ارشيف من : 2005-2008

سلاح المقاومة لضرورات أبعد من تحرير مزارع شبعا ومخطئ من يعتقد ان بإرسال الجيش الى الجنوب ينكفئ المقاومون

سلاح المقاومة لضرورات أبعد من تحرير مزارع شبعا ومخطئ من يعتقد ان بإرسال الجيش الى الجنوب ينكفئ المقاومون

كتب يحيى جابر في صحيفة "الشرق":‏

يفتح النائب (الجنرال) ميشال عون النار باتجاه حزب الله. يكبّر حجره، بمناسبة ومن دون مناسبة. قبل ذلك كانت نيران الجنرال مصوّبة الى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. يريد ان يصنع قضية تتوفر فيها كل أسباب الاحتشاد الشعبي من حوله وتجعله أولاً بين «أوائل» للقبض على زعامة سياسية لفريق من اللبنانيين زادت حاجته إليها بعد خروج «قائد القوات اللبنانية» المنحلة الدكتور سمير جعجع من السجن.‏

شعارات «الحرية» «السيادة» «الاستقلال» أوصلت الجنرال الى حيث هو اليوم. لكن ماذا بعد اليوم؟‏

يفتح الجنرال النار، فيما هو يدعو الى «حوار» لا يستثني منه أحداً إلاّ حزب الله. فهذا الحزب بحسب آخر وصفة «دولة ضمن دولة... ولا يستطيع محاورته» الامر الذي يؤكد ان عون، إن كان يريد الحوار فعلاً، فهو يريد من كل آخر، التسليم بنتائجه المرسومة لديه مسبقاً.. وإلاّ «لا حوار».‏

وضعه العصبي والنفسي بات أضيق من ان يستوعب حواراً مكتملة شروطه.. ويحتاج الى نفس طويل. النتائج في المسائل الخلافية - الاستراتيجية لا تحل في لبنان، بإعطاء الاوامر. هنا الامر لا يكون لأحد. والاعتراض لا يتوفر بعد التنفيذ. بخلاف ما يحدث في المدارس العسكرية التي تستهوي الجنرال كثيراً. ومع ذلك فهو يكبّر شروطه ويضع لائحة مستعصية، بل تعجيزية الى درجة انه يرفض حواراً مع «الشرق» بحجة ان هذه الجريدة «تهاجمه على الدوام وتنتقد مواقفه..»‏

في أوائل سبعينات القرن الماضي، رفعت بعض القوى السياسية (اليمينية - المسيحية) شعارات في وجه الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان كمادة تعبوية استحضرت لاحقاً، وفي سياق معين، احداث 1975 وما تلاها. اليوم سلاح حزب الله (المقاومة) يشكل المادة التعبوية، في قاموس الجنرال، في قاموس كتائب آل الجميّل ولدى آخرين.. لا المادة الحوارية المطلوبة بإلحاح... ويستسهل البعض اللعب على وتر حساس، اسمه السلاح. إذ كيف يجوز لفئة من اللبنانيين أن تختزن السلاح وتمسك به، فيما يجرّد اللبنانيون «الآخرون» منه. منطق ظاهر سوي، باطنه يحتاج الى الكثير من النقاش والدراية والتروي والحكمة والنظر الى ما هو أبعد من الكلمات.‏

فالجنرال لا يزال على أبواب الانتخابات. هي أمامه وليست وراءه. وعلى الكتف أحمال، كما يُقال. المستجدات التي طرأت على ساحته تشغل باله وتقلقه. وعلى هذا فالشعار سيّد الساحة عنده لا الحوار الذي لم يتقدم فيه خطوة واحدة جادة، ويقول للناس حقيقة ما يريد وكيف السبيل إليه.‏

«تكبير الحجر». هكذا هي سياسة الجنرال. يريد فتح الملفات دفعة واحدة من غير ان يقول مثلاً:‏

- ما هي الملفات المطروحة للنقاش فعلاً، لا لتسجيل المواقف. هل هو ملف الفساد. هل هو ملف الهدر المالي، هل هو ملف السلاح المقاوم، هل هو ملف المهجرين، ام اي ملف آخر...؟‏

- من هي الاطراف المدعوّة الى الحوار. وأين سيكون الحوار. في مجلس الوزراء، وهو خارجه، في مجلس النواب وهو فيه ممثلاً بـ14 نائباً زائد حلفاءه في الكتلة الشعبية - زحلة (5 نواب)... في برلمان الظل (قيد التأسيس) وهو يتغيب عنه؟ ام في أي مكان آخر.‏

حتى الآن، كل العناوين التي طرحها الجنرال هي من النوع المتفجر، التي تستدعي التساؤل فعلاً، هل يريد «سيد الرابية» الحوار. أم يناور؟‏

في مجلس النواب طرح النائب عون في سياق مناقشته للبيان الوزاري مسألة العفو عن العملاء الفارين الى «إسرائيل». كان ذلك من باب «القوطبة» على آخرين يعدون لفتح هذا الملف.. دخل برجليه الى «الوكر» وما عاد يعرف كيف يخلص نفسه وراح يسجل في معرض التبريرات تراجعاً إثر تراجع. هو يعرف أن هذه المسألة تشكل بالنسبة الى غالبية اللبنانيين الساحقة خطاً أحمر. وما جاز مع الذين التحقوا ثم عادوا قبل سنوات لا ينسحب على الذين فضلوا البقاء مع العدو حتى اذا ما قرع جرس العودة تحركت قوى ترفع يافطة الانسانية وترمي بالمسألة الوطنية والجزائية - القانونية جانباً. كان الرأي المعارض للجنرال «ان هذا الامر لا يمكن ان يتم بعفو، بل يجب ان يأخذ القانون مجراه الطبيعي. استدراكات الجنرال اللاحقة أوقعته بشر كلامه. فلا هو عاد قادراً على المضي في طريقه على النحو الذي بدأه في مجلس النواب، ولا هو عاد قادراً على التراجع.‏

الرد الاول في البرلمان جاء من نواب حزب الله. فكان ردّ الجنرال على الرد، لاحقاً، فتح ملف سلاح المقاومة (حزب الله)، وهي النقطة الثانية الأكثر تفجراً وأبعد أثراً في لائحة الملفات التي يطلق عناوينها النائب عون.. مع إدراكه المسبق ان مثل هذا الملف، وفق الظروف المحلية والاقليمية، يشكل واحداً من المحرمات، التي لا يستطيع احد ان يقنع المقاومة بأن تأتي بسلاحها الى طاولة المفاوضات لتقول «ها هو سلاحي خذوه...». ونقيم لها حفل استقبال ونوزع الاوسمة والنياشين ونربت على اكتافها ونختم بـ«الله يعطيكم العافية يا شباب..»‏

الواقع ان الفريق الذي يضمر على سلاح المقاومة يأخذ على حزب الله «تفرّده» في مسألة وطنية مصيرية تخص جميع اللبنانيين بلا استثناء. (كلام حق) وبرأي هذا الفريق، وهو غير محصور في منطقة او طائفة، انه أياً كانت الاعتبارات، فبعد تحرير الشطر الاكبر من الجنوب، لا يجوز ان يبقى قرار الحرب والسلم بيد حزب الله ويتفرّد به بمعزل عن سائر الفرقاء اللبنانيين.. (أيضاً كلام حق...) لكن الجواب على الجملة المبتدأ يكون في دعوة هؤلاء لنزع سلاح حزب الله، لا لأن الحزب قد أنجز مهمة التحرير بل لأنه لا يجوز ان يكون سلاح بيد فريق من اللبنانيين ويؤخذ من الفرقاء الآخرين.. (كلام حق.. يراد به باطل). هكذا تكتمل الصورة نسبياً: سلاح مقابل سلاح. ذلك على الرغم من ان حزب الله حرص على الدوام ان ينأى بسلاح المقاومة عن ساحة الداخل..‏

مما لا شك فيه ان توفر السلاح بيد حزب الله (كفريق سياسي وليس فقط كفريق مقاوم) قد حافظ، في ظل الكثير من المتغيرات، على بعض التوازنات الداخلية وعطل الكثير من البرامج التي أعدت في سيناريوهات معينة. ليس هذا وحسب، بل ان هذا السلاح قد أدرج في قائمة توازنات إقليمية ازدادت الحاجة إليه بعد خروج القوات السورية من لبنان وتزايد الضغوطات الدولية والاسرائيلية على كل من سورية وايران.. من هنا فإن القول بأن انسحاب «اسرائيل» على مراحل من مزارع شبعا اللبنانية يؤدي الى سحب ورقة المزارع من يد حزب الله كتبرير للاحتفاظ بسلاحه فيه الكثير من المثالية السياسية، لا واقعية مؤكدة. لا سيما وان حزب الله، لم يترك أوراقه في هذا الميدان مستورة، وهو كان على لسان أمينه العام السيّد حسن نصرالله قد ربط مسألة السلاح، والمقاومة عموماً، بما هو أبعد من المزارع. (لنتذكر شعار 10452 كلم2 الذي رفعه والقرى السبع). ولنتذكر أيضاً ان ايديولوجية المقاومة هنا، أبعد من ان تكون كيانية (قطرية)، على هذا يكون السلاح (المقاوم) مطلوباً ليس لأن جزءاً من الارض الوطنية ما زال تحت الاحتلال، بل لأن احتمالات العدوان ستظل قائمة ما دام الاحتلال يجثم فوق الارض العربية ويتحرك وفق عقيدة توسعية، عدوانية، وبقدر ما تكون عوامل المواجهة وإمكاناتها متوفرة بقدر ما تسقط احتمالات العدوان أو تخف آثاره. ثم ما هي الضمانات التي يستطيع أن يركن إليها لبنان، مستقبلاً ليكون بمنأى عن الاطماع والاعتداءات الاسرائيلية؟‏

لقد استطاع النموذج اللبناني في المقاومة ان يزاوج بنجاح باهر بين نموذجي حرب الشعب (من دون جيش نظامي) والحرب النظامية (جيش نظامي من دون مقاومة شعبية). وتحقق على الارض أروع تحالف بين الجيش والمقاومة..‏

وفق هذه المعطيات لا أحد يجرؤ على القول ان حزب الله عندما يدعو الى طاولة حوار حول مسألة سلاح المقاومة يفتح كوة ولو ضيقة في جدار تحريم المس بالمقاومة (سلاحاً وعناصر وجهوزية). هنا يكون الحوار لإقناع المشككين بجدوى بقاء المقاومة، ولو تحررت مزارع شبعا. المقاومة هنا ضرورة استراتيجية للبنان قبل غيره، طالما العدوان، او احتمالات العدوان قائمة. على هذه الخلفية يمكن فهم معنى ان يرفض حزب الله المقايضة بين سلاح المقاومة والانسحاب من مزارع شبعا.‏

ليس هذا وحسب، وإنما يكون الطلب السياسي من سورية الاعتراف بلبنانية المزارع لا معنى عملياً له. لزوم ما لا يلزم. ولا يقدم أية إسهامات مهما كانت متواضعة أو كبيرة في إقناع حزب الله بالتخلي عن سلاحه بتسليمه الى الجيش اللبناني، او إعادته الى مصادره. هذا عدا، ان القراءة السورية، وكذلك الايرانية، لسلاح المقاومة في لبنان يتجاوز قراءة بعض اللبنانيين الذين يتخذون من تحرير المزارع (إن حصلت) سبباً إضافياً لتخلي الحزب عن سلاحه، الى الدور الاستراتيجي في لعبة الصراع الدائرة على مستوى المنطقة بكاملها.‏

على ذلك، يمكن قراءة ما ستكون عليه المواقف من القرار 1614 الداعي لإرسال الجيش الى الجنوب، باعتباره يشكل التفافاً على سلاح المقاومة وبديلاً عن القرار 1559 يتم استحضاره وفق خلفية استحالة العيش على أرض واحدة بين سلاح الدولة (الذي يجب ان لا يبقى سلاح غيره) وسلاح المقاومة، ليبدأ على الارض صراع خبره لبنان سابقاً وعانى ما عاناه. لكن ما فات الذين يصفقون للقرارات الدولية هذه، ان اليوم ليس سبعينات القرن الماضي. وجيش اليوم ليس جيش السبعينات. ولا المقاومة «مقاومة» السبعينات...‏

2006-10-30