوات التحالف وبالأخص القوات الدولية لدعم الأمن على تنفيذ عمليات قسرية من أجل إتلاف خشخاش الأفيون بدون التفويض اللازم من قبل هيئة الأمم المتحدة. وليس من العسير تصور رد فعل السكان على مثل هذه الأفعال لمكافحة المخدرات.‏

إذن هل يوجد مخرج من الطريق المسدود الأفغاني؟‏

في أكتوبر عام 2001 اعترفت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بتحقيق نجاحات في أفغانستان في مكافحة المخدرات في عهد "طالبان"، مهما بدا ذلك الآن نوعا من المفارقة. ولم تحقق أية بلاد مثل هذه النجاحات. وطبقا لتقديرات هيئة الأمم المتحدة فقد أنتج في أفغانستان في عام 2001 مقدار 185 طنا فقط من الأفيون بالمقارنة مع 3300 طن في العام السابق له ، ناهيك الحديث عن عام 1998 القياسي.‏

ولربما سيكون من المناسب طرح قضية المخدرات الأفغانية أمام مجلس الأمن الدولي الذي ينظر أيضا في قضية انتداب قوات التحالف وقضية توسيع تفويض قوات دعم الأمن في أفغانستان في سياق مكافحة الإرهاب؟‏

علما أن روسيا التي تتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي اعتبارا من أول نوفمبر (تشرين الثاني) أضحت في مركز انفجار "سلاح الدمار الشامل" الأفغاني هذا. لقد تحولت روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى ليس إلى طريق الترانزيت الرئيسي للمخدرات الأفغانية إلى أوروبا فقط . إنها تتحول في الفترة الأخيرة أكثر فأكثر إلى بلدان مستهلكة للمخدرات الأفغانية. وجدير بالذكر أن كميات تصدير هذه المخدرات لا تتقلص البتة ، بل تزداد من عام إلى آخر.‏

2006-10-30