ارشيف من : 2005-2008
روسيا تقود حملة مكافحة الإرهاب النووي
بقلم: نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر ياكوفينكو
لقد دلت سلسلة التفجيرات الأخيرة على أن التهديد الإرهابي لم يتناقص، للأسف الشديد، وأن النصر النهائي على هذا الشر مازال بعيدا. كما يتضح أن تكتيك الإرهابيين يزداد باستمرار عدوانية وغدرا وتفننا. ويهدف ذلك التكتيك إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر وسط السكان المدنيين، وإلحاق أكبر ضرر معنوي ونفسي من أجل إشاعة الخوف والفزع في العالم.
ومما لا شك فيه، كما يقول لنا المنطق السليم رغم خطورة الفكرة كهذه، أن الإرهابيين سيسعون إلى امتلاك أكثر الأسلحة فتكا من أجل تحقيق أهدافهم، وهي أسلحة الدمار الشامل. ويدرك السياسيون والعسكريون والدبلوماسيون والعلماء ومنتسبو أجهزة حفظ النظام والقانون والأجهزة الخاصة هذه الحقيقة جيدا. ويوجد لديهم رأي موحد كما لدى المواطنين المدنيين يتمثل في ضرورة منع وقوع أسلحة الدمار الشامل ومكوناتها (التي تتيح صنع ما يسمى بالقنبلة القذرة) في أيدي الإرهابيين والمجرمين الآخرين. ويجب أن لا يخيم هذا الخطر على الناس المسالمين كسيف داموكليس. ولا يجوز إتاحة أية فرصة لقوى الإرهاب لتخويف المجتمع الدولي أو أي عضو فيه بهذه الأسلحة. وتتطلب هذه المهمة تشكيل حاجز منيع لا يسمح للإرهابيين بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ويتضمن قاعدة قانونية معدة بشكل دقيق، وتعاونا عمليا بين جميع أعضاء التحالف الدولي الواسع المناهض للإرهاب.
ويبدو انه لا حاجة للقول إن التهديد الأكبر يصدر عن أعمال الإرهاب النووي. وكانت روسيا ومازالت من أنشط مناصري دعم نظام منع انتشار الأسلحة النووية ومحاربة الإرهاب بكل سبل ووسائل. واتخذت خطوات مهمة في هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة، إذ تبنى مجلس الأمن الدولي في عام 2004 القرار 1540 الذي يهدف إلى منع وقوع أسلحة الدمار الشامل ومكوناتها في أيدي الجهات غير الحكومية. ويذكر أن روسيا الاتحادية كانت أحد المبادرين إلى صياغة وتبني هذا القرار.
كما بادرت موسكو إلى إعداد المعاهدة الدولية لمكافحة أعمال الإرهاب النووي. وقد استغرقت المحادثات الخاصة بهذه المعاهدة حوالي 8 سنوات نظرا لصعوبة المسائل التي تتناولها وتنظمها. وأخيرا أكملت اللجنة الخاصة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر نيسان/أبريل 2005 العمل على صياغة مشروع المعاهدة. وتدعو روسيا إلى دخول هذه المعاهدة إلى حيز التنفيذ بأسرع ما يمكن، كما ناشدت الدول الأخرى أن توقعها في أقرب وقت.
وتهدف هذه المعاهدة إلى إرساء القاعدة القانونية لمكافحة أعمال الإرهاب النووي بشكل فعال، بما في ذلك منعها وإزالة آثارها. ومن المؤمل أن تضمن هذه المعاهدة حماية المنشآت الذرية المستعملة للأغراض السلمية والعسكرية من الهجمات الإرهابية التي تستخدم فيها العبوات النووية يدوية الصنع. ومن المهم أن تضمن هذه المعاهدة حتمية عدم إفلات المشاركين في تنفيذ عمليات الإرهاب النووي من المسئولية الجنائية على أساس "أما تسليم المذنبين أو محاكمتهم".
وتجدر الإشارة إلى أن معاهدة مكافحة أعمال الإرهاب النووي قد أعدت لأول مرة من قبل المجتمع الدولي على أساس وقائي – أي قبل وقوع الأعمال الإرهابية التي تستخدم فيها المواد النووية وغيرها من المواد المشعة. كما تعد هذه الوثيقة أول معاهدة عامة تهدف إلى منع وقوع الأعمال الإرهابية التي تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل. وتوفر الوثيقة إمكانيات إضافية لتوسيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب تحت إشراف الأمم المتحدة، بما في ذلك الإسراع بتنسيق مشروع المعاهدة الشاملة حول الإرهاب الدولي. ونعيد إلى الأذهان أنه تم إلى حد الآن تبني 13 اتفاقية ومعاهدة لمكافحة الإرهاب.
إن العالم أجمع مهتم بتعزيز المنظومة العالمية للأمن النووي التي تعتبر معاهدة الحماية المادية للمواد النووية (تم تبنيها في عام 1979) أحد أركانها. ومن أجل أن تستفيد الدول من حقها السيادي في تطوير واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية وفقا لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن من الضروري صياغة آلية مضمونة لدرء مخاطر الاستيلاء غير الشرعي على المواد النووية واستخدامها لأغراض إجرامية. وتستطيع المعاهدة المشار إليها أن تصبح الآلية التي يتم من خلالها تنفيذ هذه المهمة.
وعقد في شهر تموز/يوليو الماضي مؤتمر دبلوماسي لتبني تعديلات على هذه المعاهدة بهدف تعزيز الحماية المادية للمواد النووية في أثناء خزنها واستخدامها ونقلها في داخل حدود دولة واحدة، وكذلك حماية المنشآت والتجهيزات النووية من الأعمال التخريبية. ويذكر أن روسيا شاركت بفعالية في هذا المؤتمر الذي أصبح خطوة كبيرة أخرى في طريق تعزيز الأمن النووي. وأود أن أشير هنا إلى أن تحقيق توافق بشأن التغييرات التي أدخلت على المعاهدة أصبح ممكنا بفضل المقترح الذي تقدمت به جمهورية الصين الشعبية، والذي يزيل أية ازدواجية في الفهم عن المسالة المحورية المتعلقة بعدم جواز استخدام القوة ضد المنشآت النووية.
إن تولي الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، والمنظمات الأخرى، ومنها منظمة الأمن والتعاون الأوروبي لمهمة درء أعمال الإرهاب النووي يدل على الاهتمام الكبير الذي يعيره المجتمع الدولي إلى هذه المسألة. وكان المجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي قد اتخذ في أوائل شهر تموز/يوليو الماضي قرارا "حول التصدي لتهديد المصادر المشعة" الذي أعدته وبادرت إلى طرحه روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد تعهدت البلدان الـ55 الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي وفقا لهذا القرار بالتزام سياسي بشأن الانضمام إلى مدونة السلوك المتعلقة بضمان حركة المواد المشعة عبر الحدود الدولية بشكل آمن وسليم والتي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتم بفضل القرار الذي اتخذته منظمة الأمن والتعاون الأوروبي تطبيق المدونة في مجال المنظمة كله مما أسهم في تقليل احتمالات ومخاطر وقوع المصادر المشعة في أيدي الإرهابيين. كما يدل تبني القرار على وجود تعاون بناء بين روسيا والولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.
ويمكن القول إن تعاون الشركاء في التحالف المناهض للإرهاب على أساس تلك المعاهدات وغيرها من الاتفاقيات يضمن منع وقوع الأسلحة والمواد النووية في أيدي الإرهابيين. لقد أصبح هذا التعاون في الوقت الحاضر حقيقة واقعة حيث تعتبر المبادرة الدولية للأمن في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل أحد الأمثلة الدالة على ذلك التعاون. وقبل فترة احتفلنا بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتلك المبادرة، والذكرى السنوية الأولى لعضوية روسيا فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع دول العالم، بما فيها روسيا والولايات المتحدة تعمل سوية من أجل درء مخاطر وقوع أسلحة الدمار الشامل في أيدي الإرهابيين، وتجار الأسلحة غير الشرعيين، ومخالفي نظم منع الانتشار. وقد أعلنت أكثر من 60 دولة عن دعمها وتأييدها لتلك المبادرة. وكلما زاد عدد الدول المشاركة في تلك المبادرة كلما أسهم ذلك بتعزيز الأمن الدولي في هذا المجال.
وتقوم الدول المشاركة في المبادرة والتي يزداد عددها باستمرار بإجراء تدريبات في إطار المبادرة الدولية للأمن في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل (أجريت 16 فعالية من هذا النوع خلال فترة عامين). إن المبادرة الدولية للأمن في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل تعتبر خطوة إلى الأمام في طريق تطوير روح وجوهر قرار مجلس الأمن الدولي 1540 الذي يدعو جميع الدول إلى بذل جهود مشتركة من أجل منع عمليات التهريب المرتبطة بانتشار أسلحة الدمار الشامل.
وقد ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيرته الأمريكية كونداليزا رايس في مقالة مشتركة: "لقد رأينا استعداد الإرهابيين لارتكاب جرائم وحشية، وعلينا أن نضمن منعهم ومن يدعمهم من الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل".
ومن المقرر أن تفتح للتوقيع في الرابع عشر من شهر أيلول/سبتمبر القادم – أي في اليوم الأول لـ "قمة-2005" في نيويورك المعاهدة الدولية لمكافحة أعمال الإرهاب النووي. وستكون روسيا من أوائل الدول التي ستوقع على هذه الوثيقة القانونية الدولية المهمة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018