ارشيف من : 2005-2008

عن التوازن الصعب والتعايش المستحيل بين الأقطاب والطوائف (2)/ الأغلبية أمام خيار: التواضع واحترام التوازن أو المواجهة!

عن التوازن الصعب والتعايش المستحيل بين الأقطاب والطوائف (2)/ الأغلبية أمام خيار: التواضع واحترام التوازن أو المواجهة!

كتب ابراهيم الامين في صحيفة السفير 15/11/2005‏

لماذا الذهاب بعيداً؟‏

قبل ظهر يوم، أي يوم قريب، تقوم مجموعات النخبة في المقاومة الإسلامية بعملية نوعية ضد قوات الاحتلال، لأجل اسر جنود لإطلاق بقية المعتقلين في السجون الإسرائيلية. وكما هي الحال فسنكون أمام خيار من أمرين، إما فشل العملية وتحمل المقاومة مسؤولية ذلك عسكرياً وأمنياً وسياسياً، وإما نجاحها وتعرض الجيش الإسرائيلي لإهانة جديدة من النوع غير القابل للبلع. فإما أن تسكت إسرائيل وتدفع ثمناً إضافياً على ثمن نجاح العملية، وإما أنها سوف تندفع الى ردود بينها القصف الموضعي او المطاردة الميدانية او اللجوء إلى الانتقام بقصف في عمق لبنان. وفي كل الحالات نحن أمام ردود مقابلة من جانب المقاومة، وهي ردود سوف تتناسب وحجم العدوان الإسرائيلي، وسوف ترتفع بمقدار ما يرتفع ارييل شارون... حتى ولو ركب أعلى ما في خيله!.‏

ما علينا والتفاصيل، ولكنْ، ثمة دبلوماسيون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة سوف يتصلون برئيس الحكومة اللبنانية وبعدد من الوزراء والقوى السياسية طالبين عدة امور، تبدأ بإدانة العملية وتمر بتوبيخ "حزب الله" وتصل الى حدود اعتبار العملية أمراً مخالفاً للسياق السياسي الذي يسير لبنان على هديه...‏

فماذا يفعل لبنان الرسمي والسياسي حينئذ؟‏

إذا كان هناك توافق وتغطية كاملة لعمل المقاومة فإننا أمام ما هو مخالف تماماً لروح 14 آذار الدولية، باعتبار ان لهذه الحركة روحها اللبنانية التي خفتت من عند جميع من شاركوا فيها، باستثناء التيار العوني، ولها روحها الدولية التي تسكن فريق الغالبية النيابية الغارق في واقعية شديدة تفيده بعدم ضرورة القيام بأي شيء: لسنا من يقرر مستقبل التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولسنا من يقرر مستقبل سوريا، ولسنا من يقرر مصير اللاجئين الفلسطينيين، والمال ليس بيدنا ما يعني انه ليس بيدنا ما نقرره في شأن مستقبل بلادنا الاقتصادي... وهذه الواقعية تقود هؤلاء الى التحدث بسذاجة لا سابق لها عن المجتمع الدولي، واعتبار مساءلة لجنة التحقيق الدولية ومجلس الأمن الدولي وانتقائية الدبلوماسية الأميركية والغربية نوعاً من المكابرة السياسية، وأن أي لجوء الى انتقاد لهذه السياسات يعد ضرباً في الحرام وعقوبته الدنيا وصفه بالكلام الخشبي... ولكن الخلاصة عند معبّدي طريقي عوكر وقصر الصنوبر، سواء من الذين تمسكوا بهذه الطريق سابقاً او من الذين كانوا يقومون بالرحلة نفسها سابقاً، ولكن الى عنجر، تقول: هل نقف لوحدنا بوجه المجتمع الدولي؟! وينتهي الأمر عند هؤلاء بطلب إلقاء سلاح المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وبتسليم سوريا إلى البيت الأبيض والبنتاغون لأجل اختبار جديد بعد تجربة العراق؟...‏

وبناء عليه، فإن مجلس الوزراء المفترض ان ينعقد سوف يكون الاختبار الفاصل لحقيقة ما حصل في لبنان خلال الشهور السبعة الأخيرة!.‏

ولماذا نذهب بعيداً أيضاً؟‏

تفاقم مشكلات البلاد الاقتصادية المعيشية تعني أموراً عدة محسوبة في مكاتب المعنيين: تراجع فرص العمل وزيادة أرقام البطالة، تراجع الواردات بالعملات الأجنبية ما يعني نقصا في المال القابل للاستدانة والتشغيل في خزينة الدولة المثقوبة. وظائف شاغرة في الادارة العامة وبرنامج طموح لتقليص حجم‏

القطاع العام. معركة سياسية استمرت 15 عاماً على كلفة المؤسسات العسكرية والامنية، وحملة اثمرت إلغاءً لخدمة العلم، ثم فجأة تصبح البلاد بحاجة الى 18 الف عسكري في قوى الأمن وإلى اكثر من عشرين الف مخبر امني في كل الاراضي اللبنانية، والى تمويل ضخم لتحديث الجهاز التقني والفني في المؤسسات البوليسية... لا مكان لشيء اسمه الدعم لعدم توافر الاموال العامة، لا في الزراعة وتصريف الانتاج ولا لقطاع النقل والخدمات البسيطة ولا للحالات الطارئة الناجمة عن مواجهة البرد وغلاء اسعار المحروقات ولا لأجل توفير بديل متدرج عن توفير سلة استهلاك شهرية من السوق السورية بأسعار تقل عن النصف لبنانياً، ولكن هناك حاجة لأجل توفير مئات الملايين من الدولارات لأجل تمويل "مشروع استكمال عودة المهجرين" من دون ان يعرف احد في هذه الجمهورية الموعد النهائي لعملية المصالحة التي قد تستمر، فيما عاد الجميع الى التقاتل...، وأكثر من ذلك كله، الذهاب نحو برامج خصخصة في آخر القطاعات المنتجة، والاستعداد لتشريد آلاف العائلات بتعويضات تصرف خلال عامين على الطبابة والتعليم والسكن!‏

ومع ذلك، فإن ثمة من يخرج ليقول بأن في البلاد سلطة جديدة تتمتع بشرعية شعبية لا سابق لها، وتحظى بدعم دولي غير معهود، ومتحررة من ضغوط النظام الامني المافيوي الميليشياوي اللبناني السوري المشترك... وهي تحتاج فقط الى رئيس جديد للجمهورية لأن الموجود حالياً غير مرغوب فيه، وربما تحتاج الى من يقنع الآخرين من خارج الأغلبية مثل التيار الوطني الحر و"حزب الله" وحركة "امل" ومن لم يفز من الآخرين في الانتخابات الأخيرة، بأن عليهم الإقرار بالهزيمة والتسليم بقدرة سلطة 14 اذار على قيادة البلاد نحو بر الأمان!.‏

لكن هل بمقدور احد من كل هؤلاء الإجابة عن حقيقة التمثيل السياسي الذي يدير البلاد الآن؟ وهل يقدر مسيحيو الغالبية، ومهما جرى نفخهم، في المجلس النيابي على الادعاء بأنهم يمثلون الشارع المسيحي وأنهم يقدرون على النطق باسمه واتخاذ القرارات المصيرية عنه؟ وإذا استمر الخلاف القائم الآن بين قوى التحالف الشيعي وبين التركيبة الحكومية وخرج "حزب الله" و"أمل" من الحكومة، فهل بمقدور قوى الغالبية ان تأتي بوزراء شيعة يقررون مصير الآخرين؟ وهل صحيح ان بمقدور احد من خارج تيار "المستقبل" لا من قوى الغالبية ولا من قوى الأقلية التصرف بأي موقف يخص السنة؟‏

لا بأس في هذا المجال من إعادة التذكير بنتائج الانتخابات الاخيرة حتى اذا ما تطورت المواجهة السياسية في المرحلة المقبلة لا يتحدث احد عن تمرد أقليات مرفوضة بوجه أغلبيات مقبولة؟‏

بحسب كتاب عبدو سعد حول نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة فإن النواب المسيحيين الذين يشكلون اكثر من نصف نواب الاغلبية النيابية (38 من اصل 72) قد فازوا بأصوات ملتبسة:‏

في الشوف فاز نواب الاغلبية من المسيحيين ب80 في المئة من اصوات المسلمين، اما الاصوات التي حصلوا عليها من الناخبين المسيحيين فقد ظلت دون ال35 في المئة منهم. في بيروت فاز النواب من المسيحيين ب85 في المئة من اصوات المسلمين.‏

وفي بعبدا عاليه فاز نواب الاغلبية من المسيحيين ب76 في المئة من المسلمين، وفي البقاع الغربي فاز نواب الاغلبية من المسيحيين بأكثر من 90 في المئة من اصوات المسلمين، اما في زحلة فقد فاز نواب الاغلبية من المسيحيين ب65 في المئة من اصوات المسلمين، وفي دائرة الشمال الاولى فاز نواب الاغلبية من المسيحيين بأكثر من 77 في المئة من اصوات المسلمين، وفي دائرة الشمال الثانية فاز نواب الاغلبية من المسيحيين بأصوات 70 في المئة من المسلمين.‏

وعليه، فإن من يعتقد أن بيده الاغلبية الكفيلة بجعله يقود البلاد لوحده، فلا بدّ ان يتذكر انه لا يملك في الشارع إلا اغلبيته هو وليس اغلبية غيره، وهذا ما يعني انه ليس بمقدور احد من قوى الغالبية ان يفرض رئيساً للجمهورية بغير رضى التيار الأوسع تمثيلا عند المسيحيين، والذي يقوده العماد ميشال عون، حتى ولو حصل على غطاء الكنيسة ومعها مجموعة "قرنة شهوان" ورواد الأرز، وليس بمقدور احد ان يفرض على اللبنانيين رئيساً للحكومة مطلق الصلاحيات اذا لم يكن وليد توازن الاغلبيات الكبيرة بين السنة والشيعة والمسيحيين، وليس بمقدور احد تحديد العلاقات اللبنانية السورية من دون الأخذ بما تمثله احتجاجات القوى التي ملأت الشارع في 14 آذار.‏

ثمة حاجة الى مبادرة من طرف ما، عربي على الأرجح، لأن يقوم بنقل الوضع الى مكان آخر: ترك التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعيداً عن متناول السياسيين وعن التوظيف السياسي، أما في الداخل، وبحسب المعنيين باستيلاد توازن فعلي لا يشعر معه أحد بالغبن أو نقص شرعية تمثيله، فلا بدّ من السعي الى انتخابات نيابية جديدة وفق قانون يحفظ التمثيل الحقيقي. ولم يعد هناك قانون يناسب خرابنا سوى التمثيل النسبي، الذي يكسر الاصطفاف الطائفي، ثم إجراء انتخابات رئاسية تتيح خياراً خارج استقطابَي 8 و 14 آذار، ولا بأس في هذه الاثناء، أن يأخذ السفيران الاميركي والفرنسي إجازة مع من يرغبون من سفراء ومبعوثين دوليين، وإلا فإن لبنان يقترب من لحظة انتفاضة سياسية لن تنفع في معالجتها وصفات دول الوصاية الغربية!.‏

2006-10-30