ارشيف من : 2005-2008

كيف انتقل جوني عبده من الإعلام المحلي إلى الإعلام الأجنبي لتوريط ميليس؟

كيف انتقل جوني عبده من الإعلام المحلي إلى الإعلام الأجنبي لتوريط ميليس؟

كيف انتقل جوني عبده من الإعلام المحلي إلى الإعلام الأجنبي لتوريط ميليس؟‏

الحسم بكيفية تنفيذ جريمة الاغتيال يحدد وجهة التحقيق ونتائجه‏

كتب إبراهيم الأمين في صحيفة السفير في عددها الصادر اليوم الاثنين الاول من آب/أغسطس 2005‏

لم يترك ديتليف ميليس الوقت يذهب هدراً. جدول الاعمال محدد سلفاً ببند واحد: التحقيق لأجل التوصل الى خلاصات ونتائج. عادة، ليس مطلوباً القيام بكل شيء دفعة واحدة. لكن القاعدة التي لا مفر منها هي: جهد مئة في المئة، وأمل بنتائج مئة في المئة. على أن ميليس الذي يعرف لبنان سابقاً، وقد أمدته وكالات المخابرات العالمية، بما يعتقد أنه مفيد لعمله، كان عليه وضع خارطة سير، لأجل تجنب الألغام، ولأجل عدم الذهاب في اتجاه آخر، لا سيما أن في لبنان اولا، وفي المنطقة ثانيا، وفي العالم ثالثا، من ينشر رجاله على الطرقات، بقصد تعديل وجهة سير المحقق الدولي... كالعادة، وفي جرائم مشابهة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، على قائد التحقيق فصل خطته الى جزأين: كيف نفذت الجريمة؟ ومن نفذ الجريمة؟ والروابط بين الأمرين كبيرة، وأي تداخل غير دقيق، أو غير مطابق للوقائع والقرائن، يحوّل الامر الى مجرد استدلال سياسي. وهي أمور اذا وقع ميليس ضحيتها، يتحول مباشرة الى جوني عبده آخر. ذلك أن الاخير، تعلم منطق الاستدلال، منذ كان ضابطاً أمنياً، مسؤولاً عن التمهيد العملياتي لخطوات سياسية. هكذا تفاقمت الحرب الاهلية عندنا، وهكذا توافرت للاسرائيليين خطوات تقود الى الطريق نحو قصر بعبدا، وهكذا تطوع عبده مؤخراً، لأكبر عملية استثمار لجريمة اغتيال الحريري، قبل اتضاح حقيقة الامر.‏

في السادس عشر من شباط/فبراير الماضي، كانت عائلة الحريري منشغلة في الترتيبات الخاصة بالتعازي والدفن والمأساة. لكن، ثمة من تنبه وسطها الى ضرورة لفت انتباه الاصدقاء الى عدم السماح لأحد، وخصوصاً للفريق الحاكم وللنظام السوري، بأخذ التحقيقات في الجريمة نحو اتجاهات اخرى. وعلى هذا الاساس، وفي ظل أزمة الثقة المستفحلة في حينه، والمستمرة، تم رفض مجموعة وقائع محتملة دفعة واحدة: ليس هناك شيء اسمه أحمد أبو عدس، ليس هناك هجوم انتحاري، ليس هناك انفجار فوق الارض، ليس هناك إمكانية لأي خلية أو تنظيم سلفي للقيام بعملية كهذه، والاتجاه الوحيد المقبول هو:‏

ان النظام الامني اللبناني السوري هو المسؤول عن اغتيال الرئيس الحريري. لكن ثمة حدساً خاصاً، له أساسه الاخلاقي، دفع بالعائلة المنكوبة، الى طلب العون من جهات عدة، بينها "حزب الله". يومها، تلقى السيد حسن نصر الله طلباً صريحاً من العائلة، بالمساعدة على كشف الحقيقة. كانت الخطوة بحد ذاتها نوعاً من الرد من قبل العائلة، على فريق محيط بها، كان ولا يزال يردد بأن ثمة فريقاً يقف خلف اغتيال الحريري، مع غمز من قناة "حزب الله".‏

وفي التدقيق، قال أحد أفراد العائلة لأحد المستفسرين: "انه انعكاس لمناخ مذهبي موجود في البلاد، وربما هناك من يريد استغلال الأمر". السيد نصر الله، الواقعي كما الغيبي في نظرته الى ما يجري حوله، قال انه مستعد لتقديم العون، وأطلع العائلة أن لدى المقاومة خبراء يعرفون كيف يتم الامر تقنياً، لكن التحقيق يحتاج الى دولة، والى صلاحيات والى سلطات، وانه ليس للحزب القدرة على القيام بالامر. وانتهت المحادثة الى قيام خبراء من وحدة الهندسة في المقاومة الاسلامية، بزيارة موقع الجريمة، امضوا وقتاً غير طويل، وأعدوا تقريرهم من دون أي تردد: "شاحنة محملة بنحو طن من المتفجرات، فجرت بموكب الرئيس الشهيد بواسطة اتصال يدوي". في هذه الاثناء، لم تكن التحقيقات التي تقوم بها الوحدات المختصة في قوى الامن الداخلي ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني بعيدة عن هذه الخلاصة، بعدما حسم ثلاثة من الخبراء، من ثلاثة جهات محلية أمر الانفجار وطريقته ونوعيته. وبعض المحققين العاملين على الارض كانوا قد توصلوا الى قناعة بأن ما حصل، عبارة عن عملية انتحارية.‏

لكن من يصدق من؟‏

لقد قرر جوني عبده، انه ليس للاجهزة الامنية صلاحية ومصداقية. وهكذا، تقرر أن تعطل هذه النتائج. لكن الشرطي الايرلندي بيتر فيزجيرالد، الذي كان غارقاً في البحث عن عناصر الاستدلال السياسي، توصل هو الآخر الى الحقيقة المشابهة، ويوم أنهى عمله الميداني، زار أحد كبار الضباط في مكتبه، ربت على كتفه وقال له:‏

"تابعوا، إنكم تسيرون في الاتجاه الصحيح، لكنني لست هنا لمنحكم شهادة تقدير، ومهمتي واضحة في تمهيد الطريق أمام وصول لجنة تحقيق دولية".‏

حصلت أشياء كثيرة جداً في تلك الفترة: ارتباك في وضع قيادة الجيش أثمر تدخلاً لأجل تعديل وجهة التحقيق اللبناني. تجميد لأعمال التقصي الاضافية حول احتمال وجود انتحاري وحول مصدر السيارة التي استخدمت. تأخير في حسم نتائج فحص "الحمض النووي" للضحايا والاشلاء التي عثر عليها في مكان الجريمة. حصار سياسي ومداخلات ترهيبية وترغيبية لهذا وذاك.‏

وبعدما اطلع المحقق الدولي على ملفات التحقيق الاولية، ونتائج التقارير التي أعدها خبراء من سويسرا وألمانيا حول الشق المتعلق بـ"كيف نفذت الجريمة"، كانت الصورة واضحة أمامه: إنها شاحنة "الميتسوبيشي" البيضاء، فما كان منه إلا أن أشار اليها في أول مؤتمر صحافي عقده في بيروت. وثمة معطيات كثيرة وتفاصيل بآلاف الاوراق حول هذا الجانب، وباتت معروفة، لكن طريقها الى النشر تظل رهن رفع السرية على مواد التحقيق.‏

على ان اللافت كان في ردة الفعل من جانب جوني عبده نفسه: كيف يخرج ميليس الى العلن بهذه الواقعة؟‏

امس بدأ عمله، أليس أمراً غريباً أن يستعجل إعلان أمر كهذا؟‏

هل من أبعاد سياسية وراء ما حصل؟‏

بالطبع، كان جوني عبده، الطامح الى الرئاسة الاولى منذ كان عقيداً في مخابرات الجيش، يعرف انه ليس بمقدور مخلوق على وجه الارض أن يغير في الوقائع، وان كل الالعاب البهلوانية المرئية والمسموعة والمكتوبة، لا تفيد في تحوير حقائق الميدان. لكنه كان قد تورط سابقاً، في حكاية قطع السيارة التي جاء بها عناصر من قوى الامن ورموها في موقع الجريمة. ألم يقنع جوني عبده بعض المعنيين مباشرة، ووسائل إعلام محسوبة على تيار المستقبل، وحتى فيزجيرالد نفسه بهذه الرواية؟‏

لكن ثمة سؤالاً وجه من قبل عائلة الرئيس الشهيد، الى مسؤول لبناني معني بتفاصيل الملف، وتحديداً حول أمر إعلان ميليس عن السيارة، وفرضية الانفجار من فوق الارض، فكان الجواب أكثر قسوة: انها حقيقة حسمت بعد يومين من الجريمة، والفرضية الاقوى شبه المحسومة ايضا، والتي لم يعلنها ميليس صراحة هي: لقد اغتيل الرئيس الحريري بعملية انتحارية نفذها شخص أو شخصان؟!‏

أمام هذا الواقع، كانت التحقيقات تتقدم. استدعى ميليس العشرات من الاشخاص الذين يعتقد أنهم يفيدون في التحقيق، وكان القضاء اللبناني يتابع الامر بالدقة نفسها، مع مزيد من التفاصيل المثيرة، وكانت النتائج سريعة بحيث انها تهدد مشروع الاستثمار السياسي الاول للفريق الذي تولى الادارة السياسية الاعلامية للملف: كيف سيتم إسقاط اميل لحود؟‏

سارع جوني عبده للقيام بخطوة خاصة، قال محدثاً نفسه: لا بد من تصويب عمل المحقق الدولي. أجرى اتصالاً، وطلب تقديم شهادة، حضر الى بيروت على وجه السرعة، وأعاد تكرار معلومات لم تكن مفاجئة ولا استثنائية ولكن كان على ميليس ان يسمعها، حتى ولو لم تكن جديدة أو مؤثرة مع إشارات متكررة إلى أن مصدرها جهات غير لبنانية. لكن القناعة الجديدة التي تكونت لدى جوني عبده والفريق المعاون له تقول: لقد خسرنا جولة إعلامية. ويومها، اتخذ القرار، بتوقف وسائل إعلام تيار الحريري عن تناول الملف "احتراماً لسرية التحقيق ومنعاً للتشويش عليه" كما قال مسؤول بارز في هذا التيار.‏

لكن جوني عبده لا يكتفي بهذا القدر، فالمطلوب اللجوء الى آلية جديدة، والى وسيلة إعلامية أكثر فتكاً... هكذا ولدت فكرة تحقيق "الفيغارو".‏

أما البقية، فهي عند ميليس، وعند جوني عبده أيضا!‏

2006-10-30