ارشيف من : 2005-2008

عون ونصرالله على "اللائحة السوداء"!

عون ونصرالله على "اللائحة السوداء"!

صحيفة "النهار"‏

"لا يشعر بالعار من لا يعرف العار. ولا يعرف العار من لا يعرف الشرف. ويا لذل قوم لا يعرفون ما هو الشرف وما هو العار".‏

انطون سعاده‏

هل بدأ السباق الى بعبدا من واشنطن حيث أعطت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس أمس اشارة الانطلاق بزيارتها بيروت واستثناء العماد ميشال عون، الزعيم المسيحي الماروني الاقوى، من جدول أعمالها؟‏

بل هل خدمت مقاطعة رايس عون ومنحته حظوظا أكبر للرئاسة؟‏

الجوابان عن هذين السؤالين ليسا بالبساطة التي يتصورها البعض، سواء أكانوا من أنصار عون، أم من أخصامه. ذلك ان العماد ميشال عون كان يعرف سلفا ان تفاهمه و"حزب الله"، وإن منحه عمقا وطنيا، سيجر عليه مجموعة من "الويلات" السياسية والطائفية الخارجية والداخلية.‏

وعندما قال في الاسبوع الماضي ديبلوماسي صديق في الطائرة التي أقلتنا من برشلونة الى بيروت، بطريق أمستردام، ان عون بات على "اللائحة السوداء" في واشنطن، استنادا الى أقوال سمعها من الخارجية الاميركية ومن أوساط قريبة من رايس، لم نستغرب "معاقبة" الاخيرة زعيم "التيار الوطني الحر" علنا امس بامتناعها عن لقائه على غرار ما فعلت سابقا وجاراها في ذلك معظم المبعوثين الاميركيين الى لبنان.‏

لا بل كان مدهشا في السابق ومثار تساؤلات كثيرة حرص مبعوثي واشنطن على لقاء عون دون سائر القادة السياسيين، وكأنها كانت تبلغ من يعنيهم الامر انها تعتبر ان عون هو الزعيم المسيحي الاقوى، والبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير هو الزعيم الروحي الأوحد.‏

فهل تقصّد عون – وهو الحاسوب الدقيق – تفاهمه مع "حزب الله"، وخصوصا انه أحد المشاركين الرئيسيين في صوغ القرار 1559 الذي اعتبر في أحد بنوده قاتلا للحزب، أخذ مسافة من السياسة الاميركية التي غرقت في المستنقع الدموي العراقي، ولم تتقدم قيد أنملة في موضوع إخضاع سوريا لمشيئة واشنطن في الموضوع العراقي، وللمجتمع الدولي في موضوع جريمة العصر الهمجية المتمثلة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟‏

كذلك هنا الجواب مزدوج. أي أنه تقصّد وغامر في الوقت نفسه. والبعض يرى انه قامر أكثر مما غامر.‏

إذ لم يكن سهلا لعون، وكذلك لـ"حزب الله"، التوافق على ما أنجزاه في ورقة التفاهم من أمور كان تأمين توافق عليها من رابع المستحيلات. وقد سبقا فيها أي حوار، نظرا الى ان البنود الخلافية التي اتفقا عليها هي التي كانت تؤخّر الحوار وتستبعده، مثل ترسيم الحدود والتمثيل الديبلوماسي مع سوريا، والعلاقات بين بيروت ودمشق، وتسليم سوريا باستقلال لبنان وسيادته الكاملة على أرضه، وتمتعه بحرية القرار في الداخل والخارج، اضافة الى القبول بعودة اللبنانيين الذين لجأوا الى اسرائيل، ومتابعة ملف المعتقلين في السجون السورية. وهي أمور لم تكن تخطر في البال، لا أثناء وجود القوات السورية في لبنان، ولا بعد خروجها منه في 26 نيسان الماضي.‏

كذلك لم يكن سهلا اقناع جمهوريهما بما حوته ورقة التفاهم التي وقعت داخل كنيسة مارونية على خط تماس سابق، بين سيد شيعي معمم يتمتع بهالة شبه مقدسة لأنه والد شهيد وشيخ الشهداء في مواجهة العدو الاسرائيلي، وبين جنرال سابق في الجيش نشر رجاله (اللواء الثامن) حول الضاحية الجنوبية خلال مجزرة صبرا وشاتيلا وأعطاهم أوامر بانقاذ أي فلسطيني يهرب من المخيمين وتوفير الحماية له، الامر الذي أغضب المخافر الميليشياوية المتقدمة التي استحضرها الاسرائيليون لمعاونتهم في المجزرة داخل المخيمين وخارجهما.‏

كذلك هو وفّر الحماية للضاحية وأهلها في تلك المجزرة التي كان يمكن ان تمتد الى داخل الأحياء الشيعية.‏

تضاف الى ذلك معرفة الجنرال بوضع المقاومة، وبسلاحها، وبما يمكن ان ينجم من أحداث وعدم استقرار للبنان، في حال حصل تدخّل عسكري خارجي لاجبار "حزب الله" على تسليم سلاحه، أو جرت محاصرة للمخيمات الفلسطينية من أجل تجريدها من السلاح تنفيذا للقرار 1559، الامر الذي تحاشته الحكومة بذريعة انه يجب ان يخضع لحوار داخلي بين اللبنانيين، ثم بين اللبنانيين والفلسطينيين. وثمة من يرى انه لم يكن هناك بد من تفاهم "حزب الله" وزعيم "التيار"، وإن أغضب ذلك واشنطن، نظرا الى انه يستحيل شطب سوريا من المعادلة الرئاسية، والاكتفاء بالصوت الاميركي الذي قد يعتبر غضبه على عون "نعمة" له تكسبه استقلالية عن الخارج، كما تكسبه مسحة "وطنية" لا بد منها لأي مرشح طامح الى الرئاسة الاولى، وتفتح امامه طريق الشام، اذا كان لا بد من التفاهم مع سوريا على رئيس لا يكون ضدها، ويرفض ان تُحكم بلاده من دمشق.‏

وثمة أوساط لا تستبعد ان تكون ورقة التفاهم بين عون و"حزب الله" والتي تتضمن بنودا تعني سوريا مباشرة، قد عبرت مسودتها الحدود ونالت مراجعة دقيقة ممن يعنيهم الامر هناك بحيث لم يجدوا فيها بنودا ليسوا مستعدين للقبول بها، وخصوصا ان "حزب الله" حليف كبير لسوريا في لبنان، وقد جعلته الغالبية المناهضة لها فيه يدفع ثمن هذا التحالف "نبذاً وعزلاً وشطباً" على ما قال في "يوم القدس" الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله.‏

إذ ليس معقولا ان يقبل الحزب بترسيم الحدود والتمثيل الديبلوماسي، وعلاقة الند للند بين دولتين مستقلتين، حرتين، وسيدتين، دون موافقة احداهما، وهي الاقوى، أي سوريا.‏

من هنا يمكن اعتبار ورقة التفاهم برنامجا رئاسيا مبدئيا لأي مرشح للحلول مكان الرئيس اميل لحود، سواء استقال أو أطيح بأي وسيلة كانت.‏

واذا كان من غير الضروري ان يكون المرشح للرئاسة العماد عون نفسه، فان مندرجات الورقة قد جسدت معنى الاستقلال والسيادة والقرار الحر الامر الذي عجزت عن التعبير عنه وتجسيده حركة 14 آذار.‏

ومن هنا أيضاً نفهم، ربما، أسباب استثناء رايس لعون من لقاءاتها في بيروت ومساواته بـ"حزب الله"!‏

ان الوضع دقيق، وخصوصا بعد التفجير الكبير للمزار الشيعي في سامراء العراق، وتعطيل جلسة مجلس الوزراء، والاجواء التي تسيطر على "الشوارع" المختلفة، ويغلب عليها طابع التشنج الطائفي والمذهبي. لذلك يجب تفادي الدعسات الناقصة، من الآن حتى 14 آذار، وسلوك طريق الحوار والتوافق، سواء في انزال لحود عن "عرشه" وهو أسوأ رئيس عرفه لبنان، او في التعامل مع طاولة الحوار التي دعا اليها الرئيس نبيه بري في 2 آذار المقبل وتلقّى حيالها تحفظات غير مبررة. علما ان اللبنانيين انتظروا مثل هذه الفرصة للتلاقي والتصالح والتحاور، عقدا ونصف عقد. ولا بد ان يخرج الدخان الابيض من ساحة النجمة وليس من أي ساحة أخرى.‏

فهل تتحقق أمنية اللبنانيين بعد طول انتظار؟‏

ادمون صعب‏

2006-10-30