ارشيف من : 2005-2008
"السفير"/ تنفيذ مقررات الحوار يستدعي مشاركة المعنيين "خارج الطاولة" نصرالله: إذا وقعت مشكلة في الداخل سألملم أغراضي وأتوجه جنوباً حيث معركتي الأساسية
كتب عماد مرمل
قال الوالد لابنه: أريد ان أزوّجك.
أجابه الابن: ولكنني لا أرغب في ذلك الآن، لانني لست مؤهلا بعد لهذه الخطوة.
الوالد: وما رأيك إذا كانت العروس هي ابنة بيل غيتس، أغنى رجل في العالم.
الابن: في هذه الحال، أنا موافق.
ذهب الوالد الى بيل غيتس وطلب منه تزويج ابنته لابنه.
أجابه غيتس: ولكن ابنتي لا تزال صغيرة ولم تصبح بعد حاضرة للزواج.
الوالد: وما رأيك إذا قلت لك بان ابني هو نائب رئيس البنك الدولي.
غيتس: في هذه الحال، أنا موافق.
ثم ذهب الوالد الى رئيس البنك الدولي وقال له: أقترح عليك ان تعين ابني نائبا لك.
فرد عليه: ولكنني لا أحتاج اليه في هذا المنصب.
الوالد: وما رأيك إذا قلت لك بان ابني هو صهر بيل غيتس.
رئيس البنك الدولي: في هذه الحال، أنا قبلت.
يروي أحد السياسيين المواكبين لأعمال مؤتمر الحوار الوطني هذه الرواية الطريفة، المستوحاة من الخيال، ليخلص الى اعتبار النتائج المعلنة للمؤتمر حتى الآن شبيهة بوقائع الرواية. سيناريو ممتاز على الورق إلا ان الواقع في حقيقته هو أكثر تعقيدا.
ويعتبر هذا السياسي المطلع على كواليس الحوار ان ما خلص اليه المتحاورون، برغم أهميته، يبقى نوعا من "المونولوج" او العزف المنفرد، لأن هناك أطرافا أخرى، ليست موجودة على الطاولة المستديرة، هي معنية أيضا وربما أولا بكل المسائل المطروحة، وبامكانها من موقعها ان تعرقل او ان تسهل التفاهم.
ويشير السياسي في هذا السياق الى ان معالجة الازمة مع سوريا تحتاج الى مشاركة سورية، وتسوية ملف السلاح الفلسطيني تتطلب شراكة فلسطينية وسورية، ومقاربة مستقبل سلاح المقاومة تفترض لحظ المعطيات الاقليمية والدولية، وحل مشكلة رئاسة الجمهورية يستوجب توافقا خارجيا، وبالتالي فان التفاهم اللبناني حول هذه القضية او تلك يبقى ناقصا إذا لم يجد "نصفه الآخر".
ويرى السياسي المطلع ان الواقعية تقتضي عدم التقليل من شأن القواسم المشتركة التي توصل اليها المتحاورون إنما من دون المبالغة بموازاة ذلك في تقدير حجمها الحقيقي، لافتا الانتباه الى ان القرارات التي أعلن عنها الرئيس نبيه بري تنطوي في مجملها على "مخارج محبوكة"، تفيد في شراء الوقت بأقل كلفة ممكنة، وتتيح ترك أبواب الاجتهاد مفتوحة بما يوفر لكل طرف فرصة ان يوحي بانه نال ما كان يريده او بعضا منه.
وفي المعلومات حول "المخاض" الذي سبق التوافق على عدد من البنود في الجلسة الحوارية الاخيرة، ان هناك من رفض إستخدام مصطلح
"ترسيم" حدود مزارع شبعا، آخذا بعين الاعتبار بعض المواقف التي كانت قد اعتبرت الترسيم مطلباً إسرائيلياً، فارتؤي بعد أخذ ورد اعتماد مصطلح "تحديد" المزارع، وهو التعبير القانوني الذي يُستخدم عادة حين يراد إجراء مساحة لأرض غير ممسوحة، وهذا ما ينطبق على وضع مزارع شبعا.
وعُلم ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، توجه الى الموجودين قائلاً: نحن ما زلنا ننفذ عمليات تذكيرية في مزارع شبعا، لكن اريدكم ان تعرفوا أننا قادرون إذا وفرتم لنا الغطاء على تحريرها خلال مدة قصيرة، وللعلم فنحن كان بمستطاعنا الاستفادة من زخم الانتصار في أيار 2000 والتقهقر الاسرائيلي آنذاك لنواصل تقدمنا ، غير اننا فضلنا التريث حرصا على عدم إرباك الانجاز العظيم.
وأضاف نصرالله: أنا لن أنزلق الى صراعات الزواريب، وإذا وقعت أي مشكلة في الداخل لن أتدخل فيها، بل انني سألملم أغراضي وأتوجه جنوبا حيث معركتي الاساسية والاصلية.
وبالنسبة الى العلاقة مع سوريا، كان لافتا للانتباه قول رئيس الحكومة فؤاد السنيورة للحاضرين: لا أقبل ان تكون سوريا عدوة، ولتبادر هي الى تحديد حدود مزارع شبعا، ونحن في هذه المقاربة إنما نقارب ذاتنا...
أما قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع فتكلم عن شكوك لديه في نوايا سوريا، مستشهدا بـ"تجاربه السيئة" معها.
وعندما طُرحت مسألة إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بين لبنان وسوريا، قال النائب سعد الحريري مازحا: غدا، ربما ينتدبون رستم غزالة سفيرا لهم في بيروت، فرد الرئيس بري على الموجة ذاتها من المزاح: اطمئن... في القواعد الدبلوماسية، لا بد من ان يحظى السفير المنتدب بموافقة الدولة التي يُرسل إليها.
وتعتبر أوساط مقربة من فريق ما بات يُعرف بـ"الاقلية" ان الصيغة التي تم التوصل اليها بخصوص العلاقة مع سوريا، تنصف هذا الفريق الذي نجح في إعادة هذه العلاقات الى الكنف الدافئ لاتفاق الطائف ومفرداته الحميمة بعد محاولات حرّفها عن مسارها وتحريف مضمونها، "وحتى ما تفترض
"الاكثرية" انه مكسب لها في ما يتعلق بإقامة علاقات دبلوماسية، لا يمكن إدراجه في هذه الخانة، لان سوريا ذاتها وقبل إنسحاب جيشها من لبنان كانت قد أقرت مبدأ التبادل الدبلوماسي. وهذا ما عبّر عنه آنذاك السفير وليد المعلم (وزير الخارجية حاليا) عندما التقى بطرس حرب ونسيب لحود على يخت عصام فارس"، غير ان مصادر "الاكثرية" تصر على انها حققت إنجازا استراتيجيا من خلال إزالة أي إلتباس او غموض حول طبيعة العلاقات مع سوريا التي "وضعت في إطار من الندّية المتبادلة وعلى قاعدة عدم تدخل أي من الدولتين في شؤون الدولة الاخرى، إستنادا الى سيادة واستقلال كل منهما، الامر الذي يخالف النمط السابق من التعامل السوري مع لبنان".
وفي ما خص ملف رئاسة الجمهورية، تتوقع أوساط مواكبة لاعمال مؤتمر الحوار ألا يحسم قريبا، مشيرة الى ان مصيره مرتبط بما سترسو عليه المعادلة الاقليمية الدولية وتوازناتها. وترى هذه الاوساط في هذا الاطار انه وبعدما كانت سوريا في الماضي تسمي رئيس الجمهورية مقابل إمتلاك أميركا حق الفيتو، إنقلبت الادوار اليوم وباتت واشنطن في موقع من يسمي ودمشق صاحبة الفيتو، وعليه لا بد من إنتظار المسار الذي ستتخذه العلاقة بين الجانبين قبل البت في مصير رئيس الجمهورية.
ويروى على هامش مؤتمر الحوار ان العماد ميشال عون الذي لاحظ ان بعض "المحاورين المسلمين" يكثرون من الاستشهاد بالبطريرك الماروني لدى كلامهم عن رئاسة الجمهورية، خاطب هؤلاء قائلا: يبدو انكم تأخذون بتوجيهات البطريرك أكثر مما نفعل نحن..
ومن الظواهر اللافتة للانتباه، انه وبينما كان العماد عون يستعد لتناول الغداء في مطعم "البلد" إقتربت منه مجموعة من الشابات الاردنيات اللواتي صافحن "الجنرال" بحرارة وأبدين إعجابا به، ما دفع بعض الذين علموا بهذه الواقعة الى الاستنتاج بانها مؤشر الى ان عون يكتسب تدريجيا بعدا عربيا في أعقاب توقيعه على وثيقة التفاهم مع حزب الله.
ويروى أيضا ان الرئيس السنيورة تأخر بعض الوقت عن الوصول الى قاعة الحوار، ما "شجع" الوزير أحمد فتفت على الجلوس مكانه، فما كان من عضو كتلة التغيير والاصلاح النائب عباس هاشم إلا ان قال له "فأل خير"، ليضحك فتفت تحت أنظار سعد الحريري.
أما النائب وليد جنبلاط فقد لاحظ، من جهته، ان الجو في قاعة الحوار أصبح ضبابيا نتيجة الاكثار من التدخين، الامر الذي جعل بعض "الخبثاء" يتساءلون: هل كان جنبلاط يعكس واقع المناخ السياسي في البلد؟
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018