ارشيف من : 2005-2008

من أوراق الجرائد اللبنانية 28 تموز/يوليو2005

من أوراق الجرائد اللبنانية 28 تموز/يوليو2005

صحيفة السفير‏

تحت عنوان :"الحكومة وامتحان ما بعد الثقة بالإجماع .."‏

كتب طلال سلمان‏

يأخذ الزهو بالنجاح في انجاز تشكيل حكومة "الأكثريات المؤتلفة" في المجلس النيابي الجديد، الرئيس فؤاد السنيورة إلى القول انها "أول حكومة صنعت في لبنان" وان بيانها الوزاري الذي ستتقدم به لنيل الثقة هو "أول بيان وزاري كتب بأيد صافية اللبنانية، وفي بيروت تحديداً".‏

ومع التسليم بصحة هذا القول، من حيث المبدأ، الذي يستند إلى واقع ان التكليف قد حظي باجماع غير مسبوق (126 من أصل 128)، وإلى الاحتمال المؤكد بأن الحكومة الجديدة ستنال الثقة بالأكثرية ذاتها محسوماً منها أصوات الكتلة الائتلافية للجنرال عون، فمن الضروري التذكير بأن ثمة معادلات سياسية خارجية، إضافة إلى عوامل داخلية فاعلة، "فرضت" مثل هذا الاجماع في التشكيل وستفرضه غداً في منح الثقة.. ولكنها غير مضمونة أو هي مشروطة، بعد ذلك.‏

وبين محاسن الصدف أن تجيء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية إلى بيروت غداة الاعلان عن قيام حكومة الائتلاف العريض، وان تزكي الرئيس فؤاد السنيورة "لكفاءته وجديته في معالجة الأوضاع المعقدة"، وان تتغاضى عن واقع ان حكومته تضم خلافاً لكل ما سبق من حكومات ممثلين ل"حزب الله"، رافع راية المقاومة، والمستهدف مباشرة بالقرار 1559 (دون أن تتغافل عن التذكير بأن حزب المقاومة هو "تنظيم إرهابي"، وبأن القرار الدولي واجب التنفيذ، وان كانت قد تركت "فترة سماح" للبنانيين كي يتوافقوا على معالجة هذا الأمر الخطير).‏

كذلك فإن بين محاسن الصدف ان تكون دمشق قد أعلنت، في التوقيت ذاته، انها تنتظر البيان الوزاري لتقول رأيها في هذا التطور السياسي ذاته، في لبنان، مع الترحيب مبدئياً بفؤاد السنيورة كرئيس لحكومة لبنان السيد المستقل، كي تبحث معه القضايا المعلقة التي نجمت عن انتهاء "حقبة الوصاية السورية" بكل ما رافق ذلك من مناخات غير أخوية بل وغير ودية ان لم نقل انها عدائية واستفزازية استدرجت "التحرشات" على الحدود بين الدولتين، وان كانت لا تبررها.‏

إذن فالحكومة التي تمثل الأكثريات المجسدة للائتلاف الطوائفي تدخل المجلس النيابي محصنة بتأييد دولي يكاد يصل إلى حدود التبني، وكذلك بعدم اعتراض سوري تحول في الأيام الأخيرة إلى اعلان الاستعداد لتجاوز الأزمة الخطيرة التي عصفت بالعلاقات بين الدولتين، في الشهور الأخيرة، والتي انذرت بتسميم العلاقات بين الشعبين الشقيقين نتيجة حملات التحريض والاهانات والتجريح التي لا يمكن تبرئتها من "العنصرية"، واستطراداً من العمل بوعي أو من دونه لاضعاف البلدين في مواجهة الضغوط الدولية الهائلة التي بلغت حدود الوصاية (لبنانياً) والتهديد المباشر (لسوريا).‏

لقد اجتاز فؤاد السنيورة عقبة التشكيل فقامت الحكومة الممثلة لأكثريات القوى (الطوائف) المؤتلفة.‏

ويبدو ان قدرة كونداليزا رايس على "الاقناع" قد خففت من حماسة الجنرال عون للانتقال بمعارضته إلى الشارع، وبحصرها في الإطار "الديموقراطي" بدلاً من استخدام "حق النقض" باسم طائفته التي يرى نفسه "ممثلها الشرعي الوحيد"..‏

على هذا فإن الامتحان الجدي للحكومة الجديدة سيبدأ في اليوم التالي لنيلها ثقة الأكثريات (الطوائفية) الممثلة فيها والتي توافقت بغير كبير عناء، وبرغم الزيارة المباغتة لسمراء الدبلوماسية الأميركية (أو بفضلها) على بيانها الوزاري الذي يعكس طموحها لأن تكون "حكومة الاصلاح والنهوض".‏

.. ولعل من محاسن الصدف أيضاً ان يكون المجلس النيابي قد اعفاها من مهمة اقرار قانون العفو، إذ صوّت عليه بما يشبه الاجماع، وهذا الاجماع بين سمات هذه المرحلة من مراحل الديموقراطية الطوائفية وأخذ بصدره النتائج المباشرة لهذا العفو الذي اعتبر إعلانا بالعودة بلبنان إلى ما قبل "مرحلة الوصاية السورية".‏

انها حكومة استثنائية بظروف ولادتها، وبتركيبتها غير المسبوقة، وبالثقة شبه الاجماعية التي تحظى بها نيابيا، وبالتأييد الدولي المعلن بصراحة وحزم وبأسلوب مباشر يداني حدود الوصاية، فضلاً عن الترحيب السوري (ولو مشروطاً)..‏

ثم انها حكومة الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان، اقتصادياً ومالياً، سياسياً وأمنياً. والأخطر هي الحالة النفسية الضاغطة على اللبنانيين التي تقارب ضيق من يشعر بأنه "تحت الحصار"، فيتصرف بردود فعل عصبية تخلط الصح بالغلط والحلال بالحرام قبل ان يستعيد وعيه ومن ثم عقله وسيطرته على غضبه ليباشر العمل الجدي من أجل معالجة الأزمة بما تفرضه من جدية وحرص على المصالح الوطنية.‏

ان الحكومة تقدم عبر بيانها الوزاري المكتوب في بيروت، لأول مرة اعلان نوايا يعكس توافقاً على التقدم لمواجهة المشكلات في عينيها، سواء في الداخل، أو مع الجار الشقيق الوحيد، أو مع "الشرعية الدولية" ولو مرجأة، وإنما إلى حين.‏

انها حكومة مواجهة المصاعب والمخاطر.‏

والأمل ان يمنح جو التأييد الاجماعي الذي وفر اقامة "أول حكومة من صنع لبنان" حصانة قوية لهذه الحكومة تمكنها من تحقيق حد معقول من بيانها الطموح.‏

وعسى التوافقات الطائفية التي يسرت الولادة وكتابة البيان الوزاري واقراره داخل مجلس الوزراء، تتواصل وتتوطد عبر انجاز الممكن.‏

ويعرف فؤاد السنيورة الذي علمته التجارب (وكثير منها مرير) خطورة المهمات المطالبة حكومته بانجازها.‏

ويعرف الناس عن فؤاد السنيورة عناده واصراره على ما يقتنع بانه الصح، وقد اوصله ذلك العناد إلى التعارض مع رئيسه وقائده الشهيد رفيق الحريري أحياناً، وان كان ترك له دائما أمر القرار بوصفه صاحب القرار وحامل المسؤولية عنه، كما جعله "الخصم" المباشر للكثرة الكاثرة من السياسيين والنافذين.‏

وامتحان فؤاد السنيورة غداً سيكون أقسى، لأنه يعمل بالتحديد مع حكومة صنعت في لبنان، وعلى قاعدة بيان وزاري كتب في بيروت.‏

والبيان يحتاج، في تنفيذه، إلى القريب والبعيد.. ولا سيما القريب، باعتبار ان البعيد صار في الداخل، نتيجة ظروف لا يد لفؤاد السنيورة فيها.‏

صحيفة السفير‏

مناقشة الحكومة تبدأ اليوم ونصر الله يحذر من هجوم إسرائيلي لتغطية الانسحاب من غزة‏

بري لـ"السفير": أي مشروع للعفو عن العملاء لن يمر‏

"أخرجوا سوريا وقطعوا صلة لبنان بمحيطه العربي. أطلقوا سراح مجرمين وقتلة وفارين من وجه العدالة، ثم طالبوا وألحوا على نزع سلاح المقاومة، وقبل ذلك أصدروا عفوا عن عملاء مجرمين ارتكبوا أبشع الجرائم في ظل الاحتلال الإسرائيلي ولا يزال قسم كبير منهم يعمل ضمن شبكات تخريب للوضع في لبنان".‏

بهذه العبارات لخص مرجع كبير الحالة في البلاد في ظل الكلام عن رغبة نيابية، ومن جانب جهات سياسية وبتغطية من مرجعيات روحية، لاستصدار قانون عفو خاص عن عناصر العملاء الذين فروا الى الاراضي المحتلة إثر التحرير الكبير للجنوب في أيار من العام ألفين، والذي صدرت بحق غالبيتهم أحكام لم تنفذ بسبب فرارهم وطلبهم للجنسية الاسرائيلية.‏

ولفت المرجع الى "ان هناك من يريد ربط مصير آلاف البقاعيين من الذين يلاحقون بتهم لها علاقة بزراعة المخدرات او مخالفة القوانين بالمتعاملين مع إسرائيل الذين ارتكبوا جرائم كثيرة ليس اقلها الخيانة". وسأل المرجع: "كيف يقدم من يدعي الحرص على السيادة والاستقلال، ومن يشن حملة تخوين على لبنانيين لمجرد أنهم كانوا مسؤولين في ظل الوجود السوري في لبنان، على طلب العفو عن مجرمين تعاقبوا على التعامل العلني والصريح مع عدو أنهك البلاد ودمرها بصورة متواصلة".‏

ويبدو غريبا ان يتولى نواب هذه الحملة "القانونية" للمشروع، علما ان النائب بطرس حرب الذي قيل إنه يدرس المشروع ويعد لصيغته القانونية، أبلغ "السفير" في اتصال معه أنه ليس صحيحا أنه أعد أو بصدد تحضير اقتراح قانون للعفو عن عملاء جيش لحد، موضحا أنه تبلغ أن مطران صور نبيل الحاج كان قد أثار الموضوع مع الرئيس نبيه بري. وأوضح حرب أنه طلب موعدا من الرئيس بري وينتظر تحديده لبحث الموضوع معه ودرسه جيدا قبل الاقدام على اي خطوة.‏

وكان البطريرك الماروني نصر الله صفير أثار هذه المسألة مع عدد من الأقطاب بينهم العماد ميشال عون. ثم أرسل صفير المطران الحاج إلى رئيس المجلس لاجل إقناعه بإدراج المشروع على الجلسة النيابية التي جرى خلالها إقرار العفو عن قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع وموقوفي الضنية ومجدل عنجر.‏

وسألت "السفير" الرئيس بري عن الأمر فقال إنه تلقى طلبا بهذا الصدد من البطريرك الماروني وإن البعض حاول جمع الأمر مع اقتراح بالعفو عن مطلوبين ومطاردين في جرائم جنائية عادية. وقال بري: "إنه أمر خطير للغاية ولا يمكن السير به أبدا". وتساءل الرئيس بري: "هل يريدون منا أن نذهب إلى صلح مع إسرائيل؟".‏

وبينما نفى نواب من لقاء "قرنة شهوان" علمهم بالأمر، فقد أشاروا إلى أن الموضوع طرح سابقا ولم يطرح من وقت قريب ولم يحصل تشاور بشأنه. أما عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان فنفى أن يكون النائب حرب قد ناقش الأمر معهم مضيفا أن الكتلة لم تناقش الأمر حتى تحدد موقفا نهائيا منه.‏

من جانبه، قال وزير قريب من النائب وليد جنبلاط "إن هذا المشروع لن يمر، ويخطئ من يعتقد أنه قانون يشبه ما طرح سابقا". وأضاف: "إن طرح هذا العنوان الآن يثير الريبة والشكوك، خصوصا أنه يتم في الوقت نفسه مع الدعوة إلى سحب سلاح المقاومة وعدم الإتيان على سيرة الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية وكأن المطلوب أن يسقط المقاوم ويبقى العميل ويعفى عنه".‏

وقال النائب من "حزب الله" علي عمار "إن المشروع لا يمكن لاحد ان يعطيه بعدا وطنيا ولا يمكن لأحد ادراجه في سياق المصالحة الوطنية، لانه ليس جزءا من المصالحة وهؤلاء ارتكبوا جرائم بحق الوطن ومشكلتهم مع الدولة ومع كل اللبنانيين وليس مع فريق دون آخر".‏

نصر الله‏

من جهته حذر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، من هجوم إسرائيلي على لبنان لتغطية الانسحاب من قطاع غزة، مشيرا إلى أن زيارة رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون الى فرنسا "تأتي لاستكمال جهود القرار 1559 المنجز إسرائيليا باعتراف شارون نفسه".‏

وعن تخفيف الولايات لهجتها لجهة تطبيق القرار 1559 بعدما سرّعت الانتخابات وتأليف الحكومة قال نصر الله: "إن الموضوع ليس كرم أخلاق وإنما أثبتت المعايير وتحديدا الانتخابات الأخيرة ان "حزب الله" حالة شعبية واسعة وليس تنظيما مسلحا" . مضيفا : أثبتت الوقائع انه لا يمكن لأحد أن يخلع هذه المقاومة وينتزعها من جذور الأرض.‏

الجلسة النيابية‏

إلى ذلك تبدأ اليوم جلسة المجلس النيابي لمناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وفي جدول طالبي الكلام نحو خمسة وثلاثين نائبا من كتل نيابية مختلفة.‏

وستبث وقائع الجلسة مباشرة عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وتجري تحضيرات لأن تعقد على جولتين اليوم الخميس نهارية ومسائية، وتليهما جولة ثالثة مساء غد الجمعة، يرد فيها رئيس الحكومة على مناقشات النواب، ثم يصار إلى التصويت على الثقة، والمقدر أن تنالها الحكومة بأكثرية كبيرة بنحو 100 صوت (في غياب ستريدا جعجع).‏

وعلم في هذا المجال، أن النواب العونيين يتجهون الى حجب الثقة عن الحكومة. وأما النواب الآخرون، خارج نطاق الأكثرية، فلم يصدر موقف واضح عنهم، إلا أن مصادر نيابية رجحت كفة حجب الثقة على منحها، ومن هؤلاء النواب: حسين الحسيني، نادر سكر، قاسم هاشم، أسامة سعد، مروان فارس، وأسعد حردان.‏

صحيفة النهار‏

تحت عنوان :"ما هي المشكلة ؟"‏

كتب سركيس نعوم‏

المبررات الامنية التي اعطتها السلطات السورية للتشدد الذي مارسته على الحدود البرية بين سوريا ولبنان حيال حركة النقل البري منذ نحو شهر لم تعد تقنع احدا سواء في الداخل او في الخارج اقليميا او دوليا. وهذا ما دفع مسؤولين عديدين في دمشق الى الاعتراف بان المشكلة سياسية في الاساس، وفي الوقت نفسه الى التمسك بالمبرر الامني معتبرين ان التردي في العلاقة السياسية لا بد ان تكون له انعكاسات امنية. لكن هؤلاء لم يحددوا ماهية المشكلة السياسية هذه كي تمكن معالجتها. وقد اثار ذلك حيرة جهات لبنانية كثيرة. ذلك ان كل اللبنانيين بمن فيهم الذين عارضوا سوريا على مدى سنوات سواء مباشرة او على نحو غير مباشر اكدوا ولا يزالون يؤكدون اليوم التزامهم اتفاق الطائف وتحديدا ما يتعلق منه باقامة علاقة مميزة بين بلادهم وبينها. وقد عبّروا عن هذا الالتزام في البيان الوزاري الذي وضعته الحكومة التي افرزتها الانتخابات النيابية واضافوا اليه التزاما اخر يعالج الهواجس الامنية لسوريا هو رفض تحوّل لبنان مقرا ومستقرا وممرا لاي جهة تسعى الى النيل منها، انطلاقا من ايمان راسخ بالمقولة التي راجت منذ اتفاق الطائف 1989 والتي تحولت لاحقا نوعا من "النكتة" لعدم التزامها على النحو المطلوب والتي تفيد ان أمن لبنان من أمن سوريا وان امن سوريا من امن لبنان.‏

في اي حال اعلن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة انه سيزور دمشق بعد نيل حكومته الثقة، وهذا امر متوقع خلال الايام القليلة المقبلة، للبحث ليس في شبه الاقفال التام للحدود السورية امام النقل البري اللبناني فحسب بل ايضا في العلاقة اللبنانية – السورية بكل تشعباتها وتعقيداتها وأبعادها. وفي هذه الزيارة يفترض فيه كما يفترض في نظيره رئيس الحكومة السورية بل القيادة السياسية السورية العليا كونها صاحبة القرار الاول والاخير في هذا الموضوع وغيره ان يحددوا اولا ماهية المشكلة السياسية التي تقول سوريا انها ناشئة او ناشبة مع لبنان. اذ ربما يختلف الفريقان على وصف المشكلة الامر الذي يلغي او على الاقل يرجىء البحث في طرق معالجتها. فهل المشكلة هي خروج سوريا عسكريا وامنيا من لبنان في 26 نيسان الماضي وبعد "وجود" على اراضيه قارب الثلاثين عاما؟ وتاليا هل تحل المشكلة بعودتها اليه والى امد غير محدد؟ وهل المشكلة هي تخلي سوريا بغير رضاها طبعا عن "ادارة" لبنان بكل قضاياه وتفاصيله حتى الصغيرة منها او حكمه مباشرة وعبر "حلفاء" لا يقطعون شعرة قبل استشارتها؟ وتاليا هل تحل المشكلة في عودة هذين "الحكم" او "الادارة"؟ هل المشكلة رفض اللبنانيين رغم تمسكهم بعروبة لبنان وبعلاقات مميزة مع سوريا وبالتضامن معها في موضوعات عدة اهمها الصراع العربي – الاسرائيلي التضحية ببلادهم كرمى لمصالحها ولمصالح نظامها او قبول الزوال التدريجي لكن الثابت لكل المقومات التي تجعله سيدا وحرا ومستقلا وديموقراطيا؟ هل المشكلة هي رغبة سوريا او بعضها في اقامة فيديرالية او كونفيديرالية مع لبنان غير رسمية وغير معلنة اذا تعذرت رسميتها واعلانها ورفض اللبنانيين او معظمهم ذلك ليس رفضا لوحدات كهذه بل لان التجارب الوحدوية في العالم العربي فضلاً عن الممارسات السورية في لبنان تجعلهم يخشون تحوُّل ذلك الحاقا او ضما من دون اي احترام للخصوصيات الوطنية التي نشأت بعد عقود من الاستقلال؟ هل المشكلة هي التحقيق الدولي الذي يجريه ديتليف ميليس وفريقه بتكليف من مجلس الامن في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولاسيما في ظل توجيه بعض اللبنانيين اصابع الاتهام او المسؤولية عن ذلك الى سوريا او الى حلفاء لها في لبنان؟ وهل ستستمر المشكلة او تتفاقم من الان وحتى انتهاء التحقيق؟ وكيف يستطيع لبنان وحكومته الجديدة ورئيسها السنيورة حل هذه المشكلة علما انهم من اوائل المطالبين بالحقيقة عن ذلك الاغتيال وان حل هذا الامر في يد مجلس الامن او على الاقل زعيمته وزعيمة عالم اليوم الولايات المتحدة؟‏

طبعا ليس الهدف من طرح هذه الاسئلة اثارة نعرات مع سوريا او نكء جروح. بل هو للفت الجميع الى اهمية الحوار الذي سيبدأ مع سوريا الى ضرورة نجاحه لان ذلك في مصلحة البلدين الشقيقين او التوأمين. الا ان هذا النجاح لن يتحقق الا بامور عدة: الاول فصل موضوع التحقيق الدولي عن العلاقة اللبنانية – السورية ايا تكن نتائجه، ذلك ان سوريا تستطيع ان تعالج هذا الامر مع اميركا او المجتمع الدولي فضلا عن ان لها وللبنان مصلحة في ارساء علاقة حقيقية من التعاون والتنسيق والتكامل بصرف النظر عن كل الامور الاخرى. والثاني ان الدور الاقليمي المهم الذي لعبته سوريا في العقود الثلاثة الماضية والذي تطمح او بالاحرى تسعى للاستمرار فيه لا يضايق لبنان ولا يزعجه اذا احترم سيادة لبنان واستقلاله ونظامه الديموقراطي. كما ان خروجها منه وانْ بطريقة كان يتمنى اللبنانيون غيرها لن يحرمها هذا الدور اذا عرفت قيادتها ان تقوّم الاوضاع الداخلية والاقليمية والدولية واذا حددت جدولا باولوياتها ومصالحها واذا انسجمت مع المجتمع الدولي من دون ان تتخلى عن حقوقها الوطنية وثوابتها القومية واذا طمأنت لبنان الى انها سند فعلي له وان لا اطماع لها فيه من اي نوع وانها لن تسعى الى استعادة وضعها السابق فيه الذي كان على حساب مقوماته من دون التقليل من حجم تضحياتها فيه ومساهماتها المهمة في انجاز التحرير من اسرائيل. والثالث الاعتراف الفعلي بالدولة اللبنانية لا الاسمي وعدم السعي الى الحلول مكانها عبر "حلفاء". اي اقامة علاقات مميزة بين دولة ودولة والتخلي عن العلاقات مع الزعامات والقيادات والشخصيات والمراجع السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية والامتناع عن توظيف هذه العلاقات لمصلحتها الضيقة التي يمكن ان تكون احيانا ضد مصلحة لبنان. ولا يناقض ذلك روابط التاريخ والجغرافيا والقربى وصلات النسب ووجود العائلات اللبنانية او قسم منها في البلدين. وبعلاقات بين دولة ودولة ينجح لبنان في تبديد الهواجس الأمنية لسوريا وفي المحافظة على أمنها.‏

صحيفة النهار‏

تحت عنوان:"تمهيداً لجعل زيارة السنيورة لدمشق ناجحة‏

البـيـان الـوزاري يسـتجـيـب ما طلبتـه سوريـا‏

كتب اميل خوري‏

باتت العلاقات اللبنانية السورية موضوع اهتمام محلي واقليمي ودولي بعد ازمة الحدود بين البلدين، وهذا ما يجعل زيارة رئيس الحكومة الدكتور فؤاد السنيورة ترتدي طابعا مهما وينتظر الجميع نتائجها للحكم على النيات وعلى حقيقة هذه الازمة وهل دوافعها سياسية للضغط على لبنان ام امنية كما يدعي البعض.‏

وزيارة الرئيس السنيورة الى دمشق بعد نيل حكومته الثقة مهمة بنتائجها لانها تكشف حقيقة ما تريده سوريا من لبنان بعد انسحاب قواتها من اراضيه، وما يريده لبنان من سوريا توصلا الى اقامة افضل العلاقات بين البلدين بحيث تبنى على اسس سليمة وواضحة لا تشوبها شائبة، وعلى اتفاقات متكافئة تكون في مصلحتهما وتحترم سيادة واستقلال كل من الدولتين، ولا يؤثر في التوصل الى اقامة هذه العلاقات ما سبق انسحاب القوات السورية من لبنان وما اعقب ذلك من مشاعر ومواقف.‏

يقول قطب سياسي ان سوريا استطاعت بمداخلاتها ان تفرض اجراء الانتخابات النيابية الاخيرة على اساس قانون الـ2000 وحالت دون اجرائها على اساس قانون الـ1960 وذهبت الى حد التهديد بعرقلة اجرائها في موعدها استجابة لرغبة المجتمع الدولي وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، وذلك ظنا منها ان اجراء الانتخابات على اساس قانون الـ2000 قد يؤمن فوز اكثرية نيابية موالية لها. لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر فجاءت نتائج الانتخابات خلاف ذلك. عندها ركزت سوريا اهتمامها على تشكيل حكومة ترضى عنها وترتاح اليها، فافتعلت ازمة عبور الشاحنات الى اراضيها بحجة البحث عن اسلحة ودخائر قد تكون مخبأة في بعض هذه الشاحنات فيما القصد من هذه الازمة هو الحؤول دون تمكين الرئيس المكلف فؤاد السنيورة من تأليف الحكومة ووضع العراقيل في طريقه من خلال مطالبة تحالف "امل" و"حزب الله" باسناد حقيبة الخارجية الى "حزب الله" ومطالبة "التيار الوطني الحر" باربع وزارات اذا كانت الحكومة مؤلفة من 24 وزيرا ومن خمس وزارات اذا كانت مؤلفة من 30 وزيرا، ومطالبة الرئيس لحود بوجوب تمثيل كل الاحزاب والكتل بشكل متوازن بحجة ان دقة المرحلة وخطورتها تتطلب قيام حكومة اتحاد وطني... وهي مطالب تجعل الرئيس المكلف فؤاد السنيورة يعجز عن استجابتها فيعتذر فيكلف عندئذ سواه تأليف حكومة ترتاح سوريا اليها، وعندها تنتهي ازمة الحدود بسحر ساحر.‏

لكن عندما تأكد للمعرقلين ان السنيورة لن يعتذر وان تحالف الاكثرية سيظل متمسكا بتسميته في كل استشارات يجريها رئيس الجمهورية، تحول الضغط في اتجاه الحؤول دون توزير من لا ترضى عنهم سوريا لانهم من المتشددين في مواقفهم منها. وكذلك الحؤول دون اسناد حقائب وزارية مهمة لوزراء تعتبرهم من خصومها اللدودين.‏

ورغم ان سوريا نجحت الى حد في بلوغ ما تريد، فانها ابقت على ازمة الشاحنات على الحدود كي تحول دون تضمين البيان الوزاري ما تعتبره مسيئا اليها خصوصا بالكلام على انتفاضة 14 آذار التي فرضت انسحاب قواتها من لبنان وادى ذلك الى استعادة لبنان سيادته وحريته واستقلاله. اذ ان مثل هذا الكلام مرفوض لانه يصور انسحابها من لبنان بأنه تمّ تحت ضغط تظاهرة 14 آذار وليس بموافقة سوريا طوعا على هذا الانسحاب تنفيذا للقرار 1559 ولاتفاق الطائف، كما يصور ان لبنان كان تحت الاحتلال السوري ولم يكن سيدا حرا مستقلا. لذا قالت سوريا انها تنتظر البيان الوزاري كي تحدد موقفها من الحكومة اللبنانية الجديدة.‏

ولكي تحول سوريا دون اتخاذ الحكومة موقفا من سلاح "حزب الله" ومن السلاح في المخيمات الفلسطينية تنفيذا لما تبقى من القرار 1559، ولا تخضع للضغط الاميركي في هذا الاتجاه، فقد اعلنت ان سحب هذا السلاح من شأنه ان يهدد الامن القومي السوري... وبادر مسؤولون في المخيمات الفلسطينية الى القول جهارا انهم يرفضون نزع السلاح لانه يشكل حماية للمخيمات وللقضية الفلسطينية، ولحق العودة ورفضا للتوطين...‏

وهكذا جاء البيان الوزاري خاليا من الكلام على القرار 1559 ومن العبارات التي تعتبرها سوريا مسيئة اليها. فهل يكون ذلك كافيا لحل ازمة الشاحنات على الحدود وفتح صفحة جديدة من العلاقات الطيبة بين البلدين بحيث تختلف عن تلك التي كانت قائمة في ظل الوجود السياسي والعسكري السوري في لبنان لانها كانت علاقات لا تخلو من الشوائب باعتراف الرئيس بشار الاسد نفسه والتي ينبغي تصحيحها وتنقيتها.‏

اوساط اقتصادية وتجارية وصناعية وزراعية ترى ان مصلحة لبنان وسوريا هي في ان يكونا على علاقات طيبة وهذا تفرضه الجغرافيا والاخوة وحسن الجوار، لان دخول البلدين في لعبة عض الاصابع او في لعبة الفعل ورد الفعل يلحق الضرر بكلا البلدين، ويرغم بالتالي لبنان على البحث عن بدائل لنقل صادراته، عدا انه يصير من حق كل دولة التذرع باسباب امنية لعرقلة النقل عبر حدودها. وقد تردد ان جهات اقليمية ودولية اسمعت سوريا ذلك تمهيدا لمحادثات ناجحة بين الرئيس السنيورة والمسؤولين السوريين، اذ لا يجوز لاي دولة ان تتعامل مع دولة جارة بفرض حصار بري او بحري او جوي عليها لئلا تصبح هي محاصرة ايضا من دولة اخرى.‏

والسؤال المطروح هو: هل تكون زيارة الرئيس السنيورة الى دمشق ناجحة فتعود العلاقات بين البلدين الى طبيعتها، ام تكون غير ذلك لاسباب شتى منها مخاوف لدى السوريين نقلها امين عام المجلس الاعلى اللبناني – السوري نصري خوري الى الجانب اللبناني وامتنع عن الكشف عنها تاركا لهذا الجانب ايجاد الوسائل والاساليب الكفيلة بتبديد هذه المخاوف، مع اعترافه بأن الخسائر من جراء ازمة الحدود متبادلة بين سوريا ولبنان لافتا الى ان سوريا هي البلد الاول في الاستيراد من لبنان مما يجعل حركة العبور تؤثر على البلدين.‏

2006-10-30