ارشيف من : 2005-2008

سوريا ليست هي المحاصرة وليست هي الواقعة في عنق المأزق

سوريا ليست هي المحاصرة وليست هي الواقعة في عنق المأزق

كتب عصام داري‏

قد يصل شعور بعضنا في هذه المنطقة الملتهبة إلى حدود اليأس وهو يتابع هذا المشهد الدامي الممتد من العراق إلى المغرب مروراً بلبنان ومصر، فهل نستسلم لهذا اليأس الذي يحاولون فرضه علينا، ويحاولون الإيحاء بأنه الخيار الوحيد والطريق الأخير إذا أردنا السلامة؟!‏

نعترف بأن الأوضاع العامة في المنطقة أكثر من سيئة وان حمام الدم مستمر، وأن العنف يضرب بقوة من كل حدب وصوب، تارة من قبل ارهابيين، وتارة أخرى من قبل جيوش نظامية، فيستوي في ذلك ارهاب الجماعات والأفراد، مع الإرهاب الرسمي الذي تحول إلى سياسة دول ولغة واحدة، وتحت ذرائع واهية ـ لا تصمد أمام أي محاكمة عقلية منطقية ـ منها، وفي مقدمتها، ذريعة: مكافحة الإرهاب. ‏‏

يعترف مسؤول أميركي بأن العراق يشهد يومياً ما نسبته الوسطية خمسة وستون هجوماً أو عملية، وتختلف الأرقام حول متوسط عدد الضحايا الذين يسقطون يومياً. فهل هذا هو الاستقرار الذي قطعت الجيوش الأميركية آلاف الأميال من أجل تحقيقه في العراق؟ وهل شهد العراق في عصره الحديث والمعاصر كل هذه الدماء المسفوحة على قارعة الطريق؟و.. من المسؤول؟ ‏‏

الغريب أن من يشعل الحرائق ويعجز عن إخمادها يجد مباشرة الشماعة التي يعلق عليها فشله وسقوط مخططاته، فيوجه الاتهامات إلى إيران حيناً، وإلى سورية في أغلب الأحيان، وكأن سورية تحقق من عدم الاستقرار واستمرار دوامة العنف في العراق مكاسب كبرى وليس العكس. ‏‏

يشعلون لبنان ويتدخلون في شؤونه الصغيرة والكبيرة على حد سواء، ويحاولون فرض مطالب إسرائيلية مفضوحة عليه، ومن ثم يفتشون عن متهم يلقون عليه تبعة ما يشهده من محاولات اغتيال واغتيالات وتفجيرات وزرع بذور الفتنة فيه، فلا يجدون غير سورية، أو يختارونها مع سبق الإصرار والترصد، فهي المتهم المطلوب إلقاء المسؤولية كاملة عليه عن كل ما يجري في المنطقة. ‏‏

هل استمرار دوامة العنف في العراق يصب في المصلحة الوطنية والقومية لسورية؟ قطعاً لا، بل العكس صحيح تماماً، وقد أكدت سورية حرصها الشديد على الأمن والاستقرار ومن استمرار العملية السياسية في العراق، لأن هذا هو الطريق الذي يؤدي إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة، والتي بدورها تؤدي إلى جدولة انسحاب القوات الغازية، فهل ينكر أحد أن هدف سورية هو خروج هذه القوات من العراق، وأن كل ما يجري لا يؤدي إلاّ إلى تبرير بقاء هذه القوات لسنوات طويلة قادمة؟! ‏‏

وكما الأمر في العراق، كذلك في لبنان، فعندما يكون لبنان مستقراً وآمناً، فإن ذلك ينعكس إيجاباً على سورية، والعكس صحيح كذلك، فهل يمكن تصديق مزاعم اعداء لبنان وأعداء سورية حول دور سلبي لسورية في لبنان مع أن هذا الدور ـ لو وجد ـ لكان له أفدح المخاطر على سورية؟ ولماذا تتحول مزاعم قلة قليلة من الحاقدين اللبنانيين على سورية إلى أدلة لا يرقى إليها الشك؟ ‏‏

في البداية قلنا إن هناك من يحاول أن يدفعنا، في سورية وفي الشارع العربي، إلى اليأس والقنوط. وفي الحقيقة ان الصورة القاتمة التي تظهر عليها منطقتنا هذه الأيام تدعو فعلاً إلى اليأس.. إلاّ أن من يقرأ ما بين السطور وخلفها وفي عمق المشهد يجد نفسه مدعواً إلى التفاؤل، فسورية ليست هي المحاصرة وليست هي الواقعة في عنق المأزق، فالآخرون هم الذين قادوا أنفسهم إلى هذا المأزق وعلقوا فيه، وما تخبطهم ومحاولات تصدير الأزمة للآخرين إلاّ دليل عجز وفشل ذريع، والعبرة في المستقبل الذي نتفاءل به على الرغم من كل الظلام الذي يرخي سدوله على المنطقة برمتها.‏

المصدر: صحافة عربية ـ تشرين السورية 27 تموز/يوليو2005‏

2006-10-30