ارشيف من : 2005-2008
سورية قد تصبح من النقاط الساخنة
بقلم ماريانا بيلينكايا(*)
يمكن أن نتوقع أن يكون موضوع سورية حاضرا بقوة في جميع المحادثات التي سيجريها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في كل جولاته المقبلة في الشرق الأوسط لأن الوضع الذي ينشأ حول هذا البلد سيحدد تطور الأحداث في المنطقة كلها.
ومن المتوقع في هذا السياق أن تقدم اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري (لجنة ديتليف ميليس) تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي في الخامس والعشرين من هذا الشهر.
وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ويلش مؤخرا: "آمل أن يوفر هذا (التقرير) إمكانية أخرى للمجتمع الدولي لإرسال إشارة قوية إلى سورية حول تصرفها غير الجائز". وجاءت هذه الكلمات كصدى للتصريحات السابقة لوزيرة الخارجية الأمريكي كونداليزا رايس، والرئيس جورج بوش.
وكانت رايس قد وصفت سورية بأنها مشكلة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة. أما بوش فقد ذكر في خطاب له مكرس لمكافحة الإرهاب أن المتطرفين الإسلاميين يجدون مأوى لهم في سورية وإيران.
ويتميز الوضع الناشئ حول إيران بوضوح أكبر من الوضع حول سورية لأن مسالة البرنامج النووي الإيراني مازالت تناقش في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما تستطيع الوكالة والاتحاد الأوروبي ضمان تسوية المسألة الإيرانية بالوسائل الدبلوماسية.
أما الوضع الدائر حول سورية فمختلف تماما لأن دمشق لا تملك أي حماية في هذا المجال سوى دعم الكلمات الذي تقدمه البلدان العربية. أما الاتهامات الموجهة إلى هذا البلد فهي مبهمة إلى الدرجة التي لا يمكن فيها تحديد المواضيع التي ستدور حولها المحادثات.
وتضم قائمة الاتهامات الأمريكية الموجهة إلى دمشق بالإضافة إلى "دعم الإرهابيين الإسلاميين" (تزعم الولايات المتحدة أنهم يدخلون إلى العراق عن طريق سورية) تدخل هذا البلد في الشؤون الداخلية للبنان، والتأثير السلبي على مسيرة التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، ودعم المنظمات الفلسطينية المتطرفة. وتأتي كل هذه الاتهامات على خلفية "طبيعة النظام غير الديمقراطية".
وتعد قضية اغتيال الحريري الإمكانية الواقعية الوحيدة لاتهام سورية بشيء ما. ولا تتوفر إلى حد الآن أية أدلة على تورط دمشق في مقتل الحريري. كما لا توجد لدى ديتليف ميليس أية اعتراضات على سورية حسب المصادر السورية. وترى المصادر أن ميليس يلمح إلى أن الولايات المتحدة تمارس الضغوط عليه.
ويتذكر الجميع كيف كان الوضع في مجلس الأمن الدولي قبيل الحرب على العراق، وكيف قدم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول أدلة على تورط بغداد في إعداد برامج لتصنيع أسلحة الدمار الشامل. وقد تبين فيما بعد أن تلك الأدلة كانت خدعة.
ومن الجدير بالذكر أن الحدود السورية الإسرائيلية على الرغم من العداء الواضح بين البلدين إلا أنها تعتبر من أهدأ قطاعات الحدود الإسرائيلية مع جيرانها الآخرين. أما بالنسبة للحدود السورية العراقية فإن دمشق تؤكد على أنها بذلت كل ما في وسعها لإغلاق تلك الحدود من جانبها.
كما أن مهمة حماية الحدود تقع على عاتق البلدين وليس على أحدهما. ويؤكد السوريون أن الجانب العراقي لا يقوم بحماية حدوده. كما لم تتلق سورية إلى حد الآن أي رد على الطلبات التي وجهتها إلى الولايات المتحدة وبريطانيا بشان تزويدها بمعدات عسكرية، بما فيها أجهزة الرؤية الليلية لاستخدامها في مراقبة الحدود.
ومع ذلك لا يستطيع أي أحد أن ينفي قدرة سكان المناطق الحدودية على عبور الحدود بغض النظر عن قوة المراقبة. وذكر رئيس الوزراء السوري ناجي عطري أن واشنطن وبغداد لم تقدما أي دليل على عبور ولو إرهابي واحد عن طريق سورية إلى العراق. ولهذا بالذات يبدو اتهام سورية بالمساعدة على تصاعد فعالية الإرهابيين في العراق محاولة من جانب الولايات المتحدة والحكومة العراقية للتملص من الفشل الأمريكي في العراق وإلقاء المسؤولية عنه على كاهل سورية.
أما اتهام سورية بدعم هذه المنظمة الفلسطينية أو تلك فيعتبر مسألة تتطلب أن ينظر إليها في إطار تسوية النزاع العربي الإسرائيلي بشكل عام مع مراعاة تلك الحقيقة أن سورية لها شقها الخاص في هذه التسوية.
ثم لا بد من القول إن الأشخاص الذين حصلوا على لجوء في سورية يقعون تحت مراقبة مستمرة ودقيقة من جانب الأجهزة الأمنية السورية، ويمنعون من ممارسة أي نشاط سياسي.
وذكر مصدر روسي أن موسكو تثق بدمشق في هذا المجال في الوقت الذي أثار فيه نشاط مبعوثي الإرهابيين في عدد من دول المنطقة شكوك واستياء الجانب الروسي.
أما بالنسبة لمسألة "عدم ديمقراطية النظام" فإن الاتهامات الموجهة إلى سورية يمكن أن توجه إلى بلدان أخرى قريبة إلى الولايات المتحدة كمصر والمملكة العربية السعودية.
وخلافا لما يجري في تلك البلدان فإن الرئيس السوري بشار الأسد قام خلال السنوات الخمس التي مرت منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد بطرح العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية على الرغم من أن تلك الإصلاحات تسير ببطء. ويمكن القول إن الضغوط التي توجه على سورية تعيق تطوير العملية السياسية في هذا البلد.
وعندما دار الحديث عن العراق كانت دوافع الولايات المتحدة، بما فيها النفط واضحة للكثيرين. أما الوضع الخاص بسورية فإنه يثير دهشة أغلب الخبراء. ذلك أنه بإمكان دمشق في ظل التحولات السياسية والاقتصادية الحالية أن تصبح شريكا لواشنطن بدون أية ضغوط.
أما تغيير نظام بشار الأسد فإنه سيؤدي إلى جعل سورية عراقا آخر. كما أن افتقار هذا الوضع إلى المنطقية يبدو أحد عوامل زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
(*)المعلقة السياسية لوكالة نوفوستي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018