ارشيف من : 2005-2008
نشوب خلافات بين واشنطن وإسلام آباد حول الوضع في أفغانستان
حتى في الوقت الذي كانت فيه الحرب على أشدها بين القوات التي تقودها الولايات المتحدة وبين حركة طالبان، نشب خلاف على مستوى عال بين واشنطن وإسلام آباد حول الوضع في أفغانستان، فقد اتهم السفير الأمريكي السابق لدى أفغانستان زلماي خليل زاد والمدعوم تماما من قِبل الرئيس الأفغاني حامد كرزاي باكستان بترك فلول النظام السابق لحركة طالبان يستخدمون باكستان كملجأ في حربهم ضد الجنود الأمريكيين الذي يبلغ عددهم 18 ألفا، وقد جاءت هذه الاتهامات بعد أن فقدت الولايات المتحدة نحو 60 جنديا وضابطا خلال العمليات ضد القاعدة وطالبان في النصف الأول من السنة الجارية، والأمر لا يقتصر على نجاحات صريحة لمقاتلي طالبان ضد قوات الاحتلال بل يبدي الكونغرس الأمريكي بضمن تقريره الصادر في نهاية الأسبوع الماضي تخوفا من احتمال عودة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان إذا لم يتم بذل جهود كافية لتشكيل وتطوير الجيش والشرطة الأفغانية.
ولا شك أن حركة طالبان كانت صنيعة باكستانية، أو بالأحرى كانوا وكلاء عنها، وقد حكمت أفغانستان كدولة إسلامية منذ عام 1996م وحتى عام 2001م، عندما قضت واشنطن على العديد منهم وطاردت الباقين خارج أفغانستان، انتقاما من الحركة، لإيوائها تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، إذ إن تنظيم القاعدة هو المسئول عن تفجير مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر، كما كانت طالبان هي السلاح السري لباكستان، والذي استعادت من خلاله مناطق كبيرة من أفغانستان أثناء الحرب الأهلية التي اندلعت بين قوات الإسلاميين في عام 1992م، وكانت النتيجة النهائية لهذا الصراع هو تفتيت شديد للدولة، ومناطق صغيرة يحكمها القادة العسكريون، وبعد ذلك قامت حركة طالبان بتحييد أو قتل معظم القادة العسكريين، ثم قامت بتوحيد معظم أفغانستان تحت سلطة حكومة إسلامية شكلية، تاركة الأجزاء الشمالية فقط تسكنها أقليات عرقية، وقد است غلت باكستان طلبة المدارس الدينية والتي تسمى بلغة البشتو المحلية "طالبان" وتم تجنيد وتدريب هؤلاء الطلاب ذوي الأصول البشتونية الذين كانوا يدرسون في المدارس الدينية في باكستان، ثم استولى هؤلاء على أفغانستان وأصبحوا حكامها، وتمثل طالبان شكلا جديدا من القومية البشتونية (الدينية)، فهي تتميز تماما عن الأحزاب البشتونية العديدة الموجودة على الحدود الباكستانية الشمالية الغربية ومقاطعات بلوشستان، وهي أحزاب ذات طبيعة علمانية صرفة، ومنذ أعلنت طالبان أن الاعتقاد الإسلامي المتشدد ومشاعر القومية البشتونية متطابقان أصبح لها الكثير من المتعاطفين والمدافعين عنها في باكستان، وخاصة في الإقليمين المتاخمين لأفغانستان، لكن الوضع تغير عقب هجمات 11 سبتمبر ورأت المؤسسة العسكرية الحاكمة في باكستان أن مصلحتها ومصلحة بلادها تكمن في الوقوف بجانب الولايات المتحدة لأن هذا التحول سيفيد باكستان دبلوماسيا واستراتيجيا واقتصاديا، وهذا الذي حدث بالفعل يمكن حصره على النحو التالي:
ـ إبعاد مخاطر الهجوم أو فرض عقوبات عسكرية واقتصادية جديدة على باكستان.
ـ فتح آفاق جديدة للدعم الاقتصادي الغربي لباكستان، وفي إطار ذلك تم إعفاء نحو 1.5 مليار دولار من القروض الأمريكية، والحصول على أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا في إطار دعم ومنح أمريكية تحت مختلف البنود والمبررات.
ـ رفع الحظر العسكري عن باكستان ساعد المؤسسة العسكرية في إعادة بناء وتأهيل الجيش الباكستاني.
والخلاف الحادث بين الحاكم العسكري الأمريكي في أفغانستان وباكستان له خلفية مشوقة؛ فباكستان تركز نيرانها الدبلوماسية أساسا على شخص واحد وهو خليل زاد، والذي كان يشغل منصب السفير الأمريكي في أفغانستان حتى فترة قريبة، وهو يشرف الآن على السفارة الأمريكية المتشعبة في بغداد، وهو الذي يقوم في الحقيقة بتوجيه الحرب والخطط السياسية للحكومة العراقية الجديدة، وتتهم باكستان خليل زاد بأنه شديد التحامل ضدها، وأنه استخدم لهجة متطرفة وغير دبلوماسية ضد باكستان، كما تحدث الرئيس الباكستاني برويز مشرف بوضوح إلى الرئيس الأمريكي "جورج بوش" وشكا له مما يسميه الباكستانيون انتقادات خليل زاد اللاذعة وتأثيرها على حكام كابول، وقد اشتكت السلطات الأفغانية طويلا من أن باكستان لا تقوم بما يكفي لكبح ح ركة طالبان، وهو يُقرون بأن باكستان تقوم بدور كبير في القبض على كبار الأعضاء في تنظيم القاعدة وطردهم، لكنهم اتهموا باكستان بطريقة فجّة بحمايتها لرموز حركة طالبان ومساعدتهم، وإضافة إلى هذا يشعر حكام كابول بشكوك عميقة تجاه مخططات باكستان الموجهة ضد جارتها أفغانستان، والاتهامات التي يوجهها خليل زاد وكرزاي وجنرالات أفغانستان هي اتهامات خطيرة، ولكن حتى إذا كان خليل زاد هو المؤيد الرئيسي لها، فهو لا يتصرف من تلقاء نفسه، ففي البداية يُعتبر خليل زاد أحد حلالي المشاكل الموثوق بهم للغاية من قِبل وزارة الخارجية الأمريكية وحزب الرئيس بوش الجمهوري؛ فالعمليات التي تقوم بها الحكومة اليوم في كابول والكثير من هذه العمليات في بغداد يرجع الفضل في الكثير منها إلى خيارات خليل زاد وخططه السياسية، وخليل زاد ليس دبلوماسيا عاديا، فهو وثيق الصلة بوزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس، كما أنه بالإضافة إلى رايس وكرزاي لهم ارتباط بشركة البترول الأمريكية العملاقة "يونوكال"، والذي اقترح إنشاء خط أنابيب يقوم بنقل البترول من تركمانستان عبر أفغانستان حتى ميناء باكستان الجديد في جوادر، وهذا الخلاف الدبلوماسي د اخل الأخوية الدبلوماسية الممتدة المؤيدة لواشنطن غريب من أكثر من ناحية، كما أن المسئولين الأمريكيين لم يحاولوا تبرير أي من تصريحات خليل زاد أو كرزاي، ومع هذا فواشنطن تقوم بالفعل بتشجيع باكستان على أن تستمر في لعب دورها في "الحرب على الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة، وهو دور أساسي من جوانب عديدة، ولا يمل الرئيس بوش وآخرون من مدح برويز مشرف بسبب إنجازاته في هذه الحرب، كما لا يملون من ربط هذا المديح بالمساعدات المالية وغيرها، لكن واشنطن تسير على خط في غاية الدقة، فهم يقومون بمجاراة مشرف دون منع ضغوط الدوائر السياسية وشبه العسكرية، والمتمثلة في تهم كرزاي وخليل زاد، ويبدو أن الغرض من هذا هو الحفاظ على ولاء مشرف وتعاونه في "الحرب على الإرهاب"، مع الحفاظ على الضغط الواقع عليه حتى يقوم بإنجاز المطلوب منه فيما يتعلق بموضوع طالبان.
أما الأفغان فهم من القمة إلى القاعدة فيشعرون بالشك في أن تكون باكستان تتعاون معهم بصدق، فهناك بعض الأدلة على هذا، معظمها صحفية، تظهر جنود طالبان وهم يعيدون التجمع والتنظيم في باكستان، كما أن إقليم بلوشستان والحدود الباكستانية الشمالية الغربية تمثل ملجأ لهم، فهم يتمتعون بقدر من التأييد والشعبية في هذه المناطق، لكن واشنطن لا تستطيع أن تفعل إلا القليل حيال هذا، فمشرف في الحقيقة عاجز عن اعتقال كل المنتمين لحركة طالبان مع بروز الكثيرين منهم دائما، وبالإضافة إلى هذا لا يمكن للمسئولين الأمريكيين أن يقوموا بإجبار مشرف على الإقدام على صراع لا نهاية له مع فرص احتمال نجاح ضعيفة، لكنه يجب أن يظل تحت ضغط مستمر حتى تتم على الأقل إعاقة تدفق المنتمين لطالبان إلى أفغانستان.
ورغم أن الخلاف الدبلوماسي الجاري بين واشنطن وإسلام آباد لن يتفجر إلا أن تعقيداته طويلة المدى يمكن أن تكون شديدة الضرر للعلاقات القائمة بين البلدين.
المصدر: وكالات ـ "الصفا" الباكستانية ـبقلم محمد طاهر حيات
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018