ارشيف من : 2005-2008

من اوراق الجرائد اللبنانية ..

من اوراق الجرائد اللبنانية ..

صحيفة الديار‏

تحت عنوان : "غرائب الزمن في العلاقة اللبنانية ـ السورية"‏

كتب شارل أيوب‏

غريب هذا الزمن الذي وصلنا إليه، انسحبت سوريا من لبنان فأعتقدنا أن العداء لسوريا سيخف، إنما العداء يزداد، والحملات الإعلامية تزداد.‏

كنا نسـمـع الأصـوات أن المطـلوب تحريـر لبـنان مـن سوريا، فبات الآن المطلوب تحرير سوريا من لبـنان.‏

فيوم كانت الحدود مفتوحة، كانت شكوى المزارعين في لبنان انه بسبب البضائع السورية أصاب الكساد الموسم الزراعي اللبناني، وهبطت الأسعار من جراء تدفق البضائع السورية، وعندما جرى إغلاق الحدود صرخ المزارعون أيضاً بأن الموسم الزراعي في لبنان أصبح بأبخس الأثمان.‏

نستنتج من هذا الكلام أنه كلام سياسي وليس كلاماً علمياً ولا اقتصادياً، وما كان الكلام السياسي هو الذي يوصل الى علاقات جيدة بين دولتين شقيقتين.‏

ثم إن ردة الفعل السورية غير مبررة، فالخطاب السياسي السوري كان دائماً في سوريا الأسد أننا شعب واحد في دولتين، فعلامَ تصطاد البحرية السورية تسعة صيادين لبنانيين أرادوا الاعتياش وابحروا في البحر، فإذا بهم يقعون تحت جرم خرق المياه الإقليمية السورية؟‏

غريب هذا الكلام، ثم أن الصحف السورية تطالب اللبنانيين بالاعتذار، فمن قال إن الشعب اللبناني عدو لسوريا، ومن قال إن المشكلة هي بين شعبين وليست بين سوريا وفئة سياسية هي على خصام مع القرارات السورية؟‏

سوريا حافظ الأسد، وسوريا بشار الأسد لا تنتقم من الشعب اللبناني، والبحرية العسكرية عندها لا توقف صيادين أرادوا العيش من رزق البحر، وسوريا الأسد لا تعاقب السائقين الفقراء والمساكين على شاحنات العذاب من هنا الى الخليج، ولو أن الأمر لأسباب أمنية كما يقولون، فسوريا لديها قدرة على وضع عناصر أمنية كافية لتفتيش الشاحنات وتسريع عبورها.‏

أما الرئىس السنيورة الذاهب الى دمشق فلعله يسأل نفسه، ما هو الملف الذي يحمله كي يبحثه في دمشق وإعلام كتلة المستقبل من تلفزيون وجريدة وإذاعة لم تترك اسم ضابط سوري إلاّ وتنشر بحقه كل الاتهامات؟‏

وماذا سيبحث السنيورة في دمشق ووسائل إعلام كتلة المستقبل تهاجم كل يوم سوريا؟‏

وهل هو يعتبر نفسه مستقلاً عن كتلة المستقبل وإعلام كتلة المستقبل، أم انه جزء من الخط السياسي لكتلة تيار المستقبل؟‏

كيف يمكن ان تقترب العلاقة بين دمشق وبيروت اذا كان السنيورة يريد أفضل العلاقات ونشرات الأخبار وصفحات صحف إعلام المستقبل كلها تهاجم دمشق والنظام السوري؟‏

غريب هذا الزمن، السنيورة يذهب الى دمشق لإنهاء مشكلة العلاقة بين البلدين وتحسينها، فيما إعلام الخط السياسي الذي اختاره لرئاسة الحكـومة يهاجم سـوريا.‏

أما إحدى صحف دمشق، فهي كمن يصب الزيت على النار، فإذا كان الشعب السوري قد أصابته مرارة، والشعب اللبناني قد أصابته مرارة نتيجة أخطاء وقعت من الجانبين، فلا يكون الحل بأن تطلب صحيفة الثورة اعتذاراً من اللبنانيين وإلغاء الاتفاقات المعقودة بين البلدين.‏

لو تغير العالم كله فهنـاك أناس من الشـعب اللبـناني يؤمنون بالعلاقة مع سوريا، ويؤمنون بالتحديد بسياسة سوريا الأسد، ويعتبرونها قلعة العروبة، ويعتبرونها خط الدفاع الأول عن الحقوق العربية.‏

وبيروت غنّت سابقاً لدمشق بصوت السيدة فيروز «شآم أهلك أحبابي»، والأخ الكبير يتسع صدره للأخ الأصغر، فكرامة اللبنانيين والسوريين واحدة، ولا يجب ان نطالب بكرامة على حساب كرامة، فكرامة البلدين واحدة ومصيرهما واحد، والتاريخ والجغرافيا واحد، والأهم ان العدو واحد وهو اسرائيل.‏

غريب هذا الزمن، لم نكن ننتظر ان نسمع ادبيات سياسية في بيروت أو دمشق هي فعلاً بلا أدبيات فكرية.‏

ويبقى مصير لبنان واحداً في وجه العدو الإسرائيلي، وعلى مدى التاريخ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.‏

صحيفة السفير‏

كتب طلال سلمان في زاوية "على الطريق" تحت عنوان:‏

أين عروبة سوريا لا توقف هذا المنطق الانعزالي؟‏

يصعب على محبي سوريا في لبنان والمقدرين لدورها والحريصين على صورتها الأصلية كأخ كبير، أن يلتزموا الصمت وهم يسمعون بعض الناطقين باسم حكومتها أو يقرأون تعليقات بعض الكتاب في صحافتها "الرسمية"، بكل ما فيها من خروج على الثوابت القومية التي تعوّدنا من دمشق الالتزام بها والتضحية من أجلها، والتي كانت تبرر تلك المنزلة الخاصة لسوريا في عيون العرب في مشرقهم ومغربهم.‏

إن هؤلاء الناطقين الحكوميين والكتاب الرسميين يلجأون الى أسوأ أنواع الدفاع في المواجهة مع ما صدر عن أطراف وقوى سياسية لبنانية. إنهم يعتمدون منطقاً مضاداً هو من الطبيعة اللبنانية الكيانية ذاتها. إنهم يتبنون منطقاً قطرياً كيانياً انعزالياً طالما كان غريباً عن دمشق "قلب العروبة النابض"، ومرفوضاً منها وفيها.‏

لكأنما أصابت هؤلاء الناطقين عدوى "اللبننة"، بل حاولوا على طريقة شعراء الزجل أن يزايدوا في الكيانية والانعزالية على المتعيشين من هذا المنطق القطري البائس الذي تعوّدنا منه أن يستقوي على العرب بالغرب، بل وحتى بإسرائيل، لأن الكيانية هي نقيض الوطنية فكيف بالعروبة؟!‏

ومع التفهم للوجع الذي أصاب السوريين عموماً نتيجة ما سمعوه وما لاقوه من اللبنانيين، حين تفجر حزنهم على شهدائهم المقتولين ظلماً، ممن كانوا تحت الحماية السورية، بحكم المسؤولية المباشرة قبل العاطفة، وأكبرهم وأخطرهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإن ردود الفعل في دمشق جاءت مثقلة بالغضب والاستهانة، بينما كان اللبنانيون هم من فقدوا قادة وأعزاء، في ظروف أقل ما يقال فيها إنها ملتبسة وحمالة أوجه... واتهامات.‏

كان الأمل، بل المنطق، يفرض أن يكون اعتراف الرئيس الدكتور بشار الأسد بأن الإدارة السورية قد ارتكبت أخطاء في لبنان، مدخلاً إلى مراجعة شاملة وصريحة لهذه التجربة التي أمل السوريون واللبنانيون أن تكون "النموذج" للارتقاء بالعلاقات بين الدول العربية من المجاملات أو المناكفات أو التواطؤات بين بعضهم ضد البعض الآخر بالنكاية أو لحساب الغير، إلى مستوى يليق بكرامة الشعبين ويوفر المناخ الصحي لتحقيق مصالحهما المشتركة.‏

كان الأمل أن نسمع، بعد ذلك، من قيادة الحزب، ثم من القيادات السياسية والفكرية، كما من الحكومة في دمشق، ما يفيد بأنهم قد شرعوا جميعاً في المراجعة الشاملة لهذه التجربة التي كان يفترض أن تكون "نموذجية"، فانتهت كارثية...‏

وكان الأمل أن يسمع السوريون، قبل اللبنانيين، تحديداً لهذه الأخطاء ومجالاتها، وتحديد المسؤولين عنها، ومحاسبتهم على ما ارتكبوه بحق سوريا ولبنان، وبالتالي على القصور أو التقصير أو التقصد في إفشال ما تمّ التوقيع عليه من اتفاقات، وإخلاء المساحة الفسيحة لعلاقات التكامل لمن لا يفقهون فيها أو ليسوا معنيين بإنجاحها، وتقديم المنطق الأمني والسعي إلى النفوذ والجاه والمنافع على المنطق السياسي وعلى المصلحة المشتركة للبلدين الشقيقين.‏

لقد ارتكبت الإدارة السورية للشأن اللبناني أخطاء فادحة، وطبعاً بالتواطؤ مع مسؤولين لبنانيين ابتدعتهم أو تبنتهم أو أنها اختارتهم على مسؤوليتها وبمعزل عن كفاءتهم أو صدقهم أو إخلاصهم، فضلاً عن مدى إيمانهم بانتمائهم العربي وإخلاصهم لفكرة التكامل والأخوة والتعاون والتنسيق بين "دولتي الشعب الواحد".‏

ومن أسف، فإن ردود الفعل الغاضبة تقفز من فوق هذه الوقائع‏

المؤلمة وتتصدى فقط للرد على من ينتقد تلك الإدارة السورية، وقد يشتط فيصيب السوريين جميعاً، قيادة وشعباً وجيشاً... ولكن هذا الشطط يجب ألا يسقط أساس الموضوع، خصوصاً أن الكارثة قد أصابت سوريا والسوريين بقدر ما أصابت لبنان واللبنانيين.‏

إن بين ما نقرأه أو نسمعه صادراً عن "رسميين" سوريين يشكل نموذجاً فاقعاً لفقدان التوازن، وأحياناً لفقدان الذاكرة، والضياع والارتباك، وكل ذلك يؤدي إلى تجاهل أساس الموضوع والرد على ظواهره، فيبقى الخطأ بلا حساب، ويغرق الجميع في مهاترات لا تفعل إلا زيادة الوجع وتعميق الهوة بين الشعبين الشقيقين.‏

إن هذه الحملة (المتأخرة) والتي غالباً ما تستخدم منطقاً كيانياً مرذولاً، تسيء إلى كرامة الموقف السوري أكثر مما تسيء إلى اللبنانيين..‏

فالأخوة لا تستحيل عداوة لمجرد فشل الإدارة السياسية في تظهير الصورة المرجوة للعلاقات بين الأشقاء.. والكلام الجارح لا يغطي الأخطاء بل يجسمها ويضخمها بما يجعل من الصعب معالجتها، ناهيك بمحاسبة المسؤولين عن ارتكابها.‏

إن الأخوة لا تستقيم بالتمنين، أو "بتقريش" الخدمات التي قدمها كل أخ إلى أخيه...‏

وعلى الأخوة السوريين أن يستنقذوا ما أصاب العلاقات بين البلدين المتكاملين، بالجغرافيا والتاريخ والمصالح والعواطف، بالعودة إلى العقل وإلى المراجعة والاعتراف بالأخطاء التي تستولد أخطاء مقابلة، وبالتوكيد على أنهم بحكم كونهم الأخ الأكبر، وبحكم أنهم قد تحملوا المسؤولية لعقود هم المسؤولون ليس فقط عما كان، وعن إصلاحه، بل عن استنقاذ المستقبل من خطر الضياع في غياهب الكيانية ومصالح الذين استفادوا من "الهيمنة" على حساب الأخوة، والذين يريدون الآن الاستفادة من "الانفصال" تحت ذريعة الدفاع عن كرامة سوريا.‏

وكرامة سوريا في عروبتها لا في انعزاليتها.‏

صحيفة النهار‏

تحت عنوان "البيان يرجىء المشكلة ولا يحلها"، كتب سركيس نعوم‏

رفض "حزب الله" القرار الدولي 1559 لدى صدوره في ايلول الماضي. ولم يغير موقفه السلبي هذا منه طوال الاشهر الماضية، اذ لم يفوت نوابه وقادته اي مناسبة لإعلان هذا الموقف ولإرفاقه بتحذير من عواقب الاعتراف به وقبوله والسعي الى تنفيذ ما لم يستكمل منه، ولا سيما نزع سلاح "الميليشيات" اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان. وعندما الف رئيس الوزراء فؤاد السنيورة حكومته الاسبوع الماضي صعّد الحزب لهجته في محاولة واضحة منه "لإقناع" الحكومة الجديدة التي اشترك فيها للمرة الاولى منذ تأسيسه بعدم تبني البيان الوزاري القرار المذكور وعدم الاشارة اليه فيه. وظهر ذلك في وضوح من خلال لفت احد قيادييه الاسبوع الماضي "المعنيين" الى ان "المرونة" حيال القرار مرفوضة. كما ظهر في اعلانه قبل يومين "ان قبول مضمون القرار سيؤدي الى ضرب الاستقرار في البلاد والى مواجهة داخلية نحسب حسابها من دون تهويل او تحد او مكابرة".‏

واصر المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة على القرار اياه ولم يوفر فرصة للدعوة الى تنفيذه منذ اقره مجلس الامن قبل اشهر وكان آخرها اثناء زيارة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لبيروت الاسبوع الماضي. هذان الرفض من جهة "حزب الله" وآخرين والاصرار من جهة المجتمع الدولي وافرقاء لبنانيين اقلقا اللبنانيين وجعلاهم يخشون ان يؤثرا سلبا على التضامن الوزاري في الحكومة الوليدة او بالاحرى ان يعطلا الحكومة وهي لم تضع بيانها الوزاري بعد ولم تنل ثقة مجلس النواب على اساسه. ومبرر القلق والخشية واضح وهو وقوع البلاد في ازمة حكومية بل في ازمة وطنية لا يعرف احد كيف تنتهي.‏

الا أن اتفاق اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان الوزاري عليه مساء الاحد الماضي بدد القلق والخشية على الاقل الآن، وربما في المستقبل القريب. اذ خلت مسودة هذا البيان من اي ذكر للقرار 1559 وتضمنت في الوقت نفسه احترام لبنان القرارات الدولية والتزامه تنفيذها. وموقف كهذا لا يزعج المعترضين عليه لان في ادراج الامم المتحدة ومجلس امنها قرارات كثيرة غير مطبقة تراعي مطالب عدة لهم او مواقف في شكل او في آخر. وهذا يعني في اختصار ان المشكلة التي يثيرها القرار الدولي لا تزال موجودة. وان كل ما فعلته اللجنة الوزارية عندما اغفلت ذكره في البيان الوزاري وكررت التزام لبنان القرارات الدولية، انما هو من قبيل ارجاء المشكلة تلافيا لتفجير الحكومة ونشوب ازمة كبيرة، وحرصا على محاولة اعادة بناء البلاد بل اعادة تأسيسها في المرحلة الجديدة التي اعقبت انسحاب سوريا عسكريا وامنيا منه في 26 نيسان الماضي. ويعرف الجميع كمية المشكلات التي يفترض في الحكومة الجديدة محاولة معالجتها وحجمها.‏

لماذا اصر "حزب الله" على رفض القرار 1559 وخصوصا الذي منه يتعلق "بنزع" سلاح المقاومة؟‏

الاسباب المعلنة لذلك على لسان قيادييه معروفة وواضحة. لكن هناك اسبابا اخرى جوهرية لا بد من اخذها في الاعتبار في الحديث عن هذا الموضوع. منها ما قاله مرة احد هؤلاء القياديين من ان سلاح "حزبه" موجه ضد التوطين. وليس المقصود بذلك الحؤول دون التوطين في صورة عامة كحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، لان امرا كهذا لا يتوقف على الحزب ومقاومته رغم بسالتهما وانجازاتهما، ولان النجاح فيه يقتضي مناخا عربيا عاما ودوليا غير متوافر حاليا. بل قد يكون المقصود به الحؤول دون فرض توطين فلسطينيي لبنان فيه لما يلحقه ذلك من خلل بالتركيبة اللبنانية الطائفية والمذهبية ووضع المجتمع الدولي امام امر من اثنين اما ايجاد حل لهؤلاء خارج لبنان، وإما مواجهة مبادرة الحزب وآخرين الى منع التوطين بالقوة او بالاحرى الى ضرب مفاعيله الداخلية حفاظا على التوازنات القائمة. ومن الاسباب ايضا العلاقة الخاصة التي تربط "حزب الله" بكل من سوريا والجمهورية الاسلامية الايرانية اللتين كان لهما دور مهم في تمكين هذا الحزب اللبناني من تحقيق انجاز وطني بل قومي لم يحققه احد من العرب في السابق، الا وهو تحرير اراض من احتلال اسرائيل لها بالقوة ومن دون تقديم تنازلات. وهاتان الدولتان تخوضان صراعا مكشوفا مع المجتمع الدولي، وخصوصا زعيمته اميركا. وهذا الصراع قد ينفتح على حوار فتسوية او على مزيد من التصعيد. وليس "لائقا" ان يرتد الحزب عليهما او على احداهما في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة من تاريخ كل منهما. كما ان امرا من هذا النوع قد يكون متعذرا لاعتبارات متنوعة. ومن الاسباب اخيراً الرهان على الوقت او محاولة كسب الوقت، ذلك ان "رائدة" التغيير في الشرق الاوسط اي الولايات المتحدة لا تزال وسط معمعة التغيير. وهناك من يعتقد انها متعثرة حاليا، وانها ستفشل مستقبلا. وهناك من يعتقد ان لا عودة الى الوراء، رغم كل الصعوبات والعقبات المعروفة، وطبيعي ان يتمنى "حزب الله" فشل اميركا او تعثرها.‏

هل "تزعل" اميركا من الحكومة في لبنان لتجاهلها القرار 1559؟‏

لم تذهب "كوندي" ، كما يسميها اصدقاؤها ، "زعلانة" من لبنان كما يعتقد البعض لتيقنها بعد محادثاتها مع اركان الدولة ان القرار لن يذكر في البيان الوزاري، رغم الحرص على ابداء الاحترام للقرارات الدولية والتزام تنفيذها، لكنها كانت تفضل طبعا موقفا لبنانيا ايجابيا واضحا منه مع انطلاق الحكومة الجديدة الى العمل. ومرد عدم "زعلها" الى جملة امور. منها حرص ادارتها على انطلاق مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان وما بعد "ازالة" النظام الامني المشترك اللبناني-السوري رغم بقاء بعض آثاره بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، وعدم وضع العراقيل امامها. والاصرار على تبني الـ1559 من شأنه تفجير البلاد. وذلك مؤذ له وللمشروع الاقليمي لاميركا في هذه المنطقة من العالم، ومن شأنه ايضا فرط الغالبية الاساسية التي كانت وراء "التغيير"، وخصوصا في ظل اتخاذ زعيم "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط موقفا سلبيا من القرار المذكور واصطفافه الى جانب "حزب الله". ومن الامور ايضا ادراك الادارة الاميركية ان الطائفة الشيعية عامل استقرار في لبنان المستقل. وقد تصبح عامل تفجير له ومعرفتها حجم الحزب داخلها وابعاد تحالفه مع شقيقته اللدود حركة "امل". ومن الامور اخيرا عدم استبعاد الادارة الاميركية الحوار مع "حزب الله" في مرحلة معينة مستقبلا، رغم العداء الحالي والمرارات. وما حصل بين واشنطن ومنظمة التحرير الفلسطينية من حوار بعد طول رفض اميركي لذلك يقوي هذا الاحتمال، لكن ظروفه لم تتهيأ بعد حتى الآن على الاقل.‏

صحيفة الشرق‏

تحت عنوان "عون .. ومعارضة للاستهلاك الشعبي"‏

كتب عوني الكعكي‏

... نفهم ونؤمن بأن الديموقراطية قائمة من خلال معادلة «المعارضة والموالاة»، وأكثرية وأقلية برلمانية، وهذه مسألة حتمية في أي نظام ديموقراطي.‏

... شارل ديغول (الرئيس الفرنسي التاريخي) كان يحرص دائماً على السؤال عن خطط المعارضة وبرامجها، والرئيس جورج بومبيدو (الديغولي العريق)، كان يبدي قلقاً عندما لا يعلن الحزب الاشتراكي المعارض مواقف تنتقد هذا القرار أو ذاك، ويبدأ ـ كما قال هو نفسه ـ بالبحث عن مكامن المشكلة في انكفاء المعارضة عن إعلان طروحاتها.‏

... كل ذلك يعني ان أي نظام ديموقراطي لا يتحمل الأحادية لأنها النقيض للفعل الديموقراطي .‏

... في لبنان حال مميزة، إذ لا ديموقراطية قائمة على الأكثرية بالنظر إلى التعددية الطائفية والمذهبية، ما دفع اللبنانيين إلى اعتماد الديموقراطية التوافقية، التي حققت ـ إلى حد ما ـ بعضاً من الاستقرار السياسي، ولكنها حملت شوائب خروجها عن نص المعادلة الأساسية التي تقول بحكم الأكثرية.‏

... من هذا الواقع، جرت محاولات حثيثة لضم كتلة ميشال عون إلى الحكومة، ولكن الشروط التعجيزية التي وضعها الجنرال حددت الخيارات، ولم يشارك عون في التركيبة، فتحول وكتلته إلى المعارضة، وهذه عملية صحيحة على كل حال، لأن الشكل الصحيح يتجسد في وجود حكومة، ومعارضة لها في وقت واحد.‏

... ولكن مع ذلك، فان ميشال عون لم يستوعب على ما يبدو دوره كمعارضة موضوعية بناءة، كان من المفترض ان تكون خارج الشخصانية، وهي مجرد اختلاف في البرامج والرؤى، وليست أيضاً خصومة، وهذا بارز بطريقة فجة من خلال قيام عون بتوجيه النقد اللاذع للبيان الوزاري قبل أن يصدر، وقبل أن يُتلى أمام مجلس النواب، ما أوجد إشكالية كبيرة خارجة عن الأطر الحقيقية للمعارضة السياسية.‏

... ربما أراد ميشال عون أن تُعلن الحكومة في بيانها تأييدها المطلق ـــ ومن دون أي حساب ـــ للقرار الرقم 1559، من دون أن يأخذ في الاعتبار أن في ذلك ما يجرّ البلاد إلى مشكلة حقيقية، وإلى حال انقسام حاد بين اللبنانيين ستؤدي حتماً إلى توترات، لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى كيف ستنتهي.‏

... هذه المسألة حساسة، والتعامل معها لا يمكن أن يكون إلا بالحكمة والعقلانية، وإذا كان المجتمع الدولي قد تفهّم أن التعامل مع هذا القرار صعب في المرحلة الحالية، وأبدى تأييده للحكومة اللبنانية لاعتمادها الحوار بين اللبنانيين للوصول الى نقطة تفاهم، فكيف يحق لميشال عون أن يفرض على اللبنانيين ما هو ليس في مصلحتهم، ولا يخدم وفاقهم الوطني على الاطلاق؟ خصوصاً أن بنود هذا القرار غير قابلة للتطبيق في هذه المرحلة، وهو مشروع فتنة في مطلق الأحوال.‏

... قطعاً، يجد ميشال عون المعارضة أسهل، لأنها لا تحمل أي تعقيدات، وباعتبارها تخلّص من المسؤولية، وهي مغرية للناس، وأسلوب شيق للاستهلاك الشعبي، فهو يستطيع التنصل من أي مسؤولية، بل انه أمام فرصة ذهبية كي يبرر أمام جماعته انه غير قادر على تقديم خدمات إليهم لأنه في المعارضة، وليس في الحكومة.‏

... هذا ليس تسطيحاً للأمور، بل هو الواقع الذي ـ بكل أسف ـ أصبح سمة من سمات السياسة اللبنانية، وميشال عون ليس خارج هذا الاطار على الاطلاق.‏

... وإذا كان الأمر على غير هذه الصورة ـ وهذا افتراض جدلي ـ فلا أحد في هذا الوطن إلا مع الإصلاح والبرامج للوصول إلى هذا الهدف، وإذا بسطنا المسألة وأخذنا مثلاً «كهرباء لبنان» التي تعاني من الارتفاع العالمي لأسعار المحروقات، ولا تستطيع في مقابل ذلك رفع الأسعار، وتبقى المشكلة تراوح مكانها، فقد نلجأ من خلال البرنامج الاصلاحي إلى تحسين الجباية ووقف الهدر، ولكن ذلك لا يحل المشكلة، ولا يقتلعها من جذورها.‏

... ما نعنيه هنا ان البلاد تمر بمرحلة غير عادية، والمشاكل معقدة للغاية، ولا يمكن تجزئة الحلول، بل ان الحل لا بد وأن يكون شاملاً لنصل إلى اقتلاع أسس المشاكل، إذ بدلاً من توجيه الانتقادات إلى بيان وزاري قبل أن يصدر، كان على ميشال عون أن يطرح برنامجه من خلال الحكومة، ويفتح حواراً واسعاً للإصلاح الشامل، فالمسألة لا تقتصر على الهدر وخلافه، بل هي مشكلة تداعيات في المجالات كافة.‏

صحيفة صدى البلد‏

تحت عنوان: "في مجلس النواب الجديدى الملفات والقضايا التي ستطرح هي التي تحدد تحالفات الكتل"‏

كتب حسين قطيش‏

في مجلس النواب الجديد لا توجد أكثرية نيابية لأي كتلة أو فريق، بل هناك مجموعة كتل لعل أكبرها كتلة تيار الحريري التي تضم 36 نائباً، أما الكتل الباقية فكلها تقريباً يتراوح عدد أعضائها ما بين 5 و20 نائباً.‏

ما قيل ويقال عن أن "لقاء البريستول" فاز بكتلة تضم 72 نائباً هو قول صحيح وغير صحيح في وقت واحد.‏

صحيح لأن كتل هذا "اللقاء" التي هي: تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وتكتل أحزاب قرنة شهوان، تحالفت وخاضت الانتخابات النيابية معاً وأسفر هذا التحالف عن 72 نائباً، ولكن هؤلاء النواب ينتمون الى ثلاث تيارات هي في الوقت الحاضر متقاربة وملتقية ولكن تباعدها يمكن أن يحصل في أي وقت على أي موضوع أو مشروع أو قضية.‏

وغير صحيح لأن الأحزاب أو الكتل الثلاث المذكورة تحالفت أيضاً مع حزب الله ومع حركة أمل. وان يكن هذا "التحالف" ليس بالقوة والعمق الذي كان عليه تحالف أحزاب "لقاء البريستول"، الا أنه لو لم يحصل لكان عدد تحالف لقاء البريستول يضم أقل من العدد الذي هو عليه الآن بعشرة نواب ليصبح بذلك أقلية!‏

وفي الوقت الذي تحالف فيه حزب الله وأمل مع احزاب لقاء البريستول كان الحزب والحركة يتحالفان في الوقت ذاته مع الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث السوري أيضاً، وهذا يعني ان التحالفات الانتخابية التي حصلت لم تكن أبداً تحالفات عقائدية أو سياسية بل كانت تحالفات انتخابية موقتة فقط لا غير، وهو ما يمكن انسحابه على تحالف التيار العوني مع ميشال المر وحزب الطاشناق في المتن ومع ايلي سكاف في زحلة أيضاً.‏

وما ينفي وجود أكثرية نيابية في مجلس النواب الجديد ويؤكد وجود كتل نيابية عدة هو أن هذه الكتل يمكن أن تلتقي أو يلتقي بعضها في مواجهة البعض الآخر في أي وقت، وهو ما حصل في الاستشارات التي أجراها رئيس الجمهورية أخيراً لتحديد هوية واسم رئيس الحكومة الجديد حيث أعلنت كل كتل المجلس ترشيح فؤاد السنيورة باستثناء نائبين فقط هما حسين الحسيني وأسامة سعد.‏

ومع هذه الظاهرة الاجماعية في التكليف حصلت ظاهرة أخرى في التأليف عندما شكل السنيورة حكومته من كل كتل مجلس النواب باستثناء كتلة العماد عون وحلفائها (زحلة والطاشناق)، وقد أعلن الرئيس السنيورة أن حكومته ستحظى بثقة لا تقل عن 105 نواب ما يعني أن معظم كتل هذا المجلس أصبحت موالية الآن الى أن يطرأ ما يجعل بعضها معارضاً.‏

ولكن الموالاة والمعارضة لا يمكن احتسابها أو حصرها في نطاق التصويت على الثقة وحسب، بل ان الكتل النيابية ستكون جاهزة لتقول نعم أو لا في أي قضية أو مشروع يلتقي أو يتعارض مع توجهاتها. وبالأمس القريب حصل "فراق" في التصويت بين كتلتين يعتقد كثيرون أنهما على طريق الانصهار في كتلة واحدة، وهما كتلة حزب الله التي امتنعت عن التصويت على مشروع العفو عن سمير جعجع والكتلة الحليفة التي هي كتلة حركة أمل ورئيسها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذين كانوا من أبرز الحاضنين لمشروع العفو والعاملين له.‏

وما حصل بين كتلة حزب الله وكتلة حركة أمل حول العفو عن جعجع يمكن أن يحصل غداً وعلى مواضيع أخرى هامة وما أكثرها، بين تيار المستقبل والكتلة الجنبلاطية، أو بين كتلتي الحريري وجنبلاط من جهة وبين "تكتل" أحزاب قرنة شهوان من جهة ثانية حيث يمكن أن يلتقي نواب ووزراء أحزاب القرنة مع مواقف ومشاريع قد تصدر عن الكتلة العونية.‏

وفي حال لم يتراجع أو يتقاعس العماد ميشال عون عن دعوته لفتح ملفات الفضائح وملاحقة المسؤولين الذين أرهقوا الدولة بدين عام بدأ يزيد على 40 مليار دولار أميركي، فان أكثر من نائب وكتلة لا يمكنهم الا مجاراته في هذه الحملة لأنها ستطال أكثر من مسؤول في النيابة وفي الوزارة، وهذا ما قد يتسبب بخلخلة بعض الكتل من الداخل!ان الملفات التي ستكون مطروحة بعد الثقة مباشرة هي ملفات كبيرة وضخمة لن يكون المجلس حيالها موحداً ولا الحكومة أيضاً، لأن من بينها ملف اغتيال الحريري وملف العلاقات المعقدة مع سورية وملف سلاح المقاومة والقرار 1559 وغيرها.وأما ملفات "الفضائح" فيمكنها أن تبدأ من الكهرباء لتصل فوراً الى أكثر من مسؤول حالي وسابق ولتنفجر في بيوت وجيوب هؤلاء المسؤولين... أو في مجلس الوزراء ومجلس النواب!!!‏

صحيفة الانوار‏

تحت عنوان: "نجاح في (الخطي) والإمتحان في (العملي)‏

كتب رؤوف شحوري‏

لم تتعرض الحكومة اللبنانية بعد الى امتحان حقيقي تنجح فيه بقوتها الذاتية. وتجاوز اللجنة الوزارية لـ(قطوع) صياغة البيان الوزاري هو نوع من النجاح الذي لا يكتمل الا بتجاوز المرحلة التي تليه... أي انه نجاح في (الخطي) لا يكتمل الا بعد النجاح في الاختبار (العملي). والتوافق على الصياغة الانشائية ليس انجازاً خارقاً في حد ذاته لأن التحدي الحقيقي يبقى في ترجمة تلك الصياغة الى واقع ملموس وايجاد آليات تطبيقها.‏

ما يسهل عمل الحكومة حتى الآن، اذا شئنا التصارح وعدم مخادعة أنفسنا، ليس ناتجاً عن قدرة الاطراف المكونة لها على التفاهم وابتكار الحلول والتوافق عليها، وانما هو المرونة غير العادية التي يبديها الطرف الدولي في شأن القضايا الخلافية بين اللبنانيين، وفي مقدمتها المواقف المتضاربة من القرار 1559 وبخاصة البند المتعلق بنزع ما يسمى بـ(سلاح الميليشيات). ولو كانت الولايات المتحدة متشددة في طلب تنفيذ هذا القرار على الفور، مع اشتراط صيغة صريحة في هذا الاتجاه، لكن اليوم نعيش أزمة صياغة بيان وزاري أشد تعقيداً من أزمة تشكيل الحكومة.‏

* * *‏

آخر ما يريده الاميركيون اليوم هو رؤية لبنان يغرق في فوضى لا تخدم مصالحهم في المنطقة. وقرارهم باعطاء فترة سماح للبنان تتيح له تشكيل حكومة وتضمن مرحلة اقلاعها بسلام، يعود الى رغبتهم في الانصراف الى مواجهة الاستحقاقات الطارئة في فلسطين والمتعلقة بالانسحاب الاسرائيلي من غزه. وكذلك تركيز الجهود على مواجهة التدهور المتمادي في العراق، والعمل على تجاوز مطبات الاستحقاق الدستوري المحدد بأجل.‏

والليونة التي ميزت الموقف الاميركي حيال لبنان غير عادية في ثلاث محطات حيوية. أولها، هو التنازل عن التطبيق الفوري للقرار الدولي 1559 وقبول الصيغة الأوروبية الداعية الى اعتبار سلاح (حزب الله) قضية لبنانية داخلية يتوجب حلها بحوار لبناني سياسي داخلي. وثانيها، هو التسليم بتوزير عضو صريح في (حزب الله) في الحكومة الجديدة والتغاضي عن ذلك، والاكتفاء بالإعلان عن عدم التعامل مع هذا الوزير حصراً مع ابداء الإستعداد الكامل للتعاون مع الحكومة ومساعدتها في برامجها الاصلاحية. وقد تعامل (حزب الله) بمرونة أيضاً مع هذا الاستحقاق فكان له وزيران في هذه الحكومة: احدهما (مقاتل) والثاني (مفاوض). وثالثها وآخرها هو رفع الحظر والمقاطعة عن رئيس الجمهورية بعد التجاهل وغض النظر طويلاً عن حملات غايتها انهاء ولايته.‏

* * *‏

الا ان فترة السماح الاميركية للبنان ليست مفتوحة او غير محددة بأجل. ولا يوجد في الأفق ما يشير الى موعد انتهاء فترة السماح هذه. ولعل المراجع الاميركية آثرت ترك هذا الاحتمال مفتوحاً تجنباً لارتباطها بمواعيد محددة مسبقاً، وربما رغبة في أخذ فسحة من الوقت لمراقبة عمل الحكومة وكيفية مواجهتها للاستحقاقات الداهمة. وترجح مصادر مراقبة ومطلعة ان موقف التريث الاميركي قد يمتد الى اواسط ايلول/سبتمبر المقبل، وهو الموعد الذي يفترض ان يصدر فيه تقرير لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد ان تكون مضت ثلاثة اشهر على بدء عملها.‏

وهذه فترة قصيرة جداً لا تتجاوز شهراً ونصف الشهر بعد ايام معدودة، وعلى الحكومة ان تستثمر كل دقيقة منها لانجاز الاستحقاقات العاجلة، وفي مقدمتها التوصل الى وضع قواعد جديدة في العلاقات بين لبنان وسوريا، تعيد احياء الثقة بين البلدين، وتؤدي الى تنقية الاجواء بينهما بما يقطع الطريق على عودة اجواء الازمة والسلبية في التعامل من الطرفين. ويبدو هذا الهدف ملحاً لتحييد سوريا حيال أية تطورات سلبية داخلية قد تنتج عن اعلان نتائج التحقيق باغتيال الرئيس الشهيد الحريري...‏

صحيفة الانوار‏

تحت عنوان:" إرضاء الجميع اليوموإغضاب كثيرين غداً ?"‏

كتب رفيق خوري‏

كان جورج مارشال يقول إنه (عندما نحدد الهدف، فإن ملازماً يستطيع كتابة الاستراتيجية). وهذا ما اختبره في الحرب كجنرال وفي السلم كوزير للخارجية الأميركية ارتبط بإسمه مشروع نهوض أوروبا اقتصادياً بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث صار عنوان المساعدات المطلوبة لأي بلد أو قارة هو (مشروع مارشال). وهذا ما رأينا عكسه في كتابة البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة على أيدي نخبة من الوزراء بينهم حملة أقلام وكلهم من أصحاب التجارب سواء في السلطة أو خارجها. فلو كان الهدف محدداً لما احتاج الأمر الى كل هذه الجلسات والبحث عن تسويات لفظية. ولو كان الموقف من تطبيق القرار 1559 سهلاً بالرفض أو القبول لما انتهت رياضة الدوران من حوله بتجاهل ذكره كمخرج من المأزق.‏

وليس ذلك مخرجاً بمقدار ما هو شراء وقت على أمل التوصل الى مخرج وسط خطر الغرق أكثر فأكثر في المأزق. ولا يبدل في الأمر القول إن التوازنات الداخلية فرضت هذه الصياغة أو الايحاء أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تفهمت الحاجة الى الصيغة الملتبسة. فالمشكلة باقية. والتحديات المرتبطة بها أكبر من ترك حلها للزمن.‏

ذلك أن ماركة (صُنع في لبنان) التي ألصقت بالحكومة والبيان الوزاري ترتب مسؤوليات كبيرة أمام اللبنانيين والعالم. فلا الدعم الأميركي الرسمي والشعبي للبنان (الجديد)، عبر زيارة الوزيرة رايس ثم وفد الكونغرس قليل الثمن. ولا الأزمة مع سوريا قليلة الكلفة، بصرف النظر عن الزيت على النار الذي صبته زيارة رايس وعن تأثير الأزمة على موقفها. والكل يدرك، عشية الزيارة المفترضة للرئيس السنيورة الى دمشق، أن لبنان الذي تأتيه (الرسائل) مطلوب منه أن يكون صاحب (رسالة). أما (الرسائل)، فإنها إقليمية ودولية متناقضة. بحيث يبدو الأخذ بواحدة مشكلة مع أخرى. وأما (الرسالة) المطلوبة منه وله، فهي أن يتصرف كبلد مستقل حر سيد، في حين أن المطلب في حد ذاته يحمل نوعاً من (التدخل).‏

أكثر من ذلك، فإن برنامج الاصلاح الذي يحلم به اللبنانيون وتتحدث عنه الحكومة ويلحّ عليه المجتمع الدولي يواجه مصاعب كثيرة. فالمجتمع الدولي المصرّ على التطبيق الكامل للقرار 1559 يربط المساعدات بنوع البرنامج ونوعية المسؤولين الذين ينفذونه والقدرة على تطبيق القرار بشكل أو بآخر. والتباين في المواقع داخل مجلس الوزراء، وإن كثر الحديث عن وحدة الموقف وتجاهل البعض تعقيدات الوضع الداخلي وتبلور (الأحادية) في قلب الطوائف، ليس من النوع الذي يجعل الاصلاح سهلاً والحوار حول تطبيق القرار الدولي نزهة. وإعادة ترتيب العلاقات اللبنانية - السورية مسألة ملحّة جداً، لكنها بالغة الدقة والحساسية وتحتاج الى مناخ يختلف عن المناخ السائد حالياً وحتى الى أمور تتجاوز العلاقات الثنائية الى مجمل الصراع الاستراتيجي في المنطقة.‏

ومن هنا تعدد القراءات في (رسالة) رايس. فمن يريد الحفاظ على الوضع الراهن يقول: لسنا معنيين بما تقوله وتفعله أميركا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، ويضع الأزمة مع العالم في خانة الخيار الأقل خطورة من خيار الأزمة الداخلية. ومَن يريد التغيير الكامل يراهن على تصاعد الدعم الدولي ويستهين بالمصاعب الداخلية والمتاعب الإقليمية. ومَن يبحث عن تسوية ما يتصور أنه اشترى وقتاً للحوار.‏

وأكبر وهم هو الرهان على صيغة ترضي الجميع اليوم، ولا أحد يعرف عدد الذين تغضبهم غداً.‏

صحيفة اللواء‏

تحت عنوان:"أولويات و··تحديات أمام "الحكومة الوردية"!‏

كتب صلاح سلام‏

لا يسع اللبنانيون إلاّ أن ينظروا بعين التفاؤل إلى انطلاقة الحكومة الجديدة، عشية مثولها غداً أمام مجلس النواب لنيل الثقة، رغم حجم التحديات التي تواجهها، ورغم جسامة المهمات الملقاة على عاتق رئيسها·‏

وتتزاحم التحديات الكبيرة والمهمات الصعبة في أجندة رئيس الحكومة الذي يحاول اختصار المسافات، وإحراق المراحل لمعالجة أكبر قدر ممكن من الملفات الشائكة والمعقّدة بدءاً من أزمة الحدود وإعادة بناء العلاقة مع سوريا، إلى تبعات زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وما أصرّت عليه من متوجبات على الدولة اللبنانية لتنفيذ ما تبقى من القرار 1559، إلى إطلاق الثقة بالوضع اللبناني عبر ترسيخ الأمن والاستقرار في البلاد!‏

ويشعر المحيطون برئيس الحكومة وكأن الرجل في سباق مع الزمن، يسعى إلى تسريع آلية العمل والانجاز، وكأن عمر الحكومة سيكون بعمر الورود، بحيث قد يشكّل تقرير لجنة التحقيق بعد شهرين ونيّف إيذاناً لاستقالة الحكومة الانتقالية الحالية، لتُفسح المجال أمام حكومة جديدة تتصدى للمرحلة التأسيسية المقبلة بورشة عمل جدّية تُشارك فيها الأطراف السياسية الفاعلة·‏

ويُدرك اللبنانيون أن عمليات نزع الألغام التي ستقوم بها الحكومة السنيورية، خاصة عل طريق بيروت - دمشق، هي من الدقة والتعقيد ما يستوجب العمل بكثير من الحكمة والتعقّل، والتأني والتبصّر، حتى لا ينفجر أي لغم فجأة وبطريق الخطأ، فينسف المساعي والنيّات، قبل أن يصل أصحابها إلى الهدف المنشود!‏

لذلك ينتظر اللبنانيون، بكثير من الحذر والقلق، نتائج الزيارة التي يستعجل رئيس الحكومة القيام بها إلى دمشق، فور نيل حكومته الثقة، لمعرفة اتجاهات الرياح التي ستحكم "العلاقات الأخوية والمتينة" كما وصفها رئيس الحكومة السورية نفسه، نحو الانفراج أو الانهيار، لا سمح الله، بغضّ النظر عن واقع أزمة الحدود الحالية·‏

ولا بدّ من الاعتراف بأن الأزمة الراهنة على الحدود، على بشاعتها، ورغم كل تداعياتها السيّئة على الشعبين اللبناني والسوري، لا تشكّل سوى نقطة من ملف الأزمة المستحكمة حالياً بين بيروت ودمشق· ولعلّ أزمة الحدود يمكن تجاوزها، في حال استمرار تعثّرها لسبب أو لآخر، باعتماد خطوط شحن بحرية وجوّية مدعومة لبنانياً وعربياً، وحتى دولياً، لحلّ مشكلة الصادرات اللبنانية إلى الدول العربية، ولإنقاذ حركة الترانزيت عبر المرافئ اللبنانية·‏

أما التحدّي الأكبر الذي يواجه القيادتين اللبنانية والسورية على السواء، فهو التوصّل إلى صياغة جديدة لعلاقات صحيّة وصحيحة تترجم واقعياً وعملياً طموحات وآمال الشعبين اللبناني والسوري في تحقيق التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي، بما يعزّز الروابط العائلية والاجتماعية، ويحفظ المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين·‏

ولا بدّ للجانبين اللبناني والسوري أن يُدركا جيداً هذه المرة، أن الشعارات وحدها لا تكفي، وأن الكلمات المنمّقة لا تُجدي، وأن المجاملات الدبلوماسية لا تفي بما هو مطلوب من مصارحة حقيقية وصادقة حتى العظم، لطرح كل الاشكالات على طاولة البحث بشكل واضح، لا لبس فيه ولا غموض، وصولاً، ليس فقط إلى تنقية العلاقات الأخوية ممّا تعانيه حالياً من شوائب ومشاكل، بل بهدف وضع أسس متينة لعلاقات أخوّة وتعاون وتنسيق، لا غنى للطرفين عنها، وتصبّ في مصلحة الشقيقين التوأمين، بعيداً عن كل ادّعاءات التميّز والتمايز لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، التي سادت في مراحل سابقة·‏

في هذا الإطار بالذات، يمكن العودة إلى الاتفاقيات الثنائية المعقودة بين البلدين على مدى عقد ونيّف من الزمن، والاستفادة من تجارب تطبيقاتها المتعثّرة سابقاً، بحيث يتمّ تعديل مايحتاج إلى تعديل من تلك الاتفاقيات، ويُصار إلى غربلة الباقي منها: المفيد للطرفين يبقى، وما ليس مفيداً يُلغى··!‏

والمصارحة الحقيقية بين القيادتين اللبنانية والسورية تقضي بأن يحتلّ الملف الأمني الحيّز الذي يستحقه من الاهتمام والبحث والتمحيص· الأمن هاجس مشترك لبيروت ولدمشق في آن واحد· الأولى ما زالت أسيرة مسلسل التفجير والاغتيالات منذ العملية الاجرامية التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الأبرار، وما سبقها من محاولة اغتيال الشهيد الحيّ مروان حمادة، وصولاً إلى نجاة صديقه الوزير الياس المر، والثانية توجس قلقاً من تحركات للمعارضة السورية في بعض المناطق اللبنانية، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة السورية دور الساحة اللبنانية في الستينيات ومطالع السبعينيات في توفير الحركة لمعارضي النظام في دمشق·‏

ولعلّ السلطات السورية اتخذت من هذه التحركات الأخيرة ذريعة لإغلاق الحدود كإجراء وقائي، وخاصة أن خطوة الإغلاق تواكبت مع الاعلان عن العثور على متفجرات في إحدى شاحنات الفواكه والخضار··!‏

إذاً، القضية الأمنية، هاجس مشترك بين الطرفين، لا بدّ من إعطائه ما يستحق من البحث والاهتمام، وصولاً إلى توفير المناخات المتبادلة لتوفير الثقة الضرورية للتعاون بين الطرفين اللبناني والسوري، بعيداً عن كل إشكالات وأخطاء المراحل السابقة التي يتحمّل مسؤوليتها الجانبان أيضاً·‏

أما التصريحات غير المسؤولة التي تصدر من هنا وهناك، فيُستحسن العمل على تخفيفها ثم وقفها نهائياً، لأنها تضرّ الطرفين معاً أكثر مما تنفع أصحابها من اللبنانيين والسوريين على السواء·‏

لأن الأزمة الراهنة بين الشقيقين التوأمين تُعالج بالحوار والانفتاح والتعاون، وليس بتبادل القصف الكلامي، وبالتصعيد والقطيعة وتوجيه الاتهامات·‏

ويبقى الأهم أن تبقى الأزمة في إطارها السياسي بين بيروت ودمشق، والعمل على عدم انتقال فيروس الخلافات إلى العلاقات الأخوية بين الشعبين، لأن إخراج هذه الأزمة العابرة إلى الشارع في لبنان وسوريا جريمة لا تُغتفر!‏

وثمّة تحديات أخرى تواجه الحكومة السنيورية في الداخل إلى جانب إطلاق ورشة الاصلاح السياسي والاقتصادي، التحدي الأول: كيفية التعامل مع ما تبقى من بنود القرار 1559، وخاصة بالنسبة لسلاح "حزب الله"، وسلاح المخيّمات· أما التحدي الآخر فيتمثّل بمدى نجاح التعايش مع رئيس الجمهورية·‏

يبدو أن زيارة كوندوليزا رايس المفاجئة والسريعة إلى بيروت أدّت إلى إعادة تركيز الاهتمام الرسمي على القرار 1559، مع التسليم بفترة "سماح" للبنانيين للتوصّل إلى "صيغة حوارية" لمعالجة موضوع سلاح "حزب الله"، الذي يبقى من الصعب فصله عن المجريات الداخلية، أو طرحه بمعزل عن التطورات الإقليمية الأخرى، خاصة بعدما أعلن رئيس الحكومة السورية أن سلاح المقاومة يشكّل جزءاً من أمن سوريا·‏

وكان لافتاً كلام المناضل الفلسطيني عزمي بشارة عن سلاح المقاومة الذي يُجسّد إرادة عربية سياسية رافضة للخضوع والاستسلام للهيمنة الاسرائيلية في المنطقة، وتقطع الطريق على 17 أيار آخر في لبنان، على اعتبار أن الهدف العسكري تحقق بالانسحاب الاسرائيلي وتحرير الأرض، في حين أن مزارع شبعا لا تشكّل مبرراً لاحتفاظ المقاومة بسلاحها، ولا هو مطلوب من "حزب الله" أن يحرّر فلسطين مثلاً·‏

والتحدي الذي يواجه الحكومة، ومعها كل اللبنانيين، كيف يمكن معالجة موضوع سلاح "حزب الله"، دون فتح الطريق أمام 17 أيار آخر في لبنان··، ولعلّ هذا ما كان يقصده الرئيس السوري في خطابه الشهير أمام مجلس الشعب في آذار الماضي!‏

أما عن مسألة التعايش بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، فنترك أمر الحكم لها أم عليها لنتائج التجربة الوليدة التي بدأت بمخالفة صريحة للدستور (المادة 65) باعتماد بدعة المداورة بعقد جلسات مجلس الوزاراء بين بعبدا والسراي الكبير!‏

لا نريد نبش مآسي تجارب التعايش المريرة التي عاشها الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي بلغت ذروتها باستشهاده، بعدما أدّت الممارسات المعروفة إلى إجهاض "نتائج باريس-2"، وتعطيل إدارات الدولة وتسييب مرافقها العامة للمحاصصة والهدر والفساد·‏

المهم أن يُدرك الجميع أن الوطن الصغير يكاد يكون أمام الفرصة الأخيرة: إما السير على دروب الانقاذ والتمسّك بالأيدي الشقيقة والصديقة الممدودة إلينا للمساعدة على الخروج من نفق الأزمات والاهتزازات··‏

··· وإما المضي قدماً نحو مهاوي التردي والانهيار!‏

اللبنانيون اختاروا طريق الانقاذ عبر الانتخابات النيابية الأخيرة التي قلبت المعادلة السياسية رأساً على عقب·‏

فهل يستطيع الحكم التجاوب مع إرادة اللبنانيين وإعطاء الأولوية للإنقاذ·· على كل ماعداها من حسابات أخرى!!؟‏

2006-10-30