ارشيف من : 2005-2008
خدّام عجز عن تقديم وقائع مادية للجريمة.. والصدّيق وهسام رسبا في اختبارهما
تغيّرت الحملة على لحود.. فهل يخلي المحقّق العدلي سبيل الضبّاط الأربعة؟
كتب علي الموسوي
تنتقد مصادر مطلعة توقيت تقديم المحامين عصام كرم وأكرم عازوري وناجي البستاني بوكالتهم عن الضباط الأربعة الموقوفين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الطلب الموحّد لاسترداد مذكّرات توقيفهم لسببين إثنين: أولهما أنّه جاء في وقت قريب جدّاً من صدور التقرير الأول للرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية القاضي البلجيكي سيرج برامرتز، والمقرّر تسليمه للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يوم الأربعاء في 15 آذار الجاري، وثانيهما أنّه تزامن مع عقد جلسات مؤتمر الحوار الوطني في مجلس النواب، واشتداد الحملة المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود.
وتعرب هذه المصادر في حديث مع "السفير" عن اعتقادها بأنّه على الرغم من أنّ استرداد مذكّرات التوقيف ممكن في أي وقت، إلا أنّ التوقيت السياسي يبقى مهمّاً جدّاً في هذا الموضوع لأنّ الجريمة، في الدرجة الأولى، سياسية بامتياز، ولأنّ توقيف الضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان، حتى ولو كان توقيفاً احتياطياً لسلامة التحقيق، إلا أنّ استغلاله سياسياً من فريق 14 آذار منذ حصوله في 3 أيلول 2005، وتركيز الحملة ضدّ الرئيس لحود على أساس مسؤوليته الشخصية في شكل من الأشكال في الجريمة من جهة، واعتراف رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق القاضي الألماني ديتليف ميليس في تقريره الأول بأنّ أحد أسباب التوقيف الرئيسية لهؤلاء الضباط، كان إرسال إشارة إلى المجتمع اللبناني بأنّه لا يوجد أحد فوق القانون، حوّل التوقيف من عملية تقنية بحتة إلى عامل سياسي وضع التوقيف في إطار التجاذب الحاد ضمن اللعبة السياسية اللبنانية الهادفة إلى استكمال تغيير الخطّ السياسي الذي حصل بعد الانتخابات النيابية في عام 2005، عبر إزاحة رئيس الجمهورية.
لكنّ أوساطاً أخرى، تقدّم أجوبة مغايرة وتردّ على هذا الانتقاد، بالقول إن أسباب الحملة المطالبة باستقالة الرئيس لحود تغيّرت، وإن كانت مستمرّة على الوتيرة نفسها. فعند انطلاق هذه الحملة كانت ذريعة المطالبة بإزاحة لحود هي مسؤوليته المفترضة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وذلك بالارتكاز إلى توقيف الضباط الأربعة واستماع ميليس إليهم مرتين.
ولكن سبب الحملة تغيّر منذ شهرين ولم يعد مصوّباً إطلاقاً على مسؤولية لحود المفترضة، بل أصبح التركيز على سبب سياسي آخر هو استحالة الحكم في ظلّ وجوده وشلّ عجلة الدولة وتوقّفها، ولذلك فإنّ انتقاد التوقيت السياسي لاسترداد مذكرات التوقيف المحتمل لم يعد في موقعه السليم، إذ أنّ الأكثرية النيابية الموهومة تستطيع الاستمرار في حملتها من دون أن تتأثّر بإطلاق سراح الضبّاط الأربعة المفترض.
أما بالنسبة لتوقّع صدور تقرير برامرتز بعد أسبوع، فتعتقد هذه الأوساط، بأنّ الارتباط الوحيد بين مسار التحقيق الدولي ومسار التحقيق العدلي اللبناني كان سابقاً، توصية القاضي ميليس في أوّل أيلول 2005 إلى السلطات القضائية اللبنانية بتوقيف الضباط الأربعة بعد الادعاء عليهم.
وإن كانت هذه التوصية قد أثّرت في قراري الادعاء والتوقيف، إلا أنّها في حينه، اتخذت على ذمّة اللجنة في عهد ميليس ورئيس المحقّقين ضابط الاستخبارات الألماني المتعامل مع المخابرات الأميركية غيرهارد ليمان، على أساس أنّ التحقيق اللبناني بتاريخ الأول من شهر أيلول 2005، كان جاهلاً تماماً لوجود الشاهدين السوريين محمد زهير الصدّيق وهسام طاهر هسام. غير أنّه بعد مرور أكثر من ستة أشهر على التوقيف على ذمّة التوصية التي يعتريها الكثير من الشوائب ليس هنا المجال لتعدادها، فإنّ اللجنة الدولية سلّمت على ما يبدو، القضاء اللبناني الأدلة المتوافرة لديها، الأمر الذي يمكّن، عملياً والآن، القضاء اللبناني من البتّ بكلّ موضوعية، في طلب استرداد مذكّرات التوقيف لأنّه صار مطلعاً كلّ الإطلاع، على معطيات الملفّ.
التعاون الفرنسي!
وفي هذا السياق يأتي قرار السلطات الفرنسية برفض طلب استرداد الشاهد الصدّيق، من دون أن تتعرّض الحكومة الفرنسية لأي انتقاد بوصفها غير متعاونة مع التحقيق الدولي، عاملاً مشجّعاً للقضاء اللبناني لكي يأخذ قراره بكلّ موضوعية وبصرف النظر عن توصية ميليس التي حصلت قبل ستة أشهر وقبل افتضاح أمر الشاهدين الصدّيق وهسام، مع الإشارة إلى أنّ حيثيات عدم انتقاد الموقف الفرنسي، وهي في محلها، تنطبق بحرفيتها على أي موقف قد يتخذّه القضاء اللبناني لأنّ القضاء في كلا البلدين مستقلّ.
وتبدي مصادر موثوقة ارتياحها إلى عدم تركيز المطالبة باستقالة لحود على مسؤوليته المفترضة، وتعتبر ذلك مؤشّراً إلى عاملين هما:
أولاً: التحسّب من إتيان تقرير القاضي برامرتز المرتقب، خالياً من أيّة إشارة إلى رئيس الجمهورية، وهذا ما يفسّر تحديد رئيس الهيئة التنفيذية في "القوّات اللبنانية" سمير جعجع قبل ثلاثة أسابيع، مهلة 14 آذار الجاري لاستقالة الرئيس لحود. وقد ربطها البعض آنذاك، بأنّها تصادف مع الذكرى السنوية الأولى لما يسمى ب"انتفاضة 14 آذار 2005 الميمونة والمجيدة"، إلا أنّها في واقع الأمر كانت المطالبة بإزاحة لحود قبل 14 آذار 2006، لأنّه الموعد المحدّد لصدور تقرير برامرتز الأول، وبمعنى آخر، فإنّ موقف جعجع جاء في ضوء موعد صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية في عهدها الثاني، وليس في ضوء الذكرى السنوية الأولى لانطلاق ما اصطلح على تسميته ب"ثورة الأرز".
ثانياً: إنّ بداية تشكيل قناعة لدى فريق الأكثرية بأنّ الملف القضائي للضبّاط الأربعة، وخلافاً لما كان شائعاً خلال الشهور الأولى من بدء عمل لجنة التحقيق الدولية، لا يحتوي على الأدلة التي أشاعت بعض الجهات أنّها متوافرة بحقّ هؤلاء الضبّاط، مع التذكير بأنّ مضمون التحقيق في الأشهر الأربعة الأولى كان موضوع مادة إعلامية يومية في كثير من وسائل الإعلام، وغذّتها التسريبات التي كانت تصدر تباعاً عن اللجنة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تسريب قرار تجميد الحسابات المصرفية الذي طاول وزير الدفاع الوطني إلياس المر، وأخبار دهم شقّة في شارع معوّض في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت التي حصلت أمام كاميرات التلفزيونات.
وتضيف هذه المصادر أنّه بعد هدوء موجة الانفعال، بدا فريق الأكثرية أقل اقتناعاً بما كان يظهره التجييش الإعلامي في الأشهر الأولى، وساهم في انخفاض منسوبه ابتعاد رئيس اللجنة الجديد برامرتز كلياً عن الإعلام والتوقّف الكلي للتسريبات المضرة بسلامة التحقيق، حتّى بات الجميع لا يعرفون الآن، المنحى الذي يتخذّه برامرتز.
خدّام والمساءلة الجزائية
وهذا الطرح يؤمن به أحد النوّاب، ويرى أنّ ما يعزّز هذا الانطباع، هو اضطرار اللجنة الدولية قبل انتهاء مهمة ميليس بفترة وجيزة وبعد انهيار نظرية الشاهدين الصدّيق وهسام، إلى اللجوء إلى النائب السابق للرئيس السوري بشار الأسد عبد الحليم خدّام، كمحاولة أخيرة لإعادة تأهيل وترميم بنيان النظرية السابقة المتصدّع، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل الذريع لأنّ خدّام لا يستطيع أن يدلي إلا بمعلومات عامة حول آلية اتخاذ القرار وتنفيذه داخل النظام السوري، في حين أنّه يعجز عن الشهادة بخصوص وقائع مادية ملموسة تتعلّق بالجريمة بحدّ ذاتها، وذلك بسبب عدم اضطلاعه بأيّ دور أمني واحتمال مساءلته شخصياً وجزائياً لكتمه معلوماته وعدم إدلائه بها في الوقت المناسب، كما حصل مع الصدّيق الذي حوّلته اللجنة من شاهد إلى مدعى عليه.
وإزاء إبقاء الضباط الأربعة قيد التوقيف، وبروز التطورات الأخيرة، يقول أحد نوّاب قوى 14 آذار لـ"السفير" إنّه يتأمّل بمغزى أن يأتي تقريرا ميليس الأول والثاني مطابقين لما نشرته جريدة "السياسة" الكويتية بعد أيام معدودة من وقوع جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وسردها رواية مفصّلة عن تقرير وتخطيط وتنفيذ هذه الجريمة المروّعة، وقد دعمها الشاهدان الصدّيق وهسام، مما يدعو بحسب تعبيره، إلى التأمّل في الخلاصات التي توصّل إليها ميليس الغارق الآن في رحلات الاستجمام.
المصدر: صحيفة السفير 9 آذار/ مارس 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018