ارشيف من : 2005-2008

روسيا وأوروبا: الشراكة في الفضاء

روسيا وأوروبا: الشراكة في الفضاء

بقلم يوري زايتسيف(*)‏

في التاسع من نوفمبر الحالي تم إطلاق السفينة الفضائية الأوروبية الآلية "فينيرا-اكسبريس" من مطار بايكونور الفضائي. واستخدم صاروخ الفضاء الروسي "سويوز-ف غ" ومسرع "فريغات" في إيصال المحطة إلى مسار التحليق نحو كوكب الزهرة. وكان صاروخ روسي مماثل قد استخدم في تحليق الجهاز الفضائي الأوروبي "مارس- اكسبريس" إلى كوكب المريخ. ويأتي تنفيذ المشروع الجديد في إطار برنامج الأبحاث العلمية المشتركة في الفضاء بين وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الفيدرالية الروسية.‏

لقد بدأ التعاون الروسي الأوروبي في مجال الفضاء منذ العهد السوفيتي حيث اقتصر في ذلك الوقت على البرامج العلمية فقط، ومنها دراسة مذنب هالي بمساعدة محطة الفضاء الروسية "فيغا" ومحطة "جوتو" الأوروبية. وقد اعتبر هذا النشاط المشترك في حينها خطوة كبيرة إلى الأمام في مسألة التعاون في مجال الفضاء.‏

وقامت وكالة الفضاء الأوروبية وبالتعاون مع روسيا منذ عام 1993 بنشاط إعداد رواد الفضاء الأوروبيين وإيصالهم إلى محطة الفضاء الروسية "مير" في بادئ الأمر، ومن ثم إلى المحطة الفضائية الدولية.‏

وقد توسعت إمكانيات التعاون بين الجانبين كثيرا مع قيام روسيا الجديدة عام 1991. وأصبح بناء المحطة الفضائية الدولية مرحلة جديدة في هذا التعاون. لكن على الرغم من أهمية هذا المشروع إلا أنه لا يعتبر المشروع الوحيد في اتجاه العمل المشترك الذي يشمل حاليا جميع مجالات الدراسات والأبحاث الفضائية. ولا بد أن نشيد في هذا الجانب بتنامي الديناميكية الإيجابية للشراكة المثمرة في مجال خدمات نقل الأجهزة والأقمار الصناعية إلى الفضاء.‏

وتستفيد وكالة الفضاء الأوروبية في تنفيذ مشاريعها العلمية من إمكانيات الصواريخ الفضائية الروسية المتوسطة "سويوز" والثقيلة "بروتون". وقد جرى في شهر أكتوبر 2002 إطلاق المرصد الفضائي الفيزيائي الأوروبي "اينتيغرال" إلى الفضاء على متن صاروخ "بروتون" الروسي من مطار بايكونور الفضائي. وقد أتاحت مميزات صاروخ "بروتون" للمرصد الفضائي إمكانيات مدارية للرصد أفضل من تلك التي قد يوفرها الصاروخ الأوروبي الفضائي Ariane. ومن جانبهم حصل العلماء الروس على الحق في أولوية استخدام المعلومات التي يتم الحصول عليها في 27 بالمائة من مجمل عمل أجهزة مرصد "اينتيغرال".‏

وأصبح إطلاق جهاز "مارس- اكسبريس" إلى كوكب المريخ على متن صاروخ "سويوز- ف غ" الروسي في عام 2003 نموذجا للتعاون ليس في مجال نقل الأجهزة الفضائية إلى الفضاء فحسب، بل وفي العمل المشترك على إعداد أجهزة الأبحاث العلمية التي تستخدم لأغراض النشاط الفضائي. وقد شارك العلماء الروس في تصميم المعدات والأجهزة العلمية المستخدمة في "مارس- اكسبريس" الذي يواصل عمله حاليا في المدار القريب من كوكب المريخ.‏

ويعتبر "مارس- اكسبريس" أحد البعثات الفعالة والمهمة وغير المكلفة كثيرا لوكالة الفضاء الأوروبية. وقد حصل الجهاز على اسم "اكسبريس" نظرا لسرعة ودقة العمل على تصميمه وإطلاقه إلى المريخ. وقد تم تصميم وإعداد "فينيرا-اكسبريس" في نفس هذه الظروف. وقد نفذت المؤسسات الروسية عملا كبيرا وتكاملا من أجل تكييف الصاروخ الحامل لهذا الجهاز الفضائي، بما في ذلك في مجال التطابق المغنطيسي الكهربائي، والبعد الفاصل بين الصاروخ والجهاز. واستخدم في هذه المهمة محرك التسريع "فريغات" الذي يتميز بخفته وقوته.‏

وتتضمن خطة إطلاق "فينيرا-اكسبريس" قيام الصاروخ الفضائي "سويوز-ف غ" بنقل المسرع "فريغات" و "فينيرا-اكسبريس" إلى ما يسمى بمدار الانتظار. وبعد ذلك يقوم "فريغات" بإعداد عملية التحليق في المسار إلى كوكب الزهرة وينفصل عن "فينيرا-اكسبريس" الذي سيواصل الرحلة بمفرده. وبعد مرور 5 أشهر من التحليق - أي في شهر أبريل 2006 عندما يصل الجهاز إلى مجال جاذبية كوكب الزهرة يبدأ تشغيل محرك الجهاز الفضائي ليصل إلى المدار القريب من الكوكب. ويصل الجهاز بعد ذلك إلى مسافة تبعد 250 كلم كحد أدنى أو 6600 كلم كحد أقصى عن الكوكب.‏

ويهدف هذا المشروع إلى دراسة جو كوكب الزهرة وتركيبه، ومستوى التوازن الحراري، وتركيب الغيوم وخصائصها الكيميائية، وبعض الجوانب الجيولوجية، وخصائص السطح.‏

ويذكر أن محطة "فينيرا-4" السوفيتية قامت بأول عمليات لسبر جو كوكب الزهرة في عام 1967. وقد استمرت هذه الدراسات والأبحاث بواسطة محطات "فينيرا-5"، و"فينيرا-6"، و"فينيرا-7". وقد قامت الأخيرة بأول هبوط على سطح كوكب الزهرة. وبعد ذلك استمرت عمليات الهبوط من قبل محطات "فينيرا-9 – 14". أما محطتا "فينيرا-15" و "فينيرا-16" فقد قامتا بدراسة الكوكب من مدارات الأقمار الصناعية للزهرة، وتمكنتا من التقاط صور لسطحه. ومن الجدير بالذكر أن كل ما يعرفه العالم عن كوكب الزهرة يرجع إلى جهود العلماء السوفيت والروس ومحطات "فينيرا" السوفيتية. ولهذا تسمى الزهرة بحق الكوكب الروسي.‏

وستقوم محطة "فينيرا- اكسبريس" بملء الفراغات التي تركت في دراسة كوكب الزهرة، وخاصة سطح طبقة الغيوم الذي يحتوي على عنصر مجهول يقوم بابتلاع نصف الأشعة فوق البنفسجية للشمس التي تصل الكوكب. كما لا تتوفر لدى العلماء أجوبة دقيقة عن الأسئلة المتعلقة بالفعالية البركانية على سطح كوكب الزهرة. وقد شارك العلماء الروس بشكل مباشر في تصميم جهازين أساسيين في محطة "فينيرا- اكسبريس".‏

ويتميز التعاون الروسي الأوروبي في مجال الفضاء بتاريخ مجيد وآفاق رحبة. ومن المؤكد أن العلاقات بين وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الفيدرالية الروسية والمؤسسات التابعة لها ستتطور في عدد كبير من الاتجاهات، بما في ذلك الصواريخ والسفن الفضائية، ومحركات الصواريخ، والرحلات المأهولة، ومشروع المحطة الفضائية الدولية، ودراسة الفضاء، ومنظومة الأقمار الصناعية. وتمتلك روسيا إنجازات تستطيع أن تقدمها في جميع هذه الاتجاهات.‏

ومما لا شك فيه أن وكالة الفضاء الأوروبية ترى في وكالة الفضاء الفيدرالية الروسية شريكا حقيقيا قادرا على تعزيز المواقع التنافسية الأوروبية في العالم على أساس مثمر للطرفين. كما تستطيع وكالة الفضاء الأوروبية أن تستفيد من سوق التكنولوجيا العالية في روسيا، وان تصبح أحد محفزات تطويرها.‏

(*)خبير معهد دراسات الفضاء التابع لأكاديمية العلوم الروسية‏

2006-10-30