ارشيف من : 2005-2008
صحيفة "الديار"/ قدر اللبنانيين ان يعيشوا بين الأزمات
كتب شارل أيوب
كأنما قدر اللبنانيين ان يعيشوا بين الازمات، فما ان تنتهي ازمة ويعيش مراحلها اللبنانيون حتى تمر فترة راحة بسيطة ويدخل الشعب اللبناني في ازمة اعنف، وهكذا دواليك، حيث يعيش الشعب اللبناني بين الازمات مفتشاً عن قدره ومستقبله.
واذا به يبحث عن حل جذري للمشاكل في لبنان فلا يجد مسؤولية حقيقية، بل يجد سياسيين يتصارعون عبر مصالحهم الضيقة، فيما الواقع الحقيقي هو انهم كانوا واجهات لصراع دولي اقليمي يلعبون فيه دور الادوات التي تفتش عن مصالحها الشخصية ولا تفتش عن مستقبل لبنان الحقيقي.
منذ البداية قلنا ان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو زلزال كبير، ولكنه ليس المحطة الاخيرة، وليس الهدف بحد ذاته فقط، بل ان سلسلة احداث ستكون مقدمة لموجة من عدم الاستقرار تمتد على مدى العالم العربي كله، لا بل تصل الى دول اوروبية على البحر المتوسط، وستكون المنطقة كلها وحوض البحر الابيض المتوسط خاصة عرضة لأزمات عنيفة حيث الصراع المذهبي، وحيث صراع المصالح على مستوى تقسيم الدول الى دويلات صغيرة بدأت في العراق، ويستمر المخطط لتقسيم المنطقة كلها الى دويلات تستفيد منه اسرائيل اولاً واخيراً.
من هنا، وبرغم موقف "الديار" من رواية الصديق في تقرير ميليس، وما قلناه ان هذا المستند في التقرير لا قيمة له، فإننا نقول للبنانيين ان تقرير ميليس لن يكون المحطة الاخيرة، وسنبقى نعيش بين الازمات، تنتهي ازمة وما ان ننتهي منها حتى نعيش ازمة اخرى.
ولذلك، فإن الخطر في المصير الذي نعيشه يفترض بنا ان تكون لنا اولوية، وهي منع حصول اي فتنة داخلية في لبنان، ومواجهة الامور بعقلانية وفق مصلحة لبنان وليس وفق مصلحة الدول، ووفق مصلحة الحقيقة، وليس وفق مصلحة تصفية الحسابات السياسية.
ان اي مسؤول حالياً يجب ان يعلم ان الازمة تستهدفه وتستهدف المسؤولية التي بين يديه، ويجب ان يدرك ان المنطقة كلها منذ وعد بلفور وحتى اليوم خاضعة للفتن وللاغتيالات ولمصالح الدول اكثر مما هي تعيش مصالح العرب، وتترك لهم مجالاً كي يأخذ العرب مكاناً لهم وسط الامم التي لها كلمة في هذا العالم الذي يسير بسرعة فائقة في العولمة واقتصاد السوق والتحولات الكبرى الحاصلة.
ان ما يحصل في العراق يمكن ان يحصل في لبنان لا سمح الله، ونحن لا نشكك في وطنية الشعب اللبناني، لكن المطلع على الامور يعرف تماماً ان احتمال تقسيم لبنان هو امر وارد، وقد اصبح وارداً اكثر من الماضي، خاصة بعدما افرزت الحرب واقع التقسيم الديموغرافي والتهجير الداخلي، اضافة الى هجرة كبيرة للخارج لنخبة من الطاقة البشرية اللبنانية.
ان الطاحونة السياسية الدائرة في بيروت او في باريس لا تقدم شيئاً للبنان، ولا علاقة لها بتقرير مصير لبنان، بل ان المطلوب وقف طاحونة التصاريح السياسية واستخدام الاعلام في حرب بلا هوادة في سبيل مصالح شخصية على حساب دم الرئيس الحريري ومحاولة ترهيب الناس، وكأن كل من يقول ان هذه النقطة ليست دقيقة او صحيحة يجري اتهامه بالتآمر على مهمة ميليس.
بالنتيجة لن يقرر احد مصير لبنان من الفئات المتاجرة، ولا من هذه الفئات السياسية الرخيصة، بل ان من يقرر مستقبل لبنان هو دم شباب احرار قادرين في كل لحظة على الاستشهاد دون ان يرف لهم جفن، ولا ان يرهبهم احد، بل قادرون على النضال من اجل لبنان المستقل، من اجل لبنان العربي المناضل في وجه "اسرائيل".
فلتتوقف هذه الطاحونة السياسية الفارغة، ولننظر الى المخطط الدولي، وليتوقف هذا الارهاب الاعلامي الذي يرهب الفئران والجرذان ولا يرهب الرجال الاحرار، لأن الاخرين يخافون من الموت، اما هؤلاء الاحرار فيفتشون عن الاستشهاد.
بالنتيجة، العقل هو الشرع الاعلى، والاوطان يجري انقاذها بالبحث العقلاني وبالشجاعة الوطنية، فهل هناك من يعتمد العقلانية والشجاعة للوصول الى انقـاذ لبنان؟
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018