ارشيف من : 2005-2008

من أوراق الصحف اللبنانية لهذا اليوم 28 شباط/فبراير 2006

من أوراق الصحف اللبنانية لهذا اليوم 28 شباط/فبراير 2006

كتب محمد شري تحت عنوان:المعادلة القاتلة‏

لا يُحكم لبنان من دمشق ولا يُحكم لبنان ضدّ دمشق.‏

هذه المعادلة التي طرحها الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هل هي فعلاً ما قتل رفيق الحريري كما قال نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام؟‏

إذا صحّ ما قاله السيد خدام فهذا يفترض احتمالين:‏

1ـ ان هناك من لا يقبل ان يحكم لبنان الا من دمشق، وبالتالي أقدم على قتل الرئيس الحريري لأجل ذلك.‏

2ـ إن هناك من لا يقبل ان يحكم لبنان إلا ضد دمشق، وبالتالي أقدم على قتل الرئيس الحريري لأجل ذلك.‏

كلا الاحتمالين قائم وإلغاء اي منهما لا يصحّ من دون دليل واضح وقاطع. خاصة ان مجرى الامور وتطور الأحداث بعد اغتيال الرئيس الحريري يشير الى ان الامورت سارت باتجاه معادلة لبنان ضد دمشق.‏

هل هذه المعادلة الحريرية مستحيلة في لبنان، بمعنى إما ان يحكم لبنان من دمشق، كما كان عليه الحال، واما ان يُحكم لبنان ضد دمشق كما هو عليه الحال حالياً. لا مكان لمعادلة ثالثة وبالتالي لا مكان للرئيس الحريري.‏

السؤال مَن المسؤول عن واقع العلاقات اللبنانية السورية. وهل هناك قراءة موضوعية لهذه العلاقات ترى الايجابيات والسلبيات على حد سواء ام اننا في أحيان كثيرة لا نرى الا الايجابيات مقابل قراءة اخرى لا ترى الا السلبيات؟ هل تكمن المشكلة في دمشق كما يرى البعض باعتبارها غير مستعدة للقبول والاعتراف باستقلال لبنان كدولة ذات سيادة وهذا ما يدفعها لرفض ترسيم الحدود وتبادل السفارات ورفض منطق الندية في العلاقات بين البلدين والتعامل مع لبنان باعتباره شأناً داخلياً سورياً ولا تقبل إلا بممارسة دور الهيمنة الكاملة في العلاقة بين البلدين؟‏

اللبنانيون السياديون لا يجدون بداً من مواجهة الاطماع السورية وتبعاً لاختلال موازين القوى بين البلدين الجارين لا يمكن للبنان الا ان يعتمد على الدعم الخارجي لمواجهة السياسة السورية.‏

والبعض تجاوز هذا الحد الى منطق أن لبنان لن يحمي نفسه الا بسياسة هجومية لإسقاط النظام في سوريا. والإتيان بنظام آخر منسجم مع السياسات الدولية يقرّ بسيادة لبنان واستقلاله متجاهلاً ان إشكالية اعتراف سوريا بلبنان ليست مرتبطة بالنظام السوري الحالي وان اي نظام بديل لن يكون بالضرورة أكثر حرصاً وحماساً لاستقلال لبنان وسيادته. من النظام الراهن والشواهد التاريخية للعلاقة بين البلدين عديدة وكثيرة على العكس كان الرئيس حافظ الاسد الأجرأ في تكريس الاعتراف السوري الرسمي باستقلال لبنان وتوقيع اتفاقيات الاخوة والتعاون وتجاوزه الرئيس بشار الاسد بزيارة رسمية الى العاصمة اللبنانية طالما كان اللبنانيون يشككون في إمكانية حصولها من قبل رئيس سوري. هذا فضلاً عن تحوّل لبنان في مراحل عديدة الى ساحة للتآمر على سوريا كما يرى البعض وتحوله الى بوابة المؤامرات لكل أعداء سوريا سواء أكانوا من الشرق ام من الغرب وصولاً للعدو الاخطر اسرائيل، وان سوريا لا يمكن ان تقف مكتوفة الايدي حيال ذلك وان اللبنانيين لا يرفعون شعار السيادة والاستقلال الا في مقابل سوريا حصراً ولا يرفعونه حيال سائر التدخلات الخارجية التي يستدعونها الواحد تلو الآخر، تبعاً لحساباتهم الطائفية الضيقة. وها هي إسرائيل تحتل جزءاً من ارضهم وتنتهك يوميا السيادة اللبنانية دون ان تثير فيهم الحمية الوطنية فضلاً عن حراك السفراء الاجانب لا سيما السفيرين الاميركي والفرنسي والذي لا مثيل له في اي من بلاد العالم. مثل هذا النقاش يتكرر كثيراً بين اللبنانيين والسوريين والمشكلة أنه كثيراً ما يتمّ الخلط وتحديداً في لبنان بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي، بين ما هو شخصي او طائفي، وما هو وطني وتلك هي الكارثة.‏

لسوريا بإجماع تام أخطاء وخطايا في لبنان تجب مراجعتها، والوقوف عندها ومحاسبة المسؤولين عنها، اذا امكن ذلك، وهي باتفاق الجميع ايضا أخطاء وخطايا سورية لبنانية مشتركة.‏

السؤال: هل يمكن لهذه الخطايا، على فداحتها، ان تحول دون رؤية الأبعاد والخيارات الاستراتيجية التي حكمت العلاقة بين البلدين ما بعد اتفاق الطائف والإنجازات التي تحققت بفعل هذا الرابط الاستراتيجي بين البلدين؟‏

هل يتسع صدر البعض في لبنان لذكر عدد من الإنجازات الاستراتيجية الكبرى التي تحققت في لبنان بفعل هذه العلاقة:‏

1 ـ إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، والتي ما كانت لتنتهي لولا الدعم السوري العلاقة اللبنانية السورية.‏

2 ـ إعادة توحيد الدولة بكافة مؤسساتها الرسمية السياسية والاقتصادية والأمنية، وفي مقدّمها الجيش اللبناني وسائر المؤسسات الأمنية الأخرى التي هي عماد أي كيان سياسي مستقل؛ وهذا الإنجاز ما كان ليتمّ لولا الدعم السوري والعلاقة اللبنانية السورية.‏

3 ـ دعم المقاومة وتحرير القسم الاكبر من الاراضي اللبنانية المحتلة، وهذا الإنجاز الكبير ما كان ليتمّ لولا الدعم السوري والعلاقة اللبنانية السورية.‏

إن لمقولة لبنان لا يُحكم ضد دمشق مترتبات وتبعات وترجمة سياسية وأمنية وإعلامية لا يبدو أن القيمين على شؤون الدولة والسياسة في لبنان، لا سيما جماعة 14 آذار، حريصون عليها. هذا لو تجاوزنا ان مسؤولية الأخطاء كانت لبنانية سورية مشتركة، وان من شارك في الحكم خلال عهد الوصاية لم يكن مجرد دمية او اداة لا كلمة له ولا رأي. لقد بادلت مجموعة 14 آذار الخروج السوري من لبنان بحملة رهيبة من العداء والاستعداء تحوّل مباشرة من التحالف الاستراتيجي إلى العداء الاستراتيجي فأضحت بيروت قاعدة انطلاق اميركية اساسية ضد دمشق وأضحت بيروت قاعدة كل دعوات التغيير في سوريا، وهذا امر خطير لا يمكن تبريره ببساطة بمنطق الحرية الاعلامية والسياسية في لبنان. لقد أثبت رموز 14 آذار أن مقولة الرئيس الحريري غير ممكنة، وان المستفيد من اغتياله دعاة حكم لبنان ضد دمشق رداً على مقولة حكم لبنان من دمشق. لقد فوّتوا على لبنان حتى هذه اللحظة فرصة تاريخية لتطبيق معادلة الرئيس رفيق الحريري وبدلاً من الاستفادة من هذه اللحظة التي تمثلت بخروج القوات السورية من لبنان بسياسة امتصاص الغضب وطمأنة سوريا كانت الحملة تتصاعد والعواطف تلتهب وكأننا أصبحنا على ابواب دمشق ندقّها فاتحين. قد تكون الفرصة لا تزال متاحة للمراجعة وهي مسؤولية لبنانية بنسبة 90% باعتبار ان لبنان هو صاحب المصلحة الأكبر باعتبار أن لبنان تخلّص من وطأة الوجود العسكري السوري المباشر. قد لا تكون سوريا بريئة من كل الجرائم التي تتهم بها في لبنان، لكن لماذا لا ننتظر حتى نمتلك الدليل؟ ولماذا لا نمتلك بعض الحكمة في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالحها العليا وأمنها الوطني والقومي؟ ليكن فينا من هو بمستوى رجال الدولة وليس زعماء القبائل والعشائر والطوائف وطلاب المناصب والمواقع. ولنعمل، خصوصاً ورثة الرئيس رفيق الحريري على إثبات أن معادلته قابلة للحياة رداً على من أراد بقتله قتلها.‏

(*) إعلامي‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية ـ 28 شباط/ فبراير 2006‏

ــــــــــــــــــــــ‏

وحول الحوار اللبناني كتب أحمد زين تحت عنوان : نجاح الحوار بوقف قصفه قبل بدئه والتفاهم خلاله‏

هل تدوّر الطاولة زوايا المواقف السياسية؟‏

تنطلق ورشة مؤتمر الحوار الذي دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري يوم الخميس المقبل في مجلس النواب. ويشير انعقاد المؤتمر الى ان البلد يرزح تحت وطأة حالة من "الهذيان الخطير" باعتبار ان مؤتمرات الحوار ما كانت لتنعقد يوما الا في ظل طغيان مثل تلك الحالة على كل ما عداها، على غرار انعقاد هيئة الحوار الوطني في جنيف سنة 1983، ومؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية سنة 1989 وغيرهما.‏

من هذه الزاوية، يتبين ان مفهوم الحوار في لبنان ذو وجهين: سلبي كونه يدل على وجود خلافات تطال او تلامس المسلّمات والقضايا الوطنية؛ وإيجابي يدل على وجود نيات لحل التعقيدات والتباينات بالوسائل السلمية. وقد يبدو من هذا المفهوم انه طبيعي ولكنه في الحقيقة هو غير ذلك تماما.‏

ومن بديهيات القول ان نجاح اي حوار يتطلب توافر شروط لم تعد خافية على أحد، كالتخلي عن المواقف المسبقة التي لا يمكن التراجع عنها، والقبول بمناقشة الطرف الآخر في مواقفه والاقتناع بما تتوصل اليه المناقشة من حقائق لا تقبل التشكيك فيها وتغليب المصلحة الوطنية على اي من المصالح الاخرى وغيرها.. الا ان واقع الحوار اللبناني المستند للتجارب السابقة لا يكتفي بمثل هذه الشروط لضمان نجاح الحوار، فهناك شروط اخرى اساسية وفاعلة في التأثير على النتائج سلبا ام ايجابا، وفي مقدمتها "الرعاية الخارجية"، سيان أكانت عربية أم دولية. ومن بديهيات القول هنا ان تلك الرعاية تكون دائما مبنية او متأثرة بمسألتين هما: المصالح المباشرة لتلك الدول؛ وحروب الدول مع بعضها لجهة مدى انعكاس مواقفها من الحوار على امكانية تثمير ما يمكن ان ينتج عن الحوار سلبا أم ايجابا في تلك الحروب.‏

انطلاقا من هذه المعطيات يمكن استكشاف النتائج التي يمكن ان تنتهي اليها مبادرة الرئيس نبيه بري بعد ان وضعت على المحك العملي. وما تجدر الإشارة اليه اولا في هذا المجال ان المجلس النيابي كان في مطلع الحرب اللبنانية سنة 1975 قد حاول القوطبة على الحرب بتشكيل هيئة الحوار الوطني بعد ان اعلنت الحكومة يومها اثناء انعقاد جلسة المجلس النيابي في 18 تشرين الأول سنة 1975 "انها استنفدت جميع الوسائل والتدابير لوقف الاقتتال وتوطيد الأمن"، وخلصت اللجنة التي شكلتها الهيئة في البيان الذي توصلت اليه الى مقترحات كانت "حصيلة تسوية بين المطالب المختلفة والمتناقضة وقاسما مشتركا لجميع الاطراف". وبرغم ذلك استمرت الحرب لأن المطلوب دوليا، وتحديدا اميركيا يومها، ان تستمر لتحقيق اهداف منها تقسيم لبنان. وبعد ان انكشفت ويلات الحرب حتى سنة 1986 تشكلت ايضا هيئة حوار وطني في الثاني من ايلول سنة 1986 انبثقت عنها لجنة وزارية اجتمعت لخمس مرات في ميدان سباق الخيل كونه على خط التماس بين المتقاتلين. وبعد اللقاء الخامس نعى الرئيس كميل شمعون الذي كان وزيرا، الهيئة بعبارته المشهورة "ان سباق الخيل للحمير". ولم تعرف محاولات الحوار نجاحا الا في سنة 1989 عندما انعقد الاجتماع النيابي في الطائف. فلماذا نجح الحوار هنا ولم ينجح هناك؟‏

ما يمكن ان يظهر بوضوح بين الاجتماع الناجح والاجتماعات التي تم احباطها، ان المبادرات التي لم يُكتب لها النجاح في النهاية كانت قد انطلقت بمبادرة داخلية واحيانا بتأييد بعض القوى الخارجية، بينما جاء اجتماع الطائف النيابي مستندا الى مقررات مؤتمر القمة العربي غير العادي الذي انعقد في الدار البيضاء في 23 أيار 1989، الذي شكل لجنة من الملوك والرؤساء اعطيت الصلاحيات الكاملة لحل الأزمة اللبنانية بعد ان حدد العناوين العريضة للنتائج التي يجب ان تتوصل اليها اللجنة، وكان من جراء ذلك دعوة المجلس للانعقاد في الطائف على اساس تلك العناوين. وترافق ذلك باصدار مجلس الأمن الدولي قراره في 22 تشرين الثاني سنة 1989 بارك فيه اتفاق الطائف مجددا بذلك دعوة سابقة لانهاء الحرب. وهكذا فعل المجلس الاوروبي مجددا بذلك دعوة سابقة لانهاء الحرب. ومن هنا يتبين ان عنصر القوة في انهاء الحرب او منع حصولها او حل القضايا والمسائل الخلافية بالحوار كان دائما يتطلب تناغما عربيا دوليا بالضرورة.‏

في إطار هذا الفهم يمكن القول استنادا الى المواقف المعلنة ان مبادرة الرئيس نبيه بري تحظى بالتغطية المطلوبة دوليا وعربيا. ولكن ما يبدو واضحا ايضا استنادا الى التطورات السياسية المفاجئة والدراماتيكية التي حصلت في الاشهر الأخيرة، ان الغطاء الخارجي للمبادرة يأتي بفعل أمرين هما: المراهنة على ان تأتي نتائج الحوار متوافقة مع ما تطالب به تلك الجهات من لبنان في المواضيع المطروحة على جدول الأعمال، والتي تشكل ركيزة سياستها الشرق أوسطية في المرحلة الحالية، لا ان تساعد تلك الجهات لبنان بما يرى فيه مصلحته الوطنية العليا. وانجاز جانب من الخطة المرسومة لتحقيق تلك السياسة بالتوصل الى انهاء خطوة مرحلية في إطار تلك الخطة.‏

والاعتقاد السائد في هذا المجال انه في حال تجاوب جميع الفرقاء مع الدعوة يوم الخميس المقبل، فإن ذلك لا يكفي للمراهنة على نجاح المبادرة في النهاية، بدليل ان اطلاق المبادرة منذ البداية قد ترافق مع عمليات التصويب السياسي عليها بطرائق واساليب متعددة، وكلما تثبت رئيس المجلس بمبادرته واعطاها دفعا عمليا من خلال الاتصالات، كان "القصف السياسي" يشتد عليها من خلال تطوير المواقف حول بعض بنودها باتجاه التصعيد الذي وصل الى اقصى حد ممكن له اخيرا. ويبدو من هذه المعادلة التي لا تخفى على احد ولا يمكن لأحد تجاهلها، ان هذا القصف لم يكن وسيلة لتحسين الشروط داخل المؤتمر الحواري إنما لتعطيل الحوار.‏

فالمسألة هنا لا تخضع لاعتقاد البعض انه لو كان هدف بعض الجهات تعطيل مبادرة الرئيس بري لو رضوا المشاركة فيها اصلا، فالجميع يعرف ان الحوار الوطني هو مطلب اساسي يراهن عليه اللبنانيون للخروج من المآزق الكبرى التي تحوم فوق رؤوسهم. ولذلك فإن أي معارضة لمبدأ الحوار والمشاركة فيه ستلقى إدانة قوية من الناس، ولذلك تكون المشاركة منعا للإدانة، وما الفارق بين ان يتعطل الحوار قبل ان يبدأ وان يتعطل خلال انعقاده؟ أليس من بين الذين يمكن ان يشاركوا من يستطيع القول من جديد "ان سباق الخيل ليس إلا للحمير"؟‏

انطلاقا من هذا الاعتقاد تفرض مبادرة الحوار على ناس لبنان ان يتعاملوا معها بجدية ومسؤولية بحيث لا يبقوا مكتوفي الايدي امام ما يمكن ان يجر اليه "الكبار" بلدهم واهلهم من نكسات ونكبات مهيأة للتفاعل في المستقبل القريب والبعيد. فالناس هم أولا "أم الصبي" في الحوار الموعود، وعليهم رفض العدالة في بقر بطن الرجل ليعرف المير من شرب اللبن، او قسمة الصبي الى نصفين بين هذه المرأة وتلك اللتين تدعي كلتاهما انها أمه. فالحكم على قبول الحوار ليس من خلال القبول بالجلوس وراء الطاولة المستديرة برغم أهمية ذلك، إنما بما سيكون وراء الطاولة من مواقف. وفي مثل هذا التقييم فقط يمكن الحكم المبرم ليس على من يريد الحوار من المشاركين ومن لا يريده، إنما ايضا على مصداقية الدول التي أيدت الحوار سيان أكانت عربية أم أجنبية. فهل سيكون ذلك التقييم صادقا وموضوعيا ومسؤولا، أم لا؟ قد يكون في الاجابة عن هذا السؤال أهمية تفوق الحوار نفسه. فالحوار وسيلة وليس غاية بحد ذاته، فلتكن الوسيلة موصلة لايجابية ما من شأنها لاحقا ان تحقق الحوار!‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية / 28 شباط/فبراير 2006‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‏

وفي موضوع المبادرات كتب جورج علم تحت عنوان:... والآن الرهان على المبادرة العربية‏

تحظى جولة الرئيس المصري حسني مبارك الخليجية باهتمام خاص، لمعرفة "حصّة" لبنان منها، ومدى مقاربتها للوضع الداخلي، والعلاقات اللبنانية السورية، وملف رئاسة الجمهورية.‏

يأتي هذا الاهتمام، كردة فعل تلقائية، نتيجة الافلاس المدوّي الذي أصيبت به كل الطروحات المتسرّعة والهادفة الى إسقاط رئيس الجمهورية قبل 14 آذار، حتى أن عرّابين رئيسيين لهذه الطروحات، يتهافتون الواحد تلو الآخر، على التنصل من المواعيد المضروبة، والآليات المقترحة "لتحرير بعبدا من الرئيس إميل لحود؟!".‏

فتح هذا الافلاس شهيّة البعض على بحر من التكهنات والاجتهادات. من قائل بأن الدعم لقوى 14 آذار، لا بدّ من أن يأتي من الخارج، وتحديدا من مبادرة عربيّة جديّة، متقنة، تقوم بها كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، ومنسّقة بشكل جيّد مع كل من قطر، كونها عضوا غير دائم في مجلس الامن، وفرنسا والولايات المتحدة. وان الرئيس مبارك قد ينهي جولته الخليجية بزيارة دمشق، وربما تحركت على الاثر مهمة اللواء عمر سليمان باتجاه كل من العاصمتين اللبنانية والسورية؟.‏

وهناك من يذهب الى حد الجزم بأن زيارة الرئيس جاك شيراك المرتقبة الى السعودية في المستقبل القريب، سوف تتطرق الى الوضع في لبنان، وربما انتهت بزيارة خاطفة الى بيروت، لمدّ قوى 14 آذار بجرعة من الدعم المعنوي؟.‏

بعض ما يقال، يأتي من باب الافتراض، والتمني، أكثر مما هو من باب التأكيد الذي يستند الى صدقية المصدر، وشفافية المعلومة، وإن كان أول الكلام حول التوقعات والتمنيات، يستند في ظاهره الى التحرك الواسع الذي يقوم به كل من السفيرين السعودي، والمصري، عبد العزيز الخوجة، وحسين ضرار، على العديد من المسؤولين والفعاليات، لترشيد الخطاب السياسي، ولجم انفعالاته، خصوصا من قبل بعض من ركب الموجة، مستفيدا من المدّ البشري الذي التف حول ضريح الرئيس رفيق الحريري، بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لاستشهاده.‏

يراهن بعض المطالبين باستقالة سريعة للرئيس لحود، على مبادرة عربية ما (مصرية، سعودية، قطرية... او مشتركة)، للخروج من أمام الحائط المسدود بعدما بلغوه سريعا بسبب طروحاتهم التي أثبتت الايام والوقائع أنها جاءت متسرعة. لكن لهذه المبادرة كما قال موفد الرئيس السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل طريق واحد، واضح لا يمكن ان يمّر إلا بدمشق، إن لجهة إقالة الرئيس، أو لجهة اختيار البديل، وبالتالي على قوى 14 شباط أن تدرك جيدا أنها لا تستطيع أن تفرض رئيسا للجمهورية معاديا لسوريا، وكل "شغله ان يشتمها صبح مساء؟!". كما عليها أن تدرك جيدا بوجود تفاهم عربي كامل، مفاده الحرص، ثم الحرص على إقامة أفضل العلاقات بين لبنان وسوريا، أيّا يكن شكل النظام القائم في دمشق، وليس من مصلحة أي طرف لبناني أن يحدد هو مواصفات هذا النظام المقبول من جانبه في سوريا، بل عليه الا يتدخل في شؤونها الداخليّة، إذا كان يريد حقا ألاّ تتدخل، هي بدورها، في الشؤون اللبنانية الداخليّة.‏

ويجب أن يقتنع من يهمه الامر، بأن أي وساطة عربيّة لمساعدة لبنان، لا بدّ من ان تنطلق أولا من التفاهم على مقاربة توافقية للعلاقات اللبنانية السورية، تقوم اولا على ترميم جسور الثقة بين البلدين، انطلاقا من الاقتناع المشترك بوجوب تحييد مسار التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، عن مسار العلاقات الثنائية، وقبل البحث بترسيم الحدود، والتفاهم على لبنانية مزارع شبعا، وإقفال المعابر غير الشرعيّة، ووقف تدفق السلاح والمسلحين الى الاراضي اللبنانية، وإعادة النظر بالاتفاقيات غير المتوازنة، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الى سائر المطالب الأخرى...‏

يستخلص من ذلك أن نجاح أي مسعى عربي مرهون بالشروط التالية: التفاهم مع السوريين على تحييد مسار التحقيق، ووقف الحملات الاعلامية، ثم التفاهم معهم حول الملف الرئاسي، إقالةً، واختياراً للرئيس العتيد. على أن يتولى هو مع حكومته الجديدة، التي يفترض ان تكون حكومة وحدة وطنيّة، إدارة ملف العلاقات الثنائية، بعد إعادة ترميم وشائج الثقة المنهارة حاليّا؟!‏

خارج إطار هذه المبادرة المرجوة، يسجل على الاكثرية أنها وقعت ضحية الانفعال، والتسرّع بطرح الخيارات، كأنها تعتمد على " وحي ما"، او "كلمة سر" من الخارج، فإذ بكونداليسا رايس تأتي لتمعن في تأزيم الوضع الداخلي، ولتؤكد أنها جاءت لتدعم وجهة نظر فريق على حساب الفريق الآخر، من دون أن تقدم الحلول والمخارج السحرية... لا بل يذهب البعض الى حدّ القول بأن ما أسرّت به في بعض مجالسها، جاء متطابقا الى حدّ بعيد مع ما يبشر به السفيران المصري والسعودي، وخلاصته ان مفتاح الحل عند أي مسعى، او مبادرة عربية ينطلق من البوابة السورية، بعدما تعطلت لغة الاعتماد على الشارع لأسقاط الرئيس، وأيضا لغة الاعتماد على الوسائل الدستورية، التي لا تملكها هذه الاكثرية حاليّا؟!‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية ـ 28 شباط/فبراير 2006‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‏

وفيما خص الوضع في العراق والوضع في لبنان ووجه الربط بينهما كتب جوزف سماحة تحت عنوان:‏

في العراق وفي لبنان: لا تسويات بلا تنازلات‏

يقف العراق عند حافة الهاوية. يكاد ينزلق إليها. يضع رجلاً في الفراغ. يتردد. يتراجع. يتأرجح. تتكاثر الاعتداءات المذهبية. تحصل ردود أفعال. تزداد عمليات التطهير. تتعرض الإرادات لاختبارات أقسى فأقسى، وتتعرض الخطابات السياسية لتجاذب يوزعها بين التمحور على الذات الراغبة في الثأر، والتضامن مع الشقيق في لحظة تعرّضه لظلم.‏

كان الأسبوع الماضي صعباً في سياق أعوام صعبة وعقود صعبة. إلا أن الوشائج لم تنقطع تماماً ولا يزال أفق التسوية مفتوحاً.‏

ينعكس الحدث العراقي على لبنان طبعاً. ثمة تربة خصبة، وتزداد خصوبة، لتلقي التفاعلات والانفعال معها والتموضع حيالها. وعندما نستمع إلى تعليقات في بيروت عن مخاطر الفتنة في العراق، ندرك، بسرعة، أن الكلام موجه إلى اللبنانيين أيضاً، وأنه تحذير من السماح لتصدعات واضحة في البيئة الإسلامية (السنية الشيعية) بأن تأخذ مداها. الحرص واضح هنا على عدم الوصول إلى "العرقنة" في وقت يُقال إن الخطر الذي يتهدد العراق هو اندفاعه نحو شكل من أشكال "اللبننة".‏

التأثر اللبناني بأحداث العراق هو "لبناني" بمعنى ما. أي أنه محكوم بالسياق الوطني الداخلي، وبالأمزجة المذهبية المحلية والخيارات التي استقرت (ولو موقتاً) عليها. يعني ذلك، مثلاً، أنه يمكن لمسلم سني لبناني أن يشعر بعرفان جميل حيال سياسة أميركية "ترعى" البلد وأن يكون معادياً جذرياً للسياسة الأميركية إياها في ما يخص العراق. إنه مع رايس هنا وضدها هناك. وقد تقوده التباسات موقفه إلى استحضار الزرقاوي القابل، في لبنان، كما في العراق، لاستخدام مزدوج ضد الصليبيين و... المواطنين. وفي المقابل، يمكن لمسلم شيعي لبناني أن يكون شديد العداء للسياسة الأميركية في لبنان من غير أن يمنعه ذلك من الإعجاب بأحمد الجلبي في العراق أو بغيره من الذين ينكرون أي مبرّر لمثل هذا العداء.‏

لقد شهدنا، في العراق، في الأيام الماضية، بروز خطين متوازيين: التوتر الأهلي من جهة، ومساعي التوافق ودعوات الانضباط من جهة ثانية. لا بل يمكن القول، تأسيساً على التجربة اللبنانية، إن الإكثار من التودد وإظهار الأخوة غالباً ما يعكس تقديراً لخطورة الحال. ولقد كان واضحاً أن هناك في لبنان مَن سارع إلى إقفال النوافذ التي يمكن للرياح العراقية الضارة أن تدخل منها: مهرجانات، زيارات متبادلة، مواقف مشتركة، نداءات، اجتماعات علمائية... إلخ.‏

غير أنه في لبنان، كما في العراق، لا يمكن معالجة هذا التردي بالمراهم والكلام المعسول والخطوات الفولكلورية. ففي العراق، مثلاً، لا مجال للمباشرة بوأد الفتنة إلا بالاتجاه نحو سياسات وطنية تعاقدية تقوم، في الحد الأدنى، على رفض الاحتلال ورفض الإرهاب التكفيري. هذا الحد الأدنى ضروري ولو أنه قد لا يكون كافياً.‏

أما في لبنان، فالوضع أكثر تعقيداً وذلك بفعل خصوصيات التعددية اللبنانية التي تضيف أبعاداً أخرى على التوتر المذهبي.‏

يفترض، من حيث المبدأ، أن يكون اللبنانيون متجهين إلى حوار وطني. ويحصل ذلك في وقت انهار فيه التحالف الرباعي، وتحالف 14 آذار، واستجدت مواضيع خلافية، وتعرّض الجو السياسي لنوع من التسميم الذي ساهمت فيه مواقف تصعيدية غير محسوبة. ومن الخطأ الاعتقاد بأن الحوار العتيد يمكنه أن يكون ناجحاً من غير أن تكون القوى الرئيسية واعية لضرورة الإقدام على تسويات سياسية جدية. إن رسم سقف للاختلاف، وخفض التأثر بالوقائع العراقية، غير ممكنين بنداءات نوجهها إلى العراقيين أو بتكرار تعويذات من نوع "لبنان أولاً".‏

ومن البديهي، عشية أي حوار، أن يشعر المواطن العادي بقلق.‏

ومصدر القلق أن الوثيقة الوحيدة الناتجة عن حوار جدي بين طرفين مختلفين لاقت، عند غيرهما، هذا القدر من التجاهل أو التحامل أو التفسير القائم على سوء النوايا. إن التفاهم الذي جرى التوصل إليه بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" كان يمكن له أن يشكّل معلماً في نوعية السلوك السياسي والحسّ التسووي بما يقطع الطريق على أي محاولة لمداواة الانقسام بالأهازيج الوحدوية.‏

لو قيل، قبل أشهر، إن "الحزب" و"التيار" قادران على صياغة أرضية تلاق حول سلاح المقاومة أو العلاقة مع سوريا أو الفارين إلى إسرائيل أو ترسيم الحدود... لو قيل ذلك لبدا غريباً. غير أنه حصل. إلا أنه حصل في ظل انقلاب في التحالفات والمواقع والمواقف بما سمح لرافضي التوافق الاختباء وراء القنابل الدخانية من أجل إطلاق النار على وثيقة يمكن القول فيها إنها تتضمّن المطالب المشروعة للأطراف كلها وليس حصراً للطرفين الموقعين عليها. وليس مقنعاً لأحد هذا التركيز على أن تجاهلاً وقع لاتفاق الطائف أو للقرارات الدولية الطارئة. ليس مقنعاً لأن هذا التركيز ليس محكوماً بإحياء الروح التوافقية للطائف.‏

لقد رسم طرفان لبنانيان الحدود التي يمكن أن يصلا إليها من أجل التوصل إلى تفاهم، ورسما، في الوقت نفسه، معالم تسوية إجمالية، وأوضحا أنهما قادران على تنازلات جدية رداً على معضلات الوضع اللبناني. يصعب قول الشيء نفسه عن آخرين مدعوين إلى الحوار ويريدون له أن يكون محكوماً بأكثر حلقاته غلواً وتطرفاً.‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية ـ 28 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30