ارشيف من : 2005-2008
رأي "تشرين" السورية/ما وراء الأخبار.. سوريّة لا تقتل الأشقّاء
كتب عز الدين الدرويش
"إن معظم السيارات المفخخة التي تنفجر في العراق تقدم من سورية... لذلك فنحن نحذر من أن بركان العراق المتفجر سيصيب سورية أيضاً".
هذا الكلام لم يقله الأميركيون ولا سياسي مبتدئ أو مسؤول صغير بل قاله وزير الدفاع العراقي السيد سعدون الدليمي، وأسهب في شرحه عن قصد لأسباب ستكشفها الأسطر التالية من هذه الزاوية.
قبل التطرق إلى أهداف وخلفيات تصريح السيد الدليمي هذا لا بد من القول: إن كلامه غير مسؤول واستفزازي ويستهدف الإساءة إلى سورية، انطلاقاً من النظرة الأميركية العدائية إليها.
بمعنى أن هذا الكلام لا يعبر عن رأيه بقدر ما يعبر عن رأي المحتلين الأميركيين مع الإشارة هنا إلى أن تصريحاته جاءت عشية الزيارة "المفاجئة" لـ"نظيره" الأميركي رامسفيلد إلى بغداد.
ومع ذلك فعند أول مراجعة لتصريح هذا المسؤول العراقي ترتسم عشرات شارات الاستفهام والتعجب، فهو يقول مثلاً: إن لديه معلومات مؤكدة عن المحاور التي تسلكها السيارات المفخخة وهي ثلاثة محاور ـ يقصد هنا المنافذ الحدودية السورية ـ العراقية ـ وإنه يعرف أيضاً الطرق التي تسلكها هذه السيارات، والأماكن التي تتوقف فيها، والمقاصد النهائية لها، ولكنه نسي أن يذكر أرقام هذه السيارات وألوانها وأسماء من هم في داخلها.
فيا للعجب، ويا للدهشة فإذا كانت لديه كل هذه المعلومات الدقيقة حسب أقواله فلماذا لا يبادر إلى إلقاء القبض على المفجرين فور عبورهم المنافذ السورية الثلاثة التي تحدث عنها كي يستريح ويريح، ويحفظ دماء العراقيين، ويقدم خدمة أمنية كبيرة لسورية لن تنساها له، على قاعدة ترابط أمن البلدين؟
وبالمناسبة، وإذا ما كان الأمر كما يصفه السيد الدليمي، يمكن بسهولة إلقاء القبض على المتسللين، ولاسيما أن الجيش والأجهزة الأمنية العراقية تستفيد من إمكانيات وخبرات دولة عظمى أين منها إمكانيات سورية المتواضعة، فهم يملكون الأقمار الصناعية، وأجهزة المراقبة الليلية وأدوات التفتيش المتطورة، إضافة إلى جيش جرار يمتلك أحدث الأدوات القتالية من الطائرة والدبابة إلى البندقية، وكل ذلك يفترض أن يكون بإمرة الوزير الدليمي.
ومع ذلك لا بدّ من تذكير السيد الدليمي أن سورية عملت كل ما في وسعها لمراقبة الحدود مع العراق، ومنع التسلل عبرها، وقد حققت الكثير على هذا الصعيد بشهادة المراقبين والدبلوماسيين العرب والأجانب الذين زاروا منطقة الحدود، وبدلائل الأرقام المعلنة بشكل رسمي عن أعداد المتسللين الذين تم اعتقالهم ومن ثم تسليمهم إلى دولهم.
هذه الإجراءات السورية كانت محطّ تقدير الحكومة العراقية السابقة ورئيسها السيد إياد علاوي الذي أعلن صراحة أن سورية عملت ما فيه الكفاية على الحدود.
ونسأل السيد الدليمي بالمناسبة: ألم توفد سورية مؤخراً إلى العراق وفداً سياسياً وأمنياً عالي المستوى لبحث كل الجوانب المتعلقة بالحدود وحركة العبور عليها؟ فلماذا عاد الوفد دون أي معلومات تذكر حول هذه الموضوعات؟ ولماذا لم يقدم معلوماته المؤكدة إلى الوفد الأمني السوري؟
أسئلة كثيرة يمكن طرحها ويعرفها السيد الدليمي ولكنه لا يريد الإجابة عليها إفساحاً في المجال أمام مثل هذه التصريحات الرعناء التي أطلقها.
سورية مع العراق، وضد كل ما يضر شعبه الشقيق ويعكر استقراره، وأمنه، ومصالحه، وسيادته ووحدته الوطنية. هذا مبدأ وقرار سوري لا يرتبط بزمان أو مكان ولا بشخص أو بآخر، ولا تغير تصريحات السيد الدليمي من هذا الموقف السوري تجاه العراق الشقيق شيئاً، ولكن نقول: لا، سعادة الوزير ما هكذا تعالج الأمور بين الدول والأشقاء خاصة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018