ارشيف من : 2005-2008

توقعات بهجرة قسم من مستوطني غزة الراحلين الى خارج "اسرائيل"

توقعات بهجرة قسم من مستوطني غزة الراحلين الى خارج "اسرائيل"

القدس المحتلة - امال شحادة‏

منذ اليوم الأول من الاعلان الرسمي عن مباشرة تنفيذ خطة الانسحاب كانت المعطيات الاسرائيلية تشير الى ان خمسين في المئة من المستوطنين في قطاع غزة قد غادروا بيوتهم وان 400 عائلة ترفض المغادرة. والصور التي التقطتها عدسات الكاميرات للعائلات التي حزمت امتعتها وغادرت المستوطنات طوعا، وتلك التي اصرت على المقاومة، تعطي صورة اولية لنوعية هؤلاء المستوطنين الذين اختاروا السكن على ارض محتلة.‏

البروفيسور اليشاع اوفرات، الذي تخصص في كتاباته حول الاستيطان واصدر كتاباً ترجم لاكثر من لغة منها العربية حول "الاستيطان الصهيوني الاسرائيلي جغرافياً وسياسياً"، يقول في حديثه مع "الحياة" ان "الصور التي شاهدناها للمستوطنين الذين غادروا قطاع غزة طوعاً سنجدها بنسبة اكبر اذا تم انسحاب من الضفة الغربية حيث هناك نوع آخر من المستوطنين الذين لن يقاوموا بمعظمهم اي انسحاب اذا توفرت لهم بدائل جيدة".‏

عند الحديث عن الانسحاب كان يوضع العامل الانساني وكيفية مواجهة المستوطنين و"اقتلاعهم" من بيوتهم، على حد تعبير الاسرائيليين، في مركز اي نقاش حول المستوطنات والانسحاب منها. اما عن المستوطنين فكان الحديث يقتصر على وجود شريحة من اليمين واليمين المتطرف. الا ان الواقع الذي شاهدناه عند مباشرة تنفيذ خطة الانسحاب يعكس صورة ربما تكون مختلفة عما رسخ في الأذهان عن المستوطنين.‏

المعطيات الرسمية تشير الى ان 70 في المئة منهم هم من مواليد اوروبا والولايات المتحدة ونحو 10 في المئة من اصول افريقية وآسيوية و20 في المئة من مواليد اسرائيل. النسبة العالية منهم اشكناز، ما يظهر، بحسب ما يرى المحاضر في جامعة الازهر في غزة د. ايمن شاهين، ان التطرف الاسرائيلي موجود بين الاشكناز اكثر من السفارديم. وبموجب الدراسات التي اعدها حول هؤلاء المستوطنين فان الايمان بارض اسرائيل كمشروع سياسي يترسخ لدى الاشكنازيم فيما يسيطر العامل الاقتصادي اكثر على اليهود السفارديم.‏

لدى سماعنا مواقف اسرائيلية واخرى فلسطينية حول المستوطنين في قطاع غزة نجد اختلافاً بين ما يراه المحللون والخبراء الاسرائيليون حول طبيعة المستوطنين وحول دراسات اجريت من جانب فلسطيني.‏

يقول بروفسور اوفرات ان جميع المستوطنين الذين وصلوا الى غوش قطيف تلقوا تشجيعاً ومساعدات ودعماً من الحكومات الاسرائيلية التي ارادت زرع الاستيطان في هذه الاراضي الشاسعة للفلسطينيين في وقت انسحبت فيه من سيناء. هؤلاء جاؤوا من مختلف البلدات الاسرائيلية وبمعظمهم من المركز والجنوب وهناك من المستوطنين الذين غادروا سيناء من عادوا ليستوطنوا في منطقة شبيهة بالبيئة التي عاشوا فيها سنوات طويلة.‏

لجميعهم توافرت فرصة الحصول على مساحة شاسعة من الارض والقروض والهبات لبناء بيوت رحبة فخمة وفيلات، اضافة الى انهم نظروا اليها من منطلق ما جاء في التوراة عن "ارض اسرائيل". ولكن الأبرز في قرار وصولهم الى هذه المنطقة، يقول اوفرات، هو "ضمان عمل وربح وبيت وسكن باسعار زهيدة جداً مقارنة بوضعية الاسرائيليين في مناطق السكن التي جاؤوا منها، إلا ان اندماجهم في هذه المستوطنات ووصول اعداد اخرى في ما بعد للسكن من منطلق سياسي وعقائدي غلب الاعتبار السياسي".‏

ويختلف شاهين، الذي اجرى دراسات عدة حول المستوطنين وخصص رسالته الدكتوراه حول الموضوع يختلف مع اوفرات، ويقول ان الجانب الاقتصادي لدى مستوطني قطاع غزة وبخاصة "غوش قطيف"، غير وارد في دوافع وصولهم الى هذه الأرض الفلسطينية. ويضيف: "ربما تكون هذه الدوافع للمستوطنين الذين سكنوا في شمال قطاع غزة في مستوطنات "ايلي سنياي" ونسانيت" لقرب هذه المستوطنات من منطقة "ايرز" وهي مركز تجاري وصناعي. اما مستوطنو غوش قطيف، فإن المكان الاقتصادي والتجاري الوحيد لهم فهو "اشدود"، ومن يريد منهم الوصول اليها يحتاج يومياً الى السفر 70 كيلومتراً ويضطر الى عبور طرق التفافية".‏

ويضيف شاهين: "هذا يعكس الحقيقة وراء الاستيطان في هذه المنطقة وهي الدوافع الايديولوجية والسياسية التي بدأت من الحكومات الاسرائيلية ولاقت تجاوباً كبيراً من الوسط واليمين المتطرف الذي وجدها فرصة لتحقيق أهدافه وممارسة عقائده السياسية والايديولوجية ايضاً".‏

بموجب تقسيم المستوطنات، هناك 16 مستوطنة للمتدينين ولا يسكنها اي علماني، وهناك 3 مستوطنات مختلطة، ومستوطنة ايلي سيناي هي الوحيدة التـــــي لا يسكنها اي متدين، وهناك مستوطنة كفارداروم وهــــــي مزرعة وتسكنها 11 عائلة فقط . والنسبة الأعلى من المتدينين في مستوطنة نافيه ديكاليم التي يسكنها 2536 متديناً وتعتبر مركزاً لكتلة "غوش قطيف". هناك مستوطنات تابعة للتنظيم اليميني المتطرف "غوش ايمونيم" مثل مستوطنة "بني عتصيون" في رفح.‏

ويقول بروفسور اوفرات انه "طوال السنوات الماضية وصل الى غوش قطيف نوع من المستوطنين الأول، وهو الاكثرية، ومعروف بانه متطرف صعب ومستعد ان يحارب ويقاتل من اجل الحفاظ على الأرض والبيت. وهناك اليمين المتوسط، وهذا النوع لا تتعدى نسبته 25 في المئة من المستوطنين ولا يندفع بسرعة للمقاومة والقتال، وكما يقال "يتحرك بالقوة". اما النوع الثالث من المستوطنين فأقل تطرفاً وقد فهم الوضع وعلم ان لا نتيجة لقتاله وتعنته بالتمسك في السكن على ارض محتلة وقرر اتخاذ خطوات سريعة الى الامام فوافق على مغادرة بيته والحصول على تعويضات، وهؤلاء في الاساس من العلمانيين. اما المتدينون فيرون الخروج من دون مقاومة عاراً عليهم".‏

ما بعد الانسحاب!‏

والسؤال إذاً: هل يمكن لهؤلاء المستوطنين الاندماج في المجتمع الاسرائيلي؟‏

الناحية الاقتصادية ستكون الأكثر صعوبة على هؤلاء المستوطنين، فهم يأتون من مناطق توافرت لهم فيها حياة اقتصادية مزدهرة وسكنوا سنوات في بيوت واسعة وفيلات لينتقلوا الى مناطق تعدت نسبة الفقر فيها 40 في المئة وارتفعت نسبة البطالة وتعاني من ازمة سكن. ويرى اوفرات ان أول ما يحتاجه هؤلاء "علاجاً نفسياً خاصاً على مدار ثلاث سنوات على الاقل حتى يتمكنوا من الاندماج في المجتمع الاسرائيلي". ويقول: "المشكلة لن تكون من المجتمع الاسرائيلي نفسه لأنه سيستقبل هؤلاء في حالة من العطف والشفقة، اذ سيصلون الى داخل الخط الاخضر وقد رسخ في اذهان الاسرائيليين انهم طردوا من بيوت بنوها وعاشوا وانجبوا اطفالهم فيها. طردوا من اراض زرعوها وحولوها الى مناطق زراعية منتجة... وتبقى المشكلة الحقيقية كيف سيعتاد هؤلاء على حياة فيها نوع من التراجع خاصة من الناحية الاقتصادية".‏

ويرى اوفرات الصعوبة الأكبر في ان "معظم هؤلاء ليسوا من الاكاديميين والغالبية اعتادت على الزراعة وهذا الفرع لن يكون متوافراً لهم كما كان في قطاع غزة وهنا قد تواجه نسبة كبيرة المشكلة، الا اذا نجحت في ضمان مجالات عمل بديلة".‏

ولا يستبعد محدثنا ان يهاجر بعضهم الى خارج اسرائيل، بخاصة اولئك الذين عاشوا في فيلات واوضاع اقتصادية مزدهرة ولم ينجحوا في الاندماج في الظروف الجديدة التي تنتظرهم.‏

المصدر: صحافة عربية ـ "الحياة" 23/8/2005‏

2006-10-30