ارشيف من : 2005-2008
ربما كانت روسيا قد أسرعت في الانسحاب من أفغانستان
بقلم بيوتر غونتشاروف (*)
إن زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس الى أفغانستان في إطار جولتها في آسيا الوسطى تدفعنا للتفكير في أن روسيا قد تكون قد أسرعت في الانسحاب من أفغانستان. وربما أسرعوا في موسكو في الاستنتاج الذي استخلصوه حول أن أفغانستان لا تشكل بالنسبة لروسيا الآن تلك الأهمية الجيوستراتيجية التي كانت تشكلها بالنسبة للاتحاد السوفيتي لأنها كانت خاصرته الجنوبية.
إن الأمر على ما يبدو واضح. فالخاصرة الجنوبية بالنسبة لروسيا في هذا الاتجاه الآن هي جمهوريات آسيا الوسطى. وليس هناك نقص في الذين يدعون بالدور البارز في هذه المنطقة الدور الذي يمكن مقارنته من حيث الأهمية بدور روسيا. فالولايات المتحدة لا تعتبر آسيا الوسطى "مادة للعبة كبيرة" كما أعلن مثلا دانييل فرايد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية. ولكنه اعترف بأن لدى الولايات المتحدة "مصالحها" في منطقة آسيا الوسطى التي "يمكن مقارنتها من حيث الأهمية بمصالح روسيا". وتعترف موسكو بأن وجود مثل هذه المصالح لدى الولايات المتحدة أمر شرعي.
ولكن أفغانستان بالرغم من تغير رسم الخارطة السياسية للمنطقة تبقى بلدا ومشكلة رئيسية بالنسبة لموسكو أيضا. كما أن أفغانستان تكاد تكون ورقة رابحة في لعبة الولايات المتحدة من أجل تمرير مصالحها في منطقة آسيا الوسطى. وقد كان هذا ملحوظا من اتجاه تنقل وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بعد الإعلان المعروف لمنظمة شنغهاي للتعاون (التي دعت فيه واشنطن لتحديد موقفها من القواعد العسكرية الأمريكية في آسيا الوسطى). فقد كانت جولاته تنتهي من كل بد بزيارة العاصمة الأفغانية كابل. وخططت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس لجولتها الحالية في آسيا الوسطى بسيناريو مماثل تقريبا.
وكان قد أعلن مسبقا أنه سيتم في المباحثات مع قرغيزيا وطاجيكستان وكازاخستان بحث قضايا الأمن العالمي والإقليمي ومكافحة الإرهاب الدولي وربط ذلك بالوضع في أفغانستان. وترتبط بذلك أيضا القضايا المتعلقة بوجود القواعد الأمريكية في آسيا الوسطى وبالتحديد قاعدة "غانسي" في قرغيزيا. ويرى الكثير من الخبراء أن جولة كونداليزا رايس في آسيا الوسطى أصبحت رد فعل خاصا لواشنطن على انضمام منظمة التعاون في آسيا الوسطى الى المجموعة الاقتصادية الأوراسية وتنشيط دور منظمة شنغهاي للتعاون في آسيا الوسطى.
ولهذا أولت كونداليزا رايس خلال مباحثاتها اهتماما كبيرا لقضايا تنظيم التعاون العملي بين كازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان مع ربط ذلك من كل بد بالوضع في أفغانستان.
ويدور الكلام الآن عن رفع العقبات القانونية والضرائبية لتوريد مختلف أنواع المنتجات بين بلدان هذه المنطقة.
ويدور الكلام عمليا عن إنشاء بديل اقتصادي لمنظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون والمجموعة الاقتصادية الأوراسية ، وعن تركيب جديد يضم كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزيا مع ضم أفغانستان إليه في المستقبل لأنه ليست لدى واشنطن رغبة كبيرة في ترك بلدان آسيا الوسطى تحت نفوذ موسكو (وبكين).
وقد تكون الفكرة للوهلة الأولى غير ضرورية وغير واقعية. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار الثلاثين مليار دولار تقريبا التي يخصصها المجتمع الدولي لتعمير أفغانستان في المرحلة الأولى فقط فإن الخطة تبدو حيوية تماما.
فبلدان آسيا الوسطى وخاصة طاجيكستان وأوزبكستان تعمل بنشاط في السوق الأفغانية وبالدرجة الأولى في محافظاتها الشمالية. وليس هناك شك في أن الولايات المتحدة يمكن أن تنضم الى هذه العملية. وستتمكن الأخيرة لكونها المستثمر الرئيسي للاقتصاد الأفغاني المنبعث من تقديم المساعدة للحصول على مختلف المشاريع المفيدة في أفغانستان. وسيكون هذا بالطبع عونا كبيرا بالنسبة الى طاجيكستان وقرغيزيا وأوزبكستان ، وهذا العون في يد واشنطن. وربما يكون الإشراف على توزيع "الفطيرة الأفغانية" الطريقة الوحيدة بالنسبة للولايات المتحدة للتأثير في الوضع في أوزبكستان التي ما زالت في القائمة السوداء لدى أمريكا والتي رفضت كونداليزا رايس التوجه إليها.
أما روسيا فإنها تنسحب الآن من أفغانستان عن وعي وبثقة. وبلغ التبادل التجاري بينها وبين أفغانستان في العام الماضي حوالي 80 مليون دولار. وهذا المبلغ قليل بالطبع مقارنة بما كان للاتحاد السوفيتي في هذا البلد سابقا. ولكنه مع ذلك قل في العام الحالي بشكل ملحوظ. إذ بلغ التبادل التجاري خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 13 مليون دولار فقط.
ومما له دلالته أن أحد كبار الدبلوماسيين الروس قال بعد أول زيارة قام بها وزير خارجية دولة أفغانستان الإسلامية آنذاك الى موسكو إن أفغانستان تعتبر أول مرشح للعضوية في منظمة شنغهاي للتعاون عند توسيع قوامها. وقد كانت سياسة موسكو آنذاك مبنية على ذلك. ولكن الأفغان سبقتهم الآن البلدان الأخرى التي حصلت على وضع المراقب.
لن تكون بعد الآن مناطق "مغلقة" للنفوذ الاقتصادي والسياسي في عالمنا المعاصر. وبإمكان موسكو أن تستعيد نفوذها في أفغانستان لو كان هناك إدراك دقيق لضرورة القيام بذلك.
(*) معلق وكالة نوفوستي السياسي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018