ارشيف من : 2005-2008

حزب الله يفضل بقاء ملفي السلاح والعملاء بعيداً عن المنابر :لماذا لم يقبل عون بالظروف «القاهرة» لنواب الطائف ؟

حزب الله يفضل بقاء ملفي السلاح والعملاء بعيداً عن المنابر  :لماذا لم يقبل عون بالظروف «القاهرة» لنواب الطائف ؟

في صحيفة الديار كتبت / مايا جابر‏

تلاحظ أوساط سياسية انه يكاد لا يمر يوم، منذ الانتهاء من جلسات الثقة النيابية، الا وتمر معه إحدى المقابلات او المناظرات او المواجهات الاعلامية في المحطات التلفزيونية اللبنانية الارضية والفضائية، ويكون المشاركون فيها إثنان: ممثل عن التيار الوطني الحر وممثل عن حزب الله. اما المحاور الاساسية والاولى للنقاش بين الاثنين فهي ايضا إثنان: القرار 1559 وملف العملاء مع العدو الصهيوني.‏

ويقوم ممثلو التيار الوطني الحر مرارا وتكرارا بتوضيح حقيقة الموقف السياسي الذي صدر عنهم خلال جلسات مناقشة الثقة بالحكومة بما خص ملف العملاء مع اسرائيل، وبأنهم لا يطالبون بالعفو عن «اللاجئين اللبنانيين» في اسرائيل، بل بانشاء لجنة تحقيق لمحاسبة الدولة عن الفترة التي سبقت مرحلة الانسحاب الاسرائيلي والتي تبرز الوقائع، بحسب رأي التيار، بأن الدولة تخلت عن مواطنيها في المناطق المحاذية للاحتلال وبأن هذا التخلي قد يكون سببا لاضطرار كثيرين من سكان تلك المناطق الى التعامل مع العدو او مع جيش لحد. ومن جهة ثانية للتحقيق، بعد عودة الدولة اللبنانية، مع الفارين الى اسرائيل واعادة محاكمتهم وتبرئة من يمكن تبرئتهم وتجريم من تثبت عمالته عن سابق تصور وتصميم. فضلا عن التأكيد بأن خلفيات طرحهم انسانية وضرورة التمييز بين العميل وبين عائلته (الزوجة والاولاد) الذين لم يكن قرار الفرار الى اسرائيل بيدهم.‏

ويشدد ممثلو التيار الوطني الحر على توضيح رأيهم وخلفياتهم الانسانية عند تناول هذا الملف. الا ان ممثلي حزب الله بدورهم حرصوا على أبراز اسباب رفضهم للتطرق الى هذا الموضوع الذي يعتبرونه إهانة للشهداء اللبنانيين وللمقاومين ولانجاز التحرير. وبالتالي لم يتبين جدوى تكثيف طرح هذه المواضيع في المنابر الاعلامية.‏

ولعل أهم نقطة توقف عندها حزب الله في هذا الشأن ليست مسألة التمييز بين العملاء وبين عائلاتهم من نساء وأطفال، بل في مقولة محاكمة الدولة عن اهمالها وتقاعسها عن تحمل مسؤوليتها في المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة. اذ يعتبر ممثلو الحزب انه من غير المنطقي ان تنقلب المعايير اليوم، وان تصبح الدولة متهمة يجب محاسبتها عن فترة السبعينات، وهي فترة تميزت بغياب للدولة عن كل الاراضي اللبنانية وليس فقط عن بعض مناطق الجنوب، كما لا يمكن الارتكاز على غياب الدولة لتبرير منطق الخضوع للاغراءات او للضغوط الاسرائيلية والتعامل مع المحتل ضد مصلحة الوطن وضد أمن وسلامة ابناء الوطن. فالظروف القاهرة التي ضغطت على الجنوبيين آنذاك كانت واحدة وهي نفسها، لكن تعاطي الجنوبيين معها لم يكن واحدا، فهناك من قرر منهم التعامل مع العدو الاسرائيلي، وهناك من قرر مقاومة العدو الصهيوني، وهناك من قرر مغادرة الاراضي الجنوبية والنزوح الى المدينة او الهجرة الى بلاد الاغتراب. وهناك من قرر الصمود والتصدي للاعتداءات الاسرائيلية اليومية، ولسياسة العدو في اتباع الارض المحروقة عبر التمسك بالارض حتى استشهاده فيها، وهناك من قرر ابسط الحلول واسهلها وهي التعامل مع المحتل وعدو الوطن.‏

وحتى اولئك الذين اضطروا مرغمين على مهادنة العدو وعملائه والتعامل معهم حفظا لرأسه ورأس عائلــته، لم يتــرددوا بعد اندحـار العدو الصهيوني من تسليم انفسهم للقضاء اللبناني، مفضلين ان يكونوا سجناء في بلادهم على ان يكونوا احراراً في بلاد الاحتلال.‏

اما الذين فروا الى اسرائيل ونال بعضهم الجنسية الاسرائيلية، وانخرط بعضهم الآخر في الجيش الاسرائيلي فهل يمكن لهؤلاء ان يكونوا أقدموا على ذلك تحت الضغط ونتيجة الظروف القاهرة التي يتذرعون بها لتبرير ارتكاباتهم الوقحة؟‏

والسؤال الثاني الذي يطرحه ممثلو حزب الله هو: لماذا نرفع اليوم ملف عملاء اسرائيل ونتجادل به، في الوقت الذي لم يبادر هؤلاء الى تسليم انفسهم الى القضاء اللبناني ولم يعلنوا الندامة عن افعالهم ولم يتخلوا عن تعاونهم مع الاسرائيليين؟‏

وتقول مصادر «حزب الله» ان من يراقب النقاش الجاري حول هذا الملف لا بد له ان يلاحظ لا امكانية حالية للتفاهم حوله، فهناك من يعتبر انه من الخطأ الاستراتيجي طرح الملف حالياً خصوصا وانه أدى الى نكء جراح الكثيرين بدليل الاعتصامات التي يشهدها معقتل الخيام يومياً، وهناك من يعتبر ان الظروف القاهرة لا تبرر العمالة بدليل ان الجنرال ميشال عون كان في نهاية الثمانينات في ظروف قاهرة اعتبر فيها ان نواب الامة قد باعوا الوطن لانهم لم يحددوا في اتفاق الطائف موعداً نهائياً للانسحاب السوري من لبنان، ومع ذلك قرر المقاومة وعدم الاستسلام وأعلن حرب التحرير حينها، وهو لم وليس بوارد ان يتفهم ظروف هؤلاء، ولم يقبل بالتعاون مع سوريا ولم يعد الى الوطن الا بعد انسحابها، ولا يزال يطرح الاصلاح لمحاسبة كل من تهاون في مصلحة الوطن مستفيدا من الفترة الماضية التي سيطرت فيها الوصاية السورية على البلاد. هذا اذا سلمنا جدلا بأن الوصاية السورية تساوي الاحتلال الاسرائيلي، علما ان الفارق كبير بين الاثنين، لأن الوصاية السورية كانت بطلب من السلطة اللبنانية في حين ان الاحتلال الاسرائيلي كان اغتصابا للارض وانتهاكا للسلطة والسيادة الوطنية، بحسب تعبير المصادر نفسها.‏

اما في محور القرار 1559 فإن التيار الوطني الحر يصر على طرح مجموعة اسئلة استفهامية غير استفزازية وهي تلك المتعلقة بخلفية الوحدة المركزية للامن وحق الدولة الحصري في تقرير الحرب والسلم، في حين ان حزب الله يشدد على ضرورة البحث في صيغة ردعية بديلة عن المقاومة قبل ان يقرر مصير سلاح هذه المقاومة.‏

وإزاء النظرتين لا ينفع النقاش الذي يدور في اطار المبارزات الاعلامية. وكما تقول المصادر فإنه من الضروري ان يتنبه اللبنانيون الى ما اعلنه مجلس المطارنة الموارنة من ان لا فائدة اليوم من التراشق السياسي، مهما كانت مواضيع هذا التراشق، وكذلك ما اعلنه الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي من الديمان بأن لا لزوم لإثارة بعض المواضيع التي لا يبدو ان الظروف او الوقت مناسبا لطرحها.‏

من هنا تختم المصادر الى ان من حق المعارضة الممثلة بالتيار الوطني الحر ان تطرح كل المواضيع والملفات التي تراها غائبة عن البحث، ولكن من حق لبنان على الجميع ان يعملوا على تحصين وحدته الداخلية وامنه واستقراره قبل طرح مواضيع تفجيرية في البازارات الاعلامية، وان يناقشوا كل المحرمات ولكن د اخل حرماتهم كي لا تنعكس سجالاتهم على نفوس المواطنين وعلى وحدتهم، خصوصا في ظل التأجج العاطفي والانقسام المذهبي والطائفي وتشتت البوصلة الوطنية وتقلص الخطاب السياسي المعتدل حتى لدى أكثر الأطراف السياسية اعتدالا.‏

2006-10-30