ارشيف من : 2005-2008
صحيفة الديار/ أفرشوا السجادة الحمراء لوولش
بقلم: شارل أيوب
أهداني صديقي وهو بمثابة الأخ الذي لم تلده أمي كتاباً لمقالات كتبها الكاتب أحمد مطر في التسعينات في جريدة القبس الكويتية، فأمعنت القراءة فيها ووجدت أننا كأصحاب قضية عربية واضحة قد تراجعنا خلال خمس عشرة سنة من اطلاق النخوة العربية وسريان حرارتها في شراييننا الى واقع التشرذم العربي الذي أرادته أميركا لنا ووضعت خطته "إسرائيل".
أحياناً في زمن الظلمة وخيبات الأمل يأتيك صديق وتقول عنه إنه أخي الذي لم تلده أمي، والأخوة تكون من الإيمان بالقضية، ومن عزم على تحمل المسؤوليات في زمن تقهقر العروبة أمام مخططات ضربها، ولكن الايمان بالوطن يبقى أقوى، وتشعر مرة أخرى ان الدماء التي تجري في شرايينك هي وديعة الأمة فيك متى طلبتها وجدتها، وتشعر أن عنواناً يتلألأ أمام أعينك وهو ان الحياة وقفة عزٍ فقط، فتنسى عباس الذي صقل سيفه ولم يستعمله، وينتابك الحنين الى الوجدان الوطني الحقيقي فتشعر أن الاستشهاد هو أعلى مرتبة يصل اليها الإنسان متفوقاً على الذات ومعتبراً أن حياته ليست أغلى من وطنه.
مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جاء الى المنطقة وهو في فلسطين ويصل الى بيروت قريباً، ولعل تصريحاته بشأن سلوكنا العربي جعلتني أمر على المقدمة التي كتبتها، فإذا بالسيد وولش يدعو الى تصحيح السلوك السوري حيال العراق وفلسطين ولبنان، ويعطينا دروساً حول مصلحة لبنان ومستقبله.
لو عاد المسؤول الأميركي وولش الى تصريحات وزير الخارجية الأميركية السابق كولن باول الذي قدم اعتذاره على شاشات التلفزة معلناً أسفه وندمه على ما قدمه من مبررات كاذبة لتأمين الغطاء للإحتلال الأميركي للعراق لوجد أن ثمانين الف عراقي استشهدوا حتى الآن نتيجة تصرف الإدارة الأميركية وما قام به كولن باول مع رامسفيلد، ثم يأتي كولن باول ويقول لثمانين الف شهيد عراقي عفواً، لقد فارقتم الحياة واعتذر عن ذلك.
ثمانون ألف شهيد عراقي تحت عنوان كذبة أسلحة الدمار الشامل التي لم تعثر القوات الأميركية على أثر لها والفا جندي أميركي قتيل، عداك عن تحويل العراق الى بحيرة من الدماء والى دويلات والى حرب مذبحة على الفلوجة والأنبار والرمادي، إضافة لتطويق المقامات الدينية في النجف الأشرف وما يجري في البصرة، وإضافة الى هدر طاقات الشعب العراقي وثروة العراق الكبير.
ومع ذلك، ورغم بشاعة الجريمة في العراق التي ارتكبها الإحتلال واعتذار وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول وفضحه سياسة الكذب الأميركية، يأتينا السيد وولش ليعطينا دروساً في الإنسانية وفي السلوك الصحيح.
لا ننسى ان ننسى سجن أبو غريب ووضع المساجين عراة فوق بعضهم البعض وارتكاب القبائح والتعذيب بالكهرباء تحت عنوان نشر الديموقراطية في العراق، فالإدارة الأميركية تتحدث عن مبادئ انسانية يملكها بالفعل الشعب الأميركي، ولكن الإدارة تتصرف عكسها، وابرز مثال الصور المنشورة عن سجن ابو غريب من فضائح ضد الإنسانية، خاصة ان الصور المأخوذة هي بأيدي جنود أميركيين لم يتحملوا بشاعة تنفيذ الأوامر المعطاة لهم.
أما في فلسطين فالسلوك الأميركي في أعلى مراتبه الانسانية، جدار عازل يبنيه شارون، يهدد أراضي الفلسطينيين ويقسم القرى الفلسطينية في ساحاتها وأحيائها، ويفصل بيت الأخ الفلسطيني عن أخيه، لأن شارون لا يحترم حرمة قرية أو حي، أو عائلة فلسطينية، أو بستان ليمون أو زيتون في أرض فلسطين.
يحتج العالم كله على الجدار، وتتباهى واشنطن بأنها اسقطت جدار برلين وفتحت شرايين الحياة بين الشعب الأوروبي، ولكنها تهدد باستخدام الفيتو لدعم قرار شارون ببناء الجدار العازل.
هدم جدار برلين انجاز كبير لأنه انهى الجدار العازل، أما بناء الجدار العازل من قبل شارون فانجاز انساني وكبير، ومع ذلك لا يخجل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية من إعطائنا الدروس ليصبح سلوكنا انسانيا وعادلاً.
شعب فلسطين يعيش في البؤس داخل وطنه الأم حيث السجن الكبير الذي وضعته فيه الصهيونية، وشعب فلسطين يعيش في مخيمات البؤس خارج وطنه على مدى ستين سنة، ومحروم من العودة الى وطنه، والظلم واضح والعدالة مفقودة، لأن شريعة الأقوى هي المطبقة، والغاصب ينال خمسة مليارات دولار من واشنطن وينال كل العتاد العسكري والأسلحة لاستمرار اغتصابه، ومع ذلك يلقي علينا الدروس بالعدالة والانسانية السيد وولش، وسيمد له السنيورة السجادة الحمراء غداً عند زيارته لبيروت ليقدم السنيورة تقريره الى المسؤول الاميركي عن تنفيذ واجباته كرئيس حكومة لبنانية معتمد من واشنطن في طلب سحب السلاح الفلسطيني، والإطمئنان من المسؤول الأميركي وولش ان الطائرات الاسرائيلية لن تغيب عن سماء لبنان في خرقها المستمر لسيادة أجوائه، وليطمئن السنيورة من المسؤول الأميركي أن ترسـانة الـ 250 رأسا نووياً تتعزز يوماً بعد يوم لدى الجيش الإسرائيلي في فلسطين المغتصبة.
أميركا تحتل العراق وتقتل ثمانين ألفاً من شعبه، وجريمة الحرب هذه مسؤولة عنها الدول المجاورة وخاصة سوريا، وفلسطين المغتصبة رضي أهلها بأجزاء منها ليطلوا على جزء من بستان ليمون أو زيتون على قاعدة رضي القتيل ولم يرض القاتل، ومع ذلك يعطي دروساً السيد وولش للشعب الفلسطيني في السلوك الانساني مقابل سلوك بربري وحشي يستعمله شارون ولا يراه السيد وولش عندما تقوم طائرات الهليكوبتر الأميركية الصنع بقيادة طيارين اسرائيليين باغتيال شيخ مقعد هو الشيخ الشهيد أحمد ياسين.
يتلذذ الاسرائيلي بقتل الشيخ المقعد الشهيد أحمد ياسين بصاروخ على كرسيه النقالة، فالقتل بالرصاص لم يعد يشبع وحشيته، ومع ذلك تعطينا واشنطن دروساً بالسلوك الانساني.
أما بشأن لبنان، فالمسؤول الأميركي يريد مساعدة لبنان وانهاضه، وانهاض لبنان يكون بتوطين اربع مئة الف فلسطيني على أرضه لا يستطيع لبنان تحمل عبء هذا التوطين، اضافة الى الجريمة البشعة بحرمان شعب من الاجتماع في الشتات بعد تهجيره الى اللقاء في وطنه واجتماع العائلات الواحدة.
افرشوا السجاد الأحمر للسيد وولش، وتعلَّم يا دولة الرئيس السنيورة دروس الانسانية، ومسيرتك بدأت بوسام من ديك تشيني في واشنطن وهو عراب الكره للعرب وللعروبة، وموفده وولش جاء الى بيروت يطمئن لحسن تدبيرك لبداية الفتنة اللبنانية الفلسطينية مجدداً.
طبعاً، جزء كبير من تكريم وولش المسؤول الأميركي الداعية الانسانية هو غياب الرئيس بري في قطر، لأن المسؤول الأميركي لن يزور عين التينة، والأهم ان المسؤول الأميركي سيقاطع قصر بعبدا، وهي العقوبة المفروضة على الرئيس لحود لأنه القى خطاباً في نيويورك اكد فيه على الثوابت اللبنانية والعربية.
صحيح أن الرئيس لحود لم ينجح في اصلاح الدولة وبناء المؤسسات مع الطقم السياسي، لكنه ارتكب جريمة كبيرة في نيويورك عاصمة الصهيونية عندما قال بحق العودة للشعب الفلسطيني.
وتسأل أميركا لماذا تحصل العمليات الاستشهادية أو أعمال العنف في العالم، أبَعْدَ كل هذا الظلم تسأل أميركا لماذا يستشهد مقاومون رافضين هذا الظلم؟
أميركا تريد أن يكون العالم على قاعدة عباس الذي يصقل سيفه ولا يستعمله رغم ان القاتل قتل اولاده، وترفض أن يكون في هذه الدنيا أحرار يفضلون الموت في سبيل الحياة متى كان الاستشهاد طريقاً لحياة الوطن.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018