ارشيف من : 2005-2008

لحود مقابل هنيّة

لحود مقابل هنيّة

صحيفة السفير/ جوزف سماحة‏

منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية والولايات المتحدة تعيش نقاشاً صاخباً. تطرح أوساط فيها ضرورة التروي في الترويج للديموقراطية من دون تحضير مقدماتها الثقافية والمؤسساتية والسياسية. وتدعو دوائر الى قدر من الواقعية بحيث تهتم واشنطن بمصالحها الحيوية والاستراتيجية ولا تتعمد هز الاستقرار في الشرق الأوسط. وتستند هذه الاصوات النقدية إلى نتائج الانتخابات في فلسطين طبعاً، ولكن أيضاً في مصر وإيران. ترد الإدارة على هذه الملاحظات بتكرار مواقفها من ان بقاء الاوضاع على حالها غير مقبول، وانه لا يضمن الأمن. وتزيد انه من الضروري تحمل بعض النكسات التكتيكية من أجل الرهان على نجاح استراتيجيا طويلة الأمد.‏

غير ان حجج الإدارة تضعف أمام سلوكها الفعلي. فوزيرة الخارجية كوندليسا رايس تقول إنها غير آسفة لفوز "حماس" لكنها تستطرد ان واشنطن ستقود حملة لمعاقبة الفائزين. وتفيد أنباء كثيرة، في وسائل الاعلام الأميركية، عن وجود تخطيط مع إسرائيل للانقلاب على صناديق الاقتراع. ولقد باشرت تل أبيب تنفيذ قرارات في هذا الخصوص في حين تتولى الولايات المتحدة أمر إدارة الحصار على الاصعدة العربية والدولية والاقليمية. ولا تتردد رايس في ان تضع هذا البند على جدول أعمال جولتها في المنطقة في حين انها استبقت تلك الجولة بتحديد مبالغ تُنفق في إيران وسوريا من أجل التشجيع على... الديموقراطية.‏

يمكن للولايات المتحدة، وهذه من سمات الدولة الأقوى ومن عناوين أرجحيتها، ان تعيش مع هذه التناقضات. إلا انه من المستحسن امتصاص التباينات أو التقليل منها أو السعي إلى تقديم نموذج آخر يمكن التركيز عليه من أجل القول ان نتائج العملية الديموقراطية أكثر التباساً مما يظن البعض، وانه يمكن لها ان تكون، في الوقت نفسه، "ديموقراطية" وغير معادية للمصالح الغربية.‏

لم تنجح واشنطن تماماً في تقديم العراق نموذجاً. فالنتائج النهائية أثبتت انه، خارج الإطار الكردي، لم تلتق الأمنيات مع التوقعات. ومع ذلك نلاحظ ان هناك في أميركا من يحاول الاستفادة مما جرى مرغماً نفسه على إظهار "غيرية" لم نعرفها في الدول وحساباتها الباردة.‏

لم يكن أمام واشنطن، بعد المحطات الديموقراطية غير المؤاتية، إلا ان تعود إلى لبنان والاهتمام به، خاصة ان احداث العام المنصرم مكّنتها من ان تقدم المثال المرجو حيث تعانق صناديق الاقتراع المصلحة الأميركية. ولقد أعطت الإدارة إشارة الانطلاق لاستكمال "الثورة الديموقراطية" في لبنان، وجاهرت رايس بأن بلد الأرز، يستحق رئيساً للمستقبل لا رئيساً من الماضي.‏

ان الضوء الأخضر الأميركي يخدم أهدافاً عدة:‏

أولاً: يلبي حاجة عند الإدارة للرد على خصوم محليين متشككين في السياسة الخارجية ويتأكد ذلك من ان الولايات المتحدة تجد في فرنسا جاك شيراك شريكا لها يطمئن الخائفين من العودة إلى السياسات الانفرادية.‏

ثانياً: يلبي الشعار المرفوع لدى هذه الإدارة من ان وجود قوى مسلحة ضمن الدولة يهدد معناها. لقد كان هذا الشعار مرفوعاً في وجه محمود عباس وهو مرفوع اليوم، بقوة، في وجه السلطة اللبنانية. ان هذه السلطة مدعوة إلى أخذ المسافة اللازمة عن "حزب الله" والمقاومة.‏

ثالثاً: يتجاوب هذا الشعار مع التقدير الأميركي القائل بأنه آن الأوان في لبنان لافتتاح مرحلة ثانية من الصراع يكون موضوع "حزب الله" هدفها المباشر وتتأسس على ما تم تحقيقه في المرحلة الأولى وهو غير قليل.‏

رابعاً: عندما ننظر إلى موضوع الرئاسة الأولى من لبنان فإننا نرى شخص إميل لحود. ويمكن لنا، طبعاً، الانقسام حوله وحول حكمه. وليس من باب المبالغة القول ان أكثرية لبنانية تملك رأياً سلبياً في أدائه خلال السنوات الأخيرة. ولكن عندما ننظر إلى الموضوع نفسه من واشنطن فإن ما نراه هو رقعة الشطرنج الاقليمية الشاملة. ويمكن الجزم، بهذا المعنى، ان الإدارة بتدشينها الحملة ضد لحود، مع ما يعنيه ذلك من استهدافات لاحقة، إنما تريد ان ترد، بوسائل قريبة من الديموقراطية، على هزائم سابقة تلقتها باسم الديموقراطية وأبرزها، بعد العراق، نسبياً، ما جرى في فلسطين. لقد أصبح اسماعيل هنية رئيساً لوزراء السلطة الوطنية. إذاً، يجب اسقاط إميل لحود.‏

بالطبع، يرفض دعاة الإقالة رفع الشعار في هذا السياق الاقليمي وهم يرفضون منذ أشهر اقامة أي صلة بين الحدث اللبناني واحداث الجوار. ويحاولون، قدر المستطاع، توفير قراءة محلية بحتة، وشبه ريفية أحياناً، لأزمة وطنية شديدة التداخل مع تطورات المنطقة والعالم. إلا ان ذلك لا يلغي الشبهة اللاحقة بسياستهم والتي تقدم نفسها باستمرار، وبنجاح أحياناً، بصفتها كلام حق يراد به باطل.‏

ان المعركة ضد لحود جزء من معركة أوسع. كل ما فيها يقول ذلك. من التوقيت، إلى السياق الذي يضعها خارج أي توافق، إلى التعمية المقصودة على أدواتها وسبل النجاح فيها.‏

ولهذه المعركة وجهان. أما الداخلي فهو توصّل قوى محددة إلى استئثار بالسلطة ذي طابع استئصالي لكل مخالف. أما الخارجي فهو المضي على طريق الالتحاق بمحور إقليمي معاد، لا يمكن معزوفة "لبنان أولاً" أن تخفي وجهه البشع.‏

2006-10-30