ارشيف من : 2005-2008
روسيا والشرق الأوسط: عام 2006 يتطلب المزيد من الجهود السياسية
ماريانا بيلينكايا(*)
لا يمكننا ونحن نستعرض نتائج السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية في عام 2005 ، إلا أن نتحدث بشكل خاص عن اتجاه الشرق الأوسط في الدبلوماسية الروسية، خاصة وأن هذا العام كان متميزا على صعيد تطور العلاقات بين روسيا وبلدان المنطقة، نظرا لأنه شهد أول زيارة يقوم بها الرئيس الروسي إلى مصر وإسرائيل وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية. كما حصلت روسيا في عام 2005 على صفة مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي. ومن المقرر أن تترأس روسيا في عام 2006 مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى التي سيتركز الاهتمام فيها على تنفيذ خطة "الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الذي تبنته الدول الأعضاء في هذه المجموعة في القمة التي عقدتها في الولايات المتحدة في عام 2004.
وستبادر روسيا في العام القادم إلى تنفيذ عدة فعاليات في إطار هذا البرنامج مما قد يتيح لها تحديد أهدافها وإمكانياتها في هذه المنطقة بوضوح أكثر. وجدير بالذكر أن روسيا تسعى إلى التعاون مع الجميع. لكن يبدو أن البعض يحاول وضعها أمام خيارات. ويبدو أيضا أن القوى الخارجية المعينة لا تريد أن تفهم أن روسيا ليست الاتحاد السوفيتي وأنها تبني علاقاتها الدولية على أساس البراجماتية، أي انطلاقا من مصالحها القومية والاقتصادية والأمنية، وللاعتبارات الحضارية والإنسانية. وكان ذلك أحد الدواعي التي شجعت روسيا على التقارب مع منظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد قال الرئيس بوتين في أثناء افتتاح الجلسة الأولى لبرلمان جمهورية الشيشان قبل أيام: "روسيا كانت دائما وستبقى أفضل شريك للدول الإسلامية".
ولم يكن اختيار الرئيس بوتين لبرلمان جمهورية الشيشان مكانا لمثل هذا التصريح مصادفة لأن سياسة روسيا في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام، ودورها في تسوية النزاعات الإقليمية، وموقفها المتزن والذي يبدو مفرطا في الحذر تجاه عدد من المسائل مشروطة بسعيها إلى ضمان أمنها الداخلي. وتعتبر جمهورية الشيشان جزءا من المشكلة فقط.
وتوجد إلى جانب ذلك العديد من بؤر النزاعات الإقليمية الأخرى التي تجاور الحدود الروسية. كما يوجه الغرب الانتقادات إلى روسيا بتهمة دعمها للدول التي تصفها الولايات المتحدة بدول محور الشر كإيران وسوريا تعتبر جزءا من حملة دعائية لا غير. وتعتبر الحملات الإعلامية المتعلقة ببيع روسيا صواريخ "ايغلا" المضادة للجو إلى سوريا، والتعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة الذرية من أكبر الحملات الدعائية في عام 2005.
وعادة ما يطرح الموضوع الإيراني في الحوار بين روسيا من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. وقد أصبح هذا الأمر يبدو بشكل آخر بعد تولي محمود أحمدي نجاد منصب الرئيس في إيران. وبذلت روسيا جهودا كبيرة من أجل الحفاظ على ذلك المستوى الذي وصل إليه التعاون مع إيران في الفترة الأخيرة، وخاصة في المجال الاقتصادي، وعدم إفساد علاقتها مع الغرب في نفس الوقت. وبدا أن جهود موسكو تكللت بالنجاح رغم صعوبة المهمة والموقف الحالي لطهران والتصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الإيراني بحق إسرائيل. ومن المعروف أن "المعركة" الأخيرة على إيران ستحدث في شهر مارس 2006 عندما سيجري تقرير المسألة المتعلقة بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. وستجد روسيا نفسها مرة أخرى أمام خيار الموافقة على مثل هذا القرار أو رفضه أو الامتناع عن التصويت عليه.
ومن جانب آخر لن يكون الوضع الذي سينشأ حول سوريا بالسهل هو الآخر. وقد تميز هذا العام بأهمية كبيرة في العلاقات الروسية السورية حيث زار الرئيس السوري بشار الأسد موسكو في أواخر شهر يناير الماضي. كما تمكن الجانبان من حل مشكلة الديون المستحقة على سوريا لروسيا مما أعطى دفعا قويا لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين. وقد تميزت زيارة الرئيس السوري إلى موسكو بأهمية كبيرة من حيث تحديد السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط.
ومن المعروف أن سوريا وجدت نفسها بعد ثلاثة أسابيع من زيارة الرئيس بشار الأسد إلى روسيا في المشكلة الدولية المتعلقة بمصرع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وقد تمكنت سوريا من تجنب تعرضها إلى عقوبات دولية بفضل الموقف الصلب الذي وقفته روسيا.
وتثير آفاق ظهور بؤر نزاعات جديدة في المنطقة – إيران وسوريا (مازالت مسألتا إيران وسوريا تشكلان بؤرة للتوتر في المنطقة) قلقا بالغا لدى روسيا. كما أن تطور الأحداث في لبنان يثير أيضا قلق الدبلوماسيين الروس. ويبدو أن المثلث الإيراني السوري اللبناني سيكون الأشد حرارة في العام القادم خاصة في ظل عدم ظهور توجهات واضحة لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والوضع في العراق.
لقد بدأ عام 2005 بانتخابات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وأول انتخابات برلمانية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. وتشير تقديرات الدبلوماسيين الأمريكيين إلى تجذر الديمقراطية أعمق فأعمق في منطقة الشرق الأوسط. أما تقدير موسكو للنجاحات الديمقراطية في هذه المنطقة فإنه متواضع، وخاصة فيما يتعلق بالعراق. وبغض النظر عن الاحترام الكامل للعمليات الديمقراطية فإن روسيا ترى أن الأولوية للاستقرار الإقليمي الحقيقي وليس لظهور الديمقراطية القادمة من الخارج. ومع ذلك تبقى التحولات الديمقراطية في المنطقة مسألة حيوية ستوليها روسيا بصفتها رئيسا لمجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى اهتماما كبيرا في العام القادم.
وربما سيكون الربط بين السياسة والاقتصاد أحد مواضيع سياسة روسيا في اتجاه الشرق الأوسط. وقد يثار انتباه الشركات الروسية العاملة في المنطقة إلى هذا الجانب. ويتطور بنجاح في الوقت الراهن التعاون الاقتصادي لروسيا مع مصر وسوريا وتركيا وإيران. وهناك آفاق لتطوير التعاون بين روسيا وإسرائيل، وروسيا والعراق. ومع ذلك لا يبدو على السياسة الروسية في الشرق الأوسط أي عنصر اقتصادي قوي، أو ليس في جميع الاتجاهات على أقل تقدير.
إن كل ما يحدث بين روسيا ومنطقة الشرق الأوسط يعكس الوضع في كل سياسة موسكو تجاه البلدان النامية عموما، بما في ذلك البلدان الأفريقية على سبيل المثال. وتحتل روسيا المركز الأول في نادي باريس في مجال إسقاط وإعادة جدولة ديون البلدان الأفريقية التي تقع ضمن ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط الموسعة. ونعيد إلى الأذهان قيام روسيا بشطب الجزء الأكبر من ديونها المستحقة على العراق وسوريا مما يعد إسهاما كبيرا في تنمية اقتصادي هذين البلدين. كما سيجري طرح مسائل تقديم المساعدات الاقتصادية لبلدان أفريقيا والشرق الأوسط في إطار رئاسة روسيا لمجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى بنفس القدر الذي ستناقش فيه شؤون تسوية النزاعات المسلحة. ويمكن اعتبار هذه السياسة بداية مرحلة جديدة لسياسة أكثر قوة لروسيا في هذا الاتجاه.
ويبدو أن منطقة الشرق الأوسط ستكون في العام القادم مليئة بالأحداث. كما أن عام 2006 سيكون صعبا بالنسبة لهذه المنطقة. ويؤكد الدبلوماسيون على أن الوضع في هذه المنطقة لم يكن سهلا في أي عام من الأعوام.
(*) المعلقة السياسية لوكالة نوفوستي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018