ارشيف من : 2005-2008
جرصة الاعلام الرسمي والخاص أمام الحقيقة الجارحة
"الديار"/ كتب جورج بشير
المثل الدارج يقول، بان الحقيقة تجرح، فكم بالحري اذا كانت هذه الحقيقة جارحة، كما وردت في كل عبارة من العبارات التي اوردها الرئيس اميل لحود في المقابلة المتلفزة التي اجراها معه الزميل غسان بن جدّو لشبكة «الجزيرة» المعروفة لبنانياً وعربياً ودولياً.. ولعلّ هذه الحقائق التي اوردها الرئيس لحود على ما يبدو في المقابلة المذكورة، كانت جارحة لدرجة ان المسؤولين عن الاعلام الرسمي من وزير الاعلام الشاب صاحب العقل الاعلامي الحضاري الحرّ كما نعرف فيه وعنه غازي العريضي، والمسؤولين في تلفزيون لبنان الرسمي المعروف عنهم ذلك ايضاً، فضلا عن الزملاء رئيس واعضاء المجلس الوطني للاعلام، مع انه لا علاقة لهم بهذا الموضوع، ولا بغيره، لم يتحملّوا جميعاً ان يتولى تلفزيون لبنان واذاعة لبنان نقل او بثّ او اذاعة كلام قاله رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود، الذي ما زال رئيساً للبلاد برغم رأي بعض الذين مدّدوا له ولايته من الزعماء والنواب والوزراء والكتل، سواء كانوا فعلوا ذلك بارادة من عندهم، ام بارادة من عند غيرهم، ام حتى بوسائل الترهيب والترغيب التي القى هؤلاء مسؤولية قرارهم عليها، وعلى الجهات المحلّية والخارجية الواقفة خلفها..
منذ اكثر من سنة وغرفة العمليات السياسية والاعلامية المبرمجة من معدّي برامج ومقدّميها ومن كتاب مقالات ومن محللّين ونواب حاليين وسابقين ووزراء حاليين وسابقين يؤلفون الجوقة المعروفة التي يحرِّكها روموت كونترول داخلي وخارجي، وهؤلاء الذين يؤلفون هذه الجوقة يتوّلون صبحاً وظهراً ومساء، وحتى في خلال السهرات والصبحّيات حملة شتائم واهانات واتهامات هدفها ضرب سمعة رئيس الجمهورية والتحريض عليه شخصياً وعلى رئاسة الجمهورية لغايات معروفة، من دون ان يرّد الرئيس لحود على هذه الجوقة المبرمجة باصواتها وببرامجها، وما ان بادر الى الردّ عليها مرة واحدة، وعبر تلفزيون عربي «الجزيرة» اول من امس، حتى صدرت الاوامر الى المسؤولين عن الاعلام الرسمي، وعن الاعلام الخاص، حتى عن بعض التلفزيونات المحلّية التي يتغنّى اصحابها والمشرفون عليها بأنهم يقدّسون الممارسة الديمقراطية والحريات في ابداء الرأي وفي احترام الرأي الآخر، بعدم بثّ او نشر الشريط المتلفز للحديث الذي ادلى به رئيس الجمهورية اللبنانية، مع ان هذه الوسائل الاعلامية والمشرفين عليها لم يتأخروا عن نقل وقائع ما قامت به «جوقة الطناجر» التي قدّمت لوحاتها في ساحة البرج لعدة ايام انطلاقاً من حرص الوسائل الاعلامية المشار اليها والمشرفين عليها والعاملين فيها على ان تكون الممارسة الديمقراطية الحرة كاملة الاوصاف من خلال احترام الحرية والرأي الآخر... لكن كلام رئيس البلاد ممنوع بثّه او نشره او عرضه عبر التلفزيونات، بما فيا التلفزيون الرسمي؟!!
قد يفهم بعض سيئي النيّة اننا في هذا المجال نحاول تسليط الاضواء على مواقف اعلنها الرئيس لحود، او تحريض وســائل الاعلام المـشار اليها على ضرورة الاخذ بمواقف وتصريحات اعلنها او ادلى بها الرئيس... لا يا سادة، انما نحاول في هذا الصدد ان نشير الى انه من حق الرئيس اميل لحود التام ان يقول ما يريد، وان يدلي بموقفه وبرأيه بكل حرية.. ومن حقّه على وسائل الاعلام الرسمي والخاص ان تطلع الرأي العام اللبناني على ما قاله رئيس البلاد، لان من ابسط حقوق هذا الرأي العام اللبناني ان يرى ويسمع ويفهم، وتترك له الحرية في التقدير والتفسـير وفي اتخــاذ المــوقف من كلام الرئيس وما قاله سلباً او ايجاباً، وليس من حقّ وزير الاعلام او المســؤولين عن وزارة الاعلام ولا المشرفين على تلفزيون واذاعة الدولة، ولا حتى حقّ المشرفين على التلفزيونات الخاصة وفي طليعتها المؤســسة اللبنانية للارسال، او تلفزيون المستقبل او اي جهاز اعلامي خاص آخر من الاعلام الخاص ان يمنعوا عرض وبثّ الشريط لان من ابسط حقوق المشاهدين والمستمعين من المواطنين عليهم ان يفسحوا في المجال امامهم كاملاً لكي يطلّعوا على كل شيء، ما يقوله ويفعله جماعة 14 آذار او جماعة الرئيس عون او جماعة حزب الله وغيرهم، او حتى جماعة قرنة شهوان بكل شتاتهم، وان يتركوا التعليق وابداء الرأي للرأي العام اللبناني.. لكن ان تصدر الاوامر المعلّبة بمنع عرض شريط المقابلة التلفزيونية التي اجراها تلفزيون «الجزيرة» مع الرئيس اميل لحود رئيس الجمهورية اللبنانية، فهذا امر غير مقبول ومستهجن، لا بل انه امر مستنكر، لانه يعيدنا الى ايام الانظمة الموّجهة ايام الاتحاد السوفياتي والنظام الشيوعي ونظام الرأي الواحد وحكم الرجل الواحد والحزب الواحد والى ايام نظام العسكريتاريا والمخابرات وما شابه من انظمة القمع وضرب الرأي الآخر وعدم احترامه او الاعتراف به... فهل نحن فعلاً في مثل هذا النظام، في ظل هذه «الاكثرية» الحاكمة بأمرها، وهي ليست اكثرية سوى بالاسم، ولا تحترم الديمقراطية والحرية والرأي الآخر؟؟!
لقد بثّت قناة «الجزيرة» حديث رئيس الجمهورية اميل لحود على كل اقنيتها العاملة، كما بثّته وسائل الاعلام اللبنانية والعربية والدولية المختلفة، وهو - الحديث - لن يكون الاخير على ما يبدو، لان الرئيس لحود قرر المواجهة مع خصومه، ومع الذين يحاولون تحميله وحده وزر الازمات والاخطاء والتجاوزات المرتكبة طيلة العشرين سنة الماضية، فيما يحاول الآخرون من اركان «الاكثرية» غسل ايديهم من هذه المسؤولية مع انهم كانوا وما زالوا امّها وابوها مع كل زبانيتهم وطواقم عملهم واعمالهم والشعب اللبناني يعرفهم ويسمّيهم واحداً واحداً...
المطلوب ان يتركوا لهذا الشعب على الاقل حرية التقدير من خلال احترام حرية الرأي، خصوصاً احترام حرية الرأي الآخر، وان تكن الحقيقة تجرح، وهي بالفعل جارحة...
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018