ارشيف من : 2005-2008

إشارات الزمن من كل حدب وصوب

إشارات الزمن من كل حدب وصوب

كتب شارل أيوب‏

إذا أردت أن تذهب إلى واشنطن فلا تذهب إليها مباشرة، بل مرّ على اللوبي الصهيوني ‏فالطريق مضمونة.‏‏

وإن أنت وصلت إلى واشنطن عن طريق ممر إجباري هو إسرائيل فستعيش ملكاً لدى الإدارة ‏الأميركية.‏‏

هكذا هي الطريق، مرّ السادات بالقدس سنة 1977 ومنها إلى واشنطن، ونال جائزة نوبل، ‏وغيره من قادة عرب مروا إلى اسرائيل مباشرة أو غير مباشرة وعبروا إلى واشنطن، فعاشوا ‏نعيم الرضى الأميركي وحازوا على كل دعم واشنطن.‏‏

هكذا هي الإشارات من صوب واشنطن فتمر عبر اللوبي الصهيوني وتخون قضيتك فتصل إلى واشنطن ‏بطلا ًومدعوماً، أما الطريق إلى دمشق فصعبة، فدمشق قلب العروبة وسوريا هي الممانعة في وجه ‏إسرائيل.‏‏

ولكن الطريق إلى دمشق صعبة ووالله صعبة، فعليك أن تدافع عن أخطاء إرتكبها من لم تجرِ ‏محاسبته حتى الآن، وسرقات موصوفة ولا من محاسبة.‏‏

لا بل عليك أن تجدّد عهد الصداقة كل أسبوع وتتداخل القضايا الكبرى مع القضايا الشخصية، ‏وما أصعب أن تتجدد الصداقة كل أسبوع.‏‏

تسمع الشاعر يقول وما ودّ من دون سبب، فتهتف لتقول صِلينا بالدنيا نصلك، فإذا بمن يردد ‏أن «الأحوال تحول» كما يقول الشاعر بتصرف، أي تتغير ولا تبقى على ما هي الأمور.‏‏

ما أصعب أن تجدد صداقتك كل أسبوع، وما أصعب أن تجدد عهدك كل أسبوع، ولكن الأصعب أن ‏تخون، لا بل المستحيل أن تخون، لا بل من سابع المستحيلات أن تخون وتمر من تل ابيب الى واشنطن.‏‏

وما إن تعود الى بيروت فترى الحوار وأي حوار، حيث المتحاورون لا يعرفون حدود وطنهم، وما ‏أصعب أن ننظر الى قادة الرأي والزعماء على ما يسمون زعماء انهم لا يعرفون حدود وطنهم، ‏فيما اسرائيل تفتش عن كل شبر تحتله ولا تتركه ولا تنسحب منه.‏‏

ما أصعب أن تتفرج على منظر يتباحث فيه المتحاورون عن حدود لبنان وعن مزارع شبعا ‏السائبة، فلا هي سورية ولا هي لبنانية، ولا هم يعترفون بأنها تحت الاحتلال الاسرائيلي، فاذا ‏بهم كأنهم يطلبون دم الشهيد من الجلاد، ويبحثون عن استعادة شبعا من المحتل الاسرائيلي الذي ‏تركهم في دوامة عما اذا كانت مزارع شبعا لبنانية ام سورية كأنه لا يكفي انها محتلة من ‏قبل العدو الاسرائيلي.‏‏

يطلبون الديموقراطية من أميركا والآلاف في العراق تم سجنهم من دون محاكمة، والمئات تم قتلهم ‏من دون قرار من مجلس الامن، وأما الديموقراطية فموصوفة في ليبيا، فيكفي ان يكون القذافي ‏سلًم سلاحه واعلن التعويض لليهود الذين تركوا ليبيا كي تعلن الدول ان ليبيا اصبحت ‏ديموقراطية، وان سيف الاسلام يرث والده القذافي، وان الديموقراطية أصبحت بألف خير في ‏ليبيا.‏‏

أقاموا كل العقوبات في ليبيا، أغلقوا مرافئها ومطاراتها، ومنعوا التعاطي معها، وما أن ‏سلم القذافي اسلحته وارسلها الى لندن وواشنطن حتى نشرت صحف الغرب وإعلام واشنطن ولندن ‏ذلك وجاء بلير الى القذافي يعلن عرس الديموقراطية في ليبيا.‏‏

مفهوم الديموقراطية ان تعلن الخضوع لواشنطن، مفهوم الارهاب انك تقاوم الاحتلال، مفهوم ‏الاستقرار هو الخضوع للهيمنة الصهيونية الأميركية.‏‏

إن أنت خضعت للمخطط الصهيوني فلا مشكلة لديك، فلقد حظيت بتأشيرة تأمين الى مدى الحياة، ‏فلا مجلس الأمن ولا لندن ولا باريس ولا واشنطن ولا موسكو تفكر بعقوبة ضدك، بل تحظى برعايتهم ‏ودعمهم، وتصبح المفضل لديهم، واما ان أنت عدت الى بيروت وتطلعت نحو ساحة النجمة ورأيت ‏خرائط ذاهبة وخرائط عائدة فإنك تخجل ممن يبحث عن حدود وطنه، فيما الجيش الاسرائيلي يحتل ‏أرضك، وفيما الجيش الاسرائيلي يأسر أسراك.‏‏

أما الخجل الكبير فهو أن المتحاورين يبحثون تحت الخرق الاسرائيلي الجوي لقبّة ساحة النجمة، ‏ومع ذلك فهنالك من لا يعتبر إسرائيل عدواً.‏‏

أنت كلبناني ممزق، يصيبك الوجع والألم، أصابك من سوريا خير فبنت لك دولة، وأصابك من ‏أجهزتها المخابراتية شر وسرقات ونهب وأنت غير قادر على الدفاع عن هذا الامر، وفي المقابل ‏عملاء يبيعون أنفسهم للإسرائيلي ويبيعون أنفسهم للقرار الإسرائيلي ويبيعون أنفسهم ‏للوبي الصهيوني وواشنطن.‏‏

وما أنت الا واقف على مفترق طريق ترى في السياسة طرفا، فلا القضية قضية إلا في الدفاع عن ‏أرضك، في وجه اللوبي الصهيوني، والواقع هو أن واشنطن تريدك عميلاً لإسرائيل وإنك مع ‏دمشق مفروض عليك أن تجدد عهدك وصداقتك كل أسبوع، وإنك في بلادك في لبنان فالمتحاورون لا ‏يعرفون حدود وطنهم، وعليك الإختيار ولا مفرّ من الإختيار.‏‏

وهل أفضل من اختيار الإستقالة من العمل في الشأن العام؟ وهل يتركك ضميرك القومي من دون ‏نداء، ولا يفرض عليك العودة الى ساحة الجهاد؟‏

أفضل عليك الإستقالة والإبتعاد والبحث في الفراغ، وخاصة البحث في المعلوم، والمعلوم هو ‏القضية، والبحث في اللامجـهول، واللامجهول هو الخضوع للصهيونية.‏‏

وأما انت إن كان عليك اتخاذ القرار، فالقرار هو الاستقالة من الشأن العام.‏‏

ولكن علامَ تستقيل من الشأن العام، وهل يتركك ضميرك القومي للاستقالة؟ ومحالة أن يتركك ‏ضميرك، فهو يناديك في كل مكان، ولكن كيف تجمع بين ضميرك القومي وتجديد عهدك للبنان ‏العربي، وللشام العربية كل أسبوع؟‏

وهل أصعب من تجديد العهد كل أسبوع، وان تكون العلاقة أسبوعية بدل أن تكون دهرية ‏وأبدية؟‏

بيروت أنت عائدة إلى العروبة حتماً، ولكن الصعوبة هي في الطريق إلى دمشق وتجديد العهد ‏أسبوعياً، وأما الخيانة فهي طريق سهلة للخونة، ومستحيلة للأحرار.‏‏

تلك الإشارات من كل حدب وصوب، وذلك هو الزمان الصعب، والأهم أنه ليس الزمن الرديء، لأن ‏الانتصار آتٍ وآتٍ وآتٍ.‏‏

المصدر: صحيفة الديار ـ 07 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30