ارشيف من : 2005-2008

من اوراق الصحف الفرنسية

من اوراق الصحف الفرنسية

" الانسحاب التاريخي قد بدأ " هذا العنوان الذي تصدّر رئيسية جريدة " لوموند" أمس يلخص إلى حدٍّ بعيد ما جاء في واجهات الصحف الفرنسية اليوم. وكلها برّز أخبار الانسحاب الإسرائيلي من غزة الذي يفترض أن يكون ناجزاً في غضون أسبوعين.‏

واللافت أنّ الجرائد، في معظمها، ركزت على الوجه المأسوي الذي يتسم به الانسحاب بالنسبة إلى المستوطنين، وهم في إذعانهم لأمرٍ طالما رفضوه واستنكروه وقاوموه، مضطرّون في النهاية على إجلاء القطاع. لكن هذا الجلاء قد بدأ في جحيم من البكاء والصراخ والحواجز، كما كتبت " ليبراسيون" التي عنونت صفحتها الأولى : أربعٌ وعشرون ساعة للرحيل.‏

" لومانيتي" هي أيضاً برّزت المأساة الإنسانية التي يعانيها المستوطنون، لكنها لم تغفل حتمية الواقع الراهن. وعنوانها الرئيسي مُعبّر، يقول ما معناه : " في نهاية المطاف : الانسحاب ! " مع علامة تعجّب للدلالة على أنّ الخروج من غزة أضحى ضربة لازب.‏

" فرانس سوار" أجرت، على غرار زميلاتها، تحقيقاً ميدانياً في أوساط " أولئك المستوطنين الرافضين ذهاباً " كما قالت، مشيرة إلى أن المستوطنين ينظرون إلى آرييل شارون كخائن.‏

وهذا ما قاله معلق " ليبراسيون" الذي كتب إن شارون قد انقلب من ملاك احتلالٍ واستيطان إلى شيطان الترحيل. لكنه ذكّر بأن شارون هو أول مسؤول إسرائيلي يُقرّ علناً بأن إقامة دولةٍ يهودية على كامل أرض فلسطين حُلم لا يمكن تحقيقه. غير أنّ عملية إجلاء المستوطنين لم تنته. وقد تتعرّض لانتكاسٍ وإجهاض بسبب متطرفين إسرائيليين أو فلسطينيين. فالخروج من غزة لا يضمن العودة إلى خريطة الطريق ولا إجراء مفاوضاتٍ من أجل سلامٍ دائم. وقد يكون المتشككون مصيبين إذ يزعمون أنّ الانسحاب من القطاع ضربٌ من تكتيك شارونية من أجل الفسح له في احتلال أكبر مساحة من الضفة الغربية، وإقامة مستوطناتٍ جديدة فيها، ومن ثم فرض موقفه الرافض التفاوض مع الفلسطينيين على المطالب الأساسية يضعونها شرطاً للسلام، وفي رأسها القدس، وعودة اللاجئين.‏

هذا ما رآه معلق " لوفيغارو" أيضاً الذي أكّد أن نجاح عملية الانسحاب مرتبط بكيفية سيرها، بل رهن بها. وهنا أيضاً، يُخشى من أعمال تطرف واستفزاز، ولا سيما لدى الجانب الفلسطيني، بدءاً بالإسلاميين الذين قد يحلو لهم التنويه بعملياتهم الانتحارية، وردّ سبب الجلاء لها. فالسلطة الفلسطينية اليوم على المحك، ولا بد لها من ضبط كامل للأوضاع، ولا سيما أنها حصلت على قطعة أرضٍ تشكل نواة الدولة المستقلة. ولا ننس، كما قالت " لوفيغارو"، أنّ ديمومة غزة ومستقبلها مرتبطان اقتصادياً بدولة إسرائيل. فهي التي تفسح أو تضيّق لفتح المطار والمرفأ، فضلاً عن تحكّمها بالممرات والمعابر التي يلجها العمّال وتنقل عبرها البضاعة والسلع. لذلك، فإنّ هذا الانسحاب لا يخلو من صعوبات.‏

فشل العراقيين في إنجاز مشروع دستورٍ جديد ضمن المهلة المحدّدة، فتح الباب أمام غير افتراضٍ لا يدعو إلى مزيد تفاؤل. وخصوصاً في ما يتعلق بانسحابٍ تدريجي للقوات الأميركية الذي يكثر الكلام فيه راهناً. في هذه المسألة نشير إلى مقالةٍ لوزير الخارجية الأميركية السابق هنري كسينجر نشرته " لوفيغارو" .‏

خلاصة المقالة أنّ انسحاباً أميركياً، وإن جزئياً، لا ينفع. ففي العراق، كما قال السيد كسينجر، ليس هناك خط مواجهة. فساحة الوغى ممتدة على كل الأرض، والجنود الأميركيون معرضون لمقاتلين مُتربّصين بهم في مكامن. إذاً كيف يمكن الأميركيين أيّ انسحابٍ بحجة أنّ الأوضاع قد تهدأ وأنّ قوى الأمن العراقية أصبحت قادرة على الاضطلاع بدورها ؟ ثم كيف تعرف أنّ الوضع في تحسن ؟ فهل همود الساحة دليل على هدوءٍ فعلي، أو أنه خطة استراتيجية لعدوٍ يترك موقعاً لينتقل إلى موقعٍ آخر. لذلك، كما كتب كسينجر، الأهم ليس في اللجوء إلى السلاح بل في الدعوة إلى تعاونٍ دولي يُسهم في إرساء دولة القانون في بلاد الرافدين. غير أنّ هذا العلاج الضروري لا ينفي استمرار الوجود العسكري الأميركي، وإن يترافق بشكلٍ أو بآخر بانسحاباتٍ جزئية. فمسألة العراق معضلة حيث الكلمة للإيديولوجيات، والمشكلة أنها قد تصبح المنطلق لإشعال المنطقة بكاملها.‏

المصدر : راديو مونتي كارلو ـ إعداد وتقديم إبراهيم يوسف يزبك.‏

2006-10-30