ارشيف من : 2005-2008
أجوبة زهير الصدّيق تثير المزيد من الأسئلة، عون والحريري: هدنة تفصل بين معركتين
"السفير"/ عماد مرمل
مع سريان العد التنازلي لاستئناف الحوار الوطني يوم الجمعة المقبل، من المفترض ان تبرد نسبيا "حمى" السجالات التي ضربت البلد خلال الاسبوع الماضي، متسببة بحالة من الفوضى السياسية ومهددة بـ"تبذير" الرصيد الذي تجمع خلال جلسات الحوار حتى الآن.
وإذا كان الكثيرون يعتقدون ان وظيفة الحوار في مجلس النواب هي تقطيع الوقت ليس إلا باعتبار ان الحل والربط هو في مكان آخر، إلا انه تبين ان له وظيفة أخرى تتمثل في تنظيم الخلاف بين اللبنانيين ومنع انفلاته في انتظار ان يقضي الله أمرا كان مفعولا، ويكفي للدلالة على ذلك ان البلد يعاني منذ تعليق الحوار قبل ثلاثة أسابيع من عوارض انعدام الوزن التي اتخذت في الايام الاخيرة شكل حرب كلامية عنيفة ملأت "الفراغ" السياسي بصخب القنابل الصوتية.
وبعدما أخذت الحرب الكلامية مداها على مختلف الجبهات وخطوط التماس، يبدو ان قرارا بوقف إطلاق النار قد تم التوصل اليه بمساهمة من الرئيس نبيه بري، على قاعدة وجوب ترطيب الاجواء المتشنجة عشية استئناف جلسات الحوار بما يوفر الحد الادنى من "المقومات النفسية" لانطلاقها مجددا ويتيح للاقطاب ان ينظروا في عيون بعضهم البعض، وعُلم ان الطرفين المعنيين أساسا بالاشتباك السياسي الاخير وهما التيار الوطني الحر وتيار المستقبل قد أبديا استعدادا للتجاوب مع مساعي التهدئة، علما ان كلا منهما يعتبر انه كان في موقع الدفاع عن النفس في مواجهة "الاعتداء" الذي تعرض له، وبالتالي فان كلاهما أبلغ من يهمه الامر انه سيلتزم بالهدوء إذا توقف الطرف الآخر عن الاستفزاز.
ولكن أوساطا سياسية مطلعة تدعو الى عدم توقع الكثير من "الهدنة" المفترضة، لافتة الانتباه الى ان طاقتها القصوى في المرحلة الحالية لا تتعدى حدود وقف الشتائم والتقاط الانفاس، تمهيدا لعودة المتحاورين الى الطاولة المستديرة، وبالتالي فان الهدنة ذات طابع موضعي بالدرجة الاولى ولا تعني المهادنة السياسية التي لم تتحقق شروطها بعد.
وفي هذا المجال يعتبر مقربون من العماد ميشال عون ان تيار المستقبل خاض أصلا معركة وهمية حول رئاسة الجمهورية، إذ ليس في قدرته أصلا إزاحة الرئيس لحود ثم ما من مرشح معلن لديه، مشيرة الى ان وضع ما جرى خلال الايام الماضية في إطار "السجال" فقط هو تقزيم للحقيقة وتجاوز لها، أقله في ما خص التيار الحر الذي وجه أسئلة محددة الى تيار المستقبل تتعلق بملفات اساسية، مالية وسياسية، وهو ما زال ينتظر الاجوبة الشافية عليها.
وإذ يؤكد المقربون من عون ان "الاكثرية" فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع الملف الرئاسي وهذا ما سيتم التعبير عنه في جلسة الحوار المقبلة عبر طي هذا الملف وختمه بالشمع الاحمر الى حين انتهاء ولاية لحود.. يرون في الوقت ذاته انه ستكون لهذا الاخفاق تداعيات على تلك "الاكثرية" لانه ليس منطقيا ان يمر الامر مرور الكرام وكأن شيئا لم يكن،
ويؤكد هؤلاء ان العماد عون يرفض ان يكرر تجربة لقاء قرنة شهوان الذي كان يشكل معارضة استيعابية تحت السقف، صح عليها في حينه تسمية
"الموارضة"، وهم يتوقعون ان يبدأ الجنرال قريبا بممارسة المعارضة الفعلية وفق آليات عمل محددة، بعدما أعطى الكثير من الفرص منذ عودته الى لبنان في أيار الماضي، ولعل الذكرى الاولى لرجوعه من المنفى والتي تصادف في 7 أيار المقبل، ستكون نقطة تحول مفصلية في مساره الداخلي.
على جبهة أخرى يختلط فيها القضائي بالسياسي، انشغل اللبنانيون مجددا بمفاجآت الشاهد محمد زهير الصديق الذي نُسب اليه في يومين تصريحان متناقضان، برّأ في أولهما الضباط الاربعة من تهمة المشاركة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بينما ثبّتها عليهم في ثانيهما، ليضاف "إنتاجه" الجديد في هذا المجال الى سجله الحافل بالشيء وضده.
في بيروت، جرى بطبيعة الحال التعاطي مع ظهور الصدّيق المتجدد تبعا للهوى السياسي، فركز البعض على الطبعة الاولى من كلامه المنشورة في جريدة "الديار" اللبنانية، فيما ركز البعض الآخر على الطبعة الثانية المنشورة في جريدة "الرأي العام" الكويتية.
أما محامو الضباط الاربعة، فقد قدم لهم الصدّيق دليلا إضافيا على عدم أهليته كعنصر محوري يمكن الركون اليه في التحقيق. بالنسبة الى وكيل الدفاع عن ريمون عازار ومصطفى حمدان الوزير السابق ناجي البستاني فان الحديثين المتناقضين اللذين أدلى بهما الصدّيق خلال يومين من شأنهما ان يعززا سقوط إفاداته برمتها الواحدة تلو الاخرى، بالنظر الى تلونها وتباينها، ويرى البستاني ان توقيت ظهوره الآن في وقت تتكثف الجهود لاطلاق سراح الضباط الاربعة وبالتزامن مع بروز تحول في مزاج الناس تجاه قضيتهم، إنما ليس توقيتا بريئا.
وكيل الدفاع عن جميل السيد المحامي أكرم عازوري لا يتوقف من جهته عند مضمون كلام الصدّيق، لانه لا يستأهل أي اهتمام ولان القضية في مكان آخر حسب رأيه. يقول عازوري ان الصدّيق يذكره بشخصية ريمون ابن يوسف قليقل ضمن البرنامج الكوميدي السابق "أس أل شي"، حيث كان قليقل يروي المغامرات الوهمية لابنه ريمون الذي كان يتنقل بين الرؤساء ويخوض البطولات، وكلها بالطبع من نسج الخيال.
ويلاحظ عازوري ان الصدّيق الذي ادعى ذات مرة انه يعرف من خطط وشارك في قتل الرئيس الحريري وانه كان شاهدا على الاجتماعات التنسيقية في إحدى شقق الضاحية الجنوبية وصولا الى قوله بالامس انه اتصل شخصيا برئيس الوزراء السوري ناجي العطري وبرئيس المخابرات السورية.. كل ذلك يرخي ظلالا من الكوميديا السوداء على إفادات الصدّيق ويرسم علامات استفهام حول شخصيته وحول سبب ترحيله الى فرنسا ثم إطلاق سراحه وهو المدعى عليه من ديتليف ميليس والقاضي الياس عيد.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018