ارشيف من : 2005-2008

للأمانة فقط!

للأمانة فقط!

السفير/ كتب جورج علم‏

بالتأكيد لم تكن هناك مبادرة عربيّة، ولو كانت موجودة، لأسفرت عن قمة لبنانية سورية موسّعة على هامش قمة الخرطوم، وأسفرت عن تفاهم حول المسار الذي يفترض ان تسلكه العلاقات؟!.‏

كان الاعتقاد ان العاصمة السودانية، هي المكان المؤاتي، والقمة هي الفرصة المتاحة، لتثمير نتائج كل تلك الزيارات المكوكيّة، تارة باتجاه شرم الشيخ، وتارة اخرى باتجاه الرياض، وما بينهما من حركة نشطة للسفراء باتجاه معظم المرجعيات، للخوض في كل المواضيع بدون استثناء. لكن الوقائع التي عكستها قمة الخرطوم، كانت أبعد ما تكون عن الاهواء، والتمنيات، وقد صحّحت الزائف والمغرض، من تلك التسريبات، والاعتقادات، وأكدت ان للحقيقة وجها واحدا، وان تعددت مواردها، ومصادرها.‏

في الخرطوم حديث عن ان لا مبادرة باتجاه وسوريا، "لحلحلة" الوضع في لبنان، لأن السوريين مع الحوار المباشر في كل ما يخصّ هذه العلاقات. وتمتلكهم حساسية مفرطة تجاه كل من يسعى، او يحاول التدخل في شؤون يعتبرونها من "المسلمات"، بين بلدين جارين، تربطهما مصالح مشتركة، وتاريخ، وجغرافيا، وأواصر قربى. لا بل إنهم مقتنعون تماما بأن أي مبادرة قد تأتي من الخارج لن تكون البديل عن الحوار المباشر، وغير مضمونة النجاح، وهذا يعني أنه إذا ما تم القبول بها، فمن يتحمل مسؤولية التبعات التي يمكن ان تنجم عن فشل ذريع قد تمنى به؟!.‏

أما الحوار فله سقوفه، ورجالاته. لا يمكن إيلاء هذه المهمة الى شخصيات تنظر الى الامور من علو، أو تريد ان تمارس شيئا من الفوقية، فيما المطلوب شفافية في التعاطي. ولا الى من يحاول ان يقدم على الحوار من موقع الكراهية، والعداء، والشروط المسبقة، او الاتهامات التي لا يركن اليها أي دليل، او إثبات قاطع حتى الآن؟!.‏

كان الانطباع بان قمة الخرطوم ستكون قمة لبنان بامتياز، وقمة العلاقات اللبنانية السورية بامتياز أكبر. لقد كانت كذلك، لكن من موقع مغاير، ومن منطلقات، ومعايير مختلفة. وإذ بالغسيل اللبناني الوسخ ينشر فجأة، فوق سطوح القمة، وبشكل مخجل، لا بل معيب؟!.‏

ليس المطلوب الدخول في مشادات، وتكهنات حول من كان على صواب او على خطأ؟، لكن بالتأكيد كان هناك خطأ. وكان هناك من يحاول ان ينقل الصراعات الداخلية الى الشرفة العربية، وربما عن سابق تصور وتصميم، وإلاّ كيف يفسّر الحوار "الديموقراطي" الذي دار بين الرئيسين لحود والسنيورة على مرأى ومسمع الملوك والرؤساء العرب، حول فقرة وردت في قرار "التضامن مع الحكومة اللبنانية"، وتتعلق بالمقاومة، وقد استحوذت هذه الفقرة على جولات وجولات من النقاش، والبحث بين المسؤولين، قبل ان تبلغ دوائر القمة العربية؟.‏

شاءت الصدف ربما ان يجري ما جرى بين الرئيسين، فيما كان الرئيس بشار الاسد، والوفد السوري خارج القاعة، وقد غادرا المكان، وإلا لكانت قد اتخذت الامور تحليلات، وتفسيرات مختلفة، ومع ذلك فقد انتصرت القمة للمقاومة، وصوتت الى جانب القرار من دون اي تعديل.‏

ما جرى تحديدا، خلال هذه الدقائق، داخل القاعة، كان غنيّا بمدلولاته. رئيس القمة اللواء عمر حسن البشير، وجدها مناسبة للاشادة بالمقاومة. ثم قال: نقرر ما تتوافقون عليه، ولن تتخذ القمة موقفا من موضوع لا يوجد توافق حوله من أهله.‏

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتقليقة، أعطى المقاومة حقها، ثم ذكّر بالاصول، والمبادىء "نحن في مؤتمر قمة، ورئيس الجمهورية هو من يمثل لبنان في هذه القمة، وله وحده يعود الكلام الفصل".‏

الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، قال ما يريد قوله في المقاومة إشادة، وإطراء، لكنه سأل هل الموضوع مدرج رسميّا على بساط البحث؟. وهل رئيس جمهورية لبنان، هو الذي طالب بإدراجه؟. إذا كان الجواب بالنفي، فآمل ان يقفل باب النقاش حوله، ويطرح القرار فورا على التصويت... وهكذا كان؟!.‏

في مجلس خاص علّق ابو بكر عبدالله القربى، وزير خارجية اليمن ممازحا "يبدو أنكم بحاجة الى نوعين من الوساطات العربية، واحدة لأصلاح الامور في ما بين المسؤولين. والثانية لأصلاح الامور ما بينكم وبين السوريين؟!".‏

يبدو أن لا هذه متوافرة، ولا تلك، لأن أحدا غير مستعد للتورط في الرمال اللبنانية المتحركة، ولذلك فإن الجميع مع الحوار، والجميع يباركه، ويهلل له، ربما عن غير اقتناع بالنتائج التي قد ينتهي اليها، ولكن للتأكيد بأنه غير مستعد للتورط؟!.‏

أما في ما يتعلق بالعلاقات اللبنانية السورية، فالامر غير وارد على الاطلاق. والوساطة الوحيدة المقبولة، ان تكون هناك محاولات تنطلق من ثقة صادقة، صادرة عن شخصيات لبنانية ذات مصداقية، وهذه بعض شروط الحوار المطلوب مع السوريين؟!.‏

2006-10-30