ارشيف من : 2005-2008
من أوراق الجرائد اللبنانية اليوم 29 تموز/ يوليو 2005
صحيفة السفير/ عفو عن تائبين أم خروج على هوية لبنان؟
كتب طلال سلمان في افتتاحية
... فلما كانت الجلسة الثانية للمجلس النيابي تبدى ان "قانون العفو" الذي أقره في جلسته الأولى فأخرج سمير جعجع من السجن بطلاً للحرية وقديساً شفيعاً للوحدة الوطنية لم يكن إلا "أول الغيث" الذي لم يلبث ان انهمر، أمس، ليطهر كل من خان أرضه وقاتل شعبه من حضن الاحتلال الإسرائيلي، مع الإصرار على إعادة الاعتبار إلى أولئك الذين لهم توصيف واحد في قوانين الدول جميعاً: عملاء الاحتلال.
... علماً بأن الباب ظل مفتوحاً أمام المغلوبين على أمرهم والذين أظهروا الندم وأعلنوا التوبة وتذرعوا بأن ظروف الحصار ومخاطر الحرب قد أخذتهم إلى الخطأ مرغمين، فحوكموا بتفهم وبمراعاة لأوضاعهم، ثم خرجوا ليكملوا حياتهم كمواطنين في أرضهم وبين أهلهم.
لكن جلسة "العفو" الأولى بما رافقها من مناخات "انتخابية" ضاغطة وفرت ما يشبه الإجماع من حول "القانون" الذي صاغته كونفدرالية الطوائف، أغرت الطامحين إلى الزعامات الطائفية فإذا هم ينتقلون من الدفاع إلى الهجوم بلهجة المنتصرين على مفاهيم الانتماء الوطني وهوية لبنان العربية التي بين عناوينها الأساسية العلاقة المميزة مع سوريا والتكاتف والتضامن مع شعب فلسطين، أقله مع هؤلاء الذين هجرهم الاحتلال الإسرائيلي من أرضهم فجاؤوا إلينا "لاجئين" وعاملناهم في الغالب الأعم كأسرى حرب أو كيد عاملة رخيصة تعمل في "الأسود".
لكأنما صارت الوطنية والعروبة من مخلفات النظام البائد، ولا بد من اجتثاثهما لكي يتكامل النصر لـ"ثورة الأرز"!
أو لكأنما العروبة قد اقتحمت لبنان محمولة على ظهر الدبابة السورية، وعليها بالتالي ان تجلو مع جلاء "الوصاية السورية" إلى ما وراء الحدود التي يراد الآن ترسيمها "بالأزرق"، تيمناً "بالخط الأزرق" الذي رسمته الأمم المتحدة بديلاً مؤقتاً من الحدود الدولية بين لبنان والكيان الصهيوني.
لكأنما صار ذلك ممكناً باسم التحرر من "الوصاية السورية" التي لا يتورّع البعض عن توصيفها بـ"الاحتلال"، ليس فقط لكي ينزع عن العلاقة مع سوريا مضامين الأخوة ووحدة المصير، بل لكي ينزع عن "إسرائيل" صفة العدو، ولكي يشوّه معنى العروبة والانتماء الوطني ويساوي بين المقاومة وعملاء الاحتلال الإسرائيلي فإذا الكل سواء، يعيشون "فيدراليتهم" مطمئنين في ظلال الوصاية الدولية.
لقد اتسع الشرخ في المجلس النيابي الوليد، فالخلاف الآن يتعدى مكرمة العفو عن سجين حوكم فأدين أمام أعلى هيئة قضائية في لبنان التي يرأسها قضاة لم يطعن أحد في نزاهتهم، وبعد محاكمات علنية استغرقت شهوراً طويلة، ومرافعات لمحامين كبار حاولوا فلم يستطيعوا دحض الوقائع والأدلة وإفادات الشهود واعترافات بعض المتورطين في الجرائم المرتكبة، التي ذهب ضحيتها زعماء وطنيون كبار مثل الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وقادة سياسيون لهم حضورهم الشعبي مثل الراحل داني شمعون، فضلاً عن العديد من "المقاتلين" والمرتدين على قيادتهم...
لا يتعلق الأمر بوجهات نظر سياسية، بل يتصل بموقع لبنان ودوره ومصيره.
فالعلاقات الطبيعية، أي الأخوية، مع سوريا ليست تفصيلاً، بل هي بين أسس وجود هذا الكيان.
وبرغم ما قد لحق بهذه العلاقات من أذى بسبب الأخطاء والتجاوزات وتغليب "الأمني" على السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإنها ضرورة للبنان كالماء والهواء، وعلى لبنان الحرص عليها واستنقاذها من التشوّه ومن أحقاد الانعزالية والكيانية بل العنصرية، ومن رد الفعل لا سيما إذا جاء من الطبيعة المرضية ذاتها.
وإذا كان سمير جعجع قد غفل وقد أسكره النصر السياسي المجاني الذي جاء إليه في سجنه أن يعتذر من ضحاياه، أو ان يتلو "فعل الاعتراف" و"فعل الندامة"، وأن "يجامل" حلفاءه الذين تجاوزوا عواطفهم وربما ثوابتهم السياسية ليؤكدوا حرصهم على طيّ صفحة الحرب، بفرض ان مثل هذا الإجراء قد يمكّن للوحدة الوطنية...
.. فإن الجنرال عون قد جهر بما كان يتحاشى إعلانه من قبل، على كثرة ما أدلى به من أحاديث وما أدير معه من حوارات تجنب فيها دائماً الإشارة إلى الموقف من "إسرائيل" ومن تعاون معها من اللبنانيين،
.. حتى كانت الجلسة الثانية لمجلس كونفدرالية الطوائف فإذا هو يزايد على من سبقه إلى الحديث في هذه المحرمات... وهكذا فإنه أضاف البعد السياسي إلى التوصيف الإنساني الذي أسبغه غبطة البطريرك الماروني خلال إشارته إلى "هؤلاء اللاجئين إلى إسرائيل"، فكان كمن يصفهم بـ"الابن الضال" ويطلب الرأفة بأوضاعهم العائلية واستعادتهم إلى حضن الوطن... وهذا ما لا يعترض عليه أحد، ما دام لا يعكس موقفاً سياسياً من "إسرائيل"، وهي عدو من قبل ومن بعد.
أخطر ما في الأمر ان هذه المواقف المعلنة تفضح حقيقة النظرة إلى المقاومة، في حاضرها ومستقبلها... وهي مواقف تنطلق من القرار 1559 وتنتهي به، بل لعلها تتجاوزه وقد تصل بعد تبرئة المتعاملين إلى المطالبة بمحاكمة المجاهدين الذين بذلوا دماءهم لتحرير لبنان بذريعة إساءة العلاقات "الى دولة جارة وصديقة".
إن هذه المواقف لا تستبطن العداء لسوريا فحسب، بل هي قبل ذلك تجهر بالعداء لهوية لبنان ولانتمائه العربي ولدوره القومي الذي لم يبدأ مع "الدخول" السوري ولم يخرج بخروجه، بل إنه كان درع حماية لبنان من قبل ومن بعد.
وحدة وطنية، نعم. ولكن هذه المواقف لا تستبقي وحدة ولا تحفظ وطنية!
صحيفة الأنوار/ مهام واسعة للمقاومة وحوار ضيق?
رفيق خوري
لبنان موضع نقاش خلال وقت واحد في مجلسين: مجلس النواب التابع للكونغرس الاميركي، ومجلس النواب اللبناني. هناك جلسة استماع دعت اليها لجنة العلاقات الدولية لتحديد (اولويات وطنية وتوقعات لتجدد ديمقراطي في اعقاب 14 آذار. وهنا جلسات لمناقشة البيان الوزاري. ومن المفارقات ان يبدو تقرير لجنة العلاقات الدولية اشد وضوحا من البيان الوزاري بالنسبة الى الرهان والبناء على خط 14 آذار. لكن اللجنة الاميركية ترى ان لبنان على مفترق طرق مؤكدة ان الشعب اللبناني وحده هو الذي يجب ان يأخذ الخطوات الاولى لتقديم مقاربة متماسكة الى المستعدين للمساعدة. أما المناخ السائد في البيان الوزاري والمناقشات، فانه الايحاء ان لبنان تجاوز مفترق الطرق واختار الطريق المناسب له وحدد الاولويات والبرنامج في انتظار المساعدات. والسؤال هو: هل اختار لبنان طريقه بالفعل ام انه لا يزال على مفترق طرق?
القراءة في الجانب الاصلاحي من البيان تدعو الى الاطمئنان، وان تولى نواب الموالاة قبل نواب المعارضة تشريح العديد من البنود. لكن القراءة في الجانب المتعلق بالتحديات الخارجية تطرح الكثير من الاسئلة. ليس فقط حول التسوية التي قضت بإغفال أي ذكر للقرار 1559 بل أيضاً حول الصياغة الإنشائية للدوران من حوله. فما يتعلق بالشرعية الدولية والمقاومة جاء في فقرتين: واحدة على طريقة سمك لبن تمر هندي، وأخرى تعطي للمقاومة أدواراً تتجاوز تحرير الارض.
ذلك ان الفقرة الاولى معاكسة في الصياغة للمبدأ الذي صاغه النّفري بالقول: "اذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" فهي واسعة العبارة بما يوحي ان الرؤية ضيقة. ومن الصعب العثور على موقف محدد وسياسة تخدمه عبر رصف التعابير في النص القائل: "تؤكد الحكومة حرصها على التمسك باحترام القانون الدولي وحسن العلاقة مع الشرعية الدولية واحترام قراراتها وذلك في اطار السيادة والتضامن والوحدة الوطنية، وكذلك في اطلاق حوار داخلي لبناني بهدف الوصول الى توافق وطني يقوم على تعزيز الوحدة الوطنية والتأكيد على مصالح البلاد العليا، والعمل على تعزيز موقع لبنان وصدقيته ضمن الاسرة الدولية".
أما الفقرة الثانية، فانها اشد وضوحا من الحقائق على الارض. اذ تعتبر الحكومة "ان المقاومة اللبنانية هي تعبير صادق وطبيعي عن الحق الوطني للشعب اللبناني في تحرير ارضه والدفاع عن كرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والاطماع الاسرائيلية، والعمل على استكمال تحرير الارض اللبنانية، والاستمرار في رفض التوطين الذي يخل بالحق العربي - الفلسطيني، ويتناقض مع وثيقة الوفاق الوطني". اي ان مهام المقاومة أكبر بكثير من مهام الدولة وبالطبع من مهمة تحرير مزارع شبعا. لا بل انها مرتبطة بما لن ينتهي في مئة عام، وهو استمرار التهديدات والاطماع والاخطار الاسرائيلية، وما يعرف الجميع الفارق بين الطموح والواقع فيه، وهو حق العودة.
وهذه مهام تحتاج الى مقاومة وطنية أوسع من المقاومة الاسلامية الحالية والى وضع القرار في اطار وطني، على افتراض ان الجميع بين الدولة والمقاومة ليس استثناء من القاعدة، واننا نستطيع في وقت واحد الاستمرار في مطالبة مجلس الامن بالتمديد للقوات الدولية ثم في تجاهل دعوته الى حصر استعمال القوة بالدولة. ومن هنا، لا من الجدل حول نزع السلاح أو الحفاظ عليه، يبدأ الحوار. وليس هذا هو الحوار الذي يسلم به المجتمع الدولي، ولا حتى الحوار الذي تتحدث عنه الحكومة، ولا بالطبع الحوار الذي تستعد له قيادة المقاومة.
صحيفة الديار/ البلد بمكان والمجلس والحكومة خارج الزمان
كتب شارل أيوب
من يرَ المشاكل في البلاد من جهة وينظر إلى الوضع الأمني ويرى أمامه القرار 1559 وضغط الدول الكبرى على لبنان، وشبه قطيعة مع سوريا واكتشاف سيارة مشبوهة قرب منزل الحريري واعتقال أربعة أشخاص في الحازمية للتحقيق وتوتر على مداخل مخيم عين الحلوة.
من يرَ كل هذا المنظر من جهة ويسمع خطابات النواب والبيان الوزاري للحكومة يدرك تماماً ان البلد بمكان آخر وأن المجلس النيابي والحكومة عبر بيانها الوزاري خارج الزمن وخارج الأحداث.
توتر داخلي وفي جو طائفي، وصراع بين الطوائف على السلطة داخل الحكم، وانفجارات قنابل في شرم الشيخ والقتلى مئة والجرحى بالمئات، وتفجيرات في لندن والقتلى فاقوا الستين والجرحى مئات، وفي بيروت بيان للقاعدة ومع ذلك فالحكومة لا تقدم لنا خطتها الأمنية بشأن حفظ أمن المواطن اللبناني وتأمين الاستقرار.
شبع الناس من نقل خطابات النواب على التلفزيون وباتوا يدركون أن النواب انما يخاطبون الناس في منازلهم ويتبارون للبطولة، فيما الناس في الشارع يخافون من سيارة مفخخة أو قنبلة موضوعة في شارع ما.
قمة عربية تجتمع من أجل وضع استراتيجية عربية ضد أعمال العنف والتفجيرات بعد انفجارات شرم الشيخ، وعرب يذهبون الى شرم الشيخ ليفتشوا عن الأمن بعدما اصابتهم التفجيرات في قلب المدن العربية فيما منطلق العنف والتفجيرات ناتج من الظلم الاسرائيلي والأميركي في فلسطين.
عرب يذهبون ليفتشوا عن الأمن العربي في شرم الشيخ، فأي نجاح يصيبون واكثرية العرب باتوا أزلاماً لواشنطن وبطريقة غير مباشرة يطأطئون رؤوسهم أمام شارون.
أما في بيروت فحكومة تهرب من الواقع لا تتحدث عن الـ1559، ولا تقول لنا سياستها الأمنية، ومنذ 14 شباط في لحظة اغتيال الشهيد رفيق الحريري ظهر لبنان على انه الساحة المفتوحة لكل الإحتمالات وباتت الساحة اللبنانية مكشوفة لكل أنواع المخابرات باستثناء الأجهزة اللبنانية.
وبعد، ينقل التلفزيون مناقشات النواب كأن لبنان بألف خير، وبدلاً من جلسة سريعة لمجلس النواب وجلسات متواصلة للحكومة لإعلان خطة أمنية شاملة للبنان لإغلاق الساحة اللبنانية أمام الاختراقات من كل الأنواع فإننا لا نجد الا الفراغ والخطابات على التلفزيون.
لعل البعض يقول اننا في "الديار" متشائمون، ولكن عهداً على أنفسنا أن نصفق للحكومة وأن ندعمها إن رأيناها تتخذ خطوات ميدانية لحفظ الأمن عبر خطة أمنية شاملة للبنان، وإننا سوف نصفق للحكومة إن اتخذت قرارات لإنهاء الضائقة الاقتصادية التي أصابت الناس.
القضية يا جماعة الخطابات على التلفزيون ليست تشاؤماً أو تفاؤلاً، انها قضية واقع، فعندما نرى خطوات ميدانية للإنقاذ فسنبدأ بدعم هذه الخطوات والتدابير ونمنح دعمنا للحكومة، أما اذا بقي الجدل في مجلس النواب والحكومة مثل برج بابل فسنبقى نحذّر ونطالب بالإجراءات الميدانية والعملية مهما قالوا عنا اننا نغوص بالتشاؤم.
لبنان يحتاج الى خطوات عملية وليس الى خطابات تلفزيونية يا جماعة المجلس النيابي والحكومة المبتدئة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018