ارشيف من : 2005-2008
"السلطة الجديدة" تطعن بالأحكام والقرارات وتسيء إلى سمعة القضاة بعد الأمن.. ضرب القضاء، تمهيداً لإخضاع لبنان للمحكمة الدولية؟
من صحيفة السفير:
كتب إبراهيم الأمين
السجال الخفي والمتواصل حول التعيينات الإدارية لم يتوصل إلى نتائج حاسمة بعد. وإذا كان مجلس الوزراء سوف يناقش مشروع القانون الخاص بآلية التعيين، فإن إقرار هذا البند لن يكون عاملا مساعدا بقوة على بت الدفعة الأولى والرئيسية من التعيينات في المؤسسات الأمنية والقضائية، حيث لا تزال التناقضات في المصالح والتصورات متضاربة، وحيث يؤكد أكثر من وزير معني، ان ما يقال خارج مجلس الوزراء لا يوحي بأن الحكومة تعمل بروحية مخالفة لما كان يجري سابقاً.
وفي الملف القضائي، ثمة مشكلات كثيرة استجدت خلال الفترة الماضية، منها "عملية العفو السياسي" المتواصلة عن معظم الجرائم التي أدان القضاء مرتكبيها، ولكن يبدو ان بعض "أقطاب انتفاضة الاستقلال" يريدون شطب كل هذه الأمور، والمضي نحو سياسة إدانة كاملة للجسم القضائي بكامله. وبعدما مرت السنوات السابقة بفترة الحديث عن القضاء المكبل، او الخاضع للسيطرة السياسية، جاء الحديث عن القضاء الفاسد والمتورط، بطريقة تعكس رغبة دفينة عند قوى سياسية صاعدة، في الإجهاز على هذه المؤسسة نهائيا.
وإذا كان بين كبار قضاة لنبان من قال إن على السلطة السياسية الرسمية والشعبية توضيح ما يحصل، بالتفريق بين حقيقة الاحكام وبين طبيعة العفو، فإن الفريق الصاعد سياسيا في البلاد، والذي يعمل بتوجيه من دول الوصاية الجديدة، بات أمام مهمة إعادة ترتيب الأولويات في هذه المؤسسات. ويبدو في هذا السياق، أن الجسم القضائي هو الهدف التالي لهذه القوى بعد الجسم الأمني، الذي أنهك بصورة لا سابق لها.
ومطاردة الجسم القضائي، لا تتوقف عند حدود إبطال ما صدر عنه من قرارات وأحكام، بل بعملية ترهيب منظم تقودها الحكومة الجديدة، او القوى النافذة فيها، لا سيما بعد القرارات التي صدرت لقيادة الجيش اللبناني ولجهاز أمن الدولة، بسحب كل المرافقين والمكلفين توفير الحماية للقضاة الكبار، او للقضاة الذين تولوا ملفات حساسة سابقا، او حاليا، حتى انه مرت الساعات ال48 الماضية قاسية على بعض كبار القضاة من الذين استفاقوا فجأة على إزالة كل أشكال الحراسات والحمايات الموفرة لهم، بحجة إدارية لا تعكس فهما سياسيا او حرصا، بقدر ما تعكس رغبة دفينة في إرهاب هذا الجسم، وإخضاعه لسيطرة السلطة الجديدة، التي لطالما تغنت بسعيها لوجود سلطة قضائية مستقلة.
وإذا كانت الخلافات حول اختيار المرشحين لرئاسة مجلس شورى الدولة او مجلس القضاء الأعلى، مفهومة بالنظر الى طبيعة الصراعات السياسية للكبار، فإن الاهداف غير المباشرة، والمتوسطة المدى، يمكن ملاحظتها من خلال مقارنة أمور عدة حصلت خلال الشهور الستة الأخيرة، محليا وخارجيا.
ما هو المطلوب؟
عندها أنهى رئيس لجنة التقصي الدولية بيتر فيتزجيرالد عمله في لبنان، أوصى بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية اللبنانية، بينما كانت الدعوات الى تشكيل لجنة تحقيق دولية تقول بأن القضاء اللبناني غير موثوق لإدارة هذا الملف. وعندما وصل رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس الى لبنان، جرى نظيم علاقته بالجسم القضاء اللبناني وبأجهزة وزارة الداخلية وفق ما ينص عليه القرار الدولي 1595 الخاص بعمل لجنة التحقيق. لكن ميليس وقع على "بروتوكول تعاون" مع وزارة العدل في لبنان، أتاح له آلية للتعاون، دون ان يلتزم بأي تنسيق متكامل، بغض النظر عن "الموقف الايجابي الشخصي" الذي عبّر عنه ميليس في معرض حديثه عن القضاة اللبنانيين ورجال الإدارة الذين يتعاون معهم. وإشادته بحماستهم الشخصية واستعدادهم للعمل، ولكنه لفت انتباه المعنيين من رؤساء ووزراء الى النقص الفادح في الأجهزة والتقنيات والإدارة التي تتيح لهؤلاء الانتاج بصورة أفضل.
لكن مع الوقت، بدا ان ميليس لا يتصرف على اساس انه يثق بالقضاء اللبناني، ولا حتى بالأجهزة الأمنية. وعندما طولب قبل أسابيع بالأمر، وسئل عن سبب امتناعه عن تقديم كامل التفاصيل الخاصة بإفادات الشهود او الذين استُدعوا الى التحقيق او هويات بعضهم، كان ميليس يتحفظ في الاجابة، وعندما طلب إليه الأمر بطريقة رسمية قال: ان بعض الشهود يشترطون عليّ ان لا أطلع القضاء او الأمن اللبناني على تفاصيل ما سوف يدلون به، وإلا فسوف يتحصنون بالصمت.
في هذه الأثناء، كان الجسم القضائي يشكو من التدخل الاعلامي الفاضح في طريقة عمله، سواء لناحية الاتهامات العشوائية التي تطال كل الخصوم لهذه الجهة او تلك، او عمليات "تضليل منظمة" للتحقيق في ملفات حساسة، بينها ملفات الاغتيالات الأخيرة، وعندما عبّر قضاة كبار عن شكواهم هذه، امام مرجعيات سياسية تؤثر على هذه المنابر الاعلامية، كان الجواب، بأن لبنان تحت المراقبة الدولية، ولا يمكن الطعن بالحريات الاعلامية.
لكن كبار القضاة كانوا قد توصلوا الى استنتاج بسيط: ان الفريق السياسي المسؤول عن هذه الحملة، لا يستطيع مناقشة التحقيق الدولي، ومصادر المعلومات الدولية، ولا حتى في طبيعة وخلفية المحققين الدوليين، ولكن هذا الاعلام غير معني بحصانة القضاء اللبناني، ولا بسرية التحقيقات التي يجريها، وبالتالي، فمن السهل النيل منه، وهذا ما يحصل.
وبينما انتبه قادة هذا الفريق السياسي إلى ان تشكيلة الحكومة، وطبيعة عمل المؤسسات، لم تحدث الانقلاب الكامل على ما يقول وليد جنبلاط، برزت الى الواجهة السجالات السياسية والخلافات داخل المؤسسات نفسها، وهذا ما يبدو واضحا في المعارك المكتومة، او المصرح عنها جزئيا بين وزارتي العدل والداخلية، وحيث هناك جهد من قبل فريق سياسي، لإعادة تنظيم كل الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية بطريقة تناسب الوجهة السياسية المقبلة، فيما يستمر الضغط على الجسم القضائي من أجل إخضاعه طوعاً او غصباً، الأمر الذي يشير الى ان المعركة مستمرة، وقد تكون أكثر قساوة.
وعليه، فإن الخلاصة المطلوبة من قبل هذا الفريق، ومن قبل دول الوصاية الدولية تقول بأن الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية غير مؤهلة للقيام بدورها، ما يعني انها تحتاج الى نوع من الوصاية خلال إعادة تأهيلها وتركيبها وفق آلية جديدة، وهذا سوف يأخذ وقتا، فكيف سيتم التعامل مع ملفات الاغتيالات؟
وتروّج بعض الأوساط المتصلة بقيادة هذا الفريق السياسي "لفكرة" تقول أن الوجهة القائمة حاليا للمحقق الالماني وفريقه ومن يقف خلفهما في الأمم المتحدة، هي نحو انشاء محكمة دولية خاصة، الأمر الذي يقطع الطريق على أي دور لاحق للمؤسسات اللبنانية، القضائية او الأمنية.
وفي هذا السياق، ثمة مفارقة تحتاج الى تدقيق من قادة هذا الفريق، وهي ان البروتوكول المنظم لعمل لجنة التحقيق الدولية، يفرض آلية من التعاون والتنسيق والتدقيق، ما يعني ان لبنان سوف يحصل، عاجلا أو آجلا، على تفاصيل ما يقوم به ميليس وفريقه.. ولكن، هل هناك أي اتفاق يرعى او ينظم المساهمة التي تقوم بها المخابرات الفرنسية او الشرطة الفرنسية او جهاز "أف.بي.آي"؟
يقول مصدر معني: ليس هناك أي شيء ينظم هذه المسألة، ولا أحد يعرف ماذا فعل الخبراء الفرنسيون أو الخبراء الأميركيون في مسارح الجرائم التي زاروها، وماذا أخذوا من المسرح وماذا تركوا فيه أو أودعوه؟
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018