ارشيف من : 2005-2008
كابوس يوليا تيموشينكو يمكن أن يتحول إلى واقع
بقلم تاتيانا ستانوفايا(*)
ستجري في أوكرانيا في السادس والعشرين من الشهر الحالي الانتخابات البرلمانية. والمعروف حتى اليوم أن أيا من القوى السياسية لن تكسب الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة. وتدل نتائج الاستطلاع الذي أجراه صندوق "المبادرة الديمقراطية" في مطلع آذار/مارس الحالي على أن حاجز الثلاثة بالمائة يمكن أن يتجاوزه حزب المناطق (4ر30 بالمائة) وتكتل "اوكرانيا لنا" (17.1بالمائة) وتكتل يوليا تيموشينكو (16.9 بالمائة) و الحزب الاشتراكي (5.4بالمائة) والحزب الشيوعي (3.7بالمائة) وتجمع لتفين الشعبي (3.4 بالمائة). وتفيد كل الدلائل بأن توزع القوى هذا سيبقى أيضا قبيل الانتخابات.
ويعني هذا أن التكتلات والأحزاب سيقدر عليها الاتفاق فيما بينها. ويناقش اليوم احتمالان أكثر من غيرهما هما احلال "الائتلاف البرتقالي" أو تكرار سابقة الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي عندما أيد حزب المناطق (الذي يرأسه فيكتور يانوكوفيتش) ترشيح يوري يخانوروف لمنصب رئيس الحكومة.
لكن الشيء الأكثر اثارة في الواقع بعد الانتخابات هو سريان مفعول الإصلاح السياسي الذي يتخلى الرئيس بموجبه عن جزء من صلاحياته للحكومة والبرلمان. وثمة مخرجان لدى رئيس أوكرانيا فيكتور يوشينكو في ظل هذه الظروف : إما إلغاء الإصلاح أو تكليف شخص تابع له تماما برئاسة الحكومة. وان الاحتمال الأول أقل واقعية لأن كل النخبة السياسية للبلاد بمن فيهم الحلفاء في "الائتلاف البرتقالي" (الحزب الاشتراكي) تعارض إعادة النظر في الإصلاح. وحتى إذا تصورنا الوضع الافتراضي الذي يجد البرلمان نفسه في ظله غير قادر على تشكيل الحكومة ويحصل الرئيس على ذريعة لإعادة النظر في الإصلاح فإن من المستبعد أن يقدم على ذلك.
يميل يوشينكو الآن على الأرجح الى الاحتمال الثاني الذي سيصر في ظله على المصادقة على رئيس الوزراء الحالي يوري يخانوروف رئيسا للحكومة (أو شخصية مماثلة). وينبغي الاعتراف بأن هذا الاحتمال يناسب موسكو أيضا لأن يخانوروف بالذات "بارك" بموافقة من يوشينكو الاتفاقيات المربحة جدا لروسيا بشأن الغاز والتي وقعت في موسكو في الرابع من كانو نالثاني/ينايرالماضي. وليس بوسع أية قوة سياسية من القوى الفاعلة ما عدا "اوكرانيا لنا" أن تصبح كفيلة للمحافظة على مصالح روسيا فيما يتعلق بالغاز في أوكرانيا. فكل الساسة بمن فيهم حتى فيكتور يانوكوفيتش "الموالي لروسيا" يدعون الى إعادة النظر في الاتفاقيات ناهيك عن أن زعيم حزب المناطق يسترشد أكثر فأكثر بالمسار الأوروبي البديل للروسي.
ان النخبة الحاكمة التي تقترح على روسيا تحت ضغط المعارضة التخلي عن وساطة "شركة الطاقة الروسية الاوكرانية" (وبالتالي فسخ الاتفاقيات تحاول في الواقع فقط تعديل موقفها عشية الانتخابات وكذلك زيادة الرهان في المساومة مع موسكو حول أسعار الغاز (لأن السعر المنخفض بمقدار 95 دولارا مقابل كل ألف متر مكعب من الغاز يسري فقط في النصف الأول من السنة).
من المهم أن يحصل فيكتور يوشينكو على تأييد الأغلبية البرلمانية من أجل التوصل الى قدرة الحكومة على العمل بعد الانتخابات وخضوعها للرقابة. وان الاحتمال المثالي بالنسبة له دون شك هو الدعم من جانب تكتل يوليا تيموشينكو ولكن شريطة تخليها الكامل عن المساهمة في اتخاذ القرارات. وليس الائتلاف ممكنا بالنسبة الى تيموشينكو نفسها الا في ظل منحها سلطة فعلية وإمكانية تحقيق هذه السلطة (أي "تطهير" السلطة من منافسيها المباشرين وقبل كل شيء بيوتر بوروشينكو).
ولكن يجب الاعتراف بأن تيموشينكو تعتبر الآن احدى الشخصيات المرفوضة بتاتا من جانب يوشينكو وحاشيته. وسيعني تعيينها إعادة شلل السلطة التنفيذية والعلاقات المتوترة مجددا مع روسيا وخطر الموجة الجديدة من أزمة الغاز وتردي الوضع الاجتماعي الاقتصادي ناهيك عن استشراس "الصراع العشائري". ومن الواضح أن العودة الى هذا الوضع مستبعدة. لكن تيموشينكو لن تدعم الائتلاف مع يوشينكو من دون الحصول على سلطة فعلية. أي أن التحالف لا يعول عليه لا يوشينكو ولا تيموشينكو لأن مصالحهما لا يجمعها جامع.
لهذا يكافح تكتل تيموشينكو اليوم لا من أجل التحالف مع أحد ما بل ضد التحالف الممكن بين "اوكرانيا لنا" وحزب "المناطق". وليس صدفة أنها طلبت من يوشينكو قبل عدة أيام من الانتخابات جوابا دقيقا عن السؤال حول ما اذا كان الائتلاف سيتشكل في البرلمان المقبل على أساس تجمع "اوكرانيا لنا" وحزب المناطق. فان هذا التحالف هو كابوسها.
وتكمن القضية في أن تحالف تكتل يوليا تيموشينكو مع حزب المناطق مستحيل لأن القوتين تفقدان في هذه الحال وجههما السياسي فقدانا تاما ناهيك عن استحالة تشكيل حكومة تناسب الطرفين. وان نقاط التماس بين مصالح "اوكرانيا لنا" ومصالح حزب "المناطق" أكبر بكثير: فان صيغة "الصفقة السياسية" بينهما هي الاحتمال الأكثر قدرة على الحياة بين جميع الاحتمالات الأخرى.
وتعود المسألة الى أن فيكتور يانوكوفيتش يدرك جيدا أن من المستحيل أن يعين أحد أتباعه رئيسا للحكومة. بيد أن النتيجة العالية في الانتخابات ستساعده على "بيع" أصواته بثمن باهظ دعما لرئيس الحكومة الذي يحتاجه الرئيس مقابل عدد من الضمانات السياسية والاقتصادية.
وستكون صيغة التحالف في هذه الحال لا ائتلافا بل صفقة بالذات على غرار تعيين يوري يخانوروف رئيسا للحكومة في الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر من العام الماضي. ونعيد الى الأذهان أن حزب المناطق وقع حينذاك اتفاقية مع الرئيس سمحت له بالحصول على ضمانات المحافظة على مصالحه الاقتصادية والسياسية على السواء مع بقائه في المعارضة. وأتاحت هذه الاتفاقية بالذات للحزب الخروج من الأزمة التي وجد نفسه فيها بعد "الثورة".
ولكن مهما كان الائتلاف أو "الصفقة" التي ستعقد بعد الانتخابات لن تكون مستقرة على أية حال و"ستغرق" النخبة السياسية الأوكرانية طويلا في لجة المساومة على السلطة وتخيب بذلك أكثر فأكثر آمال رجل الشارع في تلك القيم التي ساعدت النخبة الحالية في التوصل الى السلطة.
(*) خبيرة في مركز التكنولوجيا السياسية ـ موسكو
المصدر: وكالات ـ وكالة "نوفوستي"
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018