ارشيف من : 2005-2008
ماذا سمع نصر الله من حاكم مصرف لبنان الطامح إلى أن يكون "حاكم لبنان"؟
لحود يمتص "الموجة الأولى" من الهجوم في انتظار 14 آذار
كتب عماد مرمل
قبل قرابة الأسبوعين، وتحديدا في 14 شباط الماضي، بدأت قوى الاكثرية مجتمعة "هجوما حاسما" لاسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود، وتهيأ لبعضهم آنذاك ان "النزهة" الى قصر بعبدا لن تستغرق وقتا طويلا في ظل المناخات السائدة، مفترضا ان الحملة ضد لحود ستولّد بمجرد ان تنطلق دينامية جارفة لا بد من ان تساهم تلقائيا في إنضاج الشروط الدستورية والشعبية اللازمة للإطاحة برئيس الجمهورية "المحاصَر"، فكيف إذا توافرت لهذه المهمة، عدا عن الزخم الداخلي، مظلة دولية تمتد من واشنطن الى باريس مرورا بلندن.
ولكن يبدو أن التفاؤل الذي أشاعته الحسابات على الورق قد تضاءل مع المباشرة في التطبيقات العملية، وهذا ما دفع أشد المتحمسين لاسقاط لحود الى التملص من المواعيد القريبة التي ضربوها في السابق لإزاحته، ولعله بات يمكن القول الآن ان رئيس الجمهورية استوعب "الموجة الاولى" من الهجوم عليه، وبالتالي امتص صدمة الضربة القوية التي وُجهت اليه على الرأس في 14 شباط، وذلك في انتظار ما ستؤول اليه "الموجة الثانية" من الهجوم والمرتقبة في 14 آذار المقبل، حيث من المتوقع ان تحشد "الاكثرية" جمهورا كثيفا في محاولة لحسم "الكباش" في الشارع.
وترى أوساط سياسية مؤيدة للحود ان حملة فريق ألأكثرية ضد رئيس الجمهورية قد فقدت في واقع الامر زخم البداية الحارة واندفاعتها، بعدما تبين ان مقومات نجاحها ليست متوافرة بعد، وذلك للاعتبارات الآتية:
انسداد الشرايين الدستورية التي يفترض ان يجري فيها "دم الثلثين" لاسقاط لحود.
انقسام الشارع بين مؤيد ومعارض للاطاحة برئيس الجمهورية، ما أوجد نوعا من "توازن الرعب" الشعبي.
انقلاب سحر "عريضة الاكراه" على الساحر، بعدما أعطت هذه العريضة مفعولا معاكسا لتوقعات الموقعين عليها الذين كانوا يفترضون حصول تعاطف معهم، فإذا بهم يجدون أنفسهم فجأة في "قفص الاتهام"، لأن إقرارهم الصريح بانهم مددوا للحود تحت "التهديد والوعيد" أثار في صفوف شرائح شعبية واسعة تساؤلات حول مدى جهوزيتهم لتحمل المسؤولية العامة.
قرار وزراء الأكثرية مقاطعة جلسات مجلس الوزراء التي يترأسها لحود، وهو قرار بدا انه يؤذي الرئيس فؤاد السنيورة لانه يعطل حكومته أكثر مما يضر رئيس الجمهورية، عدا عن انه لا يحظى برضا البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير.
وتعتبر الاوساط ان زيارة وزيرة الخارجية الاميركية كونداليسا رايس الى لبنان، قبل أيام، لن تغير الحقائق الموضوعية على الارض، كاشفة عن ان رايس لم تكن أصلا في وارد المجيء الى لبنان. ولكن السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان ألحّ عليها بوجوب ان تأتي لأن استثناء لبنان من جولتها على بعض دول المنطقة قد يوحي بانها غير مهتمة بقوى 14 آذار التي تحتاج الى رسالة مختلفة في هذا الوقت، فاقتنعت رايس بنصيحة سفيرها النشيط وقامت بزيارة خاطفة لبعض القيادات مؤكدة ان بلادها "لن تتركهم".
وحسب المعلومات التي تسربت لتلك الاوساط عن لقاء وزيرة الخارجية الاميركية بالبطريرك صفير انها سألته عما إذا كان لديه أي اسم يرشحه لرئاسة الجمهورية، فأجابها صفير مستعينا بالتاريخ القريب: في ما مضى سمّينا ولم تكترثوا، واليوم لسنا في صدد إعادة الكرّة (في إشارة الى الاسماء التي كان قد اقترحها على الاميركيين لتولي رئاسة الجمهورية في أعقاب الفراغ الذي وقع في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، من دون ان يلقى اقتراحه أي إجابة في حينه).
وفي اعتقاد الأوساط إياها وهي معارضة لتوجهات "الاكثرية" انه كما أدت الانتخابات النيابية الاخيرة الى انفراط عقد لقاء قرنة شهوان، فإن الانتخابات الرئاسية، متى اقترب استحقاقها فعلا، ستفضي الى تداعي فريق 14 آذار المزدحم بالمسترئسين الذين سيحاول كل منهم شد البساط نحوه وسحبه من تحت أقدام منافسيه.
وبعيدا عن نادي مرشحي 14 آذار، كانت لافتة للانتباه الزيارة التي قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس الاول، والتي جاءت في عز المعركة المحتدمة حول مصير رئاسة الجمهورية، ما دفع المراقبين الى ربطها "فطريا" بموضوع الرئاسة، خصوصا ان سلامة هو من "الطامحين" بصمت الى هذا المنصب، وسبق له مؤخرا ان التقى البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، علما بأن محبذيه يعتقدون انه يملك من المواصفات ما يؤهله كي يكون المرشح الانسب في حال تقرر إيجاد بديل عن لحود، او على الاقل هو من بين الشخصيات التوافقية التي تملك حظوظا على هذا الصعيد.
إلا ان المطلعين على ظروف زيارة سلامة الى نصر الله ينصحون بعدم تضخيم أهدافها، لافتين الانتباه الى ان حاكم مصرف لبنان طلب موعدا للقاء نصر الله فأعطي له، ولا سيما ان حزب الله شديد الاهتمام بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، وهو خاض صراعات مريرة مع الحكومات المتعاقبة بسبب سياساتها في هذا المجال، وكان لا بد له من ان يطلع على حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي من الخبير فيه والمعني مباشرة به.
وضمن هذا السياق، شرح سلامة الواقع الحالي مؤكدا ان الوضع الاقتصادي والمالي ما يزال تحت السيطرة، ولكنه تحدث عن مخاطر استمرار التوتر السياسي وانعكاسه السلبي على الاسواق المالية والاستثمارت الخارجية في البلد، ونوه بأهمية الخطاب العقلاني والمعتدل الذي يشجع على الحوار والتوافق كذاك الذي اعتمده السيد نصر الله في مسيرة الاستنكار للاعتداء على المقدسات الدينية في سامراء وقبله في الاونيسكو، مركزا على ان اللغة السياسية الهادئة تريح الاسواق وتهدئ مخاوف الاقتصاديين، بينما يتسبب التوتر والانفعال بمزيد من الجمود في الدورة الاقتصادية.
في هذه الاثناء، هناك من يدعو الى رصد التطورات الصامتة في ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لفهم حقيقة ما يجري في ملف رئاسة الجمهورية. وتميل مصادر معنية بالتحقيق الى الافتراض بان "استشراس" قوى الاكثرية في هذا التوقيت بالذات للتخلص من لحود إنما يأتي في سياق سباقها مع الزمن لأنها تخشى من احتمال ان يضطر القضاء في لحظة ما الى الافراج عن القادة الامنيين الاربعة الموقوفين، بما يؤدي الى قلب الطاولة رأسا على عقب وإنعاش وضع رئيس الجمهورية.
وتؤكد المصادر ان الحصيلة التي توصلت اليها لجنة التحقيق الدولية في عملها، حتى الآن، من شأنها إذا أحيلت الى أي محكمة دولية، ان تبرئ ساحة الضباط الاربعة، مشيرة الى ان قوى 14 آذار تتخوف من ان يتخذ الرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية قرارا بسحب طلب توقيف هؤلاء الضباط وذلك قبل نهاية فترة الاشهر الستة الممنوحة له من مجلس الامن، في منتصف حزيران المقبل، الامر الذي يعني ان كل البناء السياسي الذي تأسس على فرضية تورط الضباط في الاغتيال سيتداعى.
وتلفت المصادر الانتباه الى ان المحقق الدولي السابق ديتليف ميليس كان قد ارتكز في توقيف الضباط الاربعة على شهادة محمد زهير الصديق، التي تبين لاحقا انها كاذبة، ثم أطلقت فرنسا سراحه من دون ان يتمكن محاميا القادة الامنيين الموقوفين من مواجهته بعد. وتكشف المصادر عن ان أحد هذين المحاميين طلب منذ شهرين تقريبا من لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني مواجهة الصديق في فرنسا لكن لم تتم الاستجابة لطلبه، بل ان "الشاهد الملك" أصبح طليقا مع ما يترتب على ذلك من مخاطر تتراوح بين ان يختفي او يهرب او يُقتل، في حين ان الضباط موقوفون بناء على إفادته.
وتشدد المصادر على ان لا وجود ل"شاهد بريء"، وبالتالي كان ينبغي توقيف الشهود من الصديق الى هسام وغيرهما، ذلك ان الشاهد في جريمة بحجم اغتيال الحريري إما انه كان يعرف بها وشارك فيها، وإما انه عرف ولم يشارك، وفي الحالتين هو متورط، وإما انه لم يعرف ولم يشارك وعندها يكون كاذبا.
المصدر: السفير 27شباط/فبرير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018