ارشيف من : 2005-2008

ميليس قاد التحقيق على طريقة "ابو كلبشة" وساهم في تدمير العلاقات بين البلدين بإيحاء ‏اميركي

ميليس قاد التحقيق على طريقة "ابو كلبشة" وساهم في تدمير العلاقات بين البلدين بإيحاء ‏اميركي

صحيفة "الديار"/ اسكندر شاهين‏

تتندّر بعض الاوساط بالمسلسل السوري المشهور «فطوم حيص بيص» الذي برزت فيه شخصية «حسني ‏البرزان» الصحافي العاشق، والذي افتتح مقالته الفكاهية بجملة دخلت عالم النكات وهي: ‏‏«اذا اردت ان تعرف ماذا في ايطاليا عليك ان تعرف ماذا في البرازيل»، فاذا بالنكتة ‏‏«البرزانية» تتحول واقعا في الكوميديا السوداء الممثلة «ببنك المدينة» بعد القاء القبض ‏على رنا قليلات، وقد تزامن ذلك مع تقديم المحقق الدولي سيرج برامرتز تقريره المتعلق بجريمة ‏اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى مجلس الامن الدولي، مما يدفع المراقبين الى التساؤل ‏عن احتمال وجود دور للمصرف المذكور في تمويل عملية الاغتيال بعد وروده في تقرير برامرتز، ‏الذي جاء نظيفاً من الاسماء وغامضا بغموض شخصية المحقق البلجيكي الذي قاد تحقيقاته بسرية ‏مطلقة، ربما للتعويض عن الخسائر التي لحقت بتقريري ديتليف ميليس لجهة الشهود والادلة ‏والقرائن، بحيث ان اسلوبه جاء مطابقا لاسلوب «بدري ابو كلبشة» في المسلسل السوري الآنف ‏الذكر، في وقت اعجب اللبنانيون «بكاريزما» ميليس وافلامه الاستعراضية، الى حد ذهب احد ‏الصحافيين الالمان في «دير شبيغل» الى القول «ضع لهم اي ميت في التابوت ولكن لا تخذلهم» مشيرا ‏بذلك الى الامال الكبيرة التي علقها اللبنانيون على نتائج تقريريه، اللذين شكلا صدمة ‏كبيرة لدى المتابعين للملف وجاءا مخيبين لابسط الامال لجهة النتائج، فألحق اضرارا جسيمة ‏بالتحقيق، وزاد من عزلة سوريا الدولية على قاعدة عدم تعاونها معه، وهذا الامر ادى الى ‏مزيد من القرارات الصادرة عن مجلس الامن المطالبة بتعاونها والتي جوبهت برفض سوري لانتهاك ‏السيادة وفضلت دمشق الصمود والمجابهة، كونهما اقل كلفة عليها من الاستسلام، ولعل اللافت ‏وفق الاوساط ان المؤتمرات الصحافية التي كان يعقدها ميليس بعد تقديم تقريريه الى مجلس الامن ‏بدت وكأن الهدف منها استفزاز دمشق، خصوصا وانه كان يعمد من خلال اجوبته على الصحافيين ‏توزيع التهم يمينا وشمالا غير مبال بما قد تحدثه من اضرار على مستوى التحقيق، ومن احتقان ‏على صعيد العلاقات اللبنانية ــ السورية وربما كان اخطرها ان ميليس اعتبر جريمة اغتيال ‏الزميل جبران تويني رسالة سورية موجهة اليه شخصياً، فإذا به يصدر حكما قضائيا مبرما دون ‏اللجوء الى التحقيق بشكل اثار استغراب معظـم القانونيين والعاملين على ساحة القضاء ‏المحلي والدولي.‏‏

وتضيف الاوساط ان الاخطاء القاتلة التي ارتكبها ميليس في التحقيق لجهة اسقاطه كل ‏الاحتمالات، والجهات المستفيدة من اغتيال الحريري، واتهامه «النظام الامني اللبناني السوري» ‏دون غيره، في وقت تعج فيه الساحة المحلية المكشوفة بعشرات الاجهزة وخصوصا «الموساد» ‏الاسرائيلي، فإن اخطاءه مجتمعة وربما قصد ذلك ارضاء لاملاءات اميركية، دفعت بالامين العام ‏للأمم المتحدة كوفي انان، الى انهاء مهمته التي بررها ميليس بانها قرار شخصي طلب فيه ‏اعفاءه منها لينصرف الى قضايا اخرى في بلده «المانيا»، ولينتقل الملف الى برامرتز الذي ‏اسقط الكثير من المسارات في تقرير ميليسس معتمدا منهجية صارمة ارتكزت على علم قانوني ‏وسرية مطبقة في التحقيقات، وربما اللافت ان زيارات برامرتز الى دمشق كانت من ضمن هذه ‏السرية، ولعل الغريب ان ميليس زار «المونتي روزا» لساعات وعاد الى بيروت مقفلا ابواب ‏الحدود السورية ــ اللبنانية وراءه، بحجج مختلفة وصفها تارة بعدم التعاون وطوراً ‏بالاسباب الامنية، فلمَ لم يخف برامرتز في اجراء كافة تحقيقاته في دمشق وبالتعاون مع اللجنة ‏القضائية السورية.‏‏

وتضيف الاوساط ان مناقشة برامرتز لتقريره امام المجلس كان قمة في الاحتراف المهني وقد برع في ‏اخفاء كل من طمح الى معرفته المراقبون، فجاء ملفه خالياً من الاسماء على صعيد المتهمين ‏والشهود، دون ان يشير الى ما يمتلكه من ادلة وقرائن، سوى اشارته الهامشية الى صندوق في ‏‏‏

"بنك المدينة" إدارة المدير العام للأمن العام، وكانت نتيجة التقرير اكتفاء مجلس الأمن ‏بإصدار بيان اشار فيه الى التعاون السوري واتصال من انان بالرئيس السوري بشار الاسد ‏ليشكره على انجاح مهمة برامرتز، ولعل البارز في هذا المجال موقف الرئيس الاسد الذي اعلنه ‏لمحطة «سكاي نيوز» البريطانية، بانه سيلتقي برامرتز في نيسان القادم وسيجيب على اسئلته ‏في اجتماعه معه لان المسألة ليست استجواباً، مكرراً موقف سوريا الرسمي من قضية تسليم بعض ‏الضباط السوريين اذا اشتبه بهم بالقول:‏

«بموجب قانوننا انهم خونة ويجب ان يعاقبوا على ‏الفور، ولهذا ليس هناك اي نقاش في شأن هذا، انهم خونة». وكان سبق للرئيس السوري اعلانه ‏امام مجلس الشعب، «انه في حال ثبت ان بعض الضباط السوريين شاركوا في اغتيال الحريري ‏سيحاكمون بتهمة الخيانة العظمى»، وربما التعامل الجدي من قبل القيادة السورية مع ملف ‏التحقيق في اغتيال الحريري، امر يريح مصر والسعودية، التي سيقوم ملكها عبد الله بن عبد ‏العزيز بزيارة دمشق للقاء الاسد وهي اولى زياراته العربية، التي قد تؤسس لعودة الدفء ‏الى العلاقات اللبنانية السورية ووضعها في مسارها الطبيعي، وقطع الطريق على المتاجرين ‏باغتيال الحريري خصوصا وان زيارة عبد الله لسوريا ما كانت لتحصل لولا قناعة المملكة ‏ببراءة القيادة السورية والفصل بينها وبين بعض الضباط المرتكبين في حال وجه المحقق الدولي ‏اصابع الاتهام اليهم من خلال ادلة وقرائن قد تظهر في التحقيق.‏‏

2006-10-30