ارشيف من : 2005-2008

فلسطين والوطأة الأمريكية المدوّلة

فلسطين والوطأة الأمريكية المدوّلة

صحيفة الخليج الإماراتية / د. أسامة عبدالرحمن‏

عندما تشيد اللجنة الرباعية بشارون لقراره إخلاء غزة من المستعمرات الصهيونية، وعندما تطلب هذه اللجنة من السلطة الفلسطينية أن تمنع حماس من المشاركة في الانتخابات ما لم تتخل عن سلاحها، فإن هذا يوضح بجلاء الدور الامريكي المهيمن حتى على دور الاتحاد الاوروبي وروسيا والأمم المتحدة. إذ اصبح الرأي الامريكي هو الرأي الذي يجب أن يأخذ به الآخرون. وإذا كان هذا ماثلا بالنسبة لدول أو كيانات كبيرة او هيئة اممية، فما الذي بإمكان الدول الصغيرة ان تفعله إزاء الهيمنة الامريكية ومصادرتها الرأي الآخر وفرض إرادتها وما يحقق أهدافها ومصالحها؟‏

لقد اصبحت الولايات المتحدة تتصرف بوقاحة وصفاقة من دون مراعاة لأي مشاعر عربية. وما قيمة المشاعر العربية وهي ملجومة؟ وحتى لو لم تكن ملجومة، فليس للمشاعر قيمة في موازين القوى، ولا شك ان الكيان الصهيوني يمر بفترة ذهبية، إذ تتم الاستجابة لمطالبه من خلال الهيمنة الامريكية، ويشعر بحقه المطلق في أن يعيث كما شاء في قطاع غزة الذي اعتبره كثيرون محررا.‏

ما دخل الولايات المتحدة بالانتخابات الفلسطينية؟ وما دخل الكيان الصهيوني بالانتخابات الفلسطينية؟ وكلاهما يريد أن يفرض إرادته، وأن يحقق رؤيته وهي إرادة ورؤية واحدة. وهذا الأمر يضع السلطة الفلسطينية في مأزق، فهي مطلوب منها أن تجرد المقاومة من سلاحها، او تمنعها من المشاركة في الانتخابات في الوقت الذي ربما كانت السلطة الفلسطينية فيه عازمة على نزع سلاح المقاومة، ولكن على مدى زمني طويل نسبياً ومن خلال حوار طويل مع فصائلها.‏

ومع ان الأمر ليس سهلا بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فإن الولايات المتحدة تملي على السلطة ان تستخدم كل ما تملك في سبيل تنفيذ الإرادة الامريكية وفي حيز محدود من الوقت وكأنها تتجاهل موازين القوى على الساحة الفلسطينية، او انها ترمي الى إشعال فتنة بين هذه القوى لكي تشتعل الساحة كلها، وربما تحقق من وراء ذلك هدفا ترمي اليه وهو استثمار هذا الأمر على اعتبار ان السلطة غير قادرة على إدارة قطاع غزة والاستفادة من الساحة المشتعلة فلسطينيا، بينما يحتفظ الكيان الصهيوني بمباركة امريكية بحقه في العدوان متى يشاء.‏

إن السلطة الفلسطينية لا بد انها تدرك ان المجازفة في تنفيذ ما ترمي اليه الولايات المتحدة هي مجازفة بالقضية الفلسطينية، ولا بد أن السلطة لها حساباتها، وهي قريبة من الساحة وتدرك تماما التعقيدات والمتناقضات في الرؤى والوسائل والأهداف، وان الوصول الى حل يحتاج الى مدى زمني طويل نسبيا، ومن حقها ان تحظى بهذا الوقت لكي تباشر حوارا جادا قد يطول مداه، ولكن لا بد أن يكون هدفه اتفاقاً على حد ادنى من الثوابت والالتزام بالحوار نهجاً، وعدم اللجوء الى العنف بين الفلسطينيين والذي قد تطحن رحاه الكثيرين على الساحة الفلسطينية في قطاع غزة، بينما الكيان الصهيوني يمارس عدوانه كيفما شاء، ويستثمر العنف الفلسطيني - الفلسطيني للوقوف عند حدود غزة، وهذا ما تباركه الولايات المتحدة، ولكن هل يقبل الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة أن تكون في الخط نفسه تماما وكأنه لا رأي لها ولا إرادة، أو كأنها مستسلمة للهيمنة الامريكية، او غير قادرة حتى على الاختلاف معها؟‏

إن محاولة نزع سلاح المقاومة من قبل السلطة الفلسطينية، تمثل مجازفة ومغامرة، وهو أمر لا يخدم السلطة الفلسطينية بقدر ما يخدم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. صحيح أن السلطة يجب أن تبسط الأمن، ولكن المقاومة ليست ضد الامن. وصحيح ان هناك سلطة واحدة على الارض، والمقاومة لا يبدو انها تنافس السلطة الا ان كان ذلك في إطار انتخابات، وهي تعترف بالسلطة ولا تنكر شرعيتها.‏

وفي ظل هذا الوضع القاتم، يبدو العالم العربي وكأنه لا يستطيع ان يفعل شيئا، وعلى الأقطار العربية وفق الرؤية الامريكية والهوى الامريكي، ان تساعد الولايات المتحدة في تنفيذ مخططها واستراتيجيتها، وان تعين السلطة الفلسطينية على تنفيذ الإملاءات الامريكية الصهيونية، وأن تمكنها من تجريد المقاومة من سلاحها. ويبدو ان الاقطار العربية بين مؤيد للمخطط الامريكي، وبين لاهث خلف الرضا الامريكي من خلال البوابة الصهيونية، وبين صامت. ويظل الصمت اهون.. وهو أضعف الإيمان!‏

2006-10-30